[بسم الله الرحمن الرحيم]

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أمَّا بعد :
اختلف أهل العلم اليوم ، في أمر الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى - أحمد بن علي بن ثابت البغدادي - هل هو : أشعري العقيدة ، أم أنَّه على مذهب السلف أصحاب الحديث ، في في هذا ..؟؟.
و أظن أنَّ مصدر هذا اللبس هو أنَّ الحافظ ابن عساكر رحمه الله تعالى قد ترجم للخطيب ، في كتابه : " تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري ". على أنَّه أحد أئمة المذهب الأشعري ، فقال في نهاية ترجمته رحمه الله تعالى :(ص272)
" .. وكان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله ".
و الذي زاد الأمر غموضاً أنَّه ليس له - أي للخطيب - كلام صريح في كتبه في هذا المجال ، مع العلم بأنَّه قد صرح بأنَّ أئمة الحديث هم القائمون بحفظ الشريعة ، وأنَّهم :" رأس مالي , وإلى علمهم مآلي , وبهم فخري وجمالي ". كما جاء ذلك عنه في كتابه الفقيه والمتفقه .
وقد وجدتُ له نصاً صريحاً يبين حقيقة اعتقاده رحمه الله تعالى في مسألة الصفات - وهي المسألة التي ضلَّ فيها كثير من الخلق إلاَّ ما رحم ربي - أخرجه الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه المبارك :" سير أعلام النبلاء ". فقال :(18/283 - 284)
" أخبرنا أبو علي بن الخلال، أخبرنا أبو الفضل الهمداني ، أخبرنا أبو طاهر السلفي ، أخبرنا محمد بن مرزوق الزعفراني ، حدثنا الحافظ أبو بكر الخطيب قال :
أما الكلام في الصفات ، فإن ما روي منها في السنن الصحاح ، مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ، ونفي الكيفية والتشبيه عنها ، وقد نفاها قوم ، فأبطلوا ما أثبته الله ، وحققها قوم من المثبتين ، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف ، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الامرين ، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه .والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف .
فإذا قلنا : لله يد وسمع وبصر ، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ، ولا نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا إن معنى السمع والبصر العلم ، ولا نقول : إنها جوارح ، ولا نشبهها بالايدي والاسماع والابصار التي هي جوارح وأدوات للفعل ، ونقول: إنما وجب إثباتها لان التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله: [ ليس كمثله شئ ]. و قوله تعالى [ ولم يكن له كفوا أحد ].
فهذا نصٌ صريحٌ منه رحمه الله تعالى في تبيين عقيدته .
وبمقارنة عقيدة الخطيب رحمه الله تعالى هذه ، مع عقيدة الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى التي مات عليها ، والتي تجلت بوضوح في كتابه المبارك :" الإبانة ". يتبين لنا أنهما يخرجان من مشكاة واحدة ، ومن هنا فلا إشكال في وصف الخطيب بأنَّه على مذهب الأشعري رحمه الله تعالى ، كما صنع ابن عساكر رحمه الله في كتابه :" تبيين كذب المفتري ". إذا كان مقصود ذلك : أنَّه على مذهب الأشعري في كتابه :" الإبانة ". وعند ذلك فلا ضير في نسبة الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى إلى الأشعري ، لكن ينبغي على من ينسبه إلى ذلك أن يفرِّق هذا التفريق الهام ، لأنَّ عقيدة الإمام الأشعري رحمه الله تعالى قد مرت بأطوار عدة ، أبتداءً من الأعتزال إلى مذهب السلف في أكثر أبواب العقيدة إلى مذهب السلف الخالص ، وهو وما أعلنه صريحاً في أول كتابه :" الإبانة ". من أنَّه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى ، فقال ما صنه :(ص20)
" قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها : التمسك بكتاب الله ربنا عز و جل ، و بسنة نبينا محمد صلى الله عليه و سلم ، وما روى عن السادة الصحابة ، والتابعين ، وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون ، ولما خالف قوله مخالفون ، لأنَّه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ودفع به الضلال وأوضح به المنهاج وقمع به بدع المبتدعين وزيع الزائغين وشك الشاكين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدم وجليل معظم وكبير مفهم ".
ولكن الأسلم في هذا كله هو : عدم نسبة الخطيب رحمه الله تعالى - ولا غيره من أئمة العلم - إلى المذهب الأشعري ، لما في ذلك من اللبس والخلط ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى :(6/359).
" وأَمَّا من قَال منهم بِكتاب " الْإبانة " الذي صنفه الْأشعرِي في آخرِ عمرِه ولم يظهِر مقالة تناقض ذلك ، فَهذا يُعد من أهلِ السنة ؛ لكنَّ مجرد الإنتساب إلى الْأشعرِي بِدعةٌ ، لا سيما وأنه بذَلك يوهم حُسنا بكل من انتسب هذه النسبة ، وينفتح بِذلك أَبواب شر ".
هذا والله أعلم .
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري

منقول من منتدى أهل الحديث بمصر