حكم شد الرحال إلى مسجد الجند

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلة وصحبة ومن والاه وبعد
فأليك أخي الكريم هذه النشرة التي تبين لك بدعة موسمية , وضلاله حولية , ابتلي بها أهل اليمن وأدخلها إليهم أصحاب البدع والفتن , وهي بدعة شد الرحال , وإعمال المطي إلى مسجد الجند في مدينة تعز في أول جمعة من شهر رجب .
فاستعنا بالله على جمع ما تيسر من الأدلة على نقض هذه البدعة المنكرة , والضلالة المخترعة , فنسأل الله التوفيق والسداد , والهداية لمن ضل من العباد .
ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (( لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام , والمسجد الأقصى , ومسجدي هذا )) رواه البخاري , ومسلم .
قال شيخ الإسلام (اقتضاء الصراط المستقيم ص 582): ( وقد روى هذا من وجوه أخرى وهو حديث ثابت عن النبي صلى الله علية وسلم باتفاق أهل العلم متلقي بالقبول عنه .
فالسفر إلى هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها والدعاء والذبح والقراءة والاعتكاف من الأعمال الصالحة وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليها باتفاق أهل العلم ) .
فهذا الحديث دليل قاطع على أنه لا يجوز شد الرحال , والتجهيز للسفر بالمال , سواء كان منفرداً أو مع العيال ، إلى غير هذه المساجد الثلاثة سواء كانت المساجد في مكة , أو في المدينة , أو في اليمن , أو غيرها من البلدان .
ويقول شيخ الإسلام – رحمه الله – ص 582 من الاقتضاء , وهو يتحدث عن مساجد مكة وقصد زيارتها : ( وذكر طائفة من المصنفين في المناسك : استحباب زيارة مساجد مكة وما حولها , وكنت قد كتبتها في منسك كتبته قبل أن أحج في أول عمري لبعض الشيوخ جمعته من كلام العلماء ثم تبين لي أن هذا كله من البدع المحدثة التي لا أصل لها في الشريعة , وأن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يفعلوا شيئاً من ذلك , وأن أئمة العلم , والهدى ينهون عن ذلك.
وأن المسجد الحرام : هو المسجد الذي شرع لنا قصده للصلاة , والدعاء , والطواف وغير ذلك من العبادات لم يشرع لنا قصد مسجد بعينة بمكة سواه .
ولا يصلح أن يجعل هناك مسجد يزاحمه في كل شئ من الأحكام , وما يفعله الرجل في مسجد من تلك المساجد من دعاء , وصلاة وغير ذلك إذا فعله في المسجد الحرام : كان خيراً له بل هذا سنة مشروعة وأما قصد مسجد غيره هناك تحرياً لفضلة : فبدعة غير مشروعة .
وأما عن مساجد المدينة ( سوى المسجد النبوي ) فيقول - رحمة الله - :( وليس بالمدينة مسجد يشرع إتيانه إلا مسجد قباء , وأما سائر المساجد فلها حكم المساجد العامة , ولم يخصها النبي صلى الله عليه وسلم بإتيان ولهذا كان الفقهاء من أهل المدينة لا يعتمدون من تلك الأماكن إلا قباء خاصة ) أ .هـ .ص :585 من الاقتضاء ..
ومن هذا فقصد مسجد قباء يكون من المكان القريب .
وقال ص: 582 :( وما سوى هذه المساجد الثلاثة لا يشرع السفر إليها باتفاق أهل العلم حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة , ولا يشرع شد الرحال إليه ) .

هذا هو المسجد الذي قال فيه صلى الله علية وسلم : ( الصلاة في مسجد قباء كعمرة ) رواة الترمذي وابن ماجة عن أسيد بن حضير .
وقال فيه صلى الله عليه وسلم ( من تطهر في بيته ، ثم أتي مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمره ) رواه احمد والنسائي وابن ماجة عن سهيل بن حنيف .
( قال بعض العلماء قوله – من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء – تنبيه على أنه لا يشرع قصده بشد الرحال . بل إنما يأتيه الرجل من بيته الذي يصلح أن يتطهر فيه ثم يأتيه فيقصده مما يقصد الرجل مسجد مصر دون المساجد التي يسافر إليها ) الاقتضاء ص 584 .
ومع ما له من الفضل إلا أنه لا يشرع شد الرحال إليه ، فكيف بغيره من المساجد التي لم يذكر في فضلها حديث واحد وإنما هي كبقية المساجد [1]
مثل مسجد الجند فأنت ترى من كلام أهل العمل رحمهم الله منع شد الرحال إلى المساجد التي هي في أشرف البقاع مكة والمدينة ما عدا الحرمين ، ودليلهم حديث رسول الله المتقدم فكيف إذا كان المسجد الذي تشد له الرحال , ويسافر إليه من غير هاتين البقعتين المباركتين ؟ فمن باب أولى ألا تشد إليه الرحال سواءً كان مسجد الجند , أو غيره ولا يبرر هذا ما ينقل من أن معاذ بن جبل هو الذي بناه .
فالذي بناه رضي الله عنه لم يحتفل هذه الاحتفالات التي يصنعها القوم اليوم , ولم يأمر أهل اليمن , أو غيرهم بشد الرحال إليه أول جمعة من رجب , أو غيرها .
ولو كان خيراً وديناً لما غفل عنه رضي الله عنه :( ولو كان خيراً لسبقونا إليه) .
وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينهي عن الصلاة في مسجد صلى فيه رسول الله عندما رأى الناس يقصدون ذلك المسجد لعلمه بالنهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة .
فعن المعرور بن سويد قال : كنت مع عمر بين مكة والمدينة فصلى بناء الفجر فقرأ ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) و ( لإيلاف قريش ) ثم رأى قوماً ينزلون فيصلون في مسجد ، فسأل عنهم فقالوا : مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنما هلك من كان قبلكم أنهم اتخذوا أثار أنبيائهم بيعاً من مر بشئ من المساجد فحضرت الصلاة فليصل وإلا فليمضي ) رواه عبد الرزاق , وأبو بكر بن أبي شيبة وقال العلامة عبد المحسن العباد حفظة الله : بإسناد صحيح .
فنهي عمر رضي الله عنه عن التعلق بمثل هذه الآثار , ونهاهم عن شد الرحال , وقصدهم لذلك المسجد بعينه ولو صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا منه رضي الله عنه سداً للذريعة .
قال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد : ( ونهى عمر عن التعلق بآثار النبي المكانية التي لم يأت بها سنة عن رسول الله صلى الله علية وسلم إنما كان لما يُفضي إليه ذلك من الغلو , والوقوع في المحذور ) أ.هـ .
التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة :
ودل أثر عمر على أن تخصيص الصلاة في تلك الآثار المكانية للنبي صلى الله علية وسلم سواء كان مسجداً , أو غيره أنه من فعل اليهود والنصارى .
قال شيخ الإسلام معلقاً على أثر عمر: ( فلما كان النبي لم يعمد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها , ونهي المسلمين عن التشبه بهم في ذلك ) مجموع الفتاوى ( 1 / 28 ) .
ومما يفعله أصحاب هذه البدعة في أول رجب الاعتكاف في ذلك المسجد ( مسجد الجند ) وقد تقدم من الأدلة الناهية عن قصد غير المساجد الثلاثة لعبادة سواء كانت صلاة أو دعاء , أو اعتكاف وغيره . وكذلك كم هي المساجد التي بنيت في زمن رسول الله صلى الله علية وسلم وبإذنه مع ذلك لم يأمر بقصدها ولا بشد الرحال إليها بل نهى عن ذلك صلى الله عليه وسلم كما تقدم .
