اللقاء الثاني لكلية التجارة بكفر الشيخ
للشيخ أبي إسحاق الحويني
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله تعالى فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وأحسن الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد .
في المحاضرة الماضية في الأسبوع الماضي تلقيت مئات الأسئلة من الأوراق المكتوبة وقرأتها وكما وعدتكم في الأسبوع الماضي أن أجيب عن بعض هذه الأسئلة ، وطريقتي في قراءة الأسئلة أنني أقرأها كلها ثم أنظر إذا تكرر سؤال ما أو فكرة ما بصورة كبيرة أنا أعدها ظاهرة تستحق الإجابة وأحيانًا يكون السؤال خاصًا بصاحبه أي لا يتكرر .
أنا لما قرأت الأسئلة وجدت أنها تندرج تحت أربعة محاور، أو أربعة أسئلة كبار، خلاصة هذه الأسئلة
المحاور التي تدور حولها الأسئلة:
Cالمحور الأول: حالة توهان عند الشباب لا يعرفون ماذا يفعلون ولا ماذا يُراد منهم ، امرؤ تائه ، وهذا هو المحور الأول أو الشريحة الأولى الأهم في الأسئلة التي وردت إليَّ .
Cالمحور الثاني: مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع كثرة المخالفات الموجودة في كل مكان ، في الجامعة في الشارع في البيت وفي الأسواق ،في كل مناحي الحياة فيه مخالفات ، ونحن أمرنا أن ننكر المنكر فماذا علينا أن نفعل تجاه هذه المخالفات ؟ ، لو أن رجلًا أراد أن ينكر منكرًا في الشارع فإنه لن يتعدى عدة أمتار وينتهي يومه ، لماذا ؟ عن يمينه مخالفة وعن يساره مخالفة ومن ورائه مخالفه ومن أمامه مخالفة ، وكلما أراد أن ينكر على هذا وجد هذا ، فينتهي مع هذا وينكر على هذا ، فحياته ستقف فكيف يمكن أن نحقق هذا الجانب الذي تميزت به هذه الأمة ؟ وقُدِّم على الإيمان بالله كما في قوله تعالي:﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾(أل عمران:110) ، فتأخر الإيمان بالله عن هذه الشعيرة الكبيرة مما يدل على عظمها وأن الدين كله مرتبط بها وأنه بلا أمر أو نهي عن منكر يستحيل أن يُقال أقمنا دين الله U وهذا هو المحور الثاني .
C المحور الثالث:هو العودة إلي الذنب يذنب المرء ثم يُصِّر ويقول أنا لن أعود وإذا به يرجع مرةً أخري فيفعل الذنب ، ثم يندم ويقول لن أعود ثم يعود ، لماذا تنفسخ عزيمته فيعود ؟ ولماذا يقدم على الذنب وهو يعلم أنه ذنب ليس جاهلًا به ؟ وقد يعلم سلفًا العقوبة المترتبة على فعل هذا الذنب في الدنيا والآخرة، ومع ذلك يقدم على فعل الذنب، فكيف يقي المرء نفسه بالأسباب التي شرعها اللهI لنا حتى يمكن أن يتغلب علي هذا الضعف الذي يلفه في هذه المسألة ؟.
Cالمحور الرابع:ما هي الدعوة السلفية ؟ قالوا لأننا فوجئنا في الجرائد والمجلات أنه يوجد ما يسمى السلفيون وكل فترة الهجوم على السلفيين والسلفيون يهدمون الأضرحة ويؤذون الناس، ويريدون أن يقيموا الحدود وحرب دائرة بين السلفية التي ظهرت فجأة ، وهي بالفعل على صفحات الجرائد ظهرت فجأة ، ولكن السلفية ليست وليدة اليوم ، لأن السلفية هي القرون الثلاثة الأول والسلفية هي الإسلام باختصار ، لأن السلفية ليست جماعة من الجماعات بل هي أرفع من أن تكون جماعة وأن يُوالى أو يُعادى على إطار الجماعة أنت مننا نعم ، وإن كنت لست منا شيء أخر ، لا السلفية ليست هكذا بل هي كما قال الرسولr« خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »
لا أنظر إلي أفراد السلفيين وتصرفاتهم حتى أحكم على السلفية ولا يأتي من يقول لي أن فلان الفلاني عمل كذا في الضريح الفلاني أو ضرب إنسان ما في الشارع أو غير ذلك، فهل هذه هي السلفية عندكم ؟ أقول له لا هناك فرق بين السلفية كمنهج وبين تصرفات المسلمين ، اليوم كثيرٌ من المسلمين لا ينطبق عليه اسم الإسلام أصلًا مع أن اسمه محمد وعلى وإبراهيم وغير ذلك ، وهناك زنادقة ينتمون إلى هذه الأمة ، فهل أقول أنه لا يوجد إسلام لمجرد أن أفراد فعلوا كذا وكذا ؟، فهل إذا سرق مصري في الخارج ،فهل كل الدولة لصوص ؟ والمصريون كلهم لصوص ؟ لا ، كل إنسان يؤاخذ بما فعله ، إنما نحن نتكلم الآن عن اتجاه مع قطع النظر هل الجماهير التزمت بهذا الاتجاه أم لا ؟
هناك أسئلة أيضًا كثيرة جدًا أيضًا تستحق أن نجعلها من ضمن الأسئلة لكن هذه هي المحاور الأربعة الحقيقة التي نظرت إليها في الأسئلة ووجدتها تستحق الإجابة ، وطبعًا واضح أن كل محور من هذه يحتاج إلى جلسات وأنا سأحاول بقدر المستطاع أن أجيب عن مِحور محور بحيث ما يسع الوقت ، وربما بعض طلبة الجامعة هنا أول مرة يسمعونني ، ولا يعرفون طريقتي وأنا لي طريقة معينة الذي يسمعني لأول مرة يتوه ويمكن أن يقول لن أسمع ثانية ، لكن الذي تعود أن يحضر لي محاضرات فتكون المنظومة في رأسه منضبطة لأنني كثيرًا ما أخرج عن الموضوع حتى يظن المستمع أنني نسيت ، ثم أرجع للموضوع مرة أخرى .
وسبب خروجي هو ضرب الأمثلة ، على ما أريد ثم أرجع إلى المحور الذي كنت أتكلم فيه حتى يحدث نوع من التصور ، أنا لا يعنيني بالضرورة أن أجيب عن المحاور كلها ، بل الذي يعنيني أن تخرج أنت وأنت مؤمن بهذه الفكرة التي قلتها لك وأقمت الدلائل عليها .
Cالمحور الأول: سأتناول المحور الأول لأهميته البالغة وهو أن كثيرًا من الشباب سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا لا يعرفون ماذا يريدون ولا ماذا يُراد منهم .
نرجع إلى بدهية معروفة لنا جميعًا وأحيانًا البدهية من شدة بساطتها تكون بالغة التعقيد في الفهم ، وهذا من العجائب ، فأنا مثلًا عندما أقول لأي واحد أسألك الآن سؤالًا وتجيب فورًا ، أي لا تفكر ولا نصف ثانية ،قد يُباغت ويتلعثم ولا يستطيع أن يجيب مع سهولة السؤال وبساطته وأن الجميع يقوله، لماذا نتزوج ؟ ممكن تُفاجأ مع سهولة السؤال أنك تحتاج أن تفكر ولو لعدة ثواني ، مع أن الأصل أن السؤال بدهي جدًا وسهل جدًا فمن سهولته وبساطته وكثرة ترداده صارت الإجابة صعبة،السؤال الذي أنا سأطرحه الآن إجابته معروفة تقريبًا إن شاء الله للكل وهو:
Cلماذا خُلِقنا ؟ ومباشرة أنتم تعرفون الآية:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾(الذاريات:56)شيء سهل بسيط بالرغم من إجابة السؤال بديهية وواضحة، صارت الإجابة معقدة علي الواقع شيء خُلق لحكمة بالغة قالU:﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾(المؤمنون: 115) ، وقالU:﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ﴾( ص: 27) وقالU:﴿ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِين َ﴾(العنكبوت:44) .
فالمؤمنون هم الذين يدركون أن الله خلق السموات والأرض بالحق ، أما الكفار فاللهU يقول:﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فأهل الإيمان يعلمون أن اللهI ما خلق شيءٌ قط إلا لحكمة بالغة ، سواء أدركتها أم لم تدركها .
