الطريق نحو الحرية وتقرير المصير : تصور مستقبل تركستان الشرقية
د/ عز الدين الورداني (باحث مصرى متخصص فى قضية تركستان الشرقية)
إن الطريق نحو الحرية وتقرير المصير لأية أمة يستلزم النظر فى واقعها اليوم فالآن قد يحدد بصورة حاسمة المستقبل ، والواقع على الأرض يحدد الخيارات ويرتب الأولويات.
وواقع الحال فى تركستان الشرقية الآن شعب قد احتلت أرضه يعانى من ضعف أوضاعه الاقتصادية ومن التهميش السياسي فى إدارة بلده التى تتمتع بالحكم الذاتي داخل الصين ، كما تنتهك حقوقه الإنسانية باستمرار وتتعرض هويته الدينية والثقافية لمحاولات دائبة لإضعافها أو محوها .
وفى الوقت نفسه لاتحظى قضيته بالدعم الكافى على المستوى الدولى نظرياً وعملياً.
أمة بهذا الحال تواجه قوة كبرى غير ديمقراطية متصاعدة النفوذ الاقتصادي والسياسي فى عالم اليوم ، لا تقبل -الآن على الأقل- مناقشة إمكانية تقرير مصير تركستان الشرقية ، فضلا عن بذلها الجهود المستمرة لمحاصرة الشعب التركستانى وتنظيماته فى الداخل والخارج، وتعقد التحالفات الدولية التى تركز على النواحى الأمنية والتى تساعدها فى قمع ومحاصرة التحركات التركستانية والناشطين التركستانيين فى الداخل والخارج ، كانخراطها فى دعم الحملة الدولية ضد الإرهاب والموجهة بصفة خاصة ضد المسلمين بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية، والأخطر من ذلك مجموعة شنغهاى للتعاون والتى تضم أهم دول الطوق حول تركستان الشرقية وهى دول تركية قد تمثل دعماً لتركستان الشرقية الآن وفى المستقبل بحكم اشتراك الجميع فى العرق والتاريخ والدين ،وذلك بهدف تحييد تلك الدول وإقصائها عما يحدث فى تركستان الآن ومستقبلاً. كما أن الكثير من الدول بالأخص العربية والإسلامية تميل لمجاملة الصين لتصاعد قوتها واعتبارها معادلا استراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية التى لها مشكلة مع تلك الدول على خلفية الصراع العربى الإسرائيلي.
إن الطريق نحو الحرية وتقرير المصير لتركستان الشرقية يتطلب منا الكثير من العمل والوعي لحقائق القوة ودروس التاريخ ، فموقف أى طرف فى الصراع أو المفاوضات يعتمد على قوته الذاتية ، وقوة التحالفات التى يعقدها ، وتحقيق المكاسب يعتمد على عناصر القوة المتوافرة لكل طرف ، ومدى براعته فى تحديد أهدافه الحالية والمستقبلية، وفى تصوري أن تحقيق مستقبل أفضل لتركستان الشرقية يتطلب بداية دعم القوة الذاتية للشعب التركستاني ومنظماته فى الداخل والخارج ، ويعتمد ذلك على :
- تحسين أوضاعه الاقتصادية والسياسية والإنسانية والثقافية وهذا يستلزم حث الصين على توفير فرص العمل للتركستانيين فى مختلف الأنشطة الاقتصادية وتحاشي التمييز ضدهم فى منح فرص العمل والاستثمار .
- فتح مكاتب تمثيل تجاري للدول الاسلامية داخل تركستان الشرقية .
- حث رجال الأعمال على دعم التبادل التجارى مع تركستان الشرقية ومنح الأولوية عند الاستيراد من الصين للمؤسسات والمصانع التى يعمل بها الأتراك لدفع المؤسسات التجارية وأصحاب الأعمال داخل تركستان الشرقية والصين لتوظيف التركستانيين.
- مطالبة الصين بصفة مستمرة باحترام حقوق التركستانيين الانسانية والثقافية والدينية وهو الأمر الذى يكفله الدستور الصيني وقانون مناطق الحكم الذاتى داخل الصين بصفة نظرية .
- مناقشة الصين حول إمكانية فتح قنصليات للدول الاسلامية داخل تركستان الشرقية وكذلك فتح مكاتب للمنظمات الاسلامية مثل منظمة المؤتمر الاسلامي ورابطة العالم الاسلامي ولجان الإغاثة ، وفتح فروع للجامعات الاسلامية واستقدام الطلاب التركستانيين إلى مختلف بلدان العالم الاسلامي وتقديم الدعم الكافي لهم.
وإذا لم نتمكن من النفاذ الى داخل تركستان الشرقية فلنكن على أبوابها فى تركستان الغربية بدولها المتعددة:
- دعم العلاقات مع مختلف المنظمات الدولية العاملة فى مجال حقوق الإنسان للوقوف فى وجه انتهاكات حقوق الإنسان داخل تركستان الشرقية، وعرضها على العالم وتقديمها لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
- تشجيع الدراسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث حول تركستان الشرقية لدعم الاتصال بتركستان وللحفاظ على تدفق مستمر للمعلومات حول أوضاع الشعب التركستاني.
- حث الصين على تفعيل الحكم الذاتي الممنوح لتركستان الشرقية لكي يقوم الأتراك بدور حقيقي فى حكم بلدهم والحفاظ على هويتهم،والتمتع بثروات بلادهم،وأن يكون نظام الحكم بها على غرار النظام المطبق فى منطقة ماكاو الإدارية الخاصة،والذى يكفل لها على سبيل المثال:-
*صيانة الحريات الشخصية للمقيمين به اوحظر تفتيش منازلهم، وضع النظام التعليمى الخاص بها، السيطرة على دخول وإقامة الأفراد وتوطنهم بها- وهى المشكلة الخطيرة التى يعانى منها شعب تركستان الذى تنهمر على بلاده أعداد ضخمة من المهاجرين الهان،كما أن لماكاو استقلالية فى إدارة شئونها المالية وفرض الضرائب،وأيضا يمكنها استخدام شعار وعلم خاص بها.ولم تعتبر الصين ذلك مساسا بسيادتها أو رغبة فى الانفصال.
إن الأمر يتطلب تكاتف الجميع حكومات وشعوب ومنظمات رسمية وأهلية للضغط على الصين فى هذا الصدد ولدعم وتعزير قوة الشعب التركستاني ومنظماته فى الداخل والخارج والتى تعالج القضية التركستانية بطريقة سلمية . ولو تطلب ذلك تقليص العلاقات مع الصين وبالأخص العلاقات الاقتصادية والتى تعد أهم محددات السياسة الصينية.
لا شك أن الشأن التركستاني يحتاج الى تخطيط دقيق وجهد كبير ، وذكاء ومهارة فى التعامل مع الإدارة الصينية شديدة الحساسية تجاه تلك القضية ، فالميراث التاريخي من الصراعات الطويلة للصين داخلياً وخارجياً أوجد لديهم إحساسا بعدم الأمن والتهديد المستمر والخوف من مخاطر التفكك ، مما يدفع بالإدارة الصينية الى إصدار أحكام متسرعة ونوع من اللاعقلانية فى مواجهة الأحداث وإدارة العلاقات .
ومن الأمور الأساسية فى الطريق نحو الحرية وتقرير المصير لتركستان القيام بالدعاية اللازمة لاكتساب الرأى العام الدولي وحشد أكبر عدد ممكن من المتعاطفين والداعمين لتركستان الشرقية سواءً كانوا دولاً أو شعوبا أو منظمات أهلية فسيمثل هؤلاء رأياً عاماً يضغط على الصين لتحسين وضع الشعب التركستاني وقد يمثلون مستقبلا التحالف الذى سيدعم استقلال تركستان الشرقية .
إن القضية التركستانية وبكل تأكيد تتقدم من نواح عديدة لصالح التركستانيين فالوعى بالقضية زاد كثيراً وبالأخص بعد الأحداث الأخيرة فى تركستان ومازالت القضية وحركات المقاومة تكتسب الكثير من الأنصار والدعم الدولي وتقوى وحدتها فى حين يتراجع التأييد للصين فى هذا الصدد.
إن الصين وبرغم ما يبدو من قوتها وتقدمها إلا أن عوامل ضعفها وتفككها موجودة وقد تتصاعد وتيرتها على نحو غير متوقع ، كما حدث للاتحاد السوفيتي السابق. ودولة بحجم واتساع الصين تقطعها الجبال والصحراوات والتناقضات السياسية والاقتصادية قد لا تبقى موحدة طويلاً كما أخبرنا التاريخ ، وبالأخص أن الحزب الشيوعي مع طول احتكاره للسلطة قد فقد الكثير من مهارات الحكم والتعامل والاتصال مع من يختلف معه،وأصبح تحقيق المنافع الاقتصادية هو المحدد الأساسى فى تعاملاته مع الآخر بما فى ذلك الأقليات الخاضعة لحكمه داخل الصين،ودون تقديم الاحترام الكافى لهويتهم الحضارية عمليا وليس نظريا.
وسيبقى الطرفان تركستان الشرقية والصين فى انتظار لحظة المواجهة الفارقة لحسم الصراع وتقرير مستقبل تركستان الشرقية وذلك فى حالة ضعف السلطة المركزية فى الصين وما قد يتبع ذلك من صراعات وثورات وتصاعد احتمالات تفكك الصين ومن ثم إمكانية استقلال تركستان الشرقية.
والشئ الذى يجب أخذه فى الاعتبار فى هذه الحالة ونظراً لكثرة عدد الهان بتركستان الشرقية وغناها بالثروات هو احتمال سقوطها فى يد عصبة من الهان المستبدين على شاكلة ( جين – شو – رين ) (وشين – شى- تساى) الذين حكموا تركستان الشرقية فى القرن الماضي مستقلين الى حد بعيد عن سلطة الحكومة المركزية الضعيفة فى الصين وهو الأمر الذى يمكن تفاديه بوحدة حركات المقاومة التركستانية وقوة تماسكها والتجنب التام للصراع فيما بينها وإزالة كافة عوامل التباعد بين مختلف عناصر وتنظيمات الشعب التركستاني ولو كان ذلك فى الاسم فالمطلوب أن يكون اسم أى حركة أو تنظيم جامعا بين مختلف عناصر الأمة التركية فى تركستان الشرقية وليس للأويغور أو القازاق أو القرغير،أوغيرهم ، فالمتربص قد يذكى الصراعات الداخلية فى فترة حاسمة وقد يدفع البعض للانشقاق والالتحاق بالجانب الآخر من الحدود، لنتعلم من التاريخ ، ولنثق فى الله ثم فى قدراتنا ، ولنتحل بالشجاعة والمثابرة ومعالجة العديد من الأساليب لدعم الشعب التركستاني وحتما سنجد طريقاًُ ما مفتوحة لحل المشكلة أو التخفيف من حدتها، ولا بد من استمرار التفاؤل والإبقاء على اتجاه نستطيع أن نفعل مهما كانت الإمكانيات مع العمل الجاد المخلص الواعي لمساندة قضية الشعب المظلوم الذى يعاني منذ زمن بعيد فى تركستان الشرقية .
إن الفرصة قائمة لدى الصين لتحسين حالة حقوق الإنسان فى هذه المنطقة ومن ثم تتفادى حدوث القلاقل وتحافظ على صورتها الجيدة وعلاقاتهاالقوية مع العالم العربى والإسلامى ،إن الحضارة الإسلامية حضارة مسالمة تتقبل الآخر؛ولكن بقدر ما يكون من ظلم تكون مقاومة وبقدر ما يكون من عدل يكون سلام وأمان مع الآخر بل ومع النفس .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القاهرة