لكن أنا أسعف صاحبنا الذي طلب مني أن أذكر له أبيات أبي صخر الهُزَلي والقصة التي ذكرتها بخصوص ذلك،:
أبيات أبي صخر الهزلي" هي في شرح أشعار الهُزَليين لأبي سعيد السكري الحسن بن الحسين وهذا الكتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات، حاول أن يستوفي كل ما نسب إلى الهُزَليين ومعروف قبيلة هزيل أنها من أشعر العرب والإمام الشافعي رحمه الله أول ما تعلم تعلم في قبيلة هزيل وحفظ عشرة الآف بيت من أشعار الهزليين حتى أن ابن هشام وغيره من الأئمة الكبار في النحو كانوا يقولون كلام الشافعي يحتج به في اللغة من فصاحته ولأنه كما قلت تربي في هزيل.
الْقِصَّة الَّتِي ذَكَرْتُهَا جَاءَت عَلَى لِسَان أَبِي مُحَمَّد عَبْد الْلَّه بْن بَرِّي رَحِمَه الْلَّه:وهو أحد العلماء الكبار من المصريين الذين شُهِدَ لهم بالتبحر والتقدم في علوم العربية حتى أنهم نسبوه إلى التغفيل أو إلى عدم الضبط في سائر العلوم إلا علوم العربية بسبب قصة هو ذكرها,وأنا التقطتها من كتاب لسان العرب لابن منظور ووقفت على هذه الحكاية بقصة فأنا كان وُلِدَ لي بنت وأحببت أن أسميها رميسة أو رميساء لكنني أحببت أن أنظر في هذه اللفظة هل تشتمل على معنى قبيح أم لا لأن الاسم لابد أن يشتمل على معنى جيد أو على الأقل إن لم يكن له معنى فلابد أن ينسب إلى اسم أو إلى شخصية شريفة فلا أسمي اسم البنت مثلا باسم امرأة اشتهرت بالفجور لكن أسميها باسم امرأة اشتهرت بالعفة ممكن أسمي مريم ممكن أسمي فاطمة ممكن أسمي خديجة أو عائشة أو ميمونة أو حفصة أو حبيبة أو زينب الاسم الكبير المشهور يكون اسم له عراقة واسم محترم , إن لم يكن هذا يبقى الشيء الآخر وهو أن يشتمل الاسم على معنى جميل فـأنا خشيت أن يكون رمس أو رميساء تشتمل على اسم قبيح فذهبت لمادة رمس في لسان العرب كي أعرف هل هذا الاسم يشتمل , على معنى قبيح أم لا فوجدت رمس( الأرماس) التي هي عبارة عن خشب يركب بعضه على بعض ويركب عليه في النهر أو على الماء الحقيقة لم يعجبني المعني وقلت أسميها أُمامة علي حفيدة النبي عليه الصلاة والسلام لكن لما قرأت في مادة رمس في لسان العرب وقفت على هذه القصة الرائقة الرائعة وقفت على الأبيات وهي التي دلتني على أن أذهب إلى شرح أشعار الهزليين لما عرفت أن أبا صخر الهزلي هو الذي قال هذه الأبيات،.أبو محمد عبد الله بن بري هو الذي يحكي هذه القصة قال: رأى أبي قبل أن يُرزَقَني أن في يده رمحاً طويلا وفي رأس الرمح قنديل وأخذ هذا الرمح وعلقه على صخرة في بيت المقدس، فذهب إلي بعض المعبرين قال له ستُرزق ولدًا يرفع ذكرك بعلم يتعلمه، ففي ذات يوم من الأيام بعدما بلغ سن خمسة عشر سنة ظافر الحداد وابن أبي حصينة وكلاهما كان مشهورًا بالأدب أتيا بريًا الذي هو أبو عبد الله بن بري الذي يحكي القصة وجلسوا يتجاذبون أطراف الحديث في الأدب فأنشد بري أبياتاً لأبي صخر الهُزَلي يقول، أنا لما نظرت في شرح أشعار الهزليين وجدتها تقريبا في حدود واحد وثلاثين بيتا ،:
يقول في جملة هذه الأبيات:
أما والذي أبكى وأضحك والذي
أمات وأحيا والذي أمره الأمرُ
لقد تركتني أغبط الوحش أن أرى
أليفين منها لا يروعُمها الزجر
إذا ذُكِرت ارتاح قلبي لذِكرها
كما انتفض العصفُورُ بلله القطرُ
تكاد يدي تندى إذا مالامستها
وتنبت في أطرافها الورق الخُضرُ
وصلتكِ حتى قِيلَ لا يعرف القِلا
وزُرتُكِ حتى قِيلَ ليس له صبرُ
فيا حبَها زدني هويً في كل ليلةٍ
ويا سلوة الأيام موعِدُكِ الحشرُ
عجبت لسعي( الناس) بيني وبينها فلما انقضى ما بيننا سكن (الشرُ )
إلى آخر الأبيات لكنني حرفت في آخر بيت أبدلت الدهر. في الشطر الأول بالناس وفي الشطر الثاني من البيت أبدلت الدهر بالشر:
أبي صخر الهزلي يقول :عجبت لسعي (الدهر) بيني وبينها فلما انقضي ما بيننا سكن(الدهر )فيه ذم للدهر أو عتاب للدهر وقد نهانا نبينا صلى_ الله عليه وسلم_ أن نذم الدهر قال(لَا يَقُوْلَن أَحَدُكُم يَا خَيْبَة الْدَّهْر فَإِن الْلَّه هُو الْدَّهْر)
ولا يجوز شرعا أن يعتب أحد على الدهر ولا يذكر الدهر لا بذم ولا بسوء فلذلك حرصت على أن أضع كلمة مكان كلمة مع الاحتفاظ بوزن البيت :
عندما قرأ بري والد عبد الله الإمام هذا البيت قرأه هكذا :
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها
وتنبت في أطرافها الورق الخضرِ
هو قرأها الورق(الخضرِ )بكسر الراء فضحكا منه للحنه ، فلما ضحكا منه نادي ابنه قال يا بني إني أنتظر تفسير منامي، أنا أريدك أن تتعلم علمًا لعل الله أن يرفع ذكري بك فقال ابنه أي العلوم تريد، قال تعلم النحو حتى تعلمني فكان هذا الابن يذهب إلى بكر بن السراح وهو محمد بن عبد المالك يتعلم منه النحو ثم يرجع فيعلم أباه
هذه كانت القصة التي ذكرتها وأنا أحيل الأخ الذي طلب مني هذه الأبيات إلى شرح أشعار الهزليين وسيجد فيها شيئاً رائعًا لاسيما أشعار أبي ذؤيب الهزلي صاحب القصيدة المشهورة التي يقول فيها:
وتجلُدي للشامتين أريهمُ
أني لريب الدهر لا أتضعضعُ،.
قصيدة في غاية الروعة .. .. فنستمتع كثيرًا بالنظر في أشعار الهزليين وسيكون لنا بإذن الله تبارك وتعالى بعض الوقفات في شرح ديوان الحماسة لأبي تمام سنختار منها بعض المقطوعات الرائعة وكذلك من أشعار أبي الطيب المتني أو أشعار البارودي متنبي العصر الحديث ومجدد شباب الشعر العربي في هذا العصر.
أما الأبيات التي يشير الأخ إليها أنا كنت ذكرتها منذ حوالي ستة أشهر تقريبا أو أكثر من ذلك بقليل عندما كنت أتكلم عن الدنيا وعن فتنة الدنيا وأن الذي ينغمس في الدنيا يشقى بها ولا يسعد.
هذه الأبيات مؤلمة وصدعت قلبي أول ما قرأتها وأنا التقطتها من بعد كتابات ومقالات الإمام الكبير العلم سيد العربية في هذا الزمان الشيخ محمود محمد شاكر_ رحمه الله تعالى_وهذا الرجل ما أخذ حظه من التوقير في بلادنا له الأيادي البيضاء على العربية ونسأل الله عز وجل أن يكافئه في قبره وأن يكافئ أخاه محدث مصر الأكبر الشيخ أبو الأشبال أحمد شاكر وأن يكافئ الوالد الشيخ محمد شاكر وكيل الجامع الأزهر في زمانه ومؤسس القضاء الشرعي في السودان رحمة الله عليهم جميعًا ،.
يَقُوْل هَذَا الْرَّجُل الَّذِي ابْتُلِي بِامْرَأَتِه .يقول كان لامرأته طموحات فذهب في أسفار طويلة ركب ناقته و عاش في الهاجرة يلتحف السماء ويفترش الغبراء و بعد هذه الرحلة الطويلة نحيلاً هزيلاً وقد لفحته الشمس وغيرت من شكله رجع هزيلاً راكباً ناقته الهزيلة من كثرة السفر فلما دق الباب و فتحت له الزوجة وكان اسمها أميمة عندما رأته لأول وهلة أنكرته ودار بينهما حوارٌ صاغه هذا المكلوم بأعذب عبارة:
يقول في ترجمة هذا الموقف :
رأت نِضو أسفارٍ أميمةُ شاحبًا
على نِضو أسفارٍ فجُنَ جنوُنُها
وقالت من أي الناسِ أنتَ ومن
تكُن فإنك راع صِرمَةٍ لا تُزينها
فقلت لها ليس الشُحوبِ على
الفتى بعارٍ ولا خيرِ الرجالِ سمينُها
عليكِ براعي ثلةٍ مُسلَحِبةٍ
يروحُ عليه مخضٌها وحقينُها
سمين الضواحي لم تؤرقهُ ليلةً
وأنعمَ أبكارُ الهمومِ وعونُها.
فهذا كلام قوي لكنه مشتمل على معان كبيرة وعلى تفجع أكبر يقول:لما فتحت أميمة الباب
رأت نِضو أسفارٍ أميمةُ شاحبًا
على نِضو أسفارٍ فجُنَ جنوُنُها
(النضو )( المهزول،) النضو الأول يقصد نفسه يقول عندما فتحت أميمة الباب رأت رجلا مهزولاً يركب بعيرًا مهزولاً وهذا من كثرة الأسفار، (وقالت من أي الناسِ أنتَ ومن تكُن)قال لاتعرفينني أنا من خرجت أحقق لك رغباتك وبعدما غيرت الشمس لوني وجلدي تقولين من أنت ومن تكن( فإنك راع صِرمَةٍ لا تَزينها ) لو أنت جلست في المحافل لاتشرف من تمثل من الناس ،.
فقلت لها ليس الشُحوبِ على
الفتى بعارٍ ولا خيرِ الرجالِ سمينُها
الرجل ليس بشكله ولا بحجمه ولا بلونه ، إنما الذي يميز الرجل القوة المستكنة فيه، وهذه القوة المستكنة قلما تحرك امرأة إلا إذا كانت عاقلة ، القوة المستكنة في الرجال هي العقل والحلم ولا يكون رجلا إلا إذا كان هكذا، عندما يتلبس الرجل بصفات الرجولة يطلقون عليه لفظة الفارس، أي يُنظر إليه، يندر أن تجد امرأة عاقلة تبحث عن شكل إنما يميز بالقوة المستكنة يميز بعقله وهذا رأس مال الرجل الحقيقي.
بِخِلَاف الْمَرْأَة، الْمَرْأَة زِيْنَة فِي نَفْسِهَا زِيْنَة خَلَقَهَا الْلَّه عَز وَجَل زِيْنَة فَالزِّيَنَة إِذَا كَانَت تُهْمِل الْزِّيْنَة تَفْقِد كَثِيْرا مِن رَأْس مَالِهَا،.
يقول لها فقلت لها ليس الشُحوبِ على الفتى **بعارٍ ولا خيرِ الرجالِ سمينُها إذا كنت تبحثين عن الرجل السمين فعليك
عليكِ براعي ثلةٍ مُسلَحِبةٍ
يروحُ عليه مخضٌها وحقينُها
(عليكِ براعي ثلةٍ )، (والثلة هي مجموعة من الإبل أو المجموعة من الغنم أو المجموعة من البهائم من البقر) أي مجموعة،( مسلحبة )تبرك ودرعها ملآن باللبن(يروحُ عليه مخضٌها وحقينُها.) يصب اللبن الرايب على اللبن الحليب فعمل هؤلاء الناس أن يأتوا له باللبن وهو فقط يشرب اللبن ولاعمل له .
__________________