الفوائدُ المنتقاة من شرح كتاب الصفات
للإمام الدارقطني
رحمه الله تعالى
الشارح فضيلة الشيخ د. عبد الله الغنيمان
المنتقي : أحد طلاب العلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد فهذه قرابة خمسةٍ وأربعين فائدة من شرح فضيلة الشيخ عبد الله الغنيمان لكتاب الصفات للإمام الحافظ الدارقطني عليه رحمة الله ، والأصل في اقتباسها التقيد بلفظ الشيخ مع شيءٍ من التصرف لتنسيق الفوائد ، مع ضم الفائدة لنظيرها إن افترقتا ، ومن أراد الاستماع إلى الدرس فهو موجود في أربعة أشرطة ، ويمكن تحميلها من هنا :
ولتحميل المتن بتحقيق الشيخ من هنا :
فجزا الله الشيخ خير الجزاء والله الموفق والمسدد وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
(1)
الإمام الدارقطني إنما أراد بهذا الكُتيِّب أن يذكر أمثلة فقط على أن العقيدة يجب أن تكون متلقاة من الوحي وتؤخذ من المصدر الأصيل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
(2)
قوله : (وتقول هل من مزيد؟ ) / الصحيح أن هذا القول قولٌ بالنطق والكلام ، أي أنها تتكلم حقيقةً ، والله على كل شيء قدير ، فقد جاءت نصوص كثيرة في كلام النار ، والواجب أن نمرها على ظاهرها ، ولا نتكلف التأويلات التي لا دليل عليها ، وإنما الذي يرجعونها إلى عقولهم وأنظارهم فقط يخطئون في هذا من وجهين / الأول : أن هذا قول على الله وعلى رسوله بلا برهان. الثاني : أنه ليس هناك داعٍ للتأويل .
وقد أخبرنا الله عزوجل أن كل شيء يسبح بحمد ولكن لانفقه تسبيحه ، وكذلك من المشهور في السيرة حنينُ الجذع للنبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا يدلنا أن الأشياء إذا أنطقها الله نطقت ، (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [فصلت : 21] فهذه الأمور على ظاهرها على حقيقتها .. وثبت عنه صلى الله أنه قال : (أعرف حجراً كان يسلم علي في مكة) يقول السلام عليك يا رسول الله .. وكانوا يسمعون تسبيح الطعام ، إذاً لا دخل للعقل في إثبات ذلك ، وإنما الواجب التسليم .
(3)
قوله (حتى يضع رجله فيها) / فيه إثبات الرجل لله جل وعلا ، وقد اضطربت أقوال المتكلمين في ذلك اضطراب يعجب منه العاقل! فجاءوا بأشياء مضحكة فقال بعضهم المراد : قومٌ يسمون رجل الله!! فيدخلون النار ، وبعضهم يقولون : (رجله) قوم أُخروا فألقوا فيها ، وبعضهم يقول : (رجله) يعني جماعة مثل ما تقول: رجل الجراد يعني جماعة الجراد ، وتقول رجل الخيل أي جماعة الخيل . وهكذا يتطلبون غرائب الألفاظ والأشياء البعيدة التي لا تخطر ببال ، ويجعلونها تفسير لكلام رسول الله الذي هو أفصح الخلق ، وأنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بالله وأخوفهم له ؛ وذلك ليتفق كلام رسول الله مع عقائدهم هذا هو المقصود = تسخير النص ليتوافق مع عقائدهم ، ليس مقصودهم أنهم يطلبون المعنى الذي يريده المتكلم ، فهم يحمون -بزعمهم- عقائدهم من النصوص حتى لا تفسدها !! .
فائدة : و الرِجل والقدم بمعنى واحد .
(4)
قوله : (يدخلني الجبابرة والمتكبرون) لهذا إذا نظرنا في دعوات الرسل وإذا الذي يقابل الرسل هم الملأ {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ} [المؤمنون : 33] ، والملأ هم الذين يملئون العيون عند النظر إليهم ، لهم أبهات لهم مناظر لهم مناطق ، وهذا جاء كثيرا في كتاب الله و هم المستكبرون .
والذين يتبعون الرسل في الغالب هم الضعفاء كما قال هرقل لأبي سفيان لما سأله قال : من يتبعه ؟ فقال : يتبعه العبيد والمساكين والضعفاء . فقال له : وهكذا أتباع الرسل .
(6)
قوله : ( فقال الله جل وعز للنار: أنت عذابي ) / فربنا حكم بينهما وقال قولاً سمعتاه ، وهذا لا يؤمن به إلا أهل السنة ، هم الذين يؤمنون بأن الله قال ويقول بالحرف الذي يُسمع والصوت حقيقة ، وأما المتكلمون ومنهم الأشاعرة -الذين يزعمون أنهم هم أهل السنة- فمذهبهم في هذا بعيد جدا عن الحق فقد جاءوا بأشياء غير معقولة أصلا فعندهم الكلام يقسمونه قسمين ؛ القسم الأول : كلامٌ يكون بالنطق والحرف والصوت ، وهذا عندهم ممتنع على الله ، لايصفون الله جل وعلا به ، ومعلومٌ أن هذا فيه إنكار الرسالة وإنكار الشرع كله ، لأن الشرع والرسالة من كلام الله فرسالة الله أن يرسل كلامه إلى أنبيائه ليبلغوه عباده بشرعه الذي يشرعه لخلقه ، ولكن هل يلتزمون هذا الذي يلزم منه ؟ . القسم الثاني : الكلام المعنوي ، و يقولون هو معنى واحد يقوم بالنفس ، وهو الذي يثبتونه لله و يصفونه به .
