تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: رد الشبهة عن حديث الذبابة للباحث الشيخ / خالد جميل

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    34

    افتراضي رد الشبهة عن حديث الذبابة للباحث الشيخ / خالد جميل


    رد الشبهة عن حديث الذبابة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾([1]) فلكم كانت الأمة الإسلامية تعيش في بيتها آمنة مطمئنة لا يجرأ اللصوص على الاقتراب من البيت، وكانت الذئاب تمكر من بعيد ، ولا تجرأ على القرب من العرين ، فقد كان أبو حفص قائدها دائمًا ، وكنا نبحث دائمًا عن سعادة الناس خضوعًا لقول ربنا : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ﴾([2]) ومن منطلق (لأن يهدي الله بك رجلاً) ، وكنا البصير الذي يقود العميان من الضلالات إلى النور فما فتئ الزمان يدور حتى مات أبو حفص وتُرك حفص قد تربَّى في وسط النعاج .

    فامتلكت الذئاب العرين ، وسرقت اللصوص الأصول ، وقادت الكلاب الأسود ، فتكلم الجاهل على العالم ، والخائن على الأمين ، والكاذب على الصادق ، وأصبح الأمر كما قال الناظم :

    أعمى يقود بصيرًا لا أبى لكم ***** قد ضل من كانت العميان تهديه

    ثم تخصص أناس من الأعداء في دراسة العلوم الإسلامية أو الشرقية في زمان عم فيه الجهل على أكثر المسلمين ، وسُمُّوا بالمستشرقين ، ثم تربَّى على أيديهم أناس مال بهم الهوى وأشربوا في قلوبهم الشبه فغشت القلوب والأجسام حتى خرجت على الألسنة ، ولكن أبى الله إلا أن يكون حافظًا لهذا الدين فهو القوي المتين ، وجعل الله حراسًا وحماة لهذا الدين استخدمهم ونصر بهم ، فكانوا كالحرب على الأعداء ، والسلم على الأولياء ، فتراهم مع بعضهم ألين من الزبد ، ومع أعدائهم أشد من الحديد ، حججهم مطارق على شبه الأعداء الذين ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ﴾([3]) .

    ومازال العلماء بالمرصاد لكل من تجرأ وتكلم على الدين أو رجاله بعد نبي الله من الصحابة أو العلماء ، بل قد يتكلم الأعداء ويجعل بعضهم حربًا على بعض ويظهر بعضهم عوار بعض ، فما تكلم من متكلم إلا وسرعان أن يدحض ما يُقال ، فدائمًا وأبدًا كلمة الله هي العليا ، وكلمة الأعداء السفلى .

    فقد تكلم من لا خلاق له على حديث الذبابة وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبًا .

    وكثرت المعارك فيه حتى فُض النزاع وساد السلم على أرض المعركة فانتصر دائمًا وأبدًا الحق ، وعاد منخذلاً دائمًا وأبدًا الباطل وأهله ، فمن خلال دراسة بسيطة متواضعة لعلها تكون رمية من غير رامي ، فنغوص في أعماق الحديث لعلنا نرتشف من عذبه أو نفوز بدره .

    وسوف يكون كلامنا على الحديث في ستة محاور أساسية ألا وهي :

    أولاً : السند عند المسلمين ، ورد الشبهة على ذلك .

    ثانيًا : الذب عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه .

    ثالثًا : استعراض الكلام على سند حديث الذبابة .

    رابعًا : كلمة الطب في الحديث .

    خامسًا : نتيجة البحث .

    سادسًا : الخاتمة .

    أولاً : السند عند المسلمين

    اعلم يرحمك الله بأن السند في اللغة يعني : المعتمد ،وعند المحدثين يعني : سلسلة الرواة الموصلة لمتن الحديث .

    واعلم أن الإسناد في أصله خاصية شرَّف الله بها هذه الأمة ، وقد حثَّ القرآن على التثبت في نقل الأخبار والتحري عن قائلها إذا كان غير عدل ، وقبول القول من العدول الأثبات وذلك في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا([4] ، فيجب رد قول الفاسق وقبول العدل ، كما وضَّح لنا القرآنُ القواعدَ في معرفة العدول من غير العدول وذلك باستقراء أحواله في كل أخباره وذلك من قوله تعالى مخبرًا سبحانه عن سليمان والهدهد : ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكَاذِبِينَ[5] ، وجاءت السنة وأرست الأصول في قوالب ، وقعدت القواعد في ذلك كما في الحديث الصحيح (من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)[6] ، فعظمت شناعة الكذب في الأخبار وجعلته سببًا لتبوأ النار فكانت تربية للصحابة على التحرِّي والدقة في النقل .

    ثم تأتي الطريقة العملية الموضحة لهذه القواعد التي تبين بأن الله يأمر بالعدل والإحسان وأنه لا يكلف الأمة إلا بما تطيق ، كما روى الإمامان البخاري ومسلم من حديث أنس حينما أتى ضماد بن ثعلبة يسأل ويتثبت ويتحرَّى صدق ما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يقول : (زعم رسولك ، وزعم رسولك كذا ، إلى آخر الحديث) ، فكيف بأمة تربت على تحمل الكلمة ثم جاء الترغيب بالحذر في بلاغ الكلمات التي تقال فليس كل ما يُسمع يُبلغ كما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة (كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع) .

    وخير الشهادة ما شهد به الأعداء كما قال الأستاذ/ أنور الجندي في كتابه أصالة الفكر الإسلامي : (قال الدكتور/ اسبرنجر : إنه لم تُعرف في التاريخ ولا توجد الآن على ظهر الأرض أمة دققت للاختراع من أسماء الرجال الذي تستطيع بفضله أن تقف على ترجمة نصف مليون من الرجال وقد التزم المحدثون الصدق والصراحة في دراسة هؤلاء الرجال وجميع ما يتصل به ، وما يدل على تفوقهم وصفاتهم واحتياتهم وتساهلهم) . أ هـ

    وحقًا ما قال فهم تربوا على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تُسمعون ويسمع منكم ويُسمع ممن سمع منكم )[7] ، (بلغوا عني ولو آية)[8] ، (يبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)[9] ، وقال صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس : (احفظوه وأخبروا به من وراءكم)[10] .

    فكيف بمن نضر الله وجهه إذا بلَّغ ما سمع بكل صدق وأمانة في التحري ولا يُعرف في حياتهم الكذب كما روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عباس حينما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم يدعوه إلى الإسلام ، فقال أبو سفيان كلمة عظيمة (لولا أن يُؤثر عني أني كذبت في حياتي كذبة لكذبت في هذه) ، وهذا وهو ما زال على شركه .

    والعرب أيضًا كانوا معروفون بموهبة قوة الذاكرة وقدرة الحافظة ما لم يُهب غيرهم ، الأمر الذي جعل صدورهم أوعية للعلم .

    ولذلك قال الإمام ابن حزم : (نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خصَّ الله به المسلمين دون سائر الملل ، وأما مع الإرسال والإعضال فيوجد في كثير من اليهود ، ولا يقتربون فيه من موسى عليه السلام قربنا من محمد صلى الله عليه وسلم ، بل يقفون بحديث بينهم وبين موسى أكثر من ثلاثين عصرًا وإنما يبلغون إلى شمعون ونحوه) .

    ثم يجترأ المجترأون على هذا الكلام في أمة لا تتكلم إلا بسند إلى نبيها ، ولكنَّ أكثر أكثرهم لا يعلمون وإذا علموا لا يفقهون ، وإذا فقهوا يتكبرون ، ثم قال رحمه الله : (وأما النصارى فليس عندهم من صفة هذا إلا تحريم الطلاق فقط ، وأما النقل بالطريق المشتملة على كذاب أو مجهول العين فكثير في نقل اليهود والنصارى وأما أقوال الصحابة والتابعين فلا يمكن لليهود أن يبلغوا إلى صاحب نبي أصلاً ولا إلى تابع له ، ولا يمكن للنصارى أن يصلوا أعلى من شمعون وبولص)[11]

    وكما ذكر الدكتور / أكرم العمري عن احتواء الشعر على الأنساب على لسان بعض المستشرقين قال : (كان للأنساب أهمية كبيرة عند العرب في الجاهلية فاهتموا بحفظها وكان شعرهم الذي يكون الشطر الأكبر من أدبهم يحتوي على ثروة من علم النسب) أ هـ . فهذا اعتراف ضمني بأن العرب أحفظ للأنساب من غيرهم ، فما بالنا بمن تربى على أن ذلك من الدين .

    قال الإمام محمد بن سيرين : (لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم ، فيُنظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثهم ، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم) فتكلموا على هذا الأثر وأخذوا من متى بدأ الإسناد فقال "شاخت" : أن المقصود بالفتنة مقتل الوليد بن يزيد سنة 126هـ معتمدًا في استعمال كلمة الفتنة بي قول ابن سيرين وقول ابن جرير الطبري في التاريخ حيث قال في حوادث سنة 126هـ : اضطرب أمر بني مروان وهاجت الفتنة .

    ويرى "روبسون" : أن المقصود من الفتنة هي فتنة ابن الزبير كانت في حدود 72هـ عندما أعلن نفسه خليفة ، حيث أن محمد بن سيرين مات سنة 110هـ ، وهذا التفسير في رأيه يتفق مع عمر ابن سيرين حيث كانت ولادته سنة 33هـ ، مما جعله عند حدوث فتنة ابن الزبير يمكنه الكلام بإدراك وإطلاع عما حدث في هذه الفترة .

    ويرى "روبسون" : أن ما توصل إليه في تفسير الفتنة يؤيد نظرية "هوروفتس" الذي لخصها "روبسون" فهو يتفق مع رأي "كايتاني" الذي يعتقد أن الإسناد لم يكن موجودًا سنة 75هـ وقد تبعهما في ذلك "سركلين" عندما قرر أن الإسناد بدأ بالإمام الزهري ، ثم نجد عجبًا وهو أن "روبسون" يعود فينقل في موضع آخر رأي "هوروفتس" أيضًا في أن الإسناد بدأ قبل الإمام الزهري ، وأنه لا يوافق "كايتاني" ، "شبرنجر" في أن القول بأن أسانيد عروة بن الزبير (ت : 93هـ) المختلقة ألصقها به المصنفون المتأخرون ويبدوا أن "هوروفتس" متحفظًا فيقول بأن معرفة عروة للإسناد لا تزال موضع نزاع وجدل ، ويذهب "روبسون" إلى أن إعطاء سند متصل لم يصبح تقليدًا ملزمًا إلا في النصف الأخير من القرن الثاني . أهـ [12]

    رد الشبهــة :

    فرحم الله من قال : (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) وقد ذكر الشيخ أبو إسحق الحويني كما سيأتي معنا في الكلام على سند الحديث : قال الإمام ابن حبان في كتابه المجروحين وهو يروي قولاً ساقطًا : (لو تملق قائل هذا القول في الخلوة وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيما ليس من صنعته) أهـ .

    ولذلك هم تكلموا على أثر واحد وأغفلوا الكثير من النصوص الواضحة الصريحة ، ولكن ما تقول في الهوى ، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال : (إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لن نأخذ من الناس إلا ما نعرف) وقد مات سنة 61هـ ، فأين هو من فتنة ابن الزبير والوليد ، بل نقل "روبسون" نفسه في نفس المصدر : أن بعض المستشرقين فطنوا إلى أن ما يروى عن كبار الصحابة أقل بكثير مما يروى عن صغارهم وقد رأى أن ذلك يحمل على الاعتقاد بصحة ما نقله المحدثون أكثر مما نتصوره – أي ما يتصوره المستشرقون – إذ لو اختلق المحدثون الأسانيد لكان بإمكانهم جعلها تعود على كبار الصحابة .أهـ

    كما أن الله هيأ للأمة أمورًا لحفظ الأسانيد سنذكرها على الإجمال وإلا فالأمر يحتاج أكثر من ذلك كما ذكر بعض العلماء ، نذكر منهم الدكتور / الأحمدي أبو النور ، والدكتور/ محمد السيد ندا ، في كتابيهما : تيسير مصطلح الحديث وشذرات من السنة .

    أولاً : إدراكهم أن الإسلام سبيل سعادتهم وشعورهم بالحاجة إلى معرفة السنة وحرصهم عليها .

