تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين
    رضوان الله عليهم أجمعين


    إعداد الدكتور أمل بن إدريس العلمي

    إذا كان القرآن أحياناً أشكل فهمه على الصحابة والتابعين وهو نزل بلغتهم لغة قريش فما بالك يكون الأمر في عصرنا وقد صارت اللغة العربية غريبة في ديار أبنائها، إن لم نقل تكاد تكون مهجورة... وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن للصحابة ما أنزل عليه من الكتاب وحيه، وذلك طيلة مدة الوحي التي استغرقت 23 سنة... فمن يفسر لنا القرآن اليوم إن لم نرجع إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يبينه للناس وأن يبلغه ؟... وتعهد الله ببيانه وحفظه... تلك حُجتنا على من ينكر الرجوع إلى أمهات التفاسير المعتمدة... والتي تأخذ بالمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة والتابعين... وهم بلغوه لنا على منهاج الرسول عليه الصلاة والتسليم، معتمدين على ما سمعوه من النبي الكريم، واجتهدوا في تفسير بعض الآيات من القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنة في المقام الثاني... ومن بعد عهد الصحابة والتابعين الذين أدركوا الصحابة... يأتي دور علماء التفسير (والعلماء هم ورثة الأنبياء بدون خلاف) وقد سخرهم الله جل وعلا لهذه المهمة... لقد تركوا لنا أثراً لا نظير له إطلاقاً عند سائر الأمم عبر تاريخ البشرية جمعاء إلى يومنا هذا... فحمداً لله على نعمه وفضله وبالقرآن فليفرح المؤمنون... هذا وأثناء دراستي لتفسير القرآن في مدرسة "ظلال القرآن"، علقت بذهني نماذج من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة (وأخرى شقت عليهم ولها مبحث آخر)، ارتأيت عَرضها هنا مع شرحها ... وذلك من شأنه أن يُقنع من لا يرى ضرورة للرجوع إلى التفاسير... ويعتمد على فهمه (!...) إذا علم أن الصحابة والتابعين حملوا هم الفصحاء القرشيون بعض الآيات على غير محملها ووضعوها في غير محلها... ففهَّمَها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفعل الصحابة مع التابعين نفس الشيء، فكانوا يعرفون كل آية فيما نزلت ومتى نزلت، وفيمن نزلت، وأين نزلت... وقد عاشوا فترة الوحي وتلقوا الشرح مباشرة من الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبلغوه لنا... ودونكم خمس آيات أعرضها نموذجاً لما سلف ذكره، وبالله التوفيق:

    1) الآية 60 من سورة المؤمنون
    2) الآية 58 من سورة يونس
    3) الآية 105 من سورة المائدة
    4) الآية 123 من سورة النساء
    5) الآية 195 من سورة البقرة

    ترقبوا إذاً عرضها تِباعاً على هذه الصفحة إن شاء الله معتمداً على تفسير القرآن الكريم للحافظ ابن كثير (774 هـ) رحمه الله.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    1) الآية 60 من سورة المؤمنون:


    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59)وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60)أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) ﴾المؤمنون (57-61)


    في تفسير ابن كثير: وقوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَٰجِعُونَ أي: يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشرط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط، كما قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا مالك بن مغول، حدثنا عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: " لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق، وهو يخاف الله عز وجل" وهكذا رواه الترمذي وابن أبي حاتم من حديث مالك بن مِغْول، به بنحوه، وقال: " لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون، وهم يخافون ألا يتقبل منهم ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ " وقال الترمذي: وروي هذا الحديث من حديث عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، وهكذا قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرظي والحسن البصري في تفسير هذه الآية. وقد قرأ آخرون هذه الآية: " والذينَ يُؤْتُونَ ما ءَاتوا وقلوبُهم وجِلةٌ " أي: يفعلون ما يفعلون وهم خائفون، وروي هذا مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها كذلك. قال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا صخر بن جويرية، حدثنا إسماعيل المكي، حدثنا أبو خلف مولى بني جمح: أنه دخل مع عبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقالت: مرحباً بأبي عاصم، ما يمنعك أن تزورنا أو تلم بنا؟ فقال: أخشى أن أملك، فقالت: ما كنت لتفعل؟ قال: جئت لأسألك عن آية من كتاب الله عز وجل: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها؟ قالت: أية آية؟ قال: ﴿ ٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءاتَواْ أو﴿ الذينَ يأتونَ ما أتوا فقالت: أيتهما أحب إليك؟ فقلت: والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعاً، أو الدنيا وما فيها.قالت: وما هي؟ فقلت: ﴿الذينَ يأتونَ ما أتوا ﴾ فقالت: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يقرؤها، وكذلك أنزلت، ولكن الهجاء حرف، فيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، والمعنى على القراءة الأولى، وهي قراءة الجمهور السبعة، وغيرهم أظهر؛ لأنه قال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ فِى ٱلْخَيْرَٰتِ وَهُمْ لَهَا سَـٰبِقُونَ فجعلهم من السابقين، ولو كان المعنى على القراءة الأخرى، لأوشك أن لا يكونوا من السابقين، بل من المقتصدين أو المقصرين، والله أعلم. [1]

    [1] - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    2) الآية 58 من سورة يونس:


    قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (58) ﴾يونس (57-58)


    في تفسير ابن كثير: يقول تعالى ممتناً على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مَّن رَّبِّكُمْ أي: زاجر عن الفواحش ﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ أي: من الشبه والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، وهدى ورحمة، أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه؛ كقوله تعالى:﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين َ وَلاَ يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِين إَلاَّ خَسَارًا
    ]
    الإسراء: 82] وقوله:﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ]فصلت:44 [ الآية، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به ﴿ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَأي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة؛ كما قال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية، وذكر بسنده عن بقية بن الوليد عن صفوان بن عمرو، سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه، خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبت ليس هذا، هو الذي يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ الآية، وهذا مما يجمعون، وقد أسنده الحافظ أبو القاسم الطبراني، فرواه عن أبي زرعة الدمشقي عن حيوة بن شريح عن بقية، فذكره. [1]

    [1] - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    3) الآية 105 من سورة المائدة:


    قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ المائدة: ١٠٥

    في تفسير ابن كثير: يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم، ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم، ومخبراً لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس، سواء كان قريباً منه أو بعيداً. قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال، ونهيته عنه من الحرام، فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به، كذا روى الوالبي عنه، وهكذا قال مقاتل بن حيان، فقوله تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ نصب على الإغراء، ﴿ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي: فيجازي كل عامل بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان فعل ذلك ممكناً. وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا زهير، يعني: ابن معاوية، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، حدثنا قيس قال: قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه، يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه " قال: سمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس، إياكم والكذب، فإن الكذب مجانب للإيمان. وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة، عن إسماعيل بن أبي خالد به، متصلاً مرفوعاً، ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق، وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره، وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولاً في مسند الصديق رضي الله عنه. وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثنا عبد الله بن المبارك، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، حدثنا عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني، فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْقال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " بل ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخاصة نفسك، ودع العوام، فإن من ورائكم أياماً، الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم " .
    قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة: قيل: يا رسول الله، أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: " بل أجر خمسين منكم " ، ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح، وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك، ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم.
    وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الحسن: أن ابن مسعود رضي الله عنه، سأله رجل عن قول الله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ، فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها، تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا، أو قال: فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل. ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع، عن أبي العالية، عن ابن مسعود في قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ الآية، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوساً، فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف، وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله يقول: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية. قال: فسمعها ابن مسعود، فقال: مه، لم يجىء تأويل هذه بعد، إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعاً، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤ ونفسه، وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الآية، ورواه ابن جرير.
    وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا شبابة بن سوار، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام، فلم تأمر ولم تنه، فإن الله قال: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا فليبلغ الشاهد الغائب " فكنا نحن الشهود، وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا، لم يقبل منهم. وقال أيضاً: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم، قالا: حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر إذ أتاه رجل جليد العين شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألو، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك، فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك؟ فقال رجل: إني لست إياك أسأل، إنما أسأل الشيخ، فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله: لعلك ترى - لا أبا لك - أني سآمرك أن تذهب فتقتلهم، عظهم وانههم، وإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله عز وجل يقول: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الآية.
    وقال أيضاً: حدثني أحمد بن المقدام، حدثنا المعتمر بن سليمان، سمعت أبي، حدثنا قتادة عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم من المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ فقال أكثرهم: لم يجىء تأويل هذه الآية اليوم. وقال: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا ابن فضالة عن معاوية بن صالح، عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ ﴾ ؟ فأقبلوا عليَّ بلسان واحد، وقالوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها ؟ فتمنيت أني لم أكن تكلمت، وأقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت آية، ولا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوًى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
    وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سهل، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال: تلا الحسن هذه الآية: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله. وقال سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، فلا يضرك من ضل إذا اهتديت، رواه ابن جرير. وكذا روي من طريق سفيان الثوري، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حذيفة، مثله. وكذا قال غير واحد من السلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام ابن خالد الدمشقي، حدثنا الوليد، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، عن كعب في قوله: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ قال: إذا هدمت كنيسة دمشق، فجعلت مسجداً، وظهر لبس العصب، فحينئذٍ تأويل هذه الآية.[1]

    [1] - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    4) الآية 123 من سورة النساء:

    قال تعالى: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُم ْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾
    النساء: ١٢٣

    في تفسير ابن كثير: قال قتادة: ذكر لنا أن المسلمين وأهل الكتاب افتخروا، فقال أهل الكتاب: نبينا قبل نبيكم، وكتابنا قبل كتابكم، فنحن أولى بالله منكم، وقال المسلمون: نحن أولى بالله منكم، ونبينا خاتم النبيين، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله، فأنزل الله: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُ ْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ، ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ الآية، ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناوأهم من أهل الأديان، وكذا روي عن السدي ومسروق والضحاك وأبي صالح وغيرهم، وكذا روى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية: تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم، وقال: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُ ْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ الآية. وخير بين الأديان فقال: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ } إلى قوله: ﴿ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ خَلِيلاً . وقال مجاهد: قالت العرب: لن نبعث ولن نعذب، وقالت اليهود والنصارى:﴿لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ]البقرة: 111]، وقالوا:﴿لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَ أَيَّامًا مَّعْدُودَٰتٍ]آل عمران: 24] والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي، ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال، وليس كل من ادعى شيئاً حصل له بمجرد دعواه، ولا كل من قال: إنه هو على الحق، سمع قوله بمجرد ذلك، حتى يكون له من الله برهان، ولهذا قال تعالى: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُ ْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ أي: ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني، بل العبرة بطاعة الله سبحانه، واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام، ولهذا قال بعده: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ، كقوله:﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ
    ]
    الزلزلة: 7 ــــ8] وقد روي أن هذه الآية لما نزلت، شق ذلك على كثير من الصحابة.
    قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبي زهير، قال: أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، كيف الفلاح بعد هذه الآية: ﴿ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُ ْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ فكل سوء عملناه جزينا به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تنصب، ألست تحزن، ألست تصيبك اللأواء؟ "قال: بلى. قال: " فهو مما تجزون به " ورواه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة، عن إسماعيل بن أبي خالد، به، ورواه الحاكم من طريق سفيان الثوري عن إسماعيل به. وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا " وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن هشيم بن جهيمة، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا زياد الجصاص عن علي بن زيد، عن مجاهد، قال: قال عبد الله بن عمر: انظروا المكان الذي فيه عبد الله بن الزبير مصلوباً، فلا تمرن عليه، قال: فسها الغلام، فإذا عبد الله بن عمر ينظر إلى ابن الزبير، فقال: يغفر الله لك ثلاثاً، أما والله ما علمتك إلا صوّاماً قواماً وصالاً للرحم، أما والله إني لأرجو مع مساوي ما أصبت أن لا يعذبك الله بعدها، قال: ثم التفت إلي فقال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يعمل سوءاً في الدنيا يجز به " ورواه أبو بكر البزار في مسنده عن الفضل بن سهل، عن عبد الوهاب بن عطاء به مختصراً، وقال في مسند ابن الزبير: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي، حدثنا عبد الرحمن بن سليم بن حيان، حدثني أبي عن جدي حيان بن بسطام، قال: كنت مع ابن عمر، فمر بعبد الله بن الزبير وهو مصلوب، فقال: رحمة الله عليك أبا خُبيب سمعت أباك يعني: الزبير، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يعمل سوءاً يجز به في الدنيا والآخرة " ثم قال: لا نعلمه يروى عن الزبير إلا من هذا الوجه.
    وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل، حدثنا محمد بن سعد العوفي، حدثنا روح بن عبادة، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني مولى ابن سباع، قال: سمعت ابن عمر يحدث عن أبي بكر الصديق قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر ألا أقرئك آية أنزلت علي؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: فأقرأنيها، فلا أعلم إلا أني قد وجدت انفصاماً في ظهري حتى تمطيت لها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما لك يا أبا بكر؟" قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، وأينا لم يعمل السوء، وإنا لمجزيون بكل سوء عملناه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما أنت يا أبا بكر وأصحابك المؤمنون، فإنكم تجزون بذلك في الدنيا حتى تلقوا الله ليس لكم ذنوب، وأما الآخرون فيجمع ذلك لهم حتى يجزوا به يوم القيامة " ، وكذا رواه الترمذي عن يحيى بن موسى وعبد بن حميد عن روح بن عبادة به. ثم قال: وموسى بن عبيدة يضعف، ومولى ابن سباع مجهول. وقال ابن جرير: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء بن أبي رباح قال: لما نزلت هذه الآية قال أبو بكر: جاءت قاصمة الظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما هي المصيبات في الدنيا "
    (طريق أخرى عن الصديق) قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري، حدثنا محمد بن عامر السعدي، حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا فضيل بن عياض عن سلمان بن مهران، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، قال: قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله، ما أشد هذه الآية ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المصائب والأمراض والأحزان في الدينا جزاء ".
    (طريق أخرى) قال ابن جرير: حدثني عبد الله بن أبي زياد وأحمد بن منصور، قالا: أنبأنا زيد بن الحباب، حدثنا عبد الملك بن الحسن المحاربي، حدثنا محمد بن زيد بن قنفذ عن عائشة، عن أبي بكر قال: لما نزلت: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ قال أبو بكر: يا رسول الله، كل ما نعمل نؤاخذ به ؟ فقال: " يا أبا بكر أليس يصيبك كذا وكذا، فهو كفارة ".
    (حديث آخر) قال سعيد بن منصور: أنبأنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث: أن بكر بن سوادة حدثه: أن يزيد بن أبي يزيد حدثه عن عبيد بن عمير، عن عائشة: أن رجلاً تلا هذه الآية: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِفقال: إنا لنجزى بكل ما عملناه، هلكنا إذاً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " نعم، يجزى به المؤمن في الدنيا في نفسه، في جسده، فيما يؤذيه".
    (طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا سلمة بن بشير، حدثنا هشيم عن أبي عامر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله، إني لأعلم أشد آية في القرآن، فقال:"ما هي يا عائشة؟ " قلت: من يعمل سوءاً يجز به، فقال: " هو ما يصيب العبد المؤمن، حتى النكبة ينكبها " ورواه ابن جرير من حديث هشيم به. ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخزاز به.
    (طريق أخرى) قال أبو داود الطيالسي: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد، عن أمية: أنها سألت عائشة عن هذه الآية: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ، فقالت: ما سألني أحد عن هذه الآية منذ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " يا عائشة هذه مبايعة الله للعبد مما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة، حتى البضاعة يضعها في كمه، فيفزع لها، فيجدها في جيبه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه، كما أن الذهب يخرج من الكير".
    (طريق أخرى) قال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا أبو القاسم، حدثنا سريج بن يونس، حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن زيد بن المهاجر، عن عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ ، قال: " إن المؤمن يؤجر في كل شيء، حتى في القبض عند الموت " وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين عن زائدة، عن ليث، عن مجاهد، عن عائشة قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفرها، ابتلاه الله بالحزن ليكفرها عنه " .
    (حديث آخر) قال سعيد بن منصور: عن سفيان بن عيينة، عن عمر بن عبد الرحمن بن محيصن، سمع محمد بن قيس بن مخرمة يخبر: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ شق ذلك على المسلمين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سددوا وقاربوا، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى الشوكة يشاكها، والنكبة ينكبها " ، هكذا رواه أحمد عن سفيان بن عيينة، ومسلم والترمذي والنسائي من حديث سفيان بن عيينة به، ورواه ابن مردويه من حديث روح ومعتمر، كلاهما عن إبراهيم بن يزيد، عن عبد الله بن إبراهيم، سمعت أبا هريرة يقول: لما نزلت هذه الآية:﴿لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُ ْ وَلاۤ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ بكينا وحزنا، وقلنا: يا رسول الله، ما أبقت هذه الآية من شيء، قال: " أما والذي نفسي بيده إنها لكما أنزلت، ولكن أبشروا وقاربوا وسددوا، فإنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا، إلا كفر الله بها من خطيئته، حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه " وقال عطاء بن يسار: عن أبي سعيد وأبي هريرة: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر الله من سيئاته "أخرجاه.
    (حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن سعد بن إسحاق، حدثتني زينب بنت كعب بن عجرة عن أبي سعيد الخدري، قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا، ما لنا بها؟ قال: " كفارات " قال أبي: وإن قلت: قال: " حتى الشوكة فما فوقها " قال: فدعا أبي على نفسه أنه لا يفارقه الوعك حتى يموت؛ في أن لا يشغله عن حج ولا عمرة، ولا جهاد في سبيل الله، ولا صلاة مكتوبة في جماعة، فما مسه إنسان إلا وجد حره حتى مات، رضي الله عنه، تفرد به أحمد.
    (حديث أخر) روى ابن مردويه من طريق حسين بن واقد عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: قيل: يا رسول الله ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ قال: " نعم، ومن يعمل حسنة يجز بها عشراً، فهلك من غلب واحدته عشراته " وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن: ﴿ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ قال: الكافر، ثم قرأ: ﴿ وَهَلْ نُجْزِيۤ إِلاَّ ٱلْكَفُورَ [سبأ: 17] وهكذا روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنهما فسرا السوء ههنا بالشرك أيضاً. وقوله: ﴿ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: إلا أن يتوب، فيتوب الله عليه، رواه ابن أبي حاتم، والصحيح أن ذلك عام في جميع الأعمال؛ لما تقدم من الأحاديث، وهذا اختيار ابن جرير، والله أعلم. [1]

    [1] - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    فاس - المغرب
    المشاركات
    768

    Lightbulb رد: من الآيات التي أشكل فهمها على الصحابة أو التابعين

    5) الآية 195 من سورة البقرة:

    قال تعالى: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ البقرة: ١٩٥

    في تفسير ابن كثير: قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة عن سليمان، سمعت أبا وائل عن حذيفة﴿وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ قال: نزلت في النفقة، ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن أبي معاوية عن الأعمش به، مثله، قال: وروي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك، وقال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا؛ صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجياً، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره، حتى فشا الإسلام وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا، فنقيم فيهما، فنزل فينا: ﴿وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ ، فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال، وترك الجهاد. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وعبد بن حميد، في تفسيره، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه والحافظ أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ولفظ أبي داود عن أسلم أبي عمران: كنا بالقسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى أهل الشام رجل، يُريدُ: فضالة بن عبيد، فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، فصففنا لهم، فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم، ثم خرج إلينا، فصاح الناس إليه، فقالوا: سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: يا أيها الناس إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار؛ إنا لما أعز الله دينه، وكثر ناصروه، قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل الله هذه الآية. وقال أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي، قال: قال رجل للبراء بن عازب: إن حملت على العدو وحدي فقتلوني، أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا، قال الله لرسوله:﴿فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ]النساء:84[ وإنما هذه في النفقة، رواه ابن مردويه، وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ورواه الترمذي وقيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن البراء، فذكره، وقال بعد قوله:﴿لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ]النساء:84[ ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب، فيلقي بيده إلى التهلكة، ولا يتوب. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، كاتب الليث، حدثني الليث، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي بكر بن نمير بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن عبد الرحمن الأسود بن عبد يغوث، أخبره أنهم حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أزد شنوءة، فأسرع إلى العدو وحده ليستقبل، فعاب ذلك عليه المسلمون، ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه عمرو، فرده، وقال عمرو: قال الله: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ . وقال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله تعالى: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ ، قال: ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة؛ أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة، قال حماد بن سلمة: عن داود، عن الشعبي عن أبي جبيرة بن الضحاك، قال: كانت الأنصار يتصدقون، وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سنة، فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله، فنزلت: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِوقال الحسن البصري: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِقال: هو البخل. وقال سماك بن حرب عن النعمان بن بشير، في قوله: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ ، أن يذنب الرجل الذنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِين َ رواه ابن مردويه، وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبيدة السلماني والحسن وابن سيرين وأبي قلابة نحو ذلك، يعني: نحو قول النعمان بن بشير، أنها في الرجل يذنب الذنب، فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلكة، أي: يستكثر من الذنوب، فيهلك. ولهذا روى علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: التهلكة: عذاب الله. وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب، أخبرني أبو صخر عن القرظي محمد بن كعب، أنه كان يقول في هذه الآية: ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ قال: كان القوم في سبيل الله، فيتزود الرجل، فكان أفضل زاداً من الآخر، أنفق البائس من زاده حتى لا يبقى من زاده شيء، أحب أن يواسي صاحبه، فأنزل الله: ﴿ وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ. وقال ابن وهب أيضاً: أخبرني عبد الله بن عياش عن زيد بن أسلم في قول الله: ﴿وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ وذلك أن رجالاً يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة، فإما أن يقطع بهم وإما كانوا عيالاً، فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش، أو من المشي. وقال لمن بيده فضل: ﴿ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِين َ . ومضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل الله، في سائر وجوه القربات، ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده، ثم عطف بالأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، فقال: ﴿ وَأَحْسِنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِين َ. [1]

    [1] - ابن كثير – تفسير القرآن الكريم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •