بسم الله الرحمن الرحيـممقدمة فى علم التفسير
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له .
واشهد إن لا إله إلا لله واشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
إما بعد . فإن أولى ما أُعملت فيه القرائح وتشاغلت به الاوقات وتقاصرت دونه الأعمار كتاب الله وهو الفصل الذى ليس بالهزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو من لدن حكيم خبير.
وأعظم ما يتناول من كتاب هو تفسيره وفهمه وتدبره سيما بالطريقة التى تتبعها العلماء بالتناول والتدبر وبيان أحكامه وحكمه حتى يسهل على المدبر العمل به والانقياد للاوامر والنواهى .
وهو كما ذكر شمس الدين الخويي رحمه الله تعالى " علم التفسير عسير يسير " قال أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم يصل الناس إلى مراده بالسماع منه ولا مكان للوصول إليه.
بخلاف الامثال والأشعار فإن الانسان يمكن علمه بمراد المتكلم بأن يسمع منه أو يسمع ممن سمع منه أما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يُعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك متعذر إلا فى آيات قلائل فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل والحكمة فيه إن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده فى كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد وإنما هو عليه الصلاة والسلام صوّب رأى جماعة من المفسرين فسار ذلك دليلاً قاطعاً على جواز التفسير من غير سماع من الله ورسوله. كما سار ذلك دليلاً لاعمال القرائح فى فهم كتاب وتدبره .
لذلك أثرت أن اكتب مقدمة لهذا الفن الجليل . كما قال العلماء أن مقدمات العلوم ليست من العلوم ولكنها مدخل للعلوم .
فنبدأ أولاً باسمه :-
هو علم التفسير – أى تفسير كتاب الله
وكتاب الله : هو الكتاب المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل المعجز والمتحدى به المتلو والمتعبد بتلاوته المحفوظة فى الصحف والصدور .
إذاً تبين لنا إنه يخرج من التعريف
· الحديث النبوى
· الحديث القدسي
· الموحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره عن غير جبريل.
ثانياً : تعريفه :-
علم التفسير أو التأويل . واختلف أهل العلم هل هما عَلَم على عِلْم واحد أو هما متغايران لكن قبل الدخول فى الخلاف نعرّج على تعريفهما فى اللغة والاصطلاح .
قال ابن فارس :- معانى العبارات التى يُعبّر بها عن الأشياء ترجع إلى ثلاثة :
1- المعنى 2- التفسير 3- التأويل
وهى وإن اختلفت فالمقاصد بها متقاربة
أولاً : المعنى : فهو القصد والمراد : يقال عنيت بهذا الكلام كذا أى قصدت وعمدت وهو مشتق من الإظهار يقال : عنت القربة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته ومنه عنوان الكتاب وقيل مشتق قول : عنت الأرض بنبات حسن إذا أنبتت نباتاً حسن.
قال الزركشى :- وحيث قال المفسرون " قال أصحاب المعانى فمرادهم مصنفوا الكتب فى معانى القرآن كالزجاج ومن قبله وغيرهم ، وفى بعض كلام الواحدى : أكبر أهل المعانى : الفراء والزجاج وابن الانبارى قالوا : كذا وكذا ومعانى الفرآن للزجاج لم يصنف مثله وحيث أطلق المتأخرون أهل المعانى فمرادهم بهم مصنفو العلم المشهور .
ثانياً : التفسير :-
التفسير لغة : على وزن تفعيل وهو من الفسر
والفسر هو البيان والكشف عن المغطى والتوضيح . كما قيل أنه من نظر الطبيب فى البول لمعرفة العلة ومنه التفسرة . وقيل هو مُولَدة . وأيضاً قيل هو مقلوب من السفر أى الظهور منه أسفر الصبح إذا أضاء وقال الراغب : ولكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار .
التفسير اصطلاحاً : وقد اختلف نظرة العلماء إلى علم التفسير اختلافاً كبيراً وذلك بسبب اختلاف طرق التفسير ومناهج المفسرين فهاك تعاريفهم .
· تعريف ابن حجر
1. كشف المراد عن اللفظ المشكل
2. التفسير المراد باللفظ
3. يختص بالالفاظ والمفرادات
· تعريف موسى شاهين لاشين
4. علم يُبحث فيه عن أحوال القرآن الكريم من حيث دلالته على المراد بقدر الطاقة البشرية
· تعريف الزركشى
5. علم يفهم به كتاب الله المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه .
· تعريف الثعلبى
6. بيان وضع اللفظ إما حقيقى أو مجازاً
· تعريف الأصبهانى
7. كشف معانى القرآن وبيان المراد أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره وبحسب المعنى الظاهر وغيره .
· تعريف السيوطى وكذا الزركشى 1/416
8. علم نزول الآيات وشئونها واقاصيصها والاسباب النازلة فيها ثم يرتب فيها مكيها ومدنيها ومحكمها ومتشابهها ونسخها ومنسوخها وعامها وخاصها ومطلقها ومقيدها ومجملها ومفسرها قال الزركشى : وزاد قوم علم حلالها وحرامها ووعدها ووعيدها وأمرها ونهيها وأمثالها .
· تعريف الالوسى
9. علم يبحث فى كيفية النطق بالفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكام الافرادية والتركيبية ومعانيها التى يحمل عليها حالة التركيب والقراءات المرادة لذلك لمعرفة النسخ وسبب النزول وقصة توضيح ما أُبهم فى القرآن ونحو ذلك .
10. إخراج الشىء من مقام الخفاء إلى مقام التجلى
11. علم يبحث عن معنى نظم القرآن بحسب الطاقة البشرية بحسب ما تقتضيه القواعد العربية
12. بيان كلام الله عز وجل بذكر مفهومات الكلمات والعبارات الموجودة فى القرآن
13. بيان لفظ لا يحتاج إلا وجهاً واحداً
14. شرح ما جاء مجملاًمن القصص من الكتاب الكريم وتعريف ما يدل عليه الفاظه الغريبة وتبيين الامور التى أنزلت بسببها .
إلى غير ذلك من التعاريف لهذا الفن .
ثالثاً: التأويل :-
والتأويل لغة يرجع إلى عدة معان منها :
1. ( الأول ) بالتخفيف بمعنى الرجوع آل الشىء يؤول أولا ما لا رجع ومنه أول إليه رجعه وآلت عن الشىء أرتددت
2. ( أوّل ) بالتشديد أوّل الكلام تأوّله دبره وقدر ، أوّلت الشىء إذا جمعة وأصلحته
3. ( الإياله ) وهى السياسة كأن المؤول للكلام ساس الكلام ووضع المعنى فيه حسب وضعه
التأويل اصطلاحاً :
· تعريف ابن حجر
1. هو بيان المراد بالمعنى
· تعريف أبوعبيد الهروى
2. رد أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر
3. نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الاصلى إلى ما لا يحتاج إلى دليل لولا ما نزل ظاهر اللفظ
· تعريف ابن الاثير
4. ابداء احتمال لفظ معتضد بدليل خارج عنه
· تعريف الثعلبى
5. تفسير باطن اللفظ والاخبار عن حقيقة المراد
· تعريف الالوسى
6. معان قدسية ومعارف ربانية تنهل من سحب الغيب على قلوب العارفبن
وبطلان هذين التعارفين الاخرين بين وواضح فهذا على رأى أهل الحلول والتصوفة أصحاب الحقيقة كما يزعمون .
· نعريف السيوطى
7. التأويل يستعمل مرة عاماً ومرة خاصاً أما فى لفظ مشترك بين معان مختلفة أو فى لفظ واحد
8. توجيه لفظ متوجه إلى معان مختلفة بما يظهر من الادلة
9. ترجيح أحد المحتملات بدون القطع أو الشهادة على الله أنه عنى باللفظ هذا
10. صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به
11. إن التأويل هو نفس المراد بالكلام فإن كان الكلام طلباً كان تأويله نفس الفعل المطلوب وإن كان خبراً تأوله نفس الشىء المخبر عنه .
· تعريف الجرجانى
12. صرف اللفظ عن معناه إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذى يراد موافقاً للكتاب والسنة
ثالثاً : حكمه :-
تعلم التفسير كسائر العلوم الشريعة فرض على الكفاية حيث أنه إذا قام به طائفة سقط عن الباقين هذا من جهة التخصص . ولاكن لابد للمسلم أن يفهم ما خاطبه به ربه من الاوامر والنواهى
رابعاً : موضوعه :-
آيات الكتاب العزيز التى انزلها على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام المحفوظ فى الصدور والمكتوب فى المصاحف
خامساً : فضله :-
دائما يفضل الشىء بنسبته فهو كلام الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . كما أنه خطاب الله إلى خلقه
سادساً : واضعه :-
أولاً : لا شك أن القرآن أشار إلى ذلك فى الكتاب العزيز وذلك فى عد ة آيات مجملة ثم يذكرها القرآن مفصلة وهاك الامثلة
1. قال الله عن القرآن بأنه كتاب هداية للعالمين " ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "
ثم يبين ذلك " إن هذا القرآن يهدى للتى هى أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيرا "
2. وقد بين القرآن أنه لا ريب فيه " أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين "
" أم يقولون افتراه فليأتوا بعشر سور مثله مفتريات وأدعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين "