بسم الله الرحمن الرحيم
لحظة وفاة
في جو مشحون بالحزن , كئيب مليء بالمكدرات , جو نستنشق فيه عبير الحزن , ونيسم الخوف .
مرت بنا لحظات تنادي : أني لحظةٌ من الموت .
في تلك الليلة الحزينة , رأيتُ الموت واقفا منتصبا أمام وجهك يا عمي أحمد , فخرجتُ للصلاة وهو كذلك, ودخلتُ من الصلاة وهو كذلك , كأني بالموت يُصر في هذه الليلة أن ينغمس في جسدك ليكون لك صفةً , ودليلَ حالٍ .
رأيتُ الموت في وجهك قبل أن تموت , ولمحت فيك صفة الوداع قبل أن تُوَدِع, ومرتِ اللحظات , إذا بمن لا يُحس بك إلا هي – زوجتك – توأمُ الروح , تقف أمامك , وكأن الموت ناداها لرؤيت حبيبها رؤية النهاية ......وبالفعل قد كان .
رأيتُ الموت بعد أن كان واقفا, قد جلس أمام رأسك , فأيقنتُ بفعلته , وجزمتُ بصَنيعِهِ, فأسرعت إلى أذنك يا عم , أُلقِنك كلمة التوحيد , وحينها لا أنسى ولن أنسى كيف ألهمتُ أن أُؤَذِنَ في أذنك .....وقد كان .
وما إن أتممتُ ذلك ورفعت بصري إليك , حتى رأيت الموت قد أخذك, وفعل المطلوب وأنجز المقصود , وأنهى جلسته بعد وقوفه وغادر بك إلى رحمة من الله ورضوان .
إن كنت أنسى فلن أنسى ذلك الهدوء الذي خرجت به روحك , وإن كنت سأبكي فأبكي حالك وأنت تئن وتتألم في مرضك , وإن كنت سأفرح فسأفرح أنك كنت شَهْمًا مُهَابا , وزدْتَ العبق فوحا لما كنت من خُدام بيت الله تعالى , والكل يشهد , والله يغفر ما كان من زلل ونقصان , فكلنا ذوو خطأ ونقصان .
بدأ البكاء , وحُقَّ لهم أن يبكوا , فلمثلك ولأجلك يجب أن يبكوا , والبكاء في حقك حتمٌ لازمٌ .
ثم إلى الأكفان أخذناك , فغسلناك وألبسناك , وأُشهد الله أنك كنت سهلا مهلا وأنا أغسلك وأقلبك بكلتا يَديَّ.
وحُملتَ على الأعناق وفوق الأكتاف إلى دار الوحدة والدود , ليُوضَعَ لك مكانٌ وسط القبور , ويُحفر لك قبر مكتوب فوقه كما هو مكتوب فوق قبر كل أحد : هنا الصدق لا الكذب. إذ الموت صدق والحياة كذب .
ونظرتُ إليك نظرة وداع ورحيل , ذهبتَ أنت لربك وذهبنا نحن لدُنيانا , وشتان بين ذهابٍ وذهابٍ , وشتان بين ذاهب للصدق وذاهب للكذب.
ويكفيك ذخرا عند مولاك أن الكل قد أجابوا ولبوا وجاؤوا من كل فج عميق , ومن كل متسع ومضيق , داعين الله لك أن يرحمك ويغفر لك , وأن يدخلك جنات النعيم .
وخرجوا من المقبرة والكل حزين, وخرجت منها وأنا أردد :
رحمك الله يا عمي أحمد .
وكتبه :
أبو بثينة الجزائري