قال شيخ الإسلام صـ : 586 من الاقتضاء: ( فإذا كان هذا في المساجد التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم , وبنيت بإذنه ليس فيها ما يشرع قصده بخصوصه من غير سفر إليه إلا مسجد قباء فيكف بمن سواها ؟ ) أ.هـ .
أي : فهي أولى بعدم مشروعية الرحيل إليها , ولو كان مسجد الجند الذي بناه معاذ بن جبل ثم هذا المسجد كما يقال : أنه بني في عهد النبي صلى الله عليه وسلم , فلو كان كذلك فهل غفل النبي صلى الله وسلم عن فضيلة هذا المسجد, وتنبه له هؤلاء ؟ أم أنه القائل صلى الله علية وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد ) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنه , وأين كلام رسول الله صلى الله علية وسلم وصحابته الكرام , والتابعين والأئمة المهديين , والذين حفظ الله بهم الدين ؟ .
أيهل هؤلاء كلهم فضل هذا المسد , والأمر بالرحيل إليه في أول معة من رب , وعلمها صوفية اليوم ؟.
قال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله تعالى (التحذير من تعظيم الآثار غير المشروعة :17 -18 ) .
وبعض الكذابين على رسول الله صلى الله علية وسلم يضيف رواية موضوعة تذكر مجسد الجند من المساجد التي تشد لها الرحال , وهي رواية لا خطام لها , ولا زمام .
ويرى بعضهم أن الحج إلى مسجد الجند بسبع إلى بيت الله الحرام ويسميه آخرون ب الفقراء والمساكين , وهكذا يتجرأ أهل البدع على دين الله بهذه الأكاذيب والأباطيل .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (اقتضاء الصراط المستقيم :581- 582 ) :( وكذلك سائر المساجد المبنية هناك كالمساجد المبنية عند الجمرات , وبجنب مسجد الخيف مسجد يقال له : غار المرسلات فيه نزلت سورة المرسلات , وفوق الجبل مسجد يقال له : مسجد الكبش , ونحو ذلك لم يشرع النبي صلى الله عليه و سلم قصد شيء من هذه البقاع لصلاة , ولا دعاء , ولا غير ذلك )أ.هـ .
وأما التمسح بجدران المسجد , والعمدان , وهو ما يفعله المبتدعة في مسجد الجند وغيره من المساجد فهو من البدع المحدثة , والمحدثات المنكرة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (اقتضاء الصراط المستقيم :592 ) :(وأما مسجد النبي صلى الله عليه و سلم والمسجد الأقصى فإن ما يشرع فيهما من العبادات يشرع في سائر المساجد كالصلاة , والدعاء , والذكر , والقراءة , والاعتكاف , ولا يشرع فيهما جنس مالا يشرع في غيرهما لا تقبيل شيء , ولا استلامه , ولا الطواف به ونحو ذلك . لكنهما أفضل من غيرهما فالصلاة فيهما تضاعف على الصلاة في غيرهما )أ.هـ .
وقال رحمه الله ص :582 :(وأما تقبيل شيء من ذلك والتمسح به فالأمر فيه أظهر إذ قد علم العلماء بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا ليس من شريعة رسول الله صلى الله عليه و سلم ).
وقال ص : 580 :( وأيضا فإن المكان الذي كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فيه بالمدينة النبوية دائما لم يكن أحد من السلف يستلمه ,ولا يقبله , ولا المواضع التي صلى فيها بمكة وغيرها , فإذا كان الموضع الذي كان يطؤه بقدميه الكريمتين ,ويصلي عليه لم يشرع لأمته التمسح به , ولا تقبيله فكيف بما يقال : أن غيره صلى فيه , أو نام عليه ) وقال الإمام محمد بن وضاح القرطبي في كتابة البدع والنهي عنهما ( صـ 91 – 92 ) ( وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد , وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ) .
وإن من الشبة التي يطرحها أصحاب هذه البدعة ، هو أنهم يقيمون احتفالاً سنوياً بمناسبة دخول الإسلام إلي اليمن في أول جمعة من رجب .