ولذا يقول الجويني -عفا الله عنا وعنه- في كتابه الإرشاد : " إن الخلاف بيننا وبين المعتزلة الذين يقولون القران مخلوق ؛ خلافٌ لفظي! " وهو فعلا خلافٌ لفظي ، ولذلك هم يقولون القرآن عبارةٌ عن كلام الله ؛ لأن الله لا يتكلم عندهم وإنما عُبٍّر عما في نفس الله بهذا القرآن ، من الذي عبر؟ إما الرسول الملكي أو الرسول البشري ! ،
لا يتصور الإنسان أن هذا تقوّل عليهم ، لايزالون على هذا المذهب ، وأما عوامهم فالعوام على الفطرة التي فطر الله عليها عباده ، وقد لايفهم الكلام الذي تقدم ، ولذلك لو تتبعت الأحاديث التي تولاها هؤلاء بالشرح لوجدت التحريف - تحريف اللفظ والمعنى - كثيرا جدا ، ولكن لا نقول إنهم قصدوا مخالفة الرسول ومخالفة كتاب الله ، وإنما ذلك لشُبَهٍ عرضت لهم ، وأخذوا اعتقادهم عن مشايخهم ، وأحسنوا الظن بمشايخهم ، ورسخ ذلك في أذهانهم منذ الصغر ، فصار أمرا ثابتا فإذا جاء شيء يخالفه سموه متشابه! ولذلك عندهم (الاستواء واليد والرجل ...) هذه متشابهه ! .
(7)
غير أن كلام الله عزوجل ينقسم إلى قسمين : كلامٌ أمري دينيٌ شرعي ، وكلامٌ أمري كونيٌ قدري يكون الأشياء بها يقول للشيء كن فيكون ، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه استعاذته : ( أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌ و لا فاجر ) أي : لا يخالفها ولا يعصيها لا برٌّ ولا فاجر . فالتي لا يجاوزها برٌ و لا فاجر : هي الكلمات الكونية القدرية ، أما الكلمات الدينية الشرعية الأمرية فأكثر الخلق خالفوها وجاوزها !
(8)
قوله : (أنتِ عذابي) / أي أن الله جعلها عذاباً يعذب بها من يعصيه ويخالف أمره ، والإضافة هنا إضافة الخالق إلى مخلوق ، وليست إضافة صفة ، فالعذاب مخلوق ، والعذاب ليس صفة ، فالغضب صفة ، وإنما العذاب من آثار غضبه .
وقال للجنة : ( أنت رحمتي ) أي : من أثر رحمة الله التي هي صفته جل وعلا ، والرحمة قسمها العلماء إلى قسمين :
الأولى : رحمةٌ هي صفة الله التي وصف بها نفسه وتقوم به . الثانية : رحمةٌ مخلوقة ، وهي من آثار رحمته ، ومن ذلك الحديث الذي في الصحيح : ( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة جزء ، فأنزل جزءا على الخلق يتراحمون به ، وأمسك عنده تسعة وتسعين جزء فإذا كان يوم القيامة أضاف هذا إلى تلك ورحم بها عباده ) ومن ذلك قوله تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران : 107] يعني : في الجنة ، فتسمى الجنة : رحمة ، والمراد أنها من آثارها .
(9)
من أحسن ما يفسر بها الاستثناء الذي جاء في الأنعام وفي سورة هود : {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ } [هود : 108] ، فقد أشكل هذا الاستثناء على كثير من المفسرين ، وقالوا إن هذا الاستثناء يعود على مدة البرزح أو مدة الدنيا ولا يعود على المستقبل ، وذكروا أشياء . وإذا قلنا : إن الاستثناء معناه أن كل شيء واقع بمشيئة الله وأن هذا يكون كله مآله إلى الله ، والفضل لله في دخول أهل الجنة إلى الجنة ،فخلود أهل الجنة وخلود أهل النار ، لم يُكتسب بمجرد ذواتهم ، بل الأمر لله .
وكذلك في الأنعام : {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام : 128] .
(10)
الصفات لم ينكرها أحد من أهل السنة ، ما عدا ابن جزم رحمه الله فقال إن كلمة الصفات مخترعة لا أصل لها في كتاب الله ولا في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، واستثنى حديث الذي في البخاري في ذكر أمير السرية الذي كان يصلي بأصحابه فيختم بـ (قل هو الله أحد) ، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك فقال : ( لأن فيها صفة الرحمن ، وأنا أحبها ) فقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله أحبك بحبك إياها ) فقال [أي ابن حزم] : هذه الصفة فقط التي نثبتها لأنها جاءت . وهذا قد يكون شبه مكابرة ؛ لأننا نقول إن المعاني التي قامت بالله عز وجل هي الصفات ، والفرق بينها وبين الأسماء : أن الأسماء تدل على المسمى ( الله .. الرحمن .. العزيز ..العليم .. الحكيم ..) ، أما الصفة فهي المعنى الذي يقوم بالموصوف .
والأصل هي الصفات وليس العكس ، كما يتوهم بعض طلبة العلم المعاصرين الذي غلطوا في هذا ، فقالوا إن الأصل الأسماء ، والصفات هي المأخوذة من الأسماء و هذا غلط . الأصل العكس.. الأصل الصفات فالرحمن مأخوذ من الرحمة ، هذا معنى الاشتقاق الذي ذكره العلماء أن الأسماء مشتقة من الصفات ، يعني أن لها معاني أخذت منها ، وليس الاشتقاق النحوي الذي يذكرها النحويون .
يتبع بإذن الله ..