السلام عليكم، وحياكم الله جميعاً..
باختصار،.. لقد دارَ نقاشٌ يوماً حول مفهوم العروبة، بوصفها هويةً تتجاوزُ العرق إلى مُـحدِدٍ آخر ثقافي بالغ السَعة والمرونة، بل ميزته أنه مرن ومِطْاوع بدرجة كبيرة جداً، بمعنى أن العروبة باتت وكأنها دينٌ يدخله من يشاء، بل إنها من فرط اتساعها لا يقوى أحدٌ على الخروج منها بعد الولوج فيها، وذلك لأنها هوية ثقافية مستأنفة ومنتقاة لكل أحدٍ ممن لم ينشأ عليها أن يكتسبها إذا رغب واختار، وكان مستند من ينـزعُ إلى هذا "المأخذ الثقافي" هو مستندٌ ديني وهي آثارٌ -مرفوعةٌ وموقوفةٌ- عديدة مروية في كتبٍ ليست بالأصول، بل ضعّفها بعضُ أهل الاختصاص الحديثي الكبار كالشيخ الألباني، لكنها في مجملها تدل على معنى خلاصتُهُ: "أن من تكلم بلسان العرب فهو عربي كائناً ما كان أصله ونسبه"، فهو –إذن- سيكتسبُ العروبة بتعلّم الكلام العربي، مع أن مدلول "العرب" أو "العربي" في التاريخ وأصل اللغة هو أنهم قومٌ ينحدرون من سلالات معينة، يقابلهم مثلاً: الفرس، أو الروم، أو البربر، أو الأقباط، أو الألمان.. فالعربُ إذن عِرقٍ من الناس وسلالةٌ من الأمم، فكيفَ يسوغ أن يكونُ منهم من ليس -سلالياً أو عرقياً- منهم بمجردِ إتقان اللسان، فكما أن من تعلّم لسان الإنجليز لم يكن إنجليزياً، وكذا لسان الفرس أو الفرنسيين، فما بال العرب دون غيرهم من الأمم؟..
هنا موطنُ الإشكال، لأن الأحاديث الواردة ليست من الصحيح المعتمد، ولو صحّت ؛ فهل هذا يدخل في معنى "الحقيقة الشرعية"، كما عند الأصوليين، فيكونُ هذا تصرفاً شرعياً في أصل اللغة، بتوسيع مدلولها؟.. وبهذا ستصيرُ العربية لا مجرد لغة ؛ بل نحلةً يعتنقها من رغبها، ويلزمُ من ذلك أن يكونُ الأوروبي أو الياباني المتقنُ للغة العربية كالعبسي أو التيمي ولا فرق، فكلهم باتوا عرباً، وربما أقحاحاً..!
أظنُ -بعد تأملٍ ليس بالطويل- أن العروبةَ عرقٌ، ذو لغة، وأنهم صنفٌ من البشر، كغيرهم من خلق الله، وأن لسانهم كلسان غيرهم، من تعلّمه لم يكن منهم بمجرد هذا التعلم، لأن الانتساب إلى الأعراق ليس –كما هو الأصل- كسبياً أصلاً، ولا يدخل في اختيار الإنسان، فلغاتنا وقومياتنا كآبائنا وأمهاتنا ليس لنا فيهم سابقُ تصرفٍ أو اصطفاء، فنحنُ نرثها ونتحمّلها، ومن هنا فليس للعرب مزيةٌ على غيرهم، إلا أن الله تعالى شرّفهم بكونُ الوحي الأخير نزلَ بلسانهم، وأنهم أول من ناصر الحق وقام بها، كما أنهم أول من تصدى للرسالة الإلهية وحاربها، ثم شاركهم غيرهم في الخير والشر، وربما فاقهم أيضاً، والفضلُ والتَقْدمة ليس بعرقٍ أو لغة بل بالمعيار الحق الذي به يتفاضلُ الناس هو "التقوى" كما هو منصوصُ التنـزيل وصريحه.
أرجو من الأخوة والأخوات الكرام أن يدلوا بدلوهم في تعميق هذا السؤال ثم محاولة الإجابة عنه، ومن نقل كلاماً لأهل العلم فقد أحسن وأجاد، مع أن الرأي الشخصي مطلوب..
لا حرمكم الله الأجر والثواب..