تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 24

الموضوع: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

  1. #1

    افتراضي فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،

    لما وجدت هذا البحث "عظمة القرآن" للشيخ محمود بن أحمد الدوسرى ماتعاً نافعاً، عزمت على تلخيصه ورفعه ليعم النفع بإذن الله، راجيا من الله القبول.

    أصل هذا الكتاب رسالة جامعية قُدِّمت إلى قسم الدراسات الإسلامية بالجامعة الوطنية باليمن، لنيل درجة الماجستير فى تخصص علوم القرآن، وتمت مناقشتها فى يوم 25/11/1425 هـ .

    وقد سار البحث فى هذا الموضوع فى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة أبواب، وخاتمة، وذلك كما يلى:
    · المقدمة:وتشتمل على أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وخطة البحث ومنهجه.
    · التمهيد.
    وفيه أربعة مباحث:
    المبحث الأول: تعريف "العظمة" لغة .
    المبحث الثانى: ما جاء فى الآيات من ألفاظ العظمة .
    المبحث الثالث: ما جاء فى الأحاديث من ألفاظ العظمة .
    المبحث الرابع: تعريف "القرآن" لغة واصطلاحاً.
    الباب الأول
    عظمة الدلائل والمقاصد والتأثير
    وفيه ثلاثة فصول:
    الفصل الأول: دلائل عظمة القرآن.
    وفيه أربعة مباحث:
    المبحث الأول: عظمة القرآن كما بينتها آياته الحكيمة.
    المبحث الثانى: مظاهر عظمة القرآن.
    المبحث الثالث: دلائل عظمة القرآن.
    المبحث الرابع: عظمة أسماء وأوصاف القرآن.
    الفصل الثانى: عظمة القرآن فى أسلوبه وقاصده.
    وفيه أربعة مباحث:
    المبحث الأول: عظمة أسلوب القرآن.
    المبحث الثانى: عظمة مقاصد القرآن.
    المبحث الثالث: عظمة التشريع القرآني.
    المبحث الرابع: عظمة قصص القرآن.
    الفصل الثالث: عظمة تأثير القرآن.
    وفيه ثلاثة مباحث:
    المبحث الأول: أهمية الدعوة بالقرآن.
    المبحث الثانى: تطبيقات الدعوة بالقرآن.
    المبحث الثالث: تأثيرات القرآن فى استجابة بعض المعاصرين.
    الباب الثانى
    عظمة فضائل القرآن
    وفيه فصلان:
    الفصل الأول: عظمة الفضائل العامة.
    وفيه ثلاثة مباحث:
    المبحث الأول: الآيات الدالة على عظمة فضائل القرآن.
    المبحث الثانى: الأحاديث الدالة على عظمة فضائل القرآن.
    المبحث الثالث: آثار السلف المبينة لعظمة فضائل القرآن.
    الفصل الثانى: عظمة الفضائل المفصلة.
    وفيه خمسة مباحث:
    المبحث الأول: فضائل استماع القرآن.
    المبحث الثانى: فضائل تعلم القرآن وتعليمه.
    المبحث الثالث: فضائل تلاوة القرآن.
    المبحث الرابع: فضائل حفظ القرآن.
    المبحث الخامس: فضائل العمل بالقرآن.
    الباب الثالث
    أهمية القرآن فى حياة المسلمين وحقوقه عليهم
    وفيه فصلان:
    الفصل الأول أهمية القرآن فى حياة المسلمين.
    وفيه أربعة مباحث:
    المبحث الأول: مكانة القرآن في حياة المسلمين.
    المبحث الثانى: الأهداف الأساسية للقرآن في حياة المسلمين.
    المبحث الثالث: منهج القرآن في إصلاح المسلمين.
    المبحث الرابع: الآثار العظيمة للقرآن في حياة الأمة الإسلامية.
    الفصل الثانى: حقوق القرآن على المسلمين.
    وفيه مبحثان:
    المبحث الأول: حقوق عامَّة.
    المبحث الثانى: حقوق مُفَصَّلة.
    · الخاتمة: وتشتمل على أهمَّ نتائج البحث، خَتَمَ الله لنا بالحسنى.
    · الفهارس: وتشتمل على فهارس للأحاديث، والآثار، وتراجم للأعلام المترجم لهم، وثبت المصادر والمراجع، والمحتوى.
    وقد تمَّ استثناء "فهرس الآيات"؛ لكثرتها وامتلاء صفحات البحث بها.
    - سيتم وضع التلخيص فى مشاركات قادمة بإذن الله.
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    87

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    أعانك اللهُ ونحنُ بالانتظارِ

  3. #3

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    التمهيد
    وفيه أربعة مباحث
    المبحث الأول: تعريف "العظمة" لغة.
    المبحث الثانى: ما جاء فى الآيات من ألفاظ العظمة.
    المبحث الثالث: ما جاء فى الأحاديث من ألفاظ العظمة.
    المبحث الرابع: تعريف "القرآن" لغة واصطلاحاً.
    المبحث الأول
    تعريف "العظمة" لغة
    جاءت لفظة "العظمة" فى اللغة بمعانٍ عدَّة نأخذ منها ما يدلُّ على المقصود:
    ·قال ابن فارس: " الْعَيْنُ وَالظَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كِبَرٍ وَقُوَّةٍ ". " وَمِنَ الْبَابِ الْعَظْمُ، مَعْرُوفٌ، وَهُوَ سُمِّي بِذَلِكَ لِقُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ "(1).
    · وقال الليث: " العَظمةُ التَّعَظُّمُ والنَّخْوةُ والزَّهْوُ "(2).
    · و " العِظَمُ: خلافُ الصِّغَر "(3).
    · " ولِفلان عَظَمةٌ عندَ النَّاسِ أَيْ حُرْمةٌ يُعظَّمُ لهَا.....وإنَّه لَعَظِيمُ المَعاظِم أَيْ عظيمُ الحُرْمة "(4).
    · " وعَظَّمَه تَعْظِيماً وأعْظَمَهُ: فَخَّمَهُ، وكَبَّرَهُ "(5).
    · " والتعظيمُ: التَّبْجِيلُ "(6).
    · " والعَظَمَةُ: الْكِبْرِيَاءُ "(7).
    · " وعَظَمَاتُ القَوْمِ: ساداتُهم وذَوو شَرَفِهِم "(8).
    · " وَأَعْظَمْتُهُ بِالْأَلِفِ وَعَظَّمْتُهُ تَعْظِيمًا مِثْلُ وَقَّرْتُهُ تَوْقِيرًا وَفَخَّمْتُهُ "(9).

    ونخلص من هذا العرض لمعنى "العظمة" فى اللغة أنها تعني:
    الكِبَرَ، والقوة، والزَّهْوَ، والحُرمة، والشرف، والتبجيل والفخامة.
    ـــــــــــــــ ــ
    (1) معجم مقاييس الغة، (2/285)، مادة "عَظُمَ".
    (2) لسان العرب، (12/409)، مادة "عَظُمَ".
    (3-4) المصدر السابق، (12/410).
    (5) القاموس المحيط، (1/1470)، مادة "العِظَم".
    (6-7-8) المصدر السابق، (12/411).
    (9) المصباح المنير، (216) ، مادة "عَظُم".
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  4. #4

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المبحث الثانى
    ما جاء فى الآيات من ألفاظ العظمة
    وردت لفظة "العظمة" وما يتفرع عنها فى الآيات القرآنية فى مواطن كثيرة، نأخذ منها ما يدل على المقصود:

    1- قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].
    نوه الله تعالى في هذه الآية بعظمة القرآن، ووصفه [انه نعمة عظمى، تتضائل دونها جميع النِّعم.

    2- وقال تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ} [ص: 67].
    لا ريب أن القرآن خبر عظيم، وحديث عظيم؛ لأنه كلام رب العالمين؛ ولأنه حول خط سير البشرية إلى الطريق الأقوم.

    3- قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} [الواقعة: 76-78].
    قال ابن كثير رحمه الله: " قوله {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} أي: وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظَّمتم المقسم به عليه، {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} أي: إن هذا القرآن الذي نزل على محمد لكتاب عظيم. {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} أي: معظم في كتاب معظم محفوظ موقر "(1).

    4- قوله تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].
    المراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]. ومنها الهدايا والقربان للبيت.
    ومعنى تعظيمها: إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها، باستحسانها واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه.
    فتعظيم شعائر الله أساسه تقوى القلوب، فالمُعَظِّم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله(2).
    وقد ذُكرت القلوب هنا؛ لأن المنافق قد يُظهر التقوى للناس تصنعًا، وقد يكون. قلبه خاليا منها، فلا يكون مجدا في أداء الطاعات.
    أما المُخلِص - الذي تكون التقوى متمكنة في قلبه - فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص(3).

    5- قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} [التوبة: 20].
    قال الرازى: " إن من كان موصوفا بهذه الصفات الأربعة كان أعظم درجة عند الله ممن اتصف بالسقاية والعمارة. وتلك الصفات الأربعة هي هذه: فأولها: الإيمان، وثانيها: الهجرة، وثالثها: الجهاد في سبيل الله بالمال، ورابعها: الجهاد بالنفس.
    وإنما قلنا إن الموصوفين بهذه الصفات الأربعة في غاية الجلالة والرفعة؛ لأن الإنسان ليس له إلا مجموع أمور ثلاثة: الروح، والبدن، والمال. أما الروح: فلما زال عنه الكفر وحصل فيه الإيمان، فقد وصل إلى مراتب السعادات اللائقة بها. وأما البدن والمال: فبسبب الهجرة وقعا في النقصان، وبسبب الاشتغال بالجهاد صارا معرضين للهلاك والبطلان. ولا شك أن النفس والمال محبوب الإنسان، والإنسان لا يعرض عن محبوبه إلا للفوز بمحبوب أكمل من الأول، فلولا أن طلب الرضوان أتم عندهم من النفس والمال، وإلا لما رجحوا جانب الآخرة على جانب النفس والمال، ولما رضوا بإهدار النفس والمال لطلب مرضاة الله تعالى.
    فثبت أن عند حصول الصفات الأربعة صار الإنسان واصلا إلى آخر درجات البشرية، وأول مراتب درجات الملائكة، وأي مناسبة بين هذه الدرجة وبين الإقدام على السقاية والعمارة لمجرد الاقتداء بالآباء والأسلاف ولطلب الرياسة والسمعة؟
    واعلم أنه تعالى لم يقل أعظم درجة من المشتغلين بالسقاية والعمارة؛ لأنه لو عين ذكرهم لأوهم أن فضيلتهم إنما حصلت بالنسبة إليهم، ولمَّا ترك ذكر المرجوح، دل ذلك على أنهم أفضل من كل من سواهم على الإطلاق، لأنه لا يعقل حصول سعادة وفضيلة للإنسان أعلى وأكمل من هذا الصفات "(4).

    " فإن قال قائل: كيف يستقيم قوله: {أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ}وليس للمشركين درجة أصلا؟ الجواب من وجهين:
    أحدهما: أعظم درجة من درجتهم على تقديرهم في أنفسهم؛ وهذا مثل قوله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} [الفرقان: 24]ومعناه: على تقديرهم في أنفسهم.
    والثاني: أن هؤلاء الصنف من المؤمنين أعظم درجة عند الله من غيرهم "(5).

    6- قوله تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20].
    لقد أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة أنَّ الصَّدقة - فى الدنيا - خير من الإمساك وأعظم ثواباً.
    " ولذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً من الذي تؤخره إلى وصيتك عند الموت.
    وقال الزجاج: تجدوه عند الله هو خيرا لكم من متاع الدنيا "(6).
    " ولْيُعلم أنَّ مثقال ذرة فى هذه الدَّار من الخير، يُقابله أضعاف أضعاف الدُنيا، وما عليها في دار النَّعيم المقيم، من اللَّذات والشهوات. وإنَّ الخير والبرَّ فى هذه الدُّنيا، مادُّة الخير والبر فى دار القرار، وبَذْرُه وأصلُه وأساسهُ.
    فوا أسفاه على أوقات مضت فى الغفلات. وواحسرتاه على أزمان تقضَّت فى غير الأعمال الصالحات. وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها من نفسها "(7).

    ـــــــــــــ
    (1) تفسير ابن كثير (7/548).
    (2) انظر: تفسير السعدى (3/320).
    (3) انظر: التفسير الكبير، للرازى (23/29).
    (4) المصدر السابق (16/12).
    (5) تفسير السمعانى (2/296).
    (6) التفسير الكبير (30/166).
    (7) المصدر السابق (5/330).
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  5. #5

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المبحث الثالث


    ما جاء فى الأحاديث من ألفاظ العظمة


    وردت لفظة "العظمة" وما يتفرع عنها فى الأحاديث النبوية على النحو الآتى:

    1-عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
    " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ" (1).

    " قال الخطابى: معنى هذا الكلام أن الكبرياء والعظمة صفتان لله سبحانه واختص بهما لا يشركه أحد فيهما ولا ينبغي لمخلوق أن يتعاطاهما لأن صفة المخلوق التواضع والتذلل.
    وضرب الرداء والإزار مثلا في ذلك يقول - والله أعلم - كما لا يشرك الإنسان في ردائه وإزاره فكذلك لا يشركني في الكبرياء والعظمة مخلوق. (فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا) أي من الوصفين. ومعنى نازعني تخلق بذلك فيصير في معنى المشارك. (قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ) أي رميته من غير مبالاة به "(2).

    2-قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ " (3).
    " قوله صلى الله عليه وسلم (فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ) أي سبحوه ونزهوه ومجدوه "(4).

    3-عن ابن عمر - رضى الله عنهما - عن - النبي صلى الله عليه وسلم - قال:
    " مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ، أَوِ اخْتَالَ فِي مِشْيَتِهِ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ "(5).

    قال ابن الأثير: " التَّعَظُّم فِي النَّفس: هُوَ الكِبْر والنَّخْوة أَوِ الزَّهْوُ "(6).
    فقوله: (مَنْ تَعَظَّمَ فِي نَفْسِهِ) " أى: زعم نفسه عظيما حيث لم يدر أنَّ النعمة من ربه، وأنكر أنها من فضل الله ورحمته، وظن أنه استحق تلك النعمة بعلمه وعمله، وصار مدعيا للفضل والكمال والعز والجاه فهذا الذى يلقى الله وهو عليه غضبان "(7).

    4- عن محمد بن سيرين قال: " جَلَسْتُ إِلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأَنْصَارِ، وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى "الحديث(8).
    قال ابن الأثير: " أى: جماعةٌ كثيرةٌ. يُقال: دخل فى عُظم الناس: أى مُعْظَمهم "(9).


    من خلال الإستعراض اللغوى لمادة "عظم"، وكذلك ما تفرع عنها فى الآيات القرآنية، والآحاديث النبوية السالفة الذكر، نستطيع أن نقرر:

    أنَّ "عظمة القرآن" تعنى الأمور التالية:

    1- سُمُوُّ معانيه، وفخامة أُسلوبه.

    2- وسطية منهجه.

    3- شمول أحكامه.

    4- قوة تأثيره.

    5- استقامة أهدافه ونبلها.

    6- الهيبة والحرمة التى أوجدها الله تعالى فى قلب كل من سمعه وقرأه من الإنس والجنِّ مؤمنهم وكافرهم، ومن الجماد والحيوان.

    7- الشرف الحاصل لكل من آمن به واستجاب له.

    8- غلبة إعجازه التى أعيت الكافرين عن الإتيان بمثله.

    ـــــــــــــ
    (1) رواه أبو داود، كتاب اللباس، باب ما جاء فى الكبر، (4/59)، حديث [4090].
    (2) عون المعبود شرح سنن أبى داود (11/101).
    (3) رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن فى الركوع والسجود، (1/348)، حديث [479].
    (4) صحيح مسلم بشرح النووى، (4/419).
    (5) رواه أحمد فى مسنده، (10/200)، حديث [5995]، والبخارى فى الأدب المفرد، حجيث [549].
    (6) النهاية فى غريب الحديث والأثر، (3/260)، مادة "عظم".
    (7) فضل الله الصمد فى توضيح الأدب المفرد، لفضل الله الجيلانى، (2/268).
    (8) رواه البخارى فى صحيحه، كتاب التفسير، باب: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}، (3/1370)، حديث [4532].
    (9) النهاية فى غريب الحديث والأثر، (3/260)، مادة "عظم".
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  6. #6

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المبحث الرابع
    تعريف "القرآن" لغة واصطلاحاً


    أولاً: معنى "القرآن" فى اللغة:

    اتفق أهل العلم رحمهم الله على أن لفظ "قرآن" اسم وليس بفعل ولا حرف، لكنهم اختلفوا فيه من جهة الاشتقاق أو عدمه، ومن جهو كونه مهموزاً أو غير مهموز، ومن جهة كونه مصدراً أو وصفاً، على أقوال عدة، تُجمَلُ فيما يأتي(1):

    القول الأول: إنه "اسم علم غير منقول" وُضِعَ من أول الأمر عَلَماً على الكلام المنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو اسم جامد غير مهموز، مثل التوراة والإنجيل.
    وهذا القول مروى عن جماعة من العلماء منهم: الإمام الشافعى وابن كثير وابن كثير وغيرهما رحمهم الله جميعاً.


    القولان الثانى والثالث: هم القائلون بأن لفظ القرآن "مهموز"(2)، فقد اختلفوا على رأيين:

    1- أن القرآن: مصدر "قرأ" بمعنى: "تلا" كالرجحان والغفران، ثم نقل من المصدر وجُعل اسماً للكلام المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
    ويشهد له قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ}[القيامة: 18]. أى: قراءته.
    ومن القائلين بهذا القول: "اللحيانى(3)"(4).

