بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه ومصطفاه
(فتاوى على الطنطاوي)
رحمه الله تعالى
العلماء والمفتون كثيرون، والمنتسبون أكثر، إلا أن قليلين منهم تجد في أقوالهم وفتاويهم ما ينبئ عن فهم عميق للشريعة، وإحاطة طيّبة بمعاني الأحكام.
وقد قرأتُ كتاب فتاوى الطنطاوي رحمه الله على غير سابق ميعاد، إلا أنني وجدتُ نفسي أقلب الصفحات صفحة تلو أخرى..
وأنا معجب بهذا الكتاب، وأود أن أسطر نقاط إعجابي به في النقاط التالية:
❊ البساطة في الطرح: فالكتاب – في تصوري – لو قرأه عامي لاستفاد منه، ولو قرأه عالم لكان له عوناً.
❊ علمية الطرح: فليست فتاويه التي كتبت تنبع من عاطفة خاصة، وميل إلى بلد أو مكان مذهب معين، يقول رحمه الله في معرض حديثه عن طريقته ص 159 : ( فقد تركتُ (من زمن طويل) التقيد بالمذهب -أي: الحنفي- وصرتُ أتبع الدليل الأقوى حيثما وجدته ؛ لأن الله ما تعبدني باجتهاد أبي حنيفة ولا غيره، بل بصريح كتابه، والصحيح الصريح من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم).
❊ ففتاواه مدعمة بالدليل النقلي والعقلي.
❊ التفاعل مع المجتمع “شباباً وشابات”: حيث كان الشباب والشابات يرسلون إليه أسئلتهم ومشاكلهم، بل وفي نقاط حساسة أحياناً، مثل: الصحوبية، والتعلق بالصديق (ص 95)، أوالحب في الله، والحجاب، وكيفية التعامل مع العائلة القليلة التدين (ص 89)..
وقد تعجبت جداً من جواب الشيخ رحمه الله على سائلة سألته بأن الله هداها إلى طريق الالتزام بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرف كيف تتعامل مع أهلها..؟ فأجابها رحمه الله بجواب، أقسم بالله أني ما رأيتُ مثله، من المعرفة الدقيقة بواقع الناس، وليتني – وبعض أصدقائي – قد عرفناه من زمن.
انظر الفصل العاشر: (مشكلات الشباب).
❊ تصور واقع الناس وفقه: إنه ليس كبعض المفتين من العلماء والفقهاء الذين يخاطبون الناس من برج عاجي! لا يعرفون شيئاً عن واقعهم! إنما حبسوا أنفسهم بين كتبهم وطلبتهم، ثم جعلوا يخوضون فيما لا يدركونه تمام الإدراك!
انظر مثلاً كيف كان جوابه حينما سئل رحمه الله عن الموضة (ص 164)، وعن قضايا الابتعاث (ص 141)، وعن حوارات الطلبة المسلمين مع غير المسلمين في أميريكا مثلاً (ص 60)، ويقول رحمه الله في مسألة ما ص 49: (والجواب فيما أرى أن الأمر يختلف باختلاف أحوال الناس) ؛ فتجد أن الشيخ مدرك – ولو إلى درجة معقولة – الواقع الذي يفتي بحسبه.
❊ تصور كامل المسألة، وليس تصور جزء منها: انظر مثلاً حين تحدث عن مسألة الغناء والموسيقى (ص 106)، وقد فصل فيها تفصيلاً وصوّر المسألة ؛ لا أخال باحثاً في هذه المسألة لا يحتاجه. (وليس شرطاً أن توافق الشيخ أو تخالفه).
كذا مسألة التشبه (ص 162)، أو الحجاب (ص 153)، وجوابه يستحق أن يكتب بماء الذهب، كما قال بعض أساتذتنا فيما أذكر.
❊ الشيخ لا يتعالم، ففي أكثر من مسألة يقول مثلاً: (أقر أني أعجز عن الجواب الشافي الكافي) ص 90، (الجواب القطعي عن هذا السؤال لا أعرفه..) ص 38.
❊ يقدر من هو أعلم منه، ولا يمنعه ذلك من الرد عليه، وتبيين الصواب له: وانظر مثلاً حين قال عن الألباني ص 158: (الشيخ ناصر أعلم مني بعلوم الحديث)،
ولم يمنعه ذلك من أن يبين للشيخ الألباني أن رأيه مرجوح، ثم اتبع هذا الرأي باقتراح أو نصيحة دعوية له (ص 159)، وكذا المجمع الفقهي في مسألة طفل الأنابيب حين قال لهم ص 106 بعد أن بين رأيه: (وأولى بهم – أي علماء المجمع – وهم علماء يتقون الله أن يراجعوا فتواهم، وأن يستأنفوا النظر فيها..).
وأما عن أسلوبه رحمه الله في التبيين للمخالف أو الرد عليه فهي من ألطف (إن لم تكن ألطف) الأساليب التي وجدتها، ولعل من ألطف أو ألطف العلماء عبارةً.
❊ وسدّد الشيخ وأعانه – بعد الله – سعة اطلاعه، ويُقدَّر ما قرأه ببضعة ملايين من الصفحات! رحمه الله، فهو «خلاصة مطالعته» ص 46.
❊ تواضعه لقبول النقد والتصحيح من أي شخص: يقول الشيخ رحمه الله ص 33: (هذا وإن ظهر الحق في غير ما قلتُ، فأنا أول من يسارع إلى قبول الحق والرجوع عن الخطأ)، ويقول ص 57: (فإن أصبتُ فالحمد لله، وإن أخطأت فصححوا لي خطأي).
وبعد أيها الأصدقاء! فهذه عشرة كاملة، أسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا الجليل، وأن تكون هذه العشرة منهجاً ينتهج به كل مفتٍ وعالم.
وأن نستفيد منها نحن الشباب المقبلين على الحياة..
رحمة الله عليك يا فقيه الأدباء، ويا أديب الفقهاء..