بسم الله الرحمن الرحيم
الفاعلية وعوامل تنميتها
تأليف: د.محمد العبدة
عرض: د. خالد النجار

قد يكون الإنسان ذكيا أو صاحب شهادات علمية رفيعة ولكنه لا يتمتع بالفاعلية، لأن الثقافة المحيطة به والتي أشربها لا تساعده على إنجاز كبير، إن لم يتخلص من آثارها السلبية.
هناك مجتمعات تتغلغل فيها صفات الفردية والأنانية والحسد، وهناك أمراض تنخر الروح مثل الغرور والتكبر، قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[لقمان:18]
وهناك مجتمعات تحمل أفكارا تساعد على العطالة، كمن يقرأ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالمستقبل والفتنة والملاحم فيفهما فهما مغلوطا. ومن ثم يقعد في بيته لا يعمل شيئا لنصرة الإسلام بحجة أن الأمور تسير القهقري ولا فائدة من العمل.
أو كمن يحمل فكرة غير صحيحة عن عالم من العلماء فلا يلتقي به، ولا يستفيد منه ويحرم من علمه، أو عندما لا يملك الإنسان حلولا للمشاكل التي تعترضه فسوف يقع في اللافاعلية، والأوهام التي يحملها أفراد في المجتمع كثيرة جدا وهي من أسباب العطل. قال تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[النحل:76]
الفاعلية هي الإنتاج الجيد والاستمرار في هذا الإنتاج، كما جاء في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها تصف عمل الرسول صلى الله عليه وسلم: «كان أحب العمل إليه ما داوم عليه العبد وإن كان يسيرا». وكما وصفته عائشة رضي الله عنها عمل الرسول صلى الله عليه وسلم تقول: «كان عمله ديمة». قال ابن الأثير: الديمة، المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.
والفاعلية هي أن نوازن بين ما نريد على المدى القريب مع ما نريده على المدى البعيد.
الفاعلية هي أن نستفيد مما يقع تحت أيدينا، وقد سخر الله لنا البر والبحر والحيوان والنبات وأعطانا الزمان، فالإنسان الفعال هو يجعل من الزمن لحظات حية مفيدة.
ولابد هنا من التفريق بين الفاعلية والكفاءة، فقد يقود الإنسان سيارته بكفاءة عالية، ولكنه لا يملك خارطة للطريق واتجه الوجهة الخطأ، فإن عمله لا يتسم بالفاعلية. فالفاعلية تعني تحديد الوجهة والهدف، والفهم الصحيح للموقع الذي أنت فيه.
مصادر الفاعلية
1- المبادئ الثابتة: أفضل النتائج إنما تأتي من الارتكاز إلى المبادئ التي من صفتها الثبات والاستمرار، فهي لا تتبدل بتبدل الزمان أو المكان، فالمسلم لا يصدق في مكان ويكذب في آخر، ومن السنن الكونية أن المبادئ هي التي تنتصر في النهاية، قال تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:83]
2- وضوح الهدف وحمل الرسالة: حين يحمل الإنسان «رسالة» وحين يملك رؤية واضحة للمستقبل فإن هذا مما يفجر الطاقات ويضاعف الإنتاج. هكذا فجر الإسلام الطاقات عند الصحابة بعدما كانت طاقاتهم معطلة بثقافة الجاهلية. حمل الرسالة يعطي الإنسان سعة في الأفق وقوة في القلب وأمنا ورشادا. وضوح الهدف يدفع لمقاومة التردد والخوف.
3- البدء بالأهم: هل ننشغل بالمسائل الكبرى التي تهم الأمة، أم نفتعل المعارك على أمور صغيرة؟ إن فقه الأولويات يوفر كثيرا من الجهد ويقلل كثيرا من الخسائر.. لاحظ أبو حامد الغزالي هذا التشوش في الأولويات عند المسلمين فكتب مستنكرا على الأغنياء: «ربما يحرصون على إنفاق المال في الحج فيحجون مرة بعد أخرى، وربما تركوا جيرانهم جياعا، وفرقة أخرى يشتغلون بالعبادات البدنية كصيام النهار، وإنما حال هذا إطعام الجياع فهو أفضل له من تجويع نفسه». إن قيمة الفاعلية لا تعتمد على ما نبذله من جهد بقدر ما تعتمد على ما إذا كان هذا الجهد في المكان المناسب.
4- التوازن بين مطالب الإنسان وحاجاته: قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }[الفرقان:67] فسمى الله هذا التوازن بين الإسراف والاقتار قواما به قيام الإنسان في معاشه. ومن التوازن الذي يساعد على الفاعلية أن لا يقع الإنسان في مرض الاستحالة فيرى الأمور مستحيلة وهي مقدور عليها، أو مرض السهولة، فيبسط الأمور ويسهلها وهي صعبة تحتاج إلى جهد وتفكير.
5- لا نصطدم بقوانين الفطرة: هل نستطيع ضغط الشخصية الإنسانية فيتحول الجبان إلى شجاع والبخيل إلى كريم وصاحب الطبع الجاف إلى الطبع اللين بين ليلة وضحاها أم أن الأمر يحتاج إلى تربية وصبر والزمن جزء من الحل.
6- طريق ثالث ورابع: كثيرا ما يقع التفكير في حتمية الثنائيات، أو بذكر الأضداد، فيكفيه أن يقول هذا جيد وهذا رديء، أو هذا قوي وذاك ضعيف.. ولكن أمور الحياة تقع دائما تحت هذه الثنائيات مع أن الضدين هما طرفان قصيان وليس بينهما فارغا، فقد يكون هناك حالات متدرجة أو طرف ثالث ورابع، وإذا لم نتمكن من هذه المرونة وأن الأمور ليست دائما أبيض وأسود، فنحن مساقون حتما إلى نوع من الجمود أو التصلب الذي يفقدنا الحيوية. والإسلام ترك مساحة للفرد للأخذ بالحد الأدنى والارتقاء إلى درجة المحسنين، ففي التعامل الاجتماعي وأخذ الحقوق سمح الإسلام للمسلم أن يأخذ حقه من خصمه: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ}[الشورى:41] ولكن طلب منه الارتقاء إلى ما هو خير: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى:40] والقرآن الكريم يفتح الطريق في كل مجال إلى مشاركة أكبر، وهو يحث الإنسان أن يرتفع دائما إلى درجات أكثر جدارة: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:184] {وَيَسْأَلُونَك مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}[البقرة:219]
7- التجدد: نحن بحاجة إلى متابعة المسار الصحيح بين كل فترة وأخرى، حتى لا تقيدنا خطوات وضعناها في الماضي نجد أنها غير ضرورية عند مراجعتها. والشخص الذي لا يقرأ ليس بأفضل من الذي لا يعرف القراءة. وما يطلبه الإسلام من علاقات اجتماعية مثل صلة الرحم وحق الجار .. هو فرصة للتجديد الاجتماعي. إن النفس بحاجة بعد كل مرحلة من مراحل الحياة لأن تعيد النظر فيما أصابها من غنم أو غرم، وأن يرجع إليها توازنها واعتدالها.
8- إحسان العمل: تأتي الفاعلية من إحكام العمل وإجادته وهذا يعطي راحة للنفس، وقد حث القرآن الكريم المسلمين على الإحسان في كل أعمالهم: {وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[البقرة:195] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش».
9- الإيجابية والتعاونية: الشخص التعاوني يقيم علاقاته مع الآخرين على أساس التكامل وتبادل التأثر والتأثير. والتعاونية مفهوم أكثر نضجا وتقدما من الاستقلالية، وعلى كل حال فهو خيار لا يقدر عليه إلا الأشخاص المستقلون. أما الذي تعود على التبعية فهو من النوع الذي يتكيف مع المحيط الذي هو فيه، يتأثر دون أن يؤثر ولا يستطيع أن يختار ليصبح تعاونيا.
10- التوقي من المعلومات الخاطئة: لأن الوقوع في مثل هذه الأمور يجعل الإنسان يعيش في الأوهام وأحلام اليقظة، العلم بمعناه الحقيقي هو الذي يعطي الاطمئنان والرسوخ، وعندما علم الله سبحانه وتعالى آدم الأسماء كلها، كان ذلك تصريحا بوراثة نبيه معرفة شاملة بكل الحقائق، وفاعلية مطلقة في كل الميادين.