فيا هؤلاء هل كانت هذه الاحتفالات بهذا المناسبات من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصاحبته الكرام , والتابعين له بإحسان ؟ لا شك أنها لم تكن من هديهم , فقف حيث وقفوا , وقل بما قالوا , ( فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ) , و ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ) لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم زمناً , وفتحت في زمنه أمصار, وبلدان فهل عمل لكل بلدة احتفالاً سنوياً في اليوم الذي دخل فيه الإسلام إليها .
كان فتح مكة ذلك الفتح العظيم الذي ذكره لله في كتابه الكريم , فهل كان منه صلى الله عليه وسلم احتفالاً بتلك المناسبة ؟ دخل المدينة وشع النور في جنبا تها , وأسلم الأوس والخزرج , وكان بداية تأسيس الدولة الإسلامية فيها ، فهل مع هذا احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمناسبة دخول الإسلام المدينة ؟ لا, ولو كان لنقل إلينا , ولتحدث به الركبان , ولنقل فيما نقل إلينا من سنته , وهديه , وطريقته عليه الصلاة والسلام . ومالم يكن هدياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكن كذلك هدياً لصاحبته , وحملة دينه , ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين , ومنهم معاذ رضي الله عنه , ( وشر الأمور محدثاتها ) , ( وإياكم ومحدثات الأمور ) ثم مع هذه المحدثة , وهذا الاحتفال المبتدع في دين الله تعالى , أضافوا بدعة أخرى , وهي تخصيص مسجد الجند لهذا الاحتفال الذي يتعبدون الله به وهي عبادة أحدثت على غير عهد سابق , ومن غير دليل ناطق, أو برهان صادق ,وتقد م معنا كلام السلف رحمهم لله في النهي عن شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة لعبادة , وصلاة , ودعاء , واعتكاف وغير ذلك , فكيف إذا كان شد الرحال إلى هذا المسجد لبدعة محدثة , واحتفال على غير هدية صلى الله عليه وسلم .
وكم من المنكرات والبدع التي تنخر استقامة العبد , وسيره إلى الله تعالى , والتي تقع في مسجد الجند في أول جمعة من رجب .
ومنها اختلاط الرجال بالنساء , ومزاحمة بعضهم لبعض في ذلك البلاء , وإدخال القذر من الدخان والمداعة والقات إلي بيت الله تعالى , والسهر بهذه الحالة , والنحيب , والنهيق , والأذكار المبتدعة , والشهيق بطريقة مخترعة , ومنهجية مبتدعة . مصاحبة للضرب بالدفوف , والطعن بالسيوف , ولا غرابة إذا علمت إن الصوفية هم من يرعى, ويحب ويهوى مثل هذه البدع , ويروج لهذه الخدع .
ورحم الله ابن الجوزي يوم أن قال ( تأملت أحوال الصوفية , والزهاد فوجدت أكثرها منحرفاً عن الشريعة بين جهل بالشرع , وابتداع بالرأي ) صيد الخاطر صـ ( 19 ).
وعلى هذا فمما تقدم من الأدلة الصحيحة , وتوجيهات العلماء والنصيحة .
لا يجوز للمسلم المتبع , القاري والمستمع أن يجمع حزمه , ويشد رحله إلى مسجد الجند , ويشارك في تلك البدع الشنعاء , المخالفة للشريعة الغراء .
ولا يجوز أن يشهد الزور إذيقول تعالى :( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما )
فيحرم عليه أن يكون مستمعاً ومشاهداً , أو بائعاً ومتاجراً, أو مؤيداً ومشاركاً .

وكتبة : أبو مالك عدنان بن عبده بن أحمد المقطري
4رجب 1431هـ
اليمن – تعز .

[1] قال الشيخ ابن عثيمين ( وأما سائر المساجد في مكة فهي أفضل من مساجد الحل بلا شك) .