في إحدى السنوات ، وجدت الصين العصافير تأكل القمح ، والصين تعدادها مليار وخمسمائة مليون ، فلما العصافير تشاركهم في القمح فسيجوعون ، فعملوا مصائد للعصافير فخرجت لهم دودة من الأرض أهلكت الحرث والنسل ، فكان لابد من وجود العصافير لأنها تتغذي على هذا الدود الذي لو تُرك سيفسد أكثر مما تفسده العصافير ، وحتى لا يقول أحد لماذا خلق الله الذباب؟ وأنا أحاول أن أذبها ولكنها تعود إليَّ مرة أخرى ،فاسمه ذباب أي كلما ذُبَّ آب فصار ذباب ، كلما ذُبَّ أبعدته آب يرجع مرة أخرى ، فلماذا خلق الله الذباب؟ فأنت لا تعرف، لأن كنهك محدود، وأنا أتعجب من الإنسان الذي يعتقد أن سمعه محدود وبصره محدود، كل شيء محدود لكن عقله غير محدود،يفهم في كل شيء ولا يريد أن يسلِّم أنه لا يفهم في أشياء ، اليوم النبيr قال:« لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب أهل القبور » القبور التي بجوارنا هذه فيها صراخ لو نحن سمعناه ما دفنا ميتًا ، فكتم اللهU هذه الأصوات عنا حتى تتم مسألة الدفن ، وإلا من الذي سيدفن ميته حتى يسمع صوته وهو يصرخ ليل نهار ولا يستطيع أن ينام منه؟، أحيانًا تكون في البيت لو أبوك أو أخوك يقول آه آه أه فلا تستطيع أن تنام .
وهذا صراخ واحد يعذب مثلًا ، اسأل الله العافية وأن ينجينا وإياكم من عذاب القبر ومن عذاب النار، فسمعي محدود ، عندما تذهب لتعمل إيكو على القلب ويفتح لك صوت الدم المتدفق في الشرايين صوت عالي جدًا جدًا ومزعج للغاية ، شلال نازل وأنت لا تحس بشيء ، هل تحس أن هناك دم يجري ؟، أي ماكينة في أثناء الحركة يكون لها صوت ولو خفيف جدًا جدًا ، تخيل لو أن معدتك وهي تهضم تحدث صوتًا، وقلبك كذلك وأذنك كذلك ، أي شيء في جسدك يحدث صوتًا ،لأنه موتور يعمل ، ما الذي يمكن أن يحدث لك ،؟ ربما يجن الواحد منا، هل تحس بأي شيء، تنام وتستيقظ، فسمعك هذا محدود، تحت الأرض كائنات ونمل يكلم بعضه بعضا وعصافير تكلم بعضها وغير ذلك، وأنت لا يصل إليك منه شيء فسمعك محدود.
بصرك عندما تقف في وسط الفضاء وتنظر إلى السماء التي فوقك منتهى بصرك،ما شكل السماء؟؟ تنزل على الأرض، أليس كذلك ؟ لو نظرت من الجهات الأربع تحس أن هناك خيمة حولك والسماء نازلة، هل هذا المنظر حقيقي أن السماء نازلة علي الأرض؟ لكن هذا آخر بصرك ، ذوقك وكل حواسك أخرها هكذا ، فلماذا عقلك هو الذي تطق له العنان وأن ليس له حدود ؟، فلابد أن يكون محدودًا أيضًا ، كما أن جميع حواسك محدودة فلابد أن يكون بصرك كذلك محدود ، فهناك أشياء خلقها اللهU لحكمة نحن لا نعلمها .
عندما ننظر إلي الآية التي بينت لماذا خلقنا ؟﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾( الذاريات:56) ، فيه أسلوب عربي اسمه نفي الاستثناء يفيد الحصر ، أداة الاستثناء وهي (إلا) لما تجد حرف نفي قبل(إلا) فتعرف أن المعنى يقصد به الذي بعد كلمة (إلا) وأنه محصور عليه فقط ، لا يتعداه إلى غيره ، فعندما تقول: (لا إله) ، فتكون قد نفيت الإلوهية أم لا ؟ ثم تقول: (إلا الله )، فتكون أثبتها لله وحده دون غيره ، فتكون حصرت الإلوهية فيما بعد إلا مباشرةً
طالما (إلا) هذه منفية بلا أو ما أو إن التي هي بمعنى ما أو لا،﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ﴾(الشورى:48) أي ما عليك إلا البلاغ .
﴿ وَمَا ﴾ ما النافية ،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا ﴾ هذه أداة الاستثناء﴿ لِيَعْبُدُونِ ﴾ فأنت مخلوق للعبادة فقط، الخلط والخطأ أتانا من مفهوم معنى العبادة ، بعض الناس يتصور العبادة أنك تجلس في المسجد وتصلي ليل نهار وغير ذلك ، أو أنك تمارس أي لون من ألوان العبادة