رد الشبهة عن حديث الذبابة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾([1]) فلكم كانت الأمة الإسلامية تعيش في بيتها آمنة مطمئنة لا يجرأ اللصوص على الاقتراب من البيت، وكانت الذئاب تمكر من بعيد ، ولا تجرأ على القرب من العرين ، فقد كان أبو حفص قائدها دائمًا ، وكنا نبحث دائمًا عن سعادة الناس خضوعًا لقول ربنا : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾([2]) ومن منطلق (لأن يهدي الله بك رجلاً) ، وكنا البصير الذي يقود العميان من الضلالات إلى النور فما فتئ الزمان يدور حتى مات أبو حفص وتُرك حفص قد تربَّى في وسط النعاج .
فامتلكت الذئاب العرين ، وسرقت اللصوص الأصول ، وقادت الكلاب الأسود ، فتكلم الجاهل على العالم ، والخائن على الأمين ، والكاذب على الصادق ، وأصبح الأمر كما قال الناظم :
أعمى يقود بصيرًا لا أبى لكم ***** قد ضل من كانت العميان تهديه
ثم تخصص أناس من الأعداء في دراسة العلوم الإسلامية أو الشرقية في زمان عم فيه الجهل على أكثر المسلمين ، وسُمُّوا بالمستشرقين ، ثم تربَّى على أيديهم أناس مال بهم الهوى وأشربوا في قلوبهم الشبه فغشت القلوب والأجسام حتى خرجت على الألسنة ، ولكن أبى الله إلا أن يكون حافظًا لهذا الدين فهو القوي المتين ، وجعل الله حراسًا وحماة لهذا الدين استخدمهم ونصر بهم ، فكانوا كالحرب على الأعداء ، والسلم على الأولياء ، فتراهم مع بعضهم ألين من الزبد ، ومع أعدائهم أشد من الحديد ، حججهم مطارق على شبه الأعداء الذين ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾([3]) .
ومازال العلماء بالمرصاد لكل من تجرأ وتكلم على الدين أو رجاله بعد نبي الله من الصحابة أو العلماء ، بل قد يتكلم الأعداء ويجعل بعضهم حربًا على بعض ويظهر بعضهم عوار بعض ، فما تكلم من متكلم إلا وسرعان أن يدحض ما يُقال ، فدائمًا وأبدًا كلمة الله هي العليا ، وكلمة الأعداء السفلى .
فقد تكلم من لا خلاق له على حديث الذبابة وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا .
وكثرت المعارك فيه حتى فُض النزاع وساد السلم على أرض المعركة فانتصر دائمًا وأبدًا الحق ، وعاد منخذلاً دائمًا وأبدًا الباطل وأهله ، فمن خلال دراسة بسيطة متواضعة لعلها تكون رمية من غير رامي ، فنغوص في أعماق الحديث لعلنا نرتشف من عذبه أو نفوز بدره .
وسوف يكون كلامنا على الحديث في ستة محاور أساسية ألا وهي :
أولاً : السند عند المسلمين ، ورد الشبهة على ذلك .
ثانيًا : الذب عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه .
ثالثًا : استعراض الكلام على سند حديث الذبابة .
رابعًا : كلمة الطب في الحديث .
خامسًا : نتيجة البحث .
سادسًا : الخاتمة .
أولاً : السند عند المسلمين
اعلم يرحمك الله بأن السند في اللغة يعني : المعتمد ،وعند المحدثين يعني : سلسلة الرواة الموصلة لمتن الحديث .
واعلم أن الإسناد في أصله خاصية شرَّف الله بها هذه الأمة ، وقد حثَّ القرآن على التثبت في نقل الأخبار والتحري عن قائلها إذا كان غير عدل ، وقبول القول من العدول الأثبات وذلك في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾([4] ، فيجب رد قول الفاسق وقبول العدل ، كما وضَّح لنا القرآنُ القواعدَ في معرفة العدول من غير العدول وذلك باستقراء أحواله في كل أخباره وذلك من قوله تعالى مخبرًا سبحانه عن سليمان والهدهد : ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكَاذِبِينَ﴾[5] ، وجاءت السنة وأرست الأصول في قوالب ، وقعدت القواعد في ذلك كما في الحديث الصحيح (من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)[6] ، فعظمت شناعة الكذب في الأخبار وجعلته سببًا لتبوأ النار فكانت تربية للصحابة على التحرِّي والدقة في النقل .
ثم تأتي الطريقة العملية الموضحة لهذه القواعد التي تبين بأن الله يأمر بالعدل والإحسان وأنه لا يكلف الأمة إلا بما تطيق ، كما روى الإمامان البخاري ومسلم من حديث أنس حينما أتى ضماد بن ثعلبة يسأل ويتثبت ويتحرَّى صدق ما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول : (زعم رسولك ، وزعم رسولك كذا ، إلى آخر الحديث) ، فكيف بأمة تربت على تحمل الكلمة ثم جاء الترغيب بالحذر في بلاغ الكلمات التي تقال فليس كل ما يُسمع يُبلغ كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة (كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع) .
وخير الشهادة ما شهد به الأعداء كما قال الأستاذ/ أنور الجندي في كتابه أصالة الفكر الإسلامي : (قال الدكتور/ اسبرنجر : إنه لم تُعرف في التاريخ ولا توجد الآن على ظهر الأرض أمة دققت للاختراع من أسماء الرجال الذي تستطيع بفضله أن تقف على ترجمة نصف مليون من الرجال وقد التزم المحدثون الصدق والصراحة في دراسة هؤلاء الرجال وجميع ما يتصل به ، وما يدل على تفوقهم وصفاتهم واحتياتهم وتساهلهم) . أ هـ
وحقًا ما قال فهم تربوا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُسمعون ويسمع منكم ويُسمع ممن سمع منكم )[7] ، (بلغوا عني ولو آية)[8] ، (يبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)[9] ، وقال صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : (احفظوه وأخبروا به من وراءكم)[10] .
فكيف بمن نضر الله وجهه إذا بلَّغ ما سمع بكل صدق وأمانة في التحري ولا يُعرف في حياتهم الكذب كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس حينما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ، فقال أبو سفيان كلمة عظيمة (لولا أن يُؤثر عني أني كذبت في حياتي كذبة لكذبت في هذه) ، وهذا وهو ما زال على شركه .
والعرب أيضًا كانوا معروفون بموهبة قوة الذاكرة وقدرة الحافظة ما لم يُهب غيرهم ، الأمر الذي جعل صدورهم أوعية للعلم .
ولذلك قال الإمام ابن حزم : (نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خصَّ الله به المسلمين دون سائر الملل ، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ، ولا يقتربون فيه من موسى عليه السلام قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يقفون بحديث بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرًا وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه) .
ثم يجترأ المجترأون على هذا الكلام في أمة لا تتكلم إلا بسند إلى نبيها ، ولكنَّ أكثر أكثرهم لا يعلمون وإذا علموا لا يفقهون ، وإذا فقهوا يتكبرون ، ثم قال رحمه الله : (وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا إلا تحريم الطلاق فقط ، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن لليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلاً ولا إلى تابع له ، ولا يمكن للنصارى أن يصلوا أعلى من شمعون وبولص)[11]
وكما ذكر الدكتور / أكرم العمري عن احتواء الشعر على الأنساب على لسان بعض المستشرقين قال : (كان للأنساب أهمية كبيرة عند العرب في الجاهلية فاهتموا بحفظها وكان شعرهم الذي يكون الشطر الأكبر من أدبهم يحتوي على ثروة من علم النسب) أ هـ . فهذا اعتراف ضمني بأن العرب أحفظ للأنساب من غيرهم ، فما بالنا بمن تربى على أن ذلك من الدين .
قال الإمام محمد بن سيرين : (لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم ، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم) فتكلموا على هذا الأثر وأخذوا من متى بدأ الإسناد فقال "شاخت" : أن المقصود بالفتنة مقتل الوليد بن يزيد سنة 126هـ معتمدًا في استعمال كلمة الفتنة بي قول ابن سيرين وقول ابن جرير الطبري في التاريخ حيث قال في حوادث سنة 126هـ : اضطرب أمر بني مروان وهاجت الفتنة .
ويرى "روبسون" : أن المقصود من الفتنة هي فتنة ابن الزبير كانت في حدود 72هـ عندما أعلن نفسه خليفة ، حيث أن محمد بن سيرين مات سنة 110هـ ، وهذا التفسير في رأيه يتفق مع عمر ابن سيرين حيث كانت ولادته سنة 33هـ ، مما جعله عند حدوث فتنة ابن الزبير يمكنه الكلام بإدراك وإطلاع عما حدث في هذه الفترة .
ويرى "روبسون" : أن ما توصل إليه في تفسير الفتنة يؤيد نظرية "هوروفتس" الذي لخصها "روبسون" فهو يتفق مع رأي "كايتاني" الذي يعتقد أن الإسناد لم يكن موجودًا سنة 75هـ وقد تبعهما في ذلك "سركلين" عندما قرر أن الإسناد بدأ بالإمام الزهري ، ثم نجد عجبًا وهو أن "روبسون" يعود فينقل في موضع آخر رأي "هوروفتس" أيضًا في أن الإسناد بدأ قبل الإمام الزهري ، وأنه لا يوافق "كايتاني" ، "شبرنجر" في أن القول بأن أسانيد عروة بن الزبير (ت : 93هـ) المختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون ويبدوا أن "هوروفتس" متحفظًا فيقول بأن معرفة عروة للإسناد لا تزال موضع نزاع وجدل ، ويذهب "روبسون" إلى أن إعطاء سند متصل لم يصبح تقليدًا ملزمًا إلا في النصف الأخير من القرن الثاني . أهـ [12]
رد الشبهــة :
فرحم الله من قال : (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) وقد ذكر الشيخ أبو إسحق الحويني كما سيأتي معنا في الكلام على سند الحديث : قال الإمام ابن حبان في كتابه المجروحين وهو يروي قولاً ساقطًا : (لو تملق قائل هذا القول في الخلوة وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيما ليس من صنعته) أهـ .
ولذلك هم تكلموا على أثر واحد وأغفلوا الكثير من النصوص الواضحة الصريحة ، ولكن ما تقول في الهوى ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : (إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لن نأخذ من الناس إلا ما نعرف) وقد مات سنة 61هـ ، فأين هو من فتنة ابن الزبير والوليد ، بل نقل "روبسون" نفسه في نفس المصدر : أن بعض المستشرقين فطنوا إلى أن ما يروى عن كبار الصحابة أقل بكثير مما يروى عن صغارهم وقد رأى أن ذلك يحمل على الاعتقاد بصحة ما نقله المحدثون أكثر مما نتصوره – أي ما يتصوره المستشرقون – إذ لو اختلق المحدثون الأسانيد لكان بإمكانهم جعلها تعود على كبار الصحابة .أهـ
كما أن الله هيأ للأمة أمورًا لحفظ الأسانيد سنذكرها على الإجمال وإلا فالأمر يحتاج أكثر من ذلك كما ذكر بعض العلماء ، نذكر منهم الدكتور / الأحمدي أبو النور ، والدكتور/ محمد السيد ندا ، في كتابيهما : تيسير مصطلح الحديث وشذرات من السنة .
أولاً : إدراكهم أن الإسلام سبيل سعادتهم وشعورهم بالحاجة إلى معرفة السنة وحرصهم عليها .
ثانيًا : حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم وأولا دهم وآبائهم مع الصدق والإيمان .
ثالثًا : من أسباب تلهفهم على حفظ السنة ونشرها ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبشارته لمن يقوم به بعظم الأجر وعلو المنزلة (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها)[13] .
رابعًا : استعدادهم الفطري فقد كان العرب في الجاهلية يمتازون بصفاء القريحة وسيلان الذهن فهم أوعية في العلم .
خامسًا : ومن دواعي اجتهادهم في نشر العلم وطلب الخروج من عهدة التبليغ خوفًا من الوعيد والدخول في وعد الخيرية كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[14] ، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ)[15] .
سادسًا : سلامة الأسلوب وعذوبة الألفاظ كما أنهم لم يتربوا على التربية العلمية فقط بل كانت السنة عملية أكثر منها علمية فكانت سريعة الوصول إلى بعضهم البعض .
سابعًا : تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحذير من ذلك (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) .
ثامنًا : رد رواية الفاسق والتحذير من قبول روايته ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[16] .
تاسعًا : اشتراط العدالة في الرواة .
عاشرًا : النهي عن التحدث بكل ما سمع الإنسان (كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع)[17] .
حادي عشر : التحذير من قبول رواية الضعفاء وأهل البدع والأهواء ورد رواية المجهول والمستور الحال ولكن هناك تفصيل وليس هنا مجاله .
ثاني عشر : رد ما يتردد فيه ، وما يقع فيه تنازع لعدم تصديقه العقل والنقل إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)[18] ، وأيضًا يُحتاج إلى تفصيل في هذه المسألة . أهـ ، راجع فيه كلام ابن الجوزي في الموضوعات ، وعلي القاري في الموضوعات وغيرها .
كما أن الكلام على حال الرواة كان في عهد الصحابة كما قال الدكتور / عبد الهادي في كتابه "السنة النبوية" وذكر منهم عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة ثم ذكر جمعًا منهم ثم تتابع بعد ذلك العلماء في الكلام على أحوال الرجال . أهـ ، بل الأمر ذُكر في القرآن كما في قوله سبحانه : (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكَاذِبِينَ)[19] فهذا يعلمنا طريقة البحث في أحوال الراوي والنظر في مروياته فما كان مطابقًا للثقات فهو ثقة وعدل وما كان مخالفًا سقط صاحبه .
أيضًا جاءت كلمة فتنة في لسان الشرع في عدة حوادث فكانت في بعض الآثار مقتل عمر كما في صحيح مسلم وغيره وأيضًا فتنة عثمان وظهور الأهواء كما في كلام ابن عباس وابن سيرين فلِمَا الذهاب إلى البعيد الغير مقصود وترك القريب الأولى بالقصد؟ ولكنه الهوى وفي هذا القدر الكفاية وننتقل إلى المحور الثاني ألا وهو
ثانيًا : الذب عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه :
فالصحابة كلهم عدول ولا يجوز لأحد أن يُجرِّح أو يُعدِّل فيهم فإن الله عدَّل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ربُّنا عز وجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ)[20] ، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[21] ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا)[22] ، (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[23] .
كما جاءت السنة بالأخبار الكثيرة التي تخبر عن عدالة الصحابة كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) ، وكما روى الترمذي وابن حبان من حديث عبد الله بن المغفل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) ، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه بسند حسن من حديث عبد الله بن مسعود قال : (إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد أطهر من قلب نبيهم فاصطفاه لبعثته ، ونظر في قلوب العباد من بعده فلم يجد أطهر من قلب أصحابه فاختارهم لصحبته ، فما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) .
فالسنة مليئة بفضل الأصحاب ، فقد تجرؤا في هذه الأيام على قدر خير خلق الله بعد الأنبياء وظهرت الأوجه القبيحة التي كانت تستتر تحت أي مسمى ، فمن مسمى الحرية الجرأة على دين الله عز وجل وأصحاب نبيه ، فكانوا يتكلمون عن بعض الصحابة ، أما الآن فقد أصبح الأمر جللاً مفتوحًا على مصراعيه ، فأصبح الذي يتكلم في حق الصحابة هو ما يُعرف عندهم بالمفكر المستنير المتحضر ، ولكن هيهات هيهات فما ضر السحب نبح الكلاب ، فهم من هم مهما تكلم عليهم المتكلمون ، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله عند ذكر الصحابة :
لا تقعدن بذكرنا مع ذكرهم ****** ليس الصحيح في مشيه كالمقعد
وفي هذا العصر قد نطق الرويبضة في أمور العامة ، وأصبحت الحكمة عند البلهاء ، والعلم عند المنافقين والسفهاء – إلا من رحم ربي وقليل ما هم – فقلما أن يخلو الأمر من منافق عليم اللسان أو مماري أوتي جدلاً فإن يقولوا يُسمع لقولهم عند العوام ، هم العدو قاتلهم الله ، ولكننا نخصص كلامنا على سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه المُفتَرَى عليه .
وقد ذكر الدكتور / محمد محمد أبو شهبة في كتابة "دفاع عن السنة" : أن أبا هريرة الصحابي المظلوم قد ذكر ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" الشُّبه التي أثيرت عليه في القديم من "النظَّام" وأصحابه من المحدثين فقد دافع عنه ابن قتيبة دفاع العاقل المستنير نرجو أن يكافئه الله على ذلك ، ثم تكلم على رد شُبهة أبى راية وفصَّل الشُبه ثم تكلم على شُبهة تلو الأخرى . أهـ
([1]) سورة النحل : 112
([2]) سورة آل عمران : 110
([3]) سورة الصَّف : 8
([4]) سورة الحجرات : 6
([5]) سورة النمل : 27
([6]) متفق عليه .
([7]) رواه أحمد
([8]) رواه البخاري
([9]) رواه البخاري
([10]) رواه البخاري ومسلم
([11]) نقلا عن كتاب قواعد التحديث للقاسمي .
([12]) (بحوث السنة) لأكرم العمري
([13]) رواه الترمذي .
([14]) سورة البقرة : 174
([15]) سورة آل عمران : 110
([16]) سورة الحجرات : 6
([17]) رواه مسلم
([18]) سورة النساء : 59
([19]) سورة النمل : 27
([20]) سورة آل عمران : 110
([21]) سورة التوبة : 100
([22]) سورة الفتح : 29
([23]) سورة الفتح : 18