    2- أن القرآن: وصف على وزن فعلان مشتق من "القُرْء" بمعنى الجمع، ومنه: قَرَأَ الماء فى الحوض إذا جمعه، "وَقَرأْتُ الشيء قُرآنا: جمعته وضممت بعضه إلى بعض"(5).
    قال ابن الأثير رحمه الله: "وسُمِّيَ القُرآن قُرْآناً لِأَنَّهُ جَمع القِصَص، والأمْر وَالنَّهْيَ، والوْعد وَالْوَعِيدَ، والآياتِ والسُّوَر بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كالغُفْران والكُفْران"(6).
    ومن القائلين بهذا القول: "الزجاج"(7).


    القولان الرابع والخامس: هم القائلون بأن لفظ القرآن "غير مهموز" لكنهم اختلفوا فى أصل اشتقاقه على قولين:

    1- أنه مشتق من "قَرنْتُ الشيء بالشيء" إذا ضَمَمْت أحدهما إلى الآخر، ومنه سُمِّيَ الجمع بين الحج والعمرة فى إحرام واحد قران. ومن القائلين بهذا القول: "الأشعرى"(8).

    2- أنه مشتق من "القرائن" جمع قرينة؛ لأن آياته يصدق بعضها بعضاً، ويُشبه بعضها بعض. ومن القائلين بهذا القول: "الفراء"(9).


    خلاصة العرض اللُغوى لتعريف "لفظ القرآن" ما يأتى:

    1- أنه "اسم علم غير منقول" أى: جامد.

    2- أنه "مهموز" مُشْتَقٌ من: "قَرَأَ" بمعنى: "تلا".

    3- أنه "مهموز" مشتق من: "القُرْء" بمعنى: "الجمع".

    4- أنه "غير مهموز" مشتق من: "قَرَنْتُ الشَّيءَ بالشَّيء".

    5- أنه "غير مهموز" مشتق من: "القرائن".

    ويظهر - والله أعلم - أنَّ أرجح هذه الأقوال هو القول الثاني؛ لِقُربِ اشتقاقه من كلمة القرآن لفظاً ومعنى.
    وأصبح لفظ - بعد ذلك -: "علماً على الكتاب المنزل".


    ـــــــــــــ
    (1) انظر: معجم مقاييس الللغة (2/396)، لسان العرب (1/128-131)، المصباح المنير (259)، الإتقان فى علوم القرآن (137), البرهان فى علوم القرآن (1/278)، المفردات فى غريب القرآن 400)، النهاية فى غريب الحديث والاثر (4/30-31).
    (2) معنى مهموز: أن الهمزة فى لفظ "القرآن" أصلية، من: "قرأ".
    (3) هو علي بن المبارك اللِّحيانى (أبو الحسن) من بني لحيان، وقيل سُمي به لعظم لحيته، النحوى من كبار أهل اللغة، ومن مشايخه: الكسائى، ومن تلامذته: القاسم بن سلام، ومن أشهر مصنفاته "النوادر"، توفى فى حدود (210هـ). "انظر: معجم المؤلفين (2/490)".
    (4) انظر الإتقان فى علوم القرآن (137).
    (5) لسان العرب (1/128).
    (6) النهاية فى غريب الحديث والأثر (4/30).
    (7) انظر: البرهان فى علوم القرآن (1/278).
    (8) المصدر السابق، الصفحة نفسها.
    (9) انظر: الإتقان فى علوم القرآن (137).
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  7. #7

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    ثانياً: معنى "القرآن" فى الإصطلاح:

    ذكر العلماء رحمهم الله للقرآن الكريم تعريفاً اصطلاحياً يُقرِّب معناه ويميزه عن غيره، فَعَرَّفوه بأنه:


    " كلام الله، المُنَزَّلُ على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -، المُعْجِزُ بلفظه، المُتَعَبَّدُ بتلاوته، المكتوب فى المصاحف، المنقول بالتواتر".
    وغاية العلماء من ذكر هذه القيود بشكل عام، هى تحديد المُعَرَّفِ، بحيث يكون التعريف دالاً عليه دلالة واضحة، مانعاً من دخول غيره فيه.

    شرح القيود فى تعريف "القرآن الكريم":

    القيد الأول: (القرآن: كلامُ الله): فيخرج كلام غيره من الإنس والجن والملائكة.

    القيد الثانى: (المُنَزَّلُ): خرج به ما استأثر الله بعلمه، أو تكلم به إلى ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر، فّمِن كلام الله ما ينزله إلى البشر، ومنه ما يستأثر بعلمه.
    قال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].

    القيد الثالث: (على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -): خرج به المنزل على غيره من الأنبياء، كالتوراة المنزلة على موسى - عليه السلام -، والإنجيل المنزل على عيسى - عليه السلام -، والزبور المنزل على داود عليه السلام، والصحف المنزلة على إبراهيم - عليه السلام -.

    القيد الرابع: (المُعْجِزُ بلفظه): فيخرج غير المعجز من كلام الله تعالى، كالأحاديث القدسية، وسائر الكتب السماوية، فلا تسمى قرآناً، لأن الله تبارك وتعالى لم يَتَحَدَّ البشر أن يأتوا بمثلها.

    القيد الخامس: (المُتَعَبَّدُ بتلاوته): فتخرج بذلك قراءات الآحاد، والأحاديث القدسية.

    القيد السادس: (المكتوب فى المصاحف): فيخرج غير المكتوب فى المصاحف من كلام الله تعالى، كمنسوخ التلاوة فلا يُسمَّى قرآناً.

    القيد السابع: (المنقول بالتواتر): فيخرج غير المنقول بالتواتر، كالقراءة الشاذَّة فلا تُسَمَّى قرآناً، لأنها نُقلت بطريق الآحاد.
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  8. #8

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    الباب الأول


    عظمة الدلائل والمقاصد والتأثير




    وفيه ثلاث فصول


    الفصل الأول: دلائل عظمة القرآن.

    الفصل الثاني: عظمة القرآن فى أسلوبه ومقاصده.

    الفصل الثالث: عظمة تأثير القرآن.
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  9. #9

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    الفصل الأول


    دلائل عظـمة القـرآن




    وفيه أربعة مباحث


    المبحث الأول: عظمة القرآن كما بَيَّنَتْها آياته الحكيمة.

    المبحث الثانى: مظاهر عظمة القرآن.

    المبحث الثالث: دلائل عظمة القرآن.

    المبحث الرابع: عظمة أسماء وأوصاف القرآن.





    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  10. #10

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المبحث الأول
    عظمة القرآن كما بَيَّنَتْها آياته الحكيمة
    وفيه تسعة مطالب
    المطلب الأول: ثناء الله على كتابه.

    المطلب الثانى: عظمة مُنزِّله تعالى.

    المطلب الثالث: فضل من نزل بالقرآن.

    المطلب الرابع: القرآن تنزيل رب العالمين.

    المطلب الخامس: القرآن مستقيم ليس فيه عوج.

    المطلب السادس: خشوع الجبال وتصدعها.

    المطلب السابع: انقياد الجمادات لعظمة القرآن.

    المطلب الثامن: تحدى الإنس والجن بالقرآن.

    المطلب التاسع: خمس مزايا إعجازية.






    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  11. #11

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الأول
    ثناء الله على كتابه
    أثنى الله تعالى على كتابه العزيز فى آيات كثيرة مما يدل على عظمته كما وصفه "بالعظيم" فى قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].

    ووصفه "بالإحكام" فى قوله تعالى: {آلَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].

    وذَكَرَ "هيمنته على الكتب السابقة" فى قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48].
    فهذا الكتاب هو المهيمن الحافظ لمقاصد الكتب المنزلة قبله، الشاهد المؤتمن على ما جاء فيها، يُقِّرُ الصحيح فيها، ويصحح الخطأ.

    ووصفه فى أمِّ الكتاب بأنه "علىٌ حكيم" فى قوله تعالى {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4].فهذه شهادة من الله تعالى بعلو شأن القرآن وحكمته.
    ولا ريب أنَّ من عظمة القرآن أنَّه: {عَلِيٌّ} فى محله، وشرفه، وقدره، فهو عال على جميع كتب الله تعالى؛ بسبب كونه معجزاً باقياً على وجه الدهر(1).

    ومعنى الحكيم: المنظوم نظماً متقناً لا يعتريه أىُّ خلل فى أىِّ وجه من الوجوه، فهو حكيم فى ذاته، حاكم على غيره.
    والقرآن {حَكِيمٌ} فيما يشتمل عليه من الأوامر والنواهي والأخبار، فليس فيه حكم مخالف للحكمة والعدل والميزان(2).

    ومن ثناء الله تعالى على القرآن أنه وصفه فى ثلاث سور أنه "كتاب مبارك"(3).
    ــــــــــــ
    (1)انظر: التفسير الكبير (27/167)
    (2) انظر: تفسير السعدى (4/437).
    (3) تأمل نماذج لذلك فى الآيات التالية: (الأنعام: 92،155)، (الأنبياء: 50)، (ص: 29).



    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  12. #12

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الثانى


    عظمة مُنزِّله سبحانه وتعالى


    العظيم: ذو العظمة والجلال فى ملكه وسلطانه عزَّ وجلَّ.
    قال الأصبهانى: "العظمة صفة من صفات الله لا يقوم لها خلق، والله تعالى خَلَقَ بين الخلق عظمة يُعَظِّم بها بعضهم بعضاً ، فمن الناس من يُعَظَّم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله عز وجل يعظم في الأحوال كلها، فينبغي لمن عرف حق عظمة الله أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله، إذ هو القائم على كل نفس بما كسبت"(1).

    فالله تعالى هو العظيم المطلق؛ لأنه عظيم فى ذاته وأسمائه وصفاته كلها فلا يجوز قصر عظمته فى شئ دون شئ منها؛ لأن ذلك تحكُّم لم يأذن به الله.
    قال ابن القيم رحمه الله مقررا ذلك:
    "وهو العظيم بكل معنى يوجب التـ
    ـعظيم لا يحصيه من إنسانِ"(2)
    وتتجلى عظمة القرآن العظيم فى عظمة منزله جل جلاله، ويتضح ذلك جلياً فى عدة آيات منها:
    قوله تعالى: {آلم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} [السجدة: 1-3].

    وقوله تعالى: {حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية، الأحقاف: 1-2].

    ــــــــــــ
    (1) الحجة فى بيان المحجة (ق/15ب، 16أ).
    (2) النونية بشرح ابن عيسى (2/214).


    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  13. #13

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الثالث


    فضل من نزل بالقرآن


    نوه الله تعالى بشأن مَنْ نزل بالقرآن على رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو جيبريل عليه السلم، أمين الوحى الإلهى، وذكر فضله فى عدة آيات، منها:

    قوله تعالى: { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 102].
    و(روح القدس): جبريل عليه السلام.
    والروح: المَلَكُ، كما قال تعالى: { فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا } [مريم:17]، أى ملكاً من ملائكتنا.
    والقدس: النزاهة والطهارة.
    فالمعنى: الملك المقدس(1).

    وقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } [الشعراء: 192-194].
    وسمى جبريلُ عليه السلام بالروح لعدة أوجه:

    1- لأنه روح مقدسة فوصفه بذلك تشريف له وبيان لعلو مرتبته.

    2- لأن الدين يحيا به، كما يحيا البدن بالروح، فهو المتولي لإنزال الوحي إلى الأنبياء(2).
    وقد وصف الله تعالى جبريل عليه السلام بخمس صفات فى قوله تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير: 19-21].


    الصفة الأولى: أنه كريم.
    فهو رسول كريم ليس كما يقول أعداؤه، بل كل خير في الأرض من هدى وعلم ومعرفة وإيمان وبر فهو مما أجراه ربه على يده وهذا غاية الكرم الصوري والمعنوي.

    الصفة الثانية: أنه ذو قوة.
    كما قال تعالى فى موضع أخر: { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم: 5].
    وفى ذلك تنبيه على أمور:
    1- أنه بقوته يمنع الشياطين أن تدنو منه، وأن ينالوا منه شيئا، وأن يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه الشيطان هرب منه ولم يقربه.

    2- أنه موال لهذا الرسول الذي كذبتموه، ومعاضد له ومواد له ومناصر، كما قال تعالى {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} [التحريم: 4].
    ومن كان هذا القوي وليه ومن أنصاره وأعوانه ومعلمه فهو المهدي المنصور والله هاديه وناصره.

    3- أن من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليه جبريل ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عرضة للهلاك.

    4- أنه قادر على تنفيذ ما أمر به لقوته، فلا يعجز عن ذلك، مُؤَدٍّ له كما أُمِرَ به لأمانته فهو القوي الأمين، وهذا يدل على عظمة شان المرسل، والرسول، والرسالة، والمرسل إليه، حيث انتدب له الكريم القوي المكين عنده المطاع في الملأ الأعلى، فإن الملوك لا ترسل في مهماتها إلا الأشراف ذوي الأقدار والرتب العالية(3).

    الصفة الثالثة: أنه مكين عند الرب تعالى.
    والمكين: من علت رتبته عند غيره، كما قال تعالى فى قصة يوسف عليه السلام مع المَلِك: { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ } [يوسف: 54].
    فجبريل عليه السلام له مكانة ووجاهة عند الله تعالى، وهو أقرب الملائكة إليه. يشهد له قوله تعالى: { عِندَ ذِي الْعَرْشِ } إشارة إلى علو منزلته، إذ كان قريباً من ذى العرش سبحانه.

    الصفة الرابعة: أنه مطاع فى السماوات.
    فى قوله تعالى { مُطَاعٍ ثَمَّ } إشارة إلى أن جنوده وأعوانه من الملائكة الكرام يطيعونه كما يطيع الجيش قائدهم، لنصر صاحبه وخليله محمد صلى الله عليه وسلم.

    الصفة الخامسة: أنه أمين.
    وفى وصفه بالأمانة إشارة إلى حفظ ما حمله، وأدائه له على وجهه دون نقص ولا تغيير(4).

    وفيما تقدم من عظمة أوصاف جبريل عليه السلام، تبين لنا بقياس الأولى عظمة القرآن الذى نزل به، وعلو شأنه، ومنزلته عند الله تعالى.

    ـــــــــــــــ ــ
    (1)التحرير والتنوير (1/578)، (13/194) بتصرف.
    (2)انظر: التفسير الكبير (3/161).
    (3)انظر: التبيان فى أقسام القرآن (1/75-76).




    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  14. #14

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الرابع


    القرآن تنزيل رب العالمين


    قال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ } [الشعراء:192-193].
    أسند الله جلَّ جلاَّله إنزال القرآن إلى جانب عظمته فى خمسين آية من آيات القرآن المجيد أو يزيد، وفى هذا دلالة على كمال العناية الإلهية بالقرآن، مما يهز المشاعر، ويحرك الوجدان، ويبعث على تربية المهابة منه عند سماعه.

    كما أن فى ذلك تنبيهاً على أن الُمنَزَّلَ من لدن حكيم خبير، وكمال القائل يدل على صدق الَقول وتنويهاً بعظمته المكتسبة من عظمة مُنَزِّله، وإشادةً أيما إشادة بشرف القرآن، وسمو قدره، وعظيم مكانته(1).

    وقال تعالى أيضاً: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }[القدر: 1].
    "وفى ضمير العظمة وإسناد الإنزال إليه تشريف عظيم للقرآن"(2).
    ولا شك أن هذا "تنويه بشأن القرآن الكريم وإجلاله لمحله، بإضماره المؤذن بغاية نباهته المغنية عن التصريح به، كأنه حاضر فى جميع الأذهان، وبإسناد إنزاله إلى نون العظمة المنبئ عن كمال العناية به"(3).

    فمن عظمة القرآن أنه نزل من الله تعالى وحده لا من غيره؛ لنفع الناس وهدايتهم، فاجتمعت فى القرآن خمس فضائل:

    1- أنه أفضل الكتب السماوية.

    2- نزل به أفضل الرسل وأقواهم، الأمين على وحى الله تعالى.

    3- نزل على أفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.

    4- نزل لأفضل أمة أُخرجت للناس.

    5- نزل بأفضل الألسنة وأفصحها، وأوسعها، وهو اللسان العربى المبين(4).




    المطلب الخامس


    القرآن مستقيم ليس فيه عوج


    أثنى الله تبارك وتعالى - الذى لا نحصى ثناء عليه - على نفسه وذَكَرَ أنه مستحق للحمد على إنزاله القرآن العظيم، تنبيهاً منه تعالى على أنه أعظم نعمائه؛ لأنه الهادى إلى ما فيه كمال العباد، والداعى إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد ، وقد عَلَّمَ عباده كيف يحمدونه على إفاضة هذه النعمة الجليلة فقال سبحانه:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا } [الكهف: 1-2]، ونفى العوج عن القرآن له عدَّة أوجه، منها:

    الأول: نفي التناقض عن آياته، كما قال: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } [ النساء : 82 ].

    الثانى: أنَّ كُلَّ ما ذكر الله تعالى فى القرآن من التوحيد والنبوة والأحكام والتكاليف فهو حق وصدق ولا خلل في شيء منه البتة(5).

    فقد وصف الله تعالى كتابه العزيز بوصفين عظيمين مشتملين على أنه الكامل من جميع الوجوه، وعظيم بكل ما تعبر عنه الكلمات، وهما:

    1- نفي العوج عنه: وهذا يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه عبث.

    2- إثبات أنه مستقيم مقيم: فالقرآن العظيم مستقيم فى ذاته، مقيم للنفوس على جادة الصواب، وإثبات الاستقامة يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجل الإخبارات وهي الأخبار، التي تملأ القلوب معرفة وإيمانا وعقلا كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة، وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس، وتطهرها وتنميها وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له.
    فحقيق بكتاب موصوف بما ذكر، أن يحمد الله نفسه على إنزاله(6).


    ـــــــــــــــ ــ
    (1)انظر: عناية الله وعناية رسوله بالقرآن الكريم، أ.د. أبو سريع محمد.
    (2)التحوير والتنوير (30/402).
    (3)تفسير أبى السعود (9/182).
    (4)تفسير السعدى (3/485).
    (5)انظر: التفسير الكبير (21/64).
    (6)انظر: تفسير السعدى (3/139).


    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  15. #15

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الخامس
    القرآن مستقيم ليس فيه عوج
    أثنى الله تبارك وتعالى - الذى لا نحصى ثناء عليه - على نفسه وذَكَرَ أنه مستحق للحمد على إنزاله القرآن العظيم، تنبيهاً منه تعالى على أنه أعظم نعمائه؛ لأنه الهادى إلى ما فيه كمال العباد، والداعى إلى ما فيه صلاح المعاش والمعاد ، وقد عَلَّمَ عباده كيف يحمدونه على إفاضة هذه النعمة الجليلة فقال سبحانه:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا} [الكهف: 1-2]،ونفى العوج عن القرآن له عدَّة أوجه، منها:

    الأول: نفي التناقض عن آياته، كما قال: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً } [ النساء : 82 ].

    الثانى: أنَّ كُلَّ ما ذكر الله تعالى فى القرآن من التوحيد والنبوة والأحكام والتكاليف فهو حق وصدق ولا خلل في شيء منه البتة(1).

    فقد وصف الله تعالى كتابه العزيز بوصفين عظيمين مشتملين على أنه الكامل من جميع الوجوه، وعظيم بكل ما تعبر عنه الكلمات، وهما:

    1- نفي العوج عنه: وهذا يقتضي أنه ليس في أخباره كذب، ولا في أوامره ونواهيه عبث.

    2- إثبات أنه مستقيم مقيم: فالقرآن العظيم مستقيم فى ذاته، مقيم للنفوس على جادة الصواب، وإثبات الاستقامة يقتضي أنه لا يخبر ولا يأمر إلا بأجل الإخبارات وهي الأخبار، التي تملأ القلوب معرفة وإيمانا وعقلا كالإخبار بأسماء الله وصفاته وأفعاله، ومنها الغيوب المتقدمة والمتأخرة، وأن أوامره ونواهيه، تزكي النفوس، وتطهرها وتنميها وتكملها، لاشتمالها على كمال العدل والقسط، والإخلاص، والعبودية لله رب العالمين وحده لا شريك له.
    فحقيق بكتاب موصوف بما ذكر، أن يحمد الله نفسه على إنزاله(2).
    ــــــــــــ
    (1) انظر: التفسير الكبير (21/64).
    (2) انظر: تفسير السعدى (3/139).




    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  16. #16

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب السادس
    خشوع الجبال وتصدعها
    فلقد بلغ من شأن القرآن وعظمته وشدة تأثيره أنه لو أُنزل على جبل من الجبال وجُعل له عقل كما جعل للبشر، لرأيت الجبل – مع كونه فى غاية القسوة والصلابة – خاشعاً متصدعاً من خشية الله، كما قال تعالى: { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ } [الحشر: 21]. أى: لاتَّعَظَ الجبل وتصدع صخره من شدة تأثره من خشية الله . ففى هذا "بيان حقيقة تأثير القرآن وفعاليته فى المخلوقات، ولو كانت جبلاً أشم، أو حجراً أصم"(1).
    والخشوع: هو التطأطؤ والركوع، أى لرأيته ينزل أعلاه إلى الأرض.
    والتصدع: التشقق، أى لتزلزل وتشقق من خوفه الله تعالى(2).

    ولا شَكَّ أنَّ هذا التعظيم لشأن القرآن، وتمثيل لعلو قدره وشدة تأثيره فى النفوس، لما فيه من بالغ المواعظ والزواجر، ولِما اشتمل عليه من الوعد الحق والوعيد الأكيد، فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته، لو فهم هذا القرآن كما فهمتموه، لخشع وتصدع من خوف الله عز وجل، فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه(3).

    والمقصود من إيراد الآية: إبراز عظمة القرآن الكريم، والحث على تأمل واعظه الجليلة، إذ لا عذر لأحد فى ذلك، وأداء حق الله تعالى فى تعظيم كتابه، وتوبيخ من لا يحترم هذا القرآن العظيم، وفيه كذلك تمثيلٌ وتخييلٌ لعلوِّ شأنِ القرآنِ وقوةِ تأثيرِ ما فيهِ من المواعظِ(4).
    ــــــــــــ
    (1) أضواء البيان (8/76).
    (2) انظر: التحرير والتنوير (28/104).
    (3) انظر: تفسير ابن كثير (4/343-344).
    (4) انظر: تفسير أبى السعود (8/233)، زاد المسير (8/224).


    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  17. #17

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب السابع
    انقياد الجمادات لعظمة القرآن
    يقول الله تعالى مبيناً ومنبهاً على عظمة القرآن وتأثيره: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31].
    فهذا شرط جواب محذوف، والمراد منه: تعظيم شأن القرآن العظيم. كما تقول لغلامك: لو أني قمت إليك، وتترك الجواب.

    والمعنى: ولو أن قرآنا {سُيّرَتْ بِهِ الجبال} عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها {أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرض} حتى تتصدع وتتزايل قطعاً {أَوْ كُلّمَ بِهِ الموتى} فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف(1).

    وفى بيان المقصود هنا يقول أبو السعود رحمه الله: "والمقصودُ بيانُ عِظم شأنِ القرآنِ العظيم وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدرَه العليَّ ولم يعدّوه من قبيل الآيات فاقترحوا غيره مما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام(2).
    ــــــــــــ
    (1)الكشاف (2/498).
    (2) تفسير أبى السعود (5/21-22).


    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  18. #18

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب الثامن


    تحدى الإنس والجن بالقرآن


    من مظاهر عظمة القرآن وعلو شأنه أن الله تعالى تحدى الإنس والجنَّ أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة مثله، قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88](1).

    ولقد ثبت بما لا يدع ثُلْمَةً لمرتاب: أن القرآن العظيم تنزيلٌ من ربِّ العالمين على خاتم المرسلين، وأن الخلق جميعاً لو تضافرت جهودهم واتحد رأيهم على غاية واحدة هى أن يأتوا بمثل هذا القرآن فى قِمَّة فصاحته، وذُروة بلاغته، وعمق معناه، وما احتواه من شرائع وآداب، ولم ولن يأتوا بمثله.

    فهذا القرآن العظيم ليس ألفاظاً وعبارات يحاول الإنس والجن أن يحاكوها، كلا وربى، إنه كلام الله تعالى الذى تحدى به الخلق كلَّهم، فقال عَزَّ من قائل حكيماً: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88].

    فهذا تنويه بشرف القرآن وعظمته. وهذه الأية ونحوها تُسمَّى آيات التحدى، وهو تعجيز الخلق أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم أو سورة منه.

    "وكيف يقدر المخلوق من تراب، أن يكون كلامه ككلام رب الأرباب؟ أم كيف يقدر الناقص الفقير من كل الوجوه، أن يأتي بكلام ككلام الكامل، الذي له الكمال المطلق، والغنى الواسع من كل الوجوه؟ هذا ليس في الإمكان، ولا في قدرة الإنسان، وكل من له أدنى ذوق ومعرفة بأنواع الكلام، إذا وزن هذا القرآن العظيم بغيره من كلام البلغاء، ظهر له الفرق العظيم"(2).

    " فكما أنه ليس أحد من المخلوقين مماثلا لله في أوصافه فكلامه من أوصافه، التي لا يماثله فيها أحد، فليس كمثله شيء، في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله تبارك وتعالى.فتبًا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق، وزعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم افتراه على الله واختلقه من نفسه"(3).

    فعظمة القرآن وعلو شأنه لا تجعل للخلق من إنس وجن مطمعاً فى الإتيان بمثله، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

    ــــــــــــ
    (1) تأمل آيات التحدى فى أرقام آيات السور التالية: (الطور: 34) (هود: 31) (يونس: 38) (البقرة: 23).
    (2) تفسير السعدى (1/46).
    (3) المصدر نفسه (3/130-131).




    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  19. #19

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المطلب التاسع
    خمس مزايا إعجازية
    قال تعالى: { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 51].
    فى هذه الآية الكريمة خمس مزايا للقرآن العظيم على غيره من المعجزات(1):
    المزية الأولى: أشار إليها قوله تعالى: { يُتْلَى عَلَيْهِمْ }.
    من انتشار إعجازه وعمومه في المجامع والآفاق والأزمان المختلفة، بحيث لا يختص بإدراك إعجازه فريق خاص في زمن خاص شأن المعجزات المشهودة مثل عصا موسى، وناقة صالح، وبرء الأكمه، فهو يتلى، ومن ضمن تلاوته الآيات التي تحدَّت الناس بمعارضته، وسجلت عليهم عجزهم عن المعارضة من قبل محاولتهم إياها، فكان كما قال فهو معجزة باقية، والمعجزات الأخرى معجزات زائلة.
    المزية الثانية: كونه مما يتلى.
    فإن ذلك أرفع من كون المعجزات الأخرى أحوالا مرئية؛ لأن إدراك المتلو إدراك عقلي فكري وهو أعلى من المدركات الحسية فكانت معجزة القرآن أليق بما يستقبل من عصور العلم التي تهيأت إليها الإنسانية.

    المزية الثالثة: ما أشار إليه قوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً}.
    فقد وردت مورد التعليل للتعجيب من عدم اكتفاء الكفار بالكتاب، والإشارة بـ {ذَلِكَ} إلى {الْكِتَابَ} للتنويه على تعظيمه، وكذلك تنكير {رَحْمَةً} للتعظيم، أي لا يقادر قدرها. فالكتاب المتلو مشتمل على ما هو رحمة لهم اشتمال الظرف على المظروف لأنه يشتمل على إقامة الشريعة وهي رحمة وصلاح للناس في دنياهم، فالقرآن مع كونه معجزة دالة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ومرشدة إلى تصديقه مثل غيره من المعجزات هو أيضا وسيلة علم وتشريع وآداب للمتلو عليهم وبذلك فضل غيره من المعجزات التي لا تفيد إلا تصديق الرسول الآتي بها.
    المزية الرابعة: ما أشار إليه قوله {وَذِكْرَى}.
    فالقرآن مشتمل على مواعظ ونذر وتعريف بعواقب الأمور، والإستعداد للحياة الثانية، ونحو ذلك مما في تذكره خير الدارين، وبذلك فضل غيره من المعجزات الصامتة التي لا تفيد أكثر من كون الرسول الذى أتت على يديه صادقا.
    المزية الخامسة: إذا كان القرآن كتابا متلوا فيستطيع كل من حذق العربية أن يدرك خصائصه.
    فلا يستطيع طاعن أن يزعم أنه تخيلات، كما قال قوم فرعون لموسى {يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ} [الزخرف: 49] وقال تعالى عن المشركين حين رأوا معجزة انشقاق القمر {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]،فأشار قوله {يُعْرِضُوا} إلى أن ذلك القول صدر عنهم في معجزة مرئية.

    فهذه مزايا عظيمة لمعجزة القرآن العظيم، حاصلة فى حضرته صلى الله عليه وسلم وغيبته.
    ــــــــــــ
    (1) انظر: التحرير والتنوير (20/188-190)، حديث القرآن عن القرآن (297).




    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

  20. #20

    افتراضي رد: فتح المنان تلخيص عظمة القرآن

    المبحث الثانى
    مظاهر عظمة القرآن

    وفيه اثنا عشر مطلباً

    المطلب الأول: كثرة أسماء وأوصاف القرآن.
    المطلب الثانى: التنويه بالقرآن فى مُفْتَتَحِ السُّور.
    المطلب الثالث: الحديث عن القرآن فى أواخر السُّور.
    المطلب الرابع: القسم بالقرآن وعليه.
    المطلب الخامس: تَفَضُّلُ الله بإنزال القرآن.
    المطلب السادس: اقتران أسماء الله بتنزيل القرآن.
    المطلب السابع: نزوله فى أفضل الأزمنة.
    المطلب الثامن: نزوله بأرقى اللغات وأجمعها.
    المطلب التاسع: تيسير فهم القرآن وتلاوته للعالمين.
    المطلب العاشر: حفظُ الله للقرآن.
    المطلب الحادى عشر: عالمية القرآن.
    المطلب الثانى عشر: تصديق القرآن لكتب الله وهيمنته عليها.
    قال أبو سليمان الداراني: ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم أياماً فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين، الكتاب والسنة.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •