فائدة تتعلق بحديث الرضراض
وان الحكم على بعض الزيادات في الأسانيد ليس الحكم فيه للأكثر دائما

قال الشيخ الدكتور / خالدمحمود الحائك حفظه الله
في موقعه
ما نصه .

قاعدة في العِلل
.
بقلم: أبي صهيب الحايك.

لا شك أن من أهم قواعد الحكم على بعض الزيادات في الأسانيد هو الحكم للأكثر، فإذا اختلف بعض الرواة على شيخٍ من الشيوخ؛ فزاد بعضهم؛ فإن الأئمة النقاد يعلون الزيادة إذا روى الأكثرية الحديث دون الزيادة في الإسناد.
وهذه القاعدة أصيلة في علم العلل، وعليها يمشي الكثير من النقاد، لكن لكلّ قاعدة شواذ، وقد تنخرم هذه القاعدة بوجود بعض القرائن التي تجعلنا لا نحكم للأكثرية، وخاصة إذا كان الاختلاف من الراوي نفسه، والحكم بخلاف هذه القاعدة يحتاج إلى دقة نظر من النقاد إذا ظهرت له قرائن تؤيد ما يذهب إليه.
ومن أمثلة ذلك:
سُئِل الدارقطني في ((العلل)) (5/235) عن حديث الرَضراض بن أسعد عن ابن مسعود: ((كنا نسلم على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة))؟ فقال: "هذا حديثٌ يرويه مطرف بن طريف الحارثي، واختلف عنه: فرواه محمد بن فضيل وأسباط بن محمد وجرير بن عبدالحميد وغيرهم، عن مطرف عن أبي الجهم سليمان بن الجهم عن الرضراض عن عبدالله بن مسعود. ورواه أبو كدينة يحيى بن المهلب عن مطرف عن أبي الجهم عن الرضراض قال: حدثني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود. وذكر علي بن المديني هذا الحديث في ((المسند)) فقال: كنت أحسبه متصلاً حتى رأيت أبا كدينة رواه عن مطرف فأدخل بين الرضراض وبين ابن مسعود رجلاً يقال له: قيس بن ثعلبة، وقيس هذا غير معروف! وهذا القول وهم من أبي كدينة! والصحيح قول من قال: عن الرضراض عن ابن مسعود. وبيّن أبو حمزة السكري في روايته عن مطرف بهذا الحديث فقال: عن أبي الجهم عن الرضراض رجلٌ من بني قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود، والقول قول أبي حمزة بمتابعة من قدمت ذكرهم عن مطرف. وروى هذا الحديث قبيصة بن الليث الأسدي عن مطرف عن الشعبي عن الرضراض عن ابن مسعود، ووهم في ذكر الشعبي. والصحيح عن مطرف عن أبي الجهم، والله أعلم".
قلت: بينّ الدارقطني مدار الحديث وهو: مطرف بن طريف الحارثي، ورواه عنه جماعة، منهم: محمد بن فضيل وأسباط بن محمد وجرير بن عبدالحميد عن مطرف عن أبي الجهم سليمان بن الجهم عن الرضراض عن عبدالله بن مسعود.
وخالفهم أبو كُدينة يحيى بن المهلب فرواه عن مطرف عن أبي الجهم عن الرضراض، قال: حدثني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود.
فزاد أبو كدينة فيه ((قيس بن ثعلبة)) وخالف الجماعة!
فرجّح الدارقطني رواية الجماعة لأمرين:
1- أنهم أكثرية واتفقوا على عدم الزيادة.
2- أن أبا حمزة السكري رواه عن مطرف فقال: عن أبي الجهم عن الرضراض رجلٌ من بني قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود.
ومشياً مع قواعد أهل الصنعة فإن تعليل الدارقطني صحيح. ولكن وجدت قرائن تدل على أن ترجيحه مرجوح، وأن الزيادة صحيحة، وهذا ما يؤيده كلام ابن المديني إلا أنه قال بأن قيس هذا غير معروف!
قلت: قيس بن ثعلبة هذا هو التابعي الثقة المعروف أبو عياض صاحب ابن مسعود وعليّ، وهو الذي روى عنه مجاهد في صحيح البخاري وصحيح مسلم.
قال البخاري في ((التاريخ الأوسط)) (ص122): "قال لي عليّ: إن يكن اسم أبي عياض قيس بن ثعلبة فلا أدري!" وقال غيره: "عمرو بن الأسود".
قال البخاري: حدثني إبراهيم بن موسى، قال: أخبرنا أحمد -أراه ابن بشير- قال: أخبرنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن مجاهد، قال: "حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية".
وقال في ((التاريخ الكبير)) (7/150): "قيس بن ثعلبة. قال علي: أراه أبا عياض. وقال غيره: اسم أبي عياض عمرو بن الأسود العنسي. يعد في الكوفيين. عن عمر وعثمان وابن مسعود وعبدالله بن عمرو. وقال إبراهيم بن موسى: أخبرنا أحمد بن بشير قال: أخبرنا مسعر، عن موسى بن أبي كثير، عن مجاهد قال: حدثنا أبو عياض في خلافة معاوية".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (5/311): "قيس بن ثعلبة. يروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود. عداده في أهل الكوفة. روى عنه أهلها".
وقال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (8/345): "قيس بن ثعلبة: قيل هو اسم أبي عياض الذي روى عن عبدالله بن عمرو وعنه مجاهد. ترجم له أبو نصر الكلاباذي هكذا في رجال البحاري ثم قال: وقيل: هو عمرو بن الأسود".
قلت: هذا هو الصواب فإن أبا عياض الذي روى عنه مجاهد وأخرج حديثه البخاري هو أبو عياض واسمه قيس بن ثعلبة.
وقال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/340): "رضراض: سمع قيس بن ثعلبة عن عبدالله: ((كنت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيرد، فسلّمت فلم يرد. فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحدث من أمره ما يشاء)). قاله أحمد بن سعيد عن إسحاق السلولي: سمع أبا كدينة، عن مطرف، عن أبي الجهم. قال بعضهم: من بني قيس بن ثعلبة".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/521): "رضراض بن أسعد. روى عن علي وعبدالله. روى عنه أبو الجهم سليمان بن الجهم. سمعت أبي يقول ذلك".
وذكر ابن حبان في أتباع التابعين من ((الثقات)) (6/312) فقال: "رضراض شيخ يروي عن قيس بن ثعلبة عن عبدالله. روى عنه أهل الكوفة".
قلت: حصل اختلاف في إسناد حديث الرضراض، واعتمد أبو حاتم الطريق التي ليس فيها قيس بن ثعلبة، وهذا خطأ، والصواب إثباته كما سيأتي.
وقد رُوي هذا الحديث في بعض الكتب وجاء فيه: ((أبو الرضراض))! رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/409، 415) عن محمد بن فضيل وأسباط بن محمد، كلاهما عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن عبدالله بن مسعود.
ورواه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/455) من طريق الحمّاني، عن محمد ابن فضيل، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن عبدالله.
ورواه أبو يعلى في ((مسنده)) (9/119) عن أبي خيثمة زهير، عن محمد بن فضيل، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن عبدالله.
قلت: كذا جاء في هذه الروايات: ((أبو الرضراض))، وبهذا ترجم ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (6/203): "أبو الرضراض. روى عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة".
وقد أشار المحقق العلامة المعلمي اليماني إلى هذه الروايات أثناء كلامه على ((التاريخ الكبير)) (3/340)، ثُم قال: "وفي تعجيل المنفعة: ((رضراض هو أبو رضراض يأتي في الكنى)). ولم يذكره في الكنى، والحاصل أنه اختلف على مطرف وهو ابن طريف، فقال ابن فضيل وأسباط: ((حدثنا مطرف عن أبي الجهم، عن أبي الرضراض، عن عبدالله))، وقال أبو كدينة، واسمه يحيى بن المهلب ((عن مطرف عن أبي الجهم عن رضراض سمع (والظاهر أنه وقع عنده بدل – سمع – حدثني – كما يأتي) قيس بن ثعلبة عنه عبدالله. ولم أقف على حديث رضراض عن عليّ. والظاهر أنه وقع في سنده ((رضراض بن أسعد عن عليّ)) أو نحو ذلك كما ذكره أبو حاتم، وبهذا يترجّح أن اسمه ((رضراض)) أو يجمع بين الروايتين بأنه رضراض أبو الرضراض، فيكون مكنى بمثل اسمه ومثله موجود. وفي ((لسان الميزان)) (2/461): ((رضراض عن ابن عباس. قال الأزدي: ليس بالقوي))، ويبقى النظر في روايته عن عبدالله بن مسعود أبواسطة قيس بن ثعلبة أم بدونها، وسيأتي في آخر الترجمة ((قال بعضهم: من بني قيس بن ثعلبة))، وفي ((لسان الميزان)) (4/477): ((قيس ابن ثعلبة عن ابن مسعود: كنا نسلم...))... أما ابن أبي حاتم فاقتصر على الاسم ((قيس ابن ثعلبة)) وترك بياضاً. والذي يتحرر أنه لا وجود لقيس بن ثعلبة إلا في رواية أبي كدينة عن مطرف عن الرضراض كما ذكره المؤلف هنا، ولكن ابن المديني لما رأى هذه الرواية وكأنه رأى أن الحديث قد روي عن أبي عياض عن ابن مسعود ظن أن أبا عياض اسمه قيس بن ثعلبة، فإذا تبين أن الصواب في هذا الحديث ((عن رضراض رجل من بني قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود(( تبيّن أنه لا وجود لقيس بن ثعلبة في التابعين، وإنما هو اسم جاهلي تنسب إليه القبيلة. وأما قول المؤلف ((رضراض: سمع قيس بن ثعلبة)) فكأنه وقع له في السند ((... رضراض حدثني قيس بن ثعلبة)) وكلمة ((حدثني)) هذه في الأصل تصحيف ((أحد بني))، فتدبر، والله أعلم". انتهى كلامه رحمه الله.
قلت: الذي يظهر لي أن ترجيح الدارقطني للرواية التي بدون قيس بن ثعلبة مرجوح! وما قاله المعلمي ليس بسديد! والاختلاف في الحديث من مطرف، فرواه عن الرضراض، وكان يرويه أحياناً عن أبي الرضراض، وأدخل مرة بين الرضراض وبين عبدالله: قيس بن ثعلبة، وهو الصواب، وقد ضبط ذلك عنه أبو كدينة وهو ثقة.
وكأن مطرفاً لم يضبطه فكان يضطرب فيه! فأحياناً كان يسقط قيس بن ثعلبة؛ لأنه لم يحفظه، ثم تذكره فضبطه عنه أبو كدينة.
قال ابن شاهين في ((تاريخ أسماء الثقات)) (ص225): "مطرف بن طريف ثقة، وهو الخارفي. وقال عثمان بن أبي شيبة: مطرف بن طريف: ثقة صدوق وليس بثبت".
وأما ما قاله أبو حمزة السكري واعتمد عليه الدارقطني في تضعيف رواية أبي كدينة أن السكري قال: "الرضراض رجل من بني قيس بن ثعلبة" فأظنه وهم، ويحتمل أن الخطأ منه، وهو وإن كان ثقة؛ إلا أنهم تكلموا في روايته في آخر عمره!
والصواب في الحديث: ((عن أبي الرضراض عن قيس بن ثعلبة أبي عياض عن عبدالله ابن مسعود)) ويؤيد هذا أمور:
1- أن الذهبي ترجم في ((المقتنى في سرد الكنى)) (1/237) تبعاً لأبي أحمد الحاكم: "أبو الرضراض عن أبي عياض. وعنه سعيد. يُجهل".
ففي هذا أن أبا الرضراض يروي عن أبي عياض، ومعروف أن أبا عياض يروي عن عبدالله بن مسعود.
2- أن الرضراض يروي عن ابن مسعود بواسطة شخص اسمه ((الحر))!
قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/81): "حُر عن ابن مسعود: اختلس إحدى التسليمتين. قاله بيان عن يزيد: حدثنا همام عن قتادة عن الرضراض".
وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/277): "حر الكوفي. روى عن عبدالله ابن مسعود. روى عنه الرضراض. سمعت أبي يقول ذلك".
وقال ابن حبان في ((الثقات)) (4/180): "حر شيخٌ يروي عن ابن مسعود. روى قتادة عن أبي الرضراض عنه. لست أعرفهما، ولا أباهما".
قلت: أبو الرضراض هو الرضراض بن أسعد من أصحاب عليّ كما سيأتي. فهذا يدل على أن الرضراض لا يروي مباشرة عن ابن مسعود بل بواسطة، والواسطة في حديث رد السلام هو قيس بن ثعلبة وهو أبو عياض، ولهذا قال ابن المديني: قيس بن ثعلبة أراه أبا عياض.
3- ترجمة البخاري لرضراض وأنه سمع قيس بن ثعلبة عن ابن مسعود، ثم نبه في آخر الترجمة إلى وهم من قال: من بني قيس بن ثعلبة! وكذلك فإنه اعتمد قول ابن المديني في ترجمة قيس بن ثعلبه أنه يراه أبا عياض، ونبه إلى وهم من سماه عمرو بن الأسود، فهذا الأخير آخر.
4- وكذلك فإن البخاري ذكر في ترجمة قيس بن ثعلبة والذي رجح ابن المديني أنه أبو عياض- ذكر أنه يروي عن عبدالله بن عمرو بن العاص، وذكر أيضاً أن مجاهد يروي عنه، وهذا إشارة إلى الرواية التي خرجها البخاري عن مجاهد عن أبي عياض عن عبدالله بن عمرو بن العاص في الصوم كما سبق ذكرها.
وقد اعتمد المعلمي اليماني –رحمه الله- في نفي وجود قيس بن ثعلبة رواية السكري، وهذه الرواية مرجوحة، وإن رجحها الدارقطني. وفعل البخاري هو الصواب إن شاء الله تعالى. بل إن هذه الرواية تؤكد وجود زيادة ((قيس بن ثعلبة))، ولكن أخطأ السكري في قوله: "رجل من"!
أما حديث الرضراض عن عليّ فقد وقفت عليه –ولله الحمد- وهو ما أخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (3/140)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (4/69) عن عبدالرّحمن بن عمرو الدمشقي أبي زُرعة، قال: حدثنا محمد بن بكّار بن بلال، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الرضراض بن أسعد، قال: ((شهدت علياً جلد شراحة ثم رجمها. وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
قلت: وهذه الرواية التي لم يقف على هذه الرواية ولكنه قال: "والظاهر أنه وقع في سنده ((رضراض بن أسعد عن عليّ)) أو نحو ذلك كما ذكره أبو حاتم". وما توقعه أصاب فيه رحمه الله.
وكأن رضراض هذا كنيته أبا الرضراض ولذلك رُوي الحديث مرة عن رضراض ومرة عن أبي رضراض، وهو ثقة إن شاء الله.
وبهذا التحقيق أرجح زيادة أبي كدينة في الإسناد، والله تعالى أعلم وأحكم.

وكتب: خالد الحايك.
13 ربيع الأول 1429هـ.