    ثانيًا : حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أنفسهم وأولا دهم وآبائهم مع الصدق والإيمان .

    ثالثًا : من أسباب تلهفهم على حفظ السنة ونشرها ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وبشارته لمن يقوم به بعظم الأجر وعلو المنزلة (نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها)[13] .

    رابعًا : استعدادهم الفطري فقد كان العرب في الجاهلية يمتازون بصفاء القريحة وسيلان الذهن فهم أوعية في العلم .

    خامسًا : ومن دواعي اجتهادهم في نشر العلم وطلب الخروج من عهدة التبليغ خوفًا من الوعيد والدخول في وعد الخيرية كما في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[14] ، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ)[15] .

    سادسًا : سلامة الأسلوب وعذوبة الألفاظ كما أنهم لم يتربوا على التربية العلمية فقط بل كانت السنة عملية أكثر منها علمية فكانت سريعة الوصول إلى بعضهم البعض .

    سابعًا : تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتحذير من ذلك (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) .

    ثامنًا : رد رواية الفاسق والتحذير من قبول روايته ( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا)[16] .

    تاسعًا : اشتراط العدالة في الرواة .

    عاشرًا : النهي عن التحدث بكل ما سمع الإنسان (كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع)[17] .

    حادي عشر : التحذير من قبول رواية الضعفاء وأهل البدع والأهواء ورد رواية المجهول والمستور الحال ولكن هناك تفصيل وليس هنا مجاله .

    ثاني عشر : رد ما يتردد فيه ، وما يقع فيه تنازع لعدم تصديقه العقل والنقل إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ)[18] ، وأيضًا يُحتاج إلى تفصيل في هذه المسألة . أهـ ، راجع فيه كلام ابن الجوزي في الموضوعات ، وعلي القاري في الموضوعات وغيرها .

    كما أن الكلام على حال الرواة كان في عهد الصحابة كما قال الدكتور / عبد الهادي في كتابه "السنة النبوية" وذكر منهم عبد الله بن عباس وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك وأم المؤمنين عائشة ثم ذكر جمعًا منهم ثم تتابع بعد ذلك العلماء في الكلام على أحوال الرجال . أهـ ، بل الأمر ذُكر في القرآن كما في قوله سبحانه : (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الكَاذِبِينَ)[19] فهذا يعلمنا طريقة البحث في أحوال الراوي والنظر في مروياته فما كان مطابقًا للثقات فهو ثقة وعدل وما كان مخالفًا سقط صاحبه .

    أيضًا جاءت كلمة فتنة في لسان الشرع في عدة حوادث فكانت في بعض الآثار مقتل عمر كما في صحيح مسلم وغيره وأيضًا فتنة عثمان وظهور الأهواء كما في كلام ابن عباس وابن سيرين فلِمَا الذهاب إلى البعيد الغير مقصود وترك القريب الأولى بالقصد؟ ولكنه الهوى وفي هذا القدر الكفاية وننتقل إلى المحور الثاني ألا وهو



    ثانيًا : الذب عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه :

    فالصحابة كلهم عدول ولا يجوز لأحد أن يُجرِّح أو يُعدِّل فيهم فإن الله عدَّل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ربُّنا عز وجل : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ)[20] ، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)[21] ، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا)[22] ، (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[23] .

    كما جاءت السنة بالأخبار الكثيرة التي تخبر عن عدالة الصحابة كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى لله عليه وسلم قال : (لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أُحُد ذهبًا ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه) ، وكما روى الترمذي وابن حبان من حديث عبد الله بن المغفل بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضًا ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) ، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه بسند حسن من حديث عبد الله بن مسعود قال : (إن الله نظر في قلوب العباد فلم يجد أطهر من قلب نبيهم فاصطفاه لبعثته ، ونظر في قلوب العباد من بعده فلم يجد أطهر من قلب أصحابه فاختارهم لصحبته ، فما رءاه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن) .

    فالسنة مليئة بفضل الأصحاب ، فقد تجرؤا في هذه الأيام على قدر خير خلق الله بعد الأنبياء وظهرت الأوجه القبيحة التي كانت تستتر تحت أي مسمى ، فمن مسمى الحرية الجرأة على دين الله عز وجل وأصحاب نبيه ، فكانوا يتكلمون عن بعض الصحابة ، أما الآن فقد أصبح الأمر جللاً مفتوحًا على مصراعيه ، فأصبح الذي يتكلم في حق الصحابة هو ما يُعرف عندهم بالمفكر المستنير المتحضر ، ولكن هيهات هيهات فما ضر السحب نبح الكلاب ، فهم من هم مهما تكلم عليهم المتكلمون ، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله عند ذكر الصحابة :

    لا تقعدن بذكرنا مع ذكرهم ****** ليس الصحيح في مشيه كالمقعد

    وفي هذا العصر قد نطق الرويبضة في أمور العامة ، وأصبحت الحكمة عند البلهاء ، والعلم عند المنافقين والسفهاء – إلا من رحم ربي وقليل ما هم – فقلما أن يخلو الأمر من منافق عليم اللسان أو مماري أوتي جدلاً فإن يقولوا يُسمع لقولهم عند العوام ، هم العدو قاتلهم الله ، ولكننا نخصص كلامنا على سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه المُفتَرَى عليه .

    وقد ذكر الدكتور / محمد محمد أبو شهبة في كتابة "دفاع عن السنة" : أن أبا هريرة الصحابي المظلوم قد ذكر ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث" الشُّبه التي أثيرت عليه في القديم من "النظَّام" وأصحابه من المحدثين فقد دافع عنه ابن قتيبة دفاع العاقل المستنير نرجو أن يكافئه الله على ذلك ، ثم تكلم على رد شُبهة أبى راية وفصَّل الشُبه ثم تكلم على شُبهة تلو الأخرى . أهـ

    ([1]) سورة النحل : 112
    ([2]) سورة آل عمران : 110
    ([3]) سورة الصَّف : 8
    ([4]) سورة الحجرات : 6
    ([5]) سورة النمل : 27
    ([6]) متفق عليه .
    ([7]) رواه أحمد
    ([8]) رواه البخاري
    ([9]) رواه البخاري
    ([10]) رواه البخاري ومسلم
    ([11]) نقلا عن كتاب قواعد التحديث للقاسمي .

    ([12]) (بحوث السنة) لأكرم العمري
    ([13]) رواه الترمذي .
    ([14]) سورة البقرة : 174
    ([15]) سورة آل عمران : 110
    ([16]) سورة الحجرات : 6
    ([17]) رواه مسلم
    ([18]) سورة النساء : 59
    ([19]) سورة النمل : 27
    ([20]) سورة آل عمران : 110
    ([21]) سورة التوبة : 100
    ([22]) سورة الفتح : 29
    ([23]) سورة الفتح : 18

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2011
    المشاركات
    34

    افتراضي رد: رد الشبهة عن حديث الذبابة للباحث الشيخ / خالد جميل


    التعريف بالصحابي الجليل :

    هو عبد الله بن صخر اشتُهر بكنيته أسلم عام خيبر للسنة السابعة من الهجرة ، لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة رغبة في العلم ، وكان يدور معه حيثما دار وقد ذكر الحافظ ابن حجر في التهذيب : أن الأعرج قال : عن أبي هريرة : يزعمون أن أبا هريرة كثير الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله الموعد إني كنت امرءا مسكينًا أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملئ بطني وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق ، وكان الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم فحضرت من النبي صلى الله عليه وسلم مجلسًا فقال : (من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي ثم يقبضه إليه فلن ينسى شيئًا سمعه مني) فبسطت بردة عليّ حتى قضى حديثه ثم قبضتها إلي فوالذي نفسي بيده ما نسيت ، ذكره البخاري ومسلم والثاني من حديث الزهري عن الأعرج وغيره وهو من علامات النبوة ، وكان أحفظ من يروي في عصره ، قال طلحة بن عبيد الله : (لا شك أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع) ، وقال عبد الله بن عمر : (أبو هريرة خير مني وأعلم) أ.هـ ، وقال ابن حجر في الإصابة : (وقد لزم أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فلم يفارقه في سفر ولا حضر وكان أحرص الناس على سماع الحديث منه ، وتفقه عنه ، وقد ذكر الإمام أحمد في مناقبه أنه ما خلق الله مؤمنًا يسمع به ولا يراه إلا أحبه فلما سُئل : لماذا ، قال : (إن أمي كانت امرأة مشركة وإني كنت أدعوها إلى الإسلام ، فدعوتها يومًا فسمَّعتنى في رسول الله ما أكره ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فكانت تأبى عليّ ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادعو الله أن يهدي أم أبي هريرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم اهدِ أم أبي هريرة) فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله لها ، فلما أتيت الباب إذا هو مجاف فسمعت خضخضة وسمعت خشف رجل فقالت يا أبا هريرة كما أنت ثم فتحت الباب وقد لبست درعها وعجلت عن خمارها أن تلبسه وقالت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن ، فقلت يا رسول الله : ادعو الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ، فقال صلى الله عليه وسلم : (اللهم حبب عُبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما) ، قال أبو هريرة : فما خلق الله من مؤمن يسمع بي ولا يراني أو يرى أمي إلا وهو يحبني . وقد رواه مسلم من حديث عكرمة عن عمارة ، وقال ابن حجر : وهذا من دلائل النبوة فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس وقد شهَّر الله ذكره لما قدَّره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر منه على رؤوس الناس في الجوامع المتعددة وفي سائر الأقاليم ، وهذا من تقدير العزيز العليم .

    قلت : ويدل هذا على أنه لا يحب أبا هريرة إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق معلوم النفاق .

    وها نحن قد وصلنا إلى المحور الثالث ، ألا وهو الكلام على سند حديث الذبابة ، وقد ذكرت مجلة (التوحيد) التابعة لـ(جماعة أنصار السنة المحمدية) بحثًا للحديث مستوفيًا في تخريجه لفضيلة الشيخ/ أبي إسحق الحويني .

    وكذلك ذكر الشيخ/ أحمد شاكر في تعليقه على المسند بحثًا على الحديث وسنتطرق بإذن الله تعالى إلى بعض أقوالهم .

    والذين طعنوا على بعض الأحاديث سواء من جهة شرائط النقل أو بعض معانيه لمخالفة أهوائهم لا يعلمون شيئًا لا عن شرائط النقل ولا عن قوانين الرواية ، ثم ذكر بأن العقلاء اتفقوا أن يُرجع في كل علم إلى أهله والمتخصصين فيه ولا يتكلم في تصحيح الأخبار وتضعيفها إلا أهل الحديث وحدهم دون غيرهم .

    وقد روى الحديث ثلاثة من الصحابة هم : أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك رضي الله عنهم .

    وقد قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : وهذا الحديث مما لعب به بعض معاصرينا ممن علم وأخطأ وممن علم وعمد إلى عداء السنة وممن جهل وتجرَّأ .

    منهم من حمل على أبي هريرة وطعن في رواياته وحفظه ، بل منهم من جرُؤ على الطعن في صدقه فيما رُوي عنه ، حتى غلا بعضهم فزعم أن الصحيحين فيهما أحاديث غير صحيحة إن لم يزعم أنها لا أصل لها بما رأوا من شبهات في نقد بعض الأئمة لأسانيد قليلة فيهما فلم يفهموا اعتراض أولئك المتقدمين الذين أرادوا بنقدهم أن بعض أسانيدهم خارجة عن الدرجة العليا من الصحة التي التزمها الشيخان ، لم يريدوا أنها ضعيفة قط .

    ومن الغريب أن الحديث بعينه (حديث الذبابة) لم يكن مما استدركه أحد أئمة الحديث على البخاري بل هو عندهم جميعًا مما جاء على شرطه في أعلى درجات الصحة ، ومن الغريب أيضًا أن هؤلاء الذين حملوا على أبي هريرة على علمِ كثيرٍ منهم بالسنة وسعة إطلاعهم غفلوا أو تغافلوا عن أن أبا هريرة رضي الله عنه لم ينفرد بروايته بل رواه أبو سعيد ورواه أنس بن مالك . أهـ

    والحديث أخرجه البخاري في كتاب بدأ الخلق برقم (33320) وكتاب الطب برقم (5782) من حديث عبيد بن حنين مولى ابن زريق عن أبي هريرة ، وابن ماجة برقم (3505) ، والدارمي برقم (2038) وأحمد في مسنده برقم (9157) والطحاوي في المشكل ، وذكر الشيخ أبو إسحق أن ابن المنذر رواه في الأوسط (1/281) وابن عبد البر في التمهيد (1/337) والبغوي في شرح السنة وكلهم من رواية عبيد بن حنين عن أبي هريرة . أهـ

    وقد ذكرا بأن الإمام ابن القيم ذكر الحديث وعزاه إلى الصحيحين فوهم في ذلك والحديث رواه البخاري ولم يروه مسلم ، وقد صرح الحافظ ابن حجر في الفتح بذلك في خاتمة كتابه بدأ الخلق ، وقد رواه أبو داود برقم (3844) وأحمد برقم (7140) والطحاوي في المشكل والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان والخطيب في التلخيص والذهبي في السير من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا ، قال الإمام الذهبي هذا حديث حسن الإسناد ، ثم ذكر الشيخ أبو إسحق الحويني المتابعات على ابن عجلان واستفاض فيها .

    الرواية الثانية عن ثمامة بن عبد الله عن أنس بن مالك أخرجه أحمد ، والدارمي برقم (2039) واسحق بن راهويه في مسنده والطحاوي ، وقد قال الشيخ أبو إسحق بأنه ضعيف وذلك لأن الصحيح ثمامة عن أبي هريرة بدلا من أنس كما رجح ذلك أبو زرعة كما في العلل ، وقال الشيخ : لأن ثمامة لم يدرك أبا هريرة . أهـ . وقد ذكر الدارمي غير حماد ثمامة عن أنس مكان أبي هريرة .

    قال الشيخ شاكر رحمه الله تعالى : في رواية أنس بن مالك أيضًا كما ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط وذكره الحافظ في الفتح وقال أخرجه البزار زرجاله ثقات . أهـ وكذا صححه الألباني .

    حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد في المسند برقم (11207، 11666) ، وابن ماجة برقم (3504) وانسائي في الكبرى والطيالسي وعبد بن حميد في المنتخب وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي والطحاوي في المشكل وابن عبد البر في التمهيد من حديث أب سلمة عن أبي سعبد الخدري ، سنده قوي كما ذكر الشيخ أبو إسحق الحويني والشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى . أهـ .[1]

    وقد ذكر الإمام الخطابي رحمه الله تعالى في معالم السنن : وقد تكلم في هذا الحديث بعض من لا خلاق له وقال كيف يكون هذا ؟ وكيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة ؟ وكيف تعلم ذلك من نفسها حتى تُقدم جناح الداء وتُؤخر جناح الشفاء ؟ وما أربها ذلك ؟

    قلت : هذا سؤال جاهل أو متجاهل وإنالذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيهما بين الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى أن الله سبحانه قد ألف بينها وقهرها على الاجتماع وجعل منها قوى الحيوان التي بها بقاؤها وصلاحها لجدير أن لا يذكر اجتماع الداء والشفاء في جزأين من حيوان واحد . وأن الذي ألهم النحلة أن تتخذ البيت العجيب الصنعة وأن تعسل فيه وألهم الذرة أن تكتسب قُوتَها وتدخره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية أن تقدم جناحًا وتُؤخر جناحًا لما أراد الله من الابتلاء الذي هو مدرج التعبد ، والامتحان الذي هو مضمار وفي كل شيء عبرة وحكمة وما يذَّكَّر إلا أولوا الألباب . وذكر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله : أن المستشرقين فعلوا ذلك في السنة أي إثارة الشُّبه وفعلت أكثر من ذلك في القرآن ، فما ضارَّ القرآن ولا السنة ما فعلوا .

    وقبلهم قام المعتزلة وكثير من أهل الرأي والأهواء ففعلوا ببعض هذا أو كله فما زادت السنة إلا ثبوتًا كثبوت الجبال وأتعب هؤلاء رؤوسهم وحدها وأوهوها ! بل لم نر فيمن تقدمنا من أهل العلم من اجترأ على ادعاء أن في الصحيحين أحاديث موضوعة فضلاً عن الإيهام والتشنيع الذي يطويه الكلام وهذا مما أخطأ فيه كثير من الناس ومنهم السيد رشيد رضا رحمه الله على علمه بالسنة وفقهه ولم يستطع قط أن يقيم حجته على ما يرى وأفلتت منه كلمات يسمو على علمه أن يقع فيها ولكنه كان متأثرًا أشد الأثر بجمال الدين ومحمد عبده وهما لا يعرفان في الحديث شيئًا بل كان هو بعد ذلك أعلم منهما وأعلى قدمًا وأثبت رأيًا . لولا الأثر الباقي في دخيلة نفسه والله يغفر لنا وله . أهـ [2]

    وهكذا وصلنا إلى كلمة الأطباء في هذا الحديث :

    هناك كلمة لابد منها ألا وهي : أننا نحن المسلمون نذكر ذلك للاستئناس فقط لأن الأصل في المسلم ما دام ثبت عنده الحديث فقد انتهى الأمر بالنسبة له ولا يحتاج إلى أن يصدقه العلم أو لا يصدقه وذلك لأن الشرع عند المسلمين قواعد ثابتة راسخة لاتتغير ولا تتبدل ، أما العلم فهو يقوم على التجارب التي قد تفلح عند قوم ولا تفلح عند آخرين ولذلك عرَّف ابن خلدون الطب في المقدمة فقال : "بأنه صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح فيحاول صاحبها صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها على المرض بالعلامات المؤذنة بنضجه وقبوله الدواء أولا في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض ، وإنما الطبيب يحاذيها ولا يعانيها بعض الشء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويُسمى العلم الجامع لهذا كله علم الطب" . أهـ ابن خلدون

    وقد ذكر كثير من الأطباء أن هذا الحديث صحيح علميًا وجاءوا بأبحاث مستفيضة تفيد أن للذباب أثرًا ضارًا وأثرًا نافعًا أي في أحد جناحيها دواء والآخر داء .

    وهناك بحث قد ذكره الدكتور/ محمد محمد أبو شهبة في كتابه (دفع عن السنة) والدكتور/ محمد بكر إسماعيل في الفقه الواضح نقلاً عن مجلة الأزهر رجب 1378هـ يناير 1959م ، وقد أجرى البحث الدكتور/ محمد عبد المنعم حسين ، تحت عنوان كلمة الطب في حديث الذباب قالا :

    "قد جاء في المراجع العلمية أن الأستاذ (بريفلد) من جامعة (هال) بألمانيا وجد في عام 1871م أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات سماها (أمبوزاموسكي) من عائلة (انترموفترالي) من تحت فصيلة (فيكومايتسس) ويقضي حياته في الطبقة الدهنية داخل الذبابة علة شكل خميرة مستديرة ثم يستطيل ويخرج على نطاق البطن بواسطة الفتحات التنفسية أو بين المفاصل البطنية ، وفي هذه الحالة يصبح خارج جسم الذبابة ، وهذا الشكل يمثل الدور التناسلي لهذا الفطر في داخل الخلية إلى قوة معينة تمكن الخلية من الانفجار

    وإطلاق البذور خارجها وهذا سيكون بقوة دفع شديدة الدرجة تطلق البذور إلى مسافة حوالي 2سم من الخلية بواسطة انفجار الخلية واندفاع السائل على هيئة رشاش ، ويوجد دائمًا حول الذبابة الميتة والمتروكة على الزجاج مجال من البذور لهذا الفطر ، ورؤوس الخلية المستطيلة التي تخرج البذور موجودة حول القسم الثالث والأخير من الذبابة على بطنها واستعدادها للطيران والانفجار – كما ذكرنا- يحدث بعد ارتفاع ضغط السائل داخل الخلية المستطيلة إلى قوة معينة ، وهذا قد يكون سببًا في وجود نقطة زائدة من السائل حول الخلية المستطيلة ، وفي وقت الانفجار يخرج من السائل والبذور جزء من (السيتوبلازم) من الفطر .

    كما ذكر الأستاذ (لانجيرون) أكبر الأساتذة في علم الفطريات في عام 1945 أن هذه الفطريات كما ذكرنا تعيش في شكل خميرة مستديرة داخل أنسجة الذبابة وهي تفرز إنزيمات قوية تحلل وتذيب أجزاء الحشرة الحاملة للمرض ، وفي جهة أخرى في سنة 1947م عزل مادة مضادة للميكروبات بواسطة (أرنشتين ، كوك) من إنجلترا و (روليوس) من سويسرا عام 1950م تسمى (جافاسين) من فطر نفس الفصيلة التي ذكرناها تعيش في الذبابة وهذه المادة تقتل جراثيم مختلفة من بينها السالبة والموجبة لصبغة جرام وجراثيم الدوسنتاريا والتيفود .

    وفي عام 1948م عزل كل من (بريان ، كورتيس ، هيمنج ، جيفريس ، ماكجوان) من بريطانيا مادة أخرى تسمى (كلوتيزين) من فطريات نفس فصيلة الفطر الذي يعيش في الذبابة ، وتؤثر على الجراثيم السالبة لصبغة جرام من بينها جراثيم الدوسنتاريا والتيفود ، وفي عام 1949م عزل (كومسي ، فارمر) من بريطانيا وكذلك (جرمان ، روث ، اثلنجر ، بلانتز) من سويسرا مادة ثالثة تسمى (انياتين) من فطريات نفس فصيلة الفطر الذي يعيش في الذبابة به قوة شديدة تؤثر على الجراثيم الموجبة والسالبة لصبغة جرام وعلى بعض الفطريات ، ومن بينها جراثيم (الدوسنتاريا والتيفود والكوليرا) ، ولم تدخل هذه المادة بعد الاستعمال الطبي لكنها فقط من العجائب العلمية لسبب واحد هو : "أنها بدخولها بكميات كبيرة في الجسم قد تؤدي إلى حدوث بعض المضاعفات بينما قوتها شديدة جدًا وتفوق جميع المضادات المستعملة في علاج الأمراض المختلفة وتكفي كمية قليلة جدًا لمنع معيشة أو نمو الجراثيم والتيفود والدوسنتاريا والكوليرا وشبههم" .

    وأيضًا في سنة 1947م عزل (موفتيس) مواد مضادة من مزرعة الفطريات الموجودة على جسم الذبابة ووجد أنها ذات مفعول قوي على بعض الجراثيم السالبة لصبغة جرام مثل جراثيم التيفود ، ولمقاومة الجراثيم التي تسبب أمراض الحميات التي يلزمها وقت قصير للحضانة ، ووجد أن واحد جرام من هذه المواد المضادة يمكن أن يعقم أكثر من 1000 لتر لبن من التلوث بالجراثيم المرضية وهذا أكبر دليل على القوة الشديدة لمفعول هذه المواد .

    أما بخصوص تلوث الذباب بالجراثيم المرضية كجراثيم الكوليرا والتيفود والدوسنتاريا وغيرها التي ينقلها الذباب من المجاري وفضلات وبراز المرضى وهي الأماكن التي يرتادها الذباب بكثرة ، فمكان هذه الجراثيم يكون على أطراف أرجل الذباب أو في برازها وهذا ثابت في جميع المراجع البكتريولوجية .

    ويستدل من كل هذا على أنه إذا وقعت الذبابة على الأكل فإنها تلمس الغذاء بأرجلها الحاملة للميكروبات المرضية مما يؤدي إلى تلوث الغذاء كما ذكرنا بأرجلها ، أما الفطريات التي تفرز الموادالمضادة والتي تقتل الجراثيم الموجودة ، ولا تنطلق مع سائل الخلية المستطيلة من الفطريات المحتوي على المواد المضادة إلا بعد أن يلمسها السائل الذي يزيد منالضغط الداخلي لسائل الخلية ويسبب انفجارالخلية واندفاع البذور والسائل .

    وبذلك يحقق العلماء بأبحاثهم تفسير الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد ضرورة غمس الذبابة كلها في السائل أو الغذاء ، إذا وقعت عليه الجراثيم لإفساد أثر الجراثيم المرضية التي أشار إليها الحديث وهي أن في جناحيها داء أي في أحد أجزاء جسمها الأمراض المنقولة بالجراثيم المرضية التي حملتها ، وفي الآخر شفاء وهو المضادات التي تفرزها الفطريات الموجودة على بطنها والتي تخرج وتنطلق بوجود سائل هو الخلايا المستطيلة .

    كما ذكر أيضًا في نفس المصدرين كلمات طيبة أخرى ذكر كلمة جمعية الهداية الإسلامية للدكتور / إبراهيم مصطفى عبده يوم الخميس 19 شوال 1349هـ .

    "يقع الذباب على المواد القذرة المملوءة بالجراثيم التي تنشأ عنها أمراض مختلفة فينتقل بعضها بأطرافها ، ويأكل بعضها فتكون في جسمه مادة سامة تسمى (مبعد البكتريا) وهي تقتل كثيرًا من جراثيم الأمراض ولا يمكن بقاء تلك الجراثيم حية ولا يكون لها تأثير في جسم الإنسان حال وجود (مبعد البكتريا) وفي أحد جناحي الذبابة خاصية تحويل (البكتريا) إلى ناحيته فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقى الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الطعام أو الشراب فأول مبيد لتلك الجراثيم وأقرب واق قريب منه ، و غمس الذباب كله وطرحه كاف في إبطال عملها .

    أيضًا في مجلة التجارب الطبية الإنجليزية لسنة 1927م ما ترجمتة "لو أطعم الذباب من زرع ميكروبات بعض الأمراض وبعد حين من الزمن ماتت تلك الجراثيم واختفى أثرها تكونت في الذباب مادة مفترسة للجراثيم تسمى (بكتيروفاج) ولو وضعت خلاصة الذباب في محلول ملحي لاحتوى على ما يأتي :

    1- على (البكتيروفاج) وهي تبيد أربعة من أنواع الجراثيم المولدة للأمراض .

    2- على مادة أخرى نافعة للمناعة ضد أربعة أنواع أخرى من الجراثيم . أهـ

    وكذلك نشرت جريدة الأخبار بتاريخ 29/6/1999م تحت عنوان (الذباب علاج للقروح والجروح) : "وتوصل العلماء بمستشفى أميرة ويلز في بريطانيا إلى استخدام اليرقات المعقمة لذبابة لاسيليا سركاتا (Luciliasericata) في تنظيف وعلاج الجروح والقروح فقد ثبت أن اليرقات المعقمة تفرز إنزيمات تحلل بروتينات الخلايا الميتة المتراكمة بالجروح والقروح تاركًا الخلايا السليمة .

    كما وجد أن اليرقات تزيل الرائحة الكريهة المنبعثة من القروح لابتلاعها البكتريا المسببة لذلك .

    كما ثبت أيضًا أن اليرقات تخفف الألم الذي يسببه الجرح وتنشط تكوين الأنسجة الجديدة فتسرع من العلاج والتئام الجروح والقروح ، واليرقات تعالج الجروح والحروق والقروح وقرح الفراش وقرح ساق مريض السكر .

    ملحوظة : اليرقة طور من أطوار خلق الذبابة التي تكون بيضة ثم يرقة ثم عذراء ثم ذبابة ، تخرج اليرقة من البيضة على شكل الدودة . أ هـ ([3])

    وجاء في كتاب الطب النبوي من زاد المعاد لابن القيم : "وأما المعنى الطبي ، فقال أبو عبيد : معنى امقلوه : اغمسوه ليخرج الشفاء منه كما خرج الداء ، يُقال للرجلين : هما يتماقلان ، إذا تغاطّا في الماء . واعلم أن في الذباب عندهم قوة سُمِّية يدل عليها الورم ، والحكة العارضة عن لسعه ، وهو بمنزلة السلاح ، فإذا سقط فيما يؤذيه اتقاه بسلاحه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُقابل تلك السُّمية المادة النافعة فيزول ضررها ، وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم ، بل هو خارج من مشكاة النبوة ، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفَّق يخضع لهذا العلاج ، ويقر لمن جاء به بنه أكمل الخلق على الإطلاق وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية . أهـ



    نتيجة البحث

    وها نحن قد وصل بنا المسير إلى نهاية ما بدأناه من محاولة في الذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لعل الله أن ينفع بها في الآخرة ، كما أنه جهد المقل الضعيف العاجز ، وقد سبق بها العلماء الأفذاذ وقُدّم الكثير

    من الأبحاث في هذا المجال وغيره .

    فقد كان من أداة حفظ الدين الرجال العلماء الأفذاذ في كل مجال من مجالات الشرع ، فهذه بنات أفكاري تُزف إليكم في حلة الفقير الذي لا يمتلك ما ينفقه عليهن ، كما أنه هذا ما أدين به لرب العالمين ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولفضل أصحابه رضوان الله عليهم ، فلست أنا المذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا المحج عن أصحابه رضوان الله عليهم ، وقد ألف العلماء الكثير في هذا المجال .

    ووصلنا إلى ما يُسمى بنتيجة البحث وهي كالآتي :

    أولاً : بأن الله عز وجل شرَّف الأمة بعلم الإسناد ما لم يُشرِّف غيرها وكان داخلاً في قوله تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ([4]) .

    ثانيًا : بأن خير الناس النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وما ÷و إلا وحي يوحى ، يوحى إليه من عند الله يقينًا ، وأنه مبعوث من عند الله عز وجل الخالق المدبر العليم الخبير الذي خلق الكون وهو أعلم بأسراره ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾([5]) وخلق الإنسان وأعلم بأحواله ﴿وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ﴾([6]) ، كما أن الحديث يُعد من الدلائل النبوية العظيمة المبهرة .

    ثالثًا : أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الشجرة الطيبة التي أصلهل ثابت وفرعها شامخ في السماء وهو الأدلاء لهذه الأمة ، فمن سار من غير دليل ضل ، ومن تكلم بغير أصل زل ، ولذلك ما ضلت الأمة إلا إلا لما ابتعدت من غير مرجعية الأدلاء ، ومن لم يُعظم أصوله فهو لقيط ، وها نحن نصيح في الناس : هؤلاء هم أصولنا وهم أدلاؤنا في حياتنا نعض عليهم بالنواجذ وإلا هلكنا جميعًا ، وهم خير الناس بعد الأنبياء ، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، وهؤلاء هم أولى الناس بالشكر من غيرهم ، كما أنهم جميعًا عدول وهم عندنا سواء ، فتوقيرهم من توقير النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو زرعة يرى أنه من تكلم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رمي بالزندقة ، كما أننا لا نقدم منهم إلا من قدمه الله ورسوله وهم في الفضل عندنا سواء .

    رابعًا : أن الحديث يُعتبر من المعجزات الطبية الهائلة التي اعترف بفضله الغرب وأثبتته الأبحاث الطبية الحديثة والقديمة ، ونستخلص من هنا لفتة هامة جدًا ... ألا وهي بأننا نحن العرب المسلمين أولى الناس بفحص الابحاث الطبية في مطابقتها مع السنة الشريفة الجليلة ولكن ذلك تحت ضابط شرعي الا وهو بأن الشرع مقدم على جميع تجارب الدنيا وذلك بعد الرجوع إلى أهل الاختصاص كما قال الله عز وجل : ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾([7]) ، فما أثبته أهل الصنعة بأنه صحيح يقدم على جميع التجارب وذلك لأن العلم البشري كما نعلم يقوم على تجارب بشرية خاضعة للصواب والخطأ ، أما العلم الإلهي فلا يخضع للخطأ وحاشاه ذلك ﴿تَنْزِيلَ العَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾([8]) كما أنه ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ([9]) ، فهذا يكون أعز للمسلمين أن كونوا هم المعتمد في المرجعية من حيث كلام نبيهم صلى الله عليه وسلم وأبحاثهم الدنيوية ، بدلاً من أن ننتظر تجربة غربية تثبت لنا صحة شرعنا ، وهكذا كان حالنا .
    إني تذكرتُ والذكرى مؤرقـــةٌ

    مجداً تليداً بأيدينا أضعنـــاه
    أنَّى اتجهتإلى الإسلام في بلــد

    تجده كالطير مقصوصا جناحاه
    كم صرفتنا يد كنانصرفهــــا

    وبات يملكنا شعب ملكنـــاه
    استرشدَ الغربُ بالماضيفأرشــده

    ونحنُ كان لنا ماضٍ نسينــاه
    إنا مشينا وراء الغربِ نقبــــسُ

    من ضيائهِ فأصابتنا شظايـاهُ
    سل خلفَ بحرِ الروم عن عــرب

    بالأمسِ كانُوا هنا واليومَ قد تاهوا



    خامسًا : إن الحديث يُخبر ولا يُلزم ، يُخبر من باب لا ضرر ولا ضرار ، ولا يُلزم أن يشرب ما في الإناء ، أو يطعم ، فقد يمر ال، أو يطعم ، فقد يمر الإنسان بظرف يحتاج فيه إلى كوب من مشروب معين فإذا وقع في الذباب وأراد أن ينتفع به فللمحافظة عليه أمره الشارع الحكيم أن يغمس الذباب الواقع فيه وهذا من باب المحافظة على الأموال وعدم إراقتها بما يُسمَّى بطرق المعالجة ، فعلى سبيل المثال لو نظرت إلى كوب الماء الذي بين يديك قبل أن يصل إليك لما استطعت أن تقربه من فمك ، فبطرق المعالجة للمياه يصل إليك بهذه الصورة ﴿وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ﴾([10]) ، وهذا أيضًا يوضح لنا عظم الشرع وأنه نزل من عند اله الرحيم بعباده ، موضحًا لنا ما يصلحنا وما يضرنا ، ويحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث ، كما أنه هناك من النفوس من تعف بعض الأطعمة والأشربة ونفوس لا تعف أي نوع من الأطعمة والأشربة ، كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام ممسلم حينما قُدِّم الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم فعافه لأن لم يكن من طعام قومه ، فخاطب الشرع النصف الثاني حفاظًا على حياتهم من الأمراض والأوبئة .

    سادسًا: لابد من الحيدة العلمية ، وأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه ، إذ أن الإنسان عدو ما يجهل ، فلا تبدأ ما تجهله بالعداوة ، بل تريث في الأمر حتى يظهر لك الحق ، فإن ظهر الحق فاجعله عاليًا تكن من أهله ، وإلا رُميت بالجهل ، وإياك والتقليد على غير بينة ، فمن وُصف بالإنصاف والحيدة والحق في الأقوال والأفعال خير وأجل من يُرمى بالظلم والتعدي والعدوان ، وكن للحق طالبًا خير من أن تكون للحق مجانبًا أو للظلم مصاحبًا .


    الخــاتــمــة

    وأختم بقولي هذا وحسبي أني بشر أصيب وأخطأ ، وما من عمل بشري إلا وُصف بالنقص والعوار ، وما كان فيه مقدار من الإصابة فلله الفضل في الأولى والآخرة فمنه يُستمد العون والمعونة .

    فإني لا أدعي الكمال ولا الإصابة الكاملة ، وعذري في ذلك أني بشر ، وأن غيرتي دفعتني لذلك ، وأقول كما قال الناظم رحمه الله :

    أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي

    وقال أيضًا
    أنا الفقير إلى رب البريات

    أنا المسيكين في مجموع حالاتي
    والفقر لي وصف لازم أبدا

    كما الغنى أبدًا وصف له ذاتـي



    ([1]) مجلة التوحيد العدد الخامس جمادى الأول 1419هـ ، ومسند أحمد تعليق الشيخ أحمد شاكر ج12 حديث (7141)
    ([2]) (هامش المسند) للشيخ/ أحمد شاكر .
    ([3]) راجع كتاب (دفع شبهات السنة) للدكتور/ عبد المهدي عبد القادر .
    ([4]) سورة الحجر : 9.
    ([5]) سورة الأنبياء : 33
    ([6]) سورة ق : 16
    ([7]) سورة النحل : 43
    ([8]) سورة يـس : 5
    ([9]) سورة هود : 1
    ([10]) سورة العنكبوت : 43

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: رد الشبهة عن حديث الذبابة للباحث الشيخ / خالد جميل

    جزاك الله خيرا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •