المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو إسحاق الشاوي
جزاك الله خيرا على الفائدة و لكن البحث يا أخي ركيك ، ثم إن الحدبث هو في الفضائل يتسامح فيها الأئمة نسبيا ، فتنبه
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:
فقد وقَفْتُ على تعليق أخينا المشار إليه "بأبي إسحاق الشاوي" – حفظه الله- على تحقيقي، ومن ثَمَّ تضعيفي لحديث: "اللهم عافني في بدني..." الحديث، ويهمني في كلامه ما ذكره حول التسامح النسبي الذي عزاه للأئمة في أحاديث الأذكار، باعتبار أنها من الفضائل، أما وصْفه للبحث بالركة، فهذه بضاعتي: إن كانت جيدة؛ فهذا من فضل الله عليّ، وإن كانت ركيكة رديئة؛ فكل ميسَّر لما خُلق له، وهذا البحث أو غيره بين يدي أهل العلم بالحديث، المؤهلين للحكم بهذا أو ذاك، والله أسأل أن يكون كل ذلك خالصًا لوجهه، نافعًا لي ولوالدي وأهلي وذريتي وإخواني وذرياتهم في الدنيا والآخرة.
فأقول بالنسبة لما ذكره أخونا – حفظه الله- حول مسألة التسامح النسبي – كما عبَّر هو-:
1- ما حدود هذا التسامح النسبي؟ هل يلزم من ذلك أن لا يحكم على أحاديث الأذكار بالضعف إن كانت قواعد النقد العلمي تقضي بذلك؟ هل يقولون في الضعيف منها: إنه صحيح، أو يسكتون عنه بالكلية، حتى يقال: إنهم يتسامحون في ذلك نسبيًّا؟ وإذا كانوا لا يفعلون ذلك، بل يحكمون على الضعيف فيها بالضعف، فما وجه العيب عليّ إذًا وقد سلكتُ مسلكهم؟
2- وهل يلزم من التضعيف للحديث في فضائل الأعمال: أن لا يُعْمل به عند من يرى التسامح في ذلك وفْق شروط معينة؟ فإن كان الأخ "الشاوي" يرى العمل به بتلك الشروط؛ فليس في بحثي الذي ادّعى ركّته ما يعارضه أو يؤيده، فلماذا التهجّم بلا سبب؟
3- ثم هل هذا التسامح المذكور مجمع عليه أم فيه خلاف؟ وإذا كان فيه خلاف؛ فما هو القول الراجح بين المختلفين؟ نعم، القول بالتسامح – بشروطه التي سيأتي الكلام على بعضها- قول الجمهور، لكن لا يلزم أن كل ما قاله الجمهور هو الصواب، كما ذكرته بتوسع في شريطين باسم "الطرح والإهمال للحديث الضعيف في فضائل الأعمال".
4- لو سلَّمنا بصحة قول الجمهور، فالجمهور اشترطوا شروطًا للعمل بالأحاديث الضعيفة في الفضائل، منها: أن لا يُعتقد عند العمل به ثبوته، وقولهم: العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال، واشتراطهم عدم اعتقاد ثبوتها عند العمل بها: دليلان صريحان على الحكم بالضعف على الحديث الذي يستحق ذلك، وإن كان من جملة أحاديث فضائل الأعمال، وهذا فرع عن البحث في مخارج الحديث، ومِنْ ثَمَّ الحكم عليه بالضعف إذا كان يستحق ذلك، وهذا ما فعلته حَذْو القُذّة بالقُذّة، ولم أتعرض في بحثي هذا لكوني أعمل به مع ضعفه أم لا، ولكن للأسف هذا ما عابه عليّ أخونا حفظه الله، فيا ترى ما هي المخالفة التي وقعتُ فيها؟ فآمل أن يتأمل أخونا فيما ينقله عن العلماء قبل تخطئة المتبعين لهم.
5- ذكر الحافظ في "تبيين العجب لما ورد في فضل رجب" (ص3-4) أن من شروط العمل بالضعيف في الفضائل: أن لا يُشْتهر ذلك؛ لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف، فيشرع ما ليس بشرع، أو يراه بعض الجهال فيظن أنه سنة صحيحة اهـ. نقلاً عن "الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به، لصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم بن عبد الله الخضير حفظه الله (ص276) وكونه يُروى فوق المنابر، وفي المحافل العامة، والفضائيات؛ فهذا كله موجبٌ لشهرته بين الناس، فلابد من بيان ضعفه وإشهار ذلك؛ حتى لا يظن الجاهل صحته، وأنه تشريع نبوي، وهذا الواجب العظيم هو ما قمتُ بشيء منه، وإن عابه العائبون!!
6- وأيضًا لا نُسَلِّم بإطلاق أن أحاديث الأذكار من الفضائل التي يتسامح فيها، فإن غالب الأذكار ثناء على الله عز وجل، وذلك بأسمائه وصفاته، وإن كان كثير من ذلك أو أكثره ثابتًا بالقرآن وصحيح السنة، إلا أن بعضها ما ثبت إلا في هذه الأحاديث، وفي بعضها الاستغاثة بالصفة، مثل: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث..." وها هم أهل السنة يستدلون على كون كلام الله صفة من صفاته غير مخلوقة بحديث: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق" وها هو الإمام البخاري يستدل على خلْق أفعال العباد بحديث: "... ربَّ كل شيء ومليكه.." وكل هذا من الأذكار التي يدعي الأخ – مطلق القول- بأنها من الفضائل التي يتسامح فيها نسبيًّا، ولاشك أن هذه أمور عظيمة، لابد فيها من تحرير القول في صحة الحديث وضعفه، قبل نسبة هذا إلى الرب جل وعلا، أو جواز هذا أو ذاك.
7- اشتراطهم أن لا يُعمل بالضعيف في الأحكام، والأحكام منها الواجب، والحرام، والمستحب، والمكروه، والمباح، والأذكار فيها من الأمور المستحبة الشيء الكثير، والمستحب أحد هذه الأحكام الشرعية، كل ذلك يحتاج إلى وقْفة وتأمل.
هذا، وسيأتي تفصيل القول في ذلك – إن شاء الله تعالى- في مقدمة كتابي في الأذكار، فاللهم وفِّـق وأعـن وبارك، وشَكَر الله لأخينا على تعليقه المذكور، والله نعم المولى، ونعم النصير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه/
أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
دار الحديث بمأرب
27/محرم/1432هـ