في خضم الأحداث أتساءل .. أين الإيمان ؟

في خضّم هذه الأحداث المتسارعة والصرخات المتعالية والخطر الداهم والمصاب الجلل يختفي صوت الحكمة ويتضاءل أنصاره وتطفوا على السطح بعض الوجوه المجهولة الغاية والهدف لتسير بالأمة باسم الثورة والإصلاح إلى غايات مجهولة جهالة اصحابها وبأثمان باهضة لا يشعر بقيمتها إلاّ من يشعر بعظمة الإنتماء لهذه الأمة وهذا الدين وقد تأمّلت كما تأمّل غيري فما وجدت من مخرج غير ذلك الذي جاء به القرآن الكريم ..
إخوة الإيمان .. إننا نسير خلف قافلة لا نعلم عن وجهتها شيئا وكأننا قد رضينا بما تسوقنا إليه وسائل الإعلام وخلف كلّ وسيلة منها صناعة قائمة على فنون المكر والدجل ترسم في الغرف المغلقة تلك الخطط المشبوهة التي يراد من ورائها إستنزاف مقدّرات الأمة وتحييد قدراتها ..
إنّ جسد أمّتنا المنهك قد أثخنته الجراح وخنقه الظلم ولعبت بعقله الأوهام ففي كلّ زاوية فم جائع وجسد عار ومريض فتكت به الأسقام وغافل ضائع يبيع في ليله ما يجنيه في نهاره وكأنّ الحياة قد إختزلت في حقنة مخدّر أو همسة من مومس لا قيمة لوجودها إلاّ بما تقدّمه بجسدها من ملهيات فيا لها من لعوب بائسة فقدت حاضرها وماضيها ولا مستقبل لمن كان هذا حاله .. فأين الإيمان في حياتنا وأين القيم وأين الروحانيات .. لقد وضعناها في قممقم محكم الإغلاق ورميناها في بحر الظلمات فألقاها الموج إلى المجهول .. فأصابنا ما أصابها من بؤس وحرمان فصرنا أحقّ الناس بتلك المراثي التي لم تزل جدّاتنا تلقيها على مسامع الأطفال في تلك المحافل البهية من الزمن الغابر ..
تساءلت وأنا في قمّة التأثر والتفاعل مع الحدث .. ترى ما الذي يدفع تلك الملايين الثائرة إلى عدم إعتبار النتائج ولا التفكير في المآلات .. وما الذي أنسى حكّام المسلمين قيم العدل والرحمة والرأفة بالمستضعفين .. حتى تحوّلت تلك الأفواه الجائعة إلى بحر هائج من الإحتجاجات والمطالبات .. أما كان أحرى بهم أن يضعوا الامور في نصابها بالتحاكم لشريعة الإسلام ونشر الفضيلة في الأجيال وتعاهد المجتمع بالقيم والأخلاق فينتشر التكافل والتعاون فتخفّ الأزمة ويرفع البلاء
لم يا ترى .. لا يشعر الغني بالفقير حتى تفتك بالغني انواع المصائب والاسقام وكأنها جندي من جنود الحقّ لم يزل يتربّص بالظلمة والمفسدين ..
هي تساؤلات مشروعة في هذا الوقت الضيّق والمصاب الجلل والخطب المدلهّم ليتها تلامس قلوب اصحاب القرار فيطفئوا الفتيل قبل إشتعاله ويخففوا الضغط على البؤساء قبل ان يتحوّلوا إلى ثيران هائجة لا يشبعها ولا يرويها غير آلاف الجثث وأنهار الدماء ..
الإيمان وحده هو القادر على أن ينير السبيل ويطمئن الافئدة ويقود القافلة إلى برّ الأمان .. الإيمان وحده هو القادر على ان يمنح للبؤساء الامل في غدّ افضل .. غد نصنعه اليوم بجدّنا وعملنا ليحصده أبناؤنا وليحملوا الأمانة ليسلموها لمن بعدهم ... البؤساء بحاجة إلى شعور بالامن والأمان بأن تضحياتهم لن تسرق ولن يغتصب لصالح طاغية ظالم أو غني جائر فالطغيان والجور هما سرّ هذا البلاء وهما وقوده
إلاّ أنّ الطغيان والجور قبل أن يتجسّدا في صورة فلان أو علاّن في هذه البلدة أو تلك كانتا قيمة تسري في المجتمع وممارسة تحتكر وجوده .. الطغيان والجور قبل أن يقفزا إلى قمة المجتمع وراسه كانتا في كلّ زاوية من زوايا المجتمع بدء من تسلّط البنت على أمّها والزوج على زوجته وصولا إلى ذلك المسكين الذي يبيع كلّ شيء في سبيل حقنة تغييّب عقله للحظة عن هذا الشقاء الذي يعيشه كلّ لحظة .. الطغيان والجور ليسا سوى الوجه الىخر لهذا المجتمع الثائر على صورة من صور الطغيان والجور أو على سادن من سدنة معبد الطغيان أو كاهن من كهنته بينما تقبع مملكة الطغيان الجائرة وراء تلك الافئدة التي لم تخالطها بشاشة الإيمان ولم تذق طعم حلاوته
الطغيان ليس فقط ما نستقبله من فعل الغير بل هو ايضا ما يصدر من الأنا إلاّ اننا فقدنا الإحساس بالوجود الجماعي للامة ولم يعد يشغلنا غير ما تجنيه الذات من ملذات ..
ليست هذه محاولة لتفسير ما يحدث ولا غوصا في تداعياته بل هي خواطر متفرقة حسبي اني لم أحاول تجميلها ولا صياغتها في مقال منهجي صارم بل تركتها كما هي وكما شعرت بها في اعماق اعماقي وسأختمها بما قاله الدكتور عماد الدين خليل يوما : إن زمننا الحديث رغم فرصه وملذاته ورغم الاردية والديكورات المثيرة التي يتقدم بها للإنسان لكي يضله ويغويه فإنه يسلط في الوقت نفسه من الضغوط التي تتميز بالعنف والقسوة ما يستل من الإنسان كل فرص السعادة ويسوقه إلى التمزق والتفتت والدمار ..
ويجيء الإيمان لكي يعد الحيارى والضائعين باسترداد توحدهم المفقود ولكي يقدم لهم - فيما يقدمه - التوازن والأمل والإطمئنان واليقين ..
يجيء لكي يفرمل إندفاعهم المجنون فلا يتهافتون كالذباب على كلّ ذي لزوجة ويموتون هناك متخمين ضائعين .. لكي يقول لهم : هذا حلال وهذا حرام فيحفظ طاقاتهم ويكفهم عن اللهاث الأعمى وراء الملذات ..
يجيء لكي يقودهم ثانية إلى حمى الله إلى أمنه ومحبته وخشيته ورضاه فيمنحهم الفرح الحقيقي والسعادة التي تعلو على السعادات ..
ويقول حفظه الله في الجانب المقابل من الصورة : فالله سبحانه قد يمهل الظالم لهذا السبب أو ذاك ولكنه لا يهمله حتى لو إلتجأ إلى نفق الأرض أو ابتغى سلما في السماء .. ثم هو سبحانه إذا أخذ الظالم فلن يفلته أبدا ..
ومن خلال هذا التصور الإجابي يطمئن الإنسان المؤمن ولا تذهب نفسه حسرات وهو يرى عشرات بل مئات من المجرمين وألوفهم ينفذون بجلدهم من العقاب ويموتون مطمئنين ..
فهناك بعد الموتة الأولى بعث ونشور .. وحساب عسير !!