حكم مقترف الذنوب وموقف الفرق منه ( المعتزلة والخوارج والمرجئة )
المبحث الأول
المقدمة
المطلب الأول : الإيمان لغة وشرعا من منظور أهل السنة والجماعة.
المطلب الثالث:تقسيم الذنوب عند أهل السنة والجماعة إلى الكبائر والصغائر.
المطلب الثالث : حكم مقترف الذنوب عند أهل السنة والجماعة .
المبحث الثانى
لمطلب الالثاني:المعتزلة لغة وشرعا.
المطلب الثاني : تعريف الإيمان عند المعتزلة .
المطلب الرابع: موقف المعتزلة من مقتر ف الذنوب
المطلب الرابع : المناقشة .
المبحث الثالث
المطلب الأول : الخوارج لغة وشرعا .
المطلب الثالث:تعريف الإيمان عند الخوارج.
المطلب الثالث : موقف الخوارج من مقترف الذنوب .
المطلب الأول: المناقشة.

المبحث الرابع
المطلب الأول : المرجئة لغة وشرعا .
المطلب الثالث:تعريف الإيمان عند المرجئة.
المطلب الثالث : موقف المرجئة من مقترف الذنوب .
المطلب الرابع: المناقشة.


الخاتمة : تشتمل على أهم النتائج التي توصل إليها الباحث



بسم الله الرحمن الرحيم
المبحث الأول
الايمان و تقسيم الذنوب و حكم مقترف الذنوب من منظور اهل السنةوالجماعة
المقدمة
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين . وأشهد أن لا إله إلا الله الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد:
فإن مباحث العقيدة من أهم ما يعتني به المؤمن دراسة وتفهماً، علماً وعملاً؛ لأن العقيدة أهم المهمات وهي أساس الديانة، وقاعدة الملة المتينة، لذا اهتمت بها كتب الله المنزلة، ورسله المرسلة إلى عباده. وعلى العقيدة شُيدت مباني الشريعة، وقامت سوق الجنة والنار.
فإن قضية الإيمان من أكبر القضايا وأعظمها بل هي أعظمها إذ عليها مدار السعادة والشقاء، فمن هدي إليها، وشرح صدره بها، ورزق فهمها والعمل بها فقد سعد في الدنيا والآخرة، ومن حرمها حرم الخير كله؛ فإنه يتمتع في هذه الحياة قليلاً ثم مصيره إلى عذاب الله الذي لا ينقطع.
هذا وإن من جليل مباحث العقيدة المحتفى بها عند أهل السنة والجماعة- السالكين جادة منهج السلف الصالح من لدن النبي صلى الله عليه وسلم فأصحابه الكرام رضي الله عنهم، فتابعيهم، ثم من تبعهم بإحسان وعلم وهدى – مباحثُ الإيمان، المناطة بأحكام أهله دنيا وأخرى، والمُعبَّر عنها عند العلماء بمسائل الأسماء والأحكام.
ولما رأيت توافر الدواعي – في زمننا- إلى توضيح هذا الموضوع وتجلية مذهب السلف الصالح: أهل السنة فيه، رأيت ان اكتب هذا البحث فى حكم مقترف الذنوب و موقف الفرق منه ( المعتزلة والخوارج والمرجئة وبيان موقف اهل السنة والجماعة من هذا الموضوع )
موصياً ومؤكداً في الوصية بلزوم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والتفقه بفقه السلف الصالح، ورد الإشكال إلى أهل العلم المعتبرين ليجلوه ويوضِّحوه ويبينوه كما في آية الأنبياء: } فَسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْـتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ{ [الأنبياء:7].
ومحذراً شباب السنة وفتية الإسلام من ضد ذلك، من سلوك بنيات الطريق، ومزالق الفتن، ومسالك التعالم والتجهيل، والانطراح بين يدي الله والإلحاح عليه في الحذر من ذلك كله، والثبات على دينه، والاعتصام بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم وصالح سلف المؤمنين، وفقنا الله لذلك آمين.

المطلب الأول : الإيمان لغة وشرعا من منظور اهل السنة والجماعة.
أهل السنة والجماعة:

ويطلق على أتباع مذهب السلف الصالح في الاعتقاد، أهل السنة والجماعة، وقد وردت أحاديث كثيرة تأمر بلزوم الجماعة وتنهي عن الفرقة والخروج)1( ، وقد اختلف العلماء في المقصود بالجماعة على عدة أقوال، أحدها :أنها السواد الأعظم من أهل الإسلام، الثاني :أنهم الأئمة المجتهدون، الثالث: أنهم الصحابة رضي الله عنهم، الرابع: هم جماعة المسلمين إذا أجمعوا على أمر، الخامس: جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على أمير، وحاصل هذه الأقوال، يرجع إلى معنيين :
الأول: أن الجماعة هم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع، فيجب لزوم هذه الجماعة، ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها.
الثاني: أن الجماعة ما عليه أهل السنة من الاتباع، وترك الابتداع، وهو المذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم...).)2(، يقول أبو بعدهم)،ويقول شيخ الإسلام (وسموا أهل الجماعة،لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين، ((والإجماع)) هو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين، وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين..))3(، ومصطلح ((أهل السنة والجماعة)) يؤدى نفس المعنى الذي يؤديه مصطلح ((أهل السنة)) فعامة استعمالات الأئمة له، مقابل أهل البدع والأهواء)4( .
أولاً : معنى الإيمان لغة :

الإيمان لغة: الإيمان له في لغة العرب استعمالان:
1- فتارة يتعدى بنفسه فيكون معناه التأمين أي إعطاء الأمان، وآمنته ضد أخفته، وفي الكتاب العزيز }الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ{ [قريش:4].
فالأمن ضد الخوف وفي الحديث الشريف: " النجوم أمنة السماء، فإذا ذهبت النجوم، أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى الأمة ماتوعد)1( "
قال ابن الأثير)2(الأمنة في هذا الحديث جمع أمين، وهو الحافظ)3( وقوله عز وجل: }وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا { [البقرة:125].
قال أبو إسحاق: أراد ذا أمن فهو آمن وأمن وأمين وفي الكتاب العزيز: }وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{ [التين:3].الآمن يعني مكة
وقوله - عز وجل - }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ{ [الدخان:51].
أي قد أمنوا فيه الغير واستأمن إليه: دخل في أمانة، وقد أمنه وآمنه وقرئ في سورة براءة:} إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ{ [التوبة:12].
أي أنهم إن أجاروا وأمنوا المسلمين لم يفوا وغدروا، والإيمان هاهنا الإجارة



والأمنة والأمانة نقيض الخيانة )1(
وفي الحديث: " المؤذن مؤتمن)2(
مؤتمن القوم: الذي يثقون فيه ويتخذونه أميناً حافظاً، تقول: اؤتمن الرجل فهو مؤتمن، يعني أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم
والمؤمن من أسماء الله تعالى. قيل: في صفة الله الذي أمن الخلق من ظلمه وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه وقيل: المؤمن الذي يصدق عباده ما وعدهم قال ابن الأثير: (في أسماء الله تعالى المؤمن وهو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضد الخوف)
2- وتارة يتعدى بالباء أو الكلام فيكون معناه التصديق.
وفى التنزيل: } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين{َ [يوسف:17].أي بمصدق، آمنت بكذا، أي صدقت. والمؤمن مبطن من التصديق مثل ما يظهر.
قال ابن جرير : ومعنى الإيمان عند العرب التصديق ، فيدعى المصدق بالشيء قولا مؤمنا به ، ويدعى المصدق قوله بفعله مؤمنا
ومن ذلك قول الله جل ثناؤه } وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين{َ [يوسف:17]يعني : وما أنت بمصدق لنا في قولنا )3(.
والأصل في الإيمان الدخولفيصدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق.


قال الزجاج)1(.: أما قوله عزوجل: }إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا{ [الاحزاب:72].
.والذي عندي فيه أن الأمانة ههنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله - عز وجل - ائتمنه عليها ولم يظهر عليها أحداً من خلقه، فمن أضمر التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب، وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها)2(

وقوله عز وجل: } ْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ { [التوبة:61].
وقال ثعلب: يصدق الله ويصدق المؤمنين. ومنه قوله عز وجل : }قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ َ{ [البقرة:136].
،}أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ [البقرة:75].
، ويفهم من الكلام السابق، أن التصديق كما يكون بالقلب واللسان يكون بالجوارح أيضاً، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم: ((والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)))3(

ثانيا : الإيمان اصطلاحا:
قول عامة أهل السنة وأهل الحديث:
أن الإيمان إقرار باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان.
وأقوال السـلف الصالح في هذه المسـألة متفقة على أن الإيمان قول وعمل، وسـنذكر بعض أقوالهم على النحو التالى: _ يقول الإمام أحمد بن حنبل)1( رحمه الله " الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص
وعقد الإمام الآجري)2( :
رحمه الله باباً في كتابه " الشريعة " قائلاً: _ باب القول بأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، ولا يكون مؤمناً إلا أن يجتمع فيه هذه الخصال الثلاث")3( .
وقال الإمام البغوي: (اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان.. وقالوا: إن الإيمان قول وعمل وعقيدة))4(.
(قال الإمام الشافعي في ((كتاب الأم)).. وكان الإجماع من الصحابة، والتابعين من بعدهم ممن أدركنا: أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزيء واحد من الثلاثة عن الآخر))5(.
و نختم هذه النقول بنص نفيس لابن القيم _ رحمه الله _ حيث يقول:
" كل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب وتصديقه وحبه، وذلك عمل بل هو أصل العمل، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، غير شاكين فيه، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل القلب من حب ما جاء به والرضا وإرادته، والموالاة والمعاداة عليه، فلا تهمل هذا الموضوع فإنه مهم جداً، به تعرف حقيقة الإيمان)6(.
من خلال ما سبق إيراده من نصوص، ندرك الأمور التالية:
1_ عظم شأن أعمال القلوب، وأنها روح العبودية ولبها، ومن ثم كانت واجبة على جميع المكلفين، وفي كل وقت.
2_ أن الإيمان المتعلق بالقلب قائم على أصلين: التصديق بالحق واعتقاده، ومحبة هذا
الحق وإرادته، فالأول أصل القول، والثاني أصل العمل.
3_ أن التصديق _ بحد ذاته _ لايعد إيماناً شرعياً، بل لابد من الانقياد والخضوع لشريعةالله، وإلا فمن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن الكثير من أهل الكتاب والمشركينقديماً وحديثاً يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، وأنه صادق، ومع ذلك فهم كفار؛ لأنهم لم يعملوا بما يوجبه هذا التصديق من الحب والتعظيم والانقياد للرسول صلى الله عليه وسلم.
ثالثا : عناصر الإيمان عند السلف
من التعريفات السابقة يتبين أن الإيمان عند السلف مكون من أربع عناصر :
العنصر الأول : تصديق القلب الجازم بكل ما جاء به النبي r من عند الله جملة وتفصيلاعلى الغيب ما عرفناه وما لم نعرفه .
العنصر الثاني :النطق بالشهادتين لمن صدق بقلبه

العنصر الثالث : العمل بالقلب مثل الخوف من الله والرجاء والمحبة بدرجاتها والتعظيم والتوكل والنية والإخلاص وغير ذلك مما يقوم به القلب من أعمال منها الواجب ومنها المستحب .



العنصر الرابع : العمل الظاهر مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة والذكر والجهاد وغير ذلك من أعمال الظاهر)1( .

المطلب الثانى : تقسيم الذنوب عند أهل السنة والجماعة إلى الكبائر والصغائر
المعاصي والذنوب التي هي دون الكفر أو الشرك عند أهل السنة والجماعة تنقسم إلى قسمين: كبائر، وصغائر.
اولا :المعاصي تنقسم إلى كبائر وصغائر

ذهب جمهور أهل السنة إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على ذلك حيث قال: (والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة)1( وإجماع السلف وبالاعتبار).
واستدلوا لذلك بعدة أدلة منها:
قوله تعالى: } إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا { [النساء:31].
قال القرطبي (لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، دل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء)2( .
وقال الإمام الشوكاني: ((أي إن تجتبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها نكفر عنكم سيئاتكم) أي ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات))3( .
قوله عز وجل:}الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ { [النجم:32].،هذه الآية صريحة الدلالة في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر على خلاف بين العلماء في المقصود باللمم.
فقد اختلف السلف في معين ((اللمم)) على قولين مشهورين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (فأما اللمم فقد روي عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيراً: قال البغوي: هذا قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس.. والجمهور على أن اللمم مادون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس، كما في صحيح البخاري من حديث طاووس عنه قال: (ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)إلي أن قال رحمه الله: والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم،

إما أنه يتناول هذا وهذا ويكون على وجهين، كما قال الكلبي، أو أن أباهريرة وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة – ولم يصر عليها، بل حصلت منه فلته في عمره – باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مراراً عديدة، وهذا من فقه الصحابة – رضى الله عنهم – وغور علومهم، ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، وإنما يخاف العنت على من اتخذ الذنوب عادته، وتكرر منه مراراً عديدة )1( وذكر شيخ الإسلام ابن تيميه الآيات الدالة على انقسام الذنوب)2( ومنها قوله تعالى: }اوَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ { [الشورى:37].
وقوله عز وجل:} وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا { [الكهف:49].
وقوله تعالى: } وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ{ [القمر:53].
قوله صلى الله عليه وسلم ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)))1(.
قال النووي: (.. وتنقسم (أي المعاصي) باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وإلى مالا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح " ما لم يغش كبيرة" فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر ومالا تكفره كبائر))2( ومثله قوله – صلى الله عليه وسلم:- (ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله) )3( .
اولا :الكبيرة لغة واصطلاحا :
الكبيرة لغة : قال فى اللسان)4( ، الكبر :الاثم الكبير و ما وعد الله عليه من النار ، و الكبرة والكبر ، التانيث للمبالغة / و فى التنيل العزيز : }اوَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ { [الشورى:37].
,و فى الاحاديث ذكر الكبائر مع غير موضع ، و واحدتها كبيرة ، و هى الفعلة القبيحة من الذنوب المنهى عنها شرعا ، العظيم امرها .



الكبيرة اصطلاحا: فقد اختلف فى ضابطها على اقوال عدة )1(:
فقيل : كل شيء نهى الله عنه فهو كبيرة .
وقيل : انها ما يترتب عليها حد ، او توعد عليها بالنار او اللعنة او الغضب .
وقيل : هى ما اتفقت الشرائع على تحريمه .
وقيل : كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف او ندم فهى كبيرة الى غير ذلك من الاقوال .
قال ابن القيم : ( واما الكبائر فاختلف السلف فيها اختلافا لا يرجع الى تباين وتضاد ، واقوالهم متقاربة)2(.
والراجح:
ومن أشهر التعريفات ما نقل عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن البصري وغيرهم: أن الكبائر كل ذنب ختمه الله تعالى بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن الصلاح: (لها أمارات منها: إيجاب الحد، ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق نصا ومنها اللعن))3(
وقال الماوردي من الشافعية: (الكبيرة ما وجبت فيه الحدود أو توجه إليها الوعيد) . وورد مثل ذلك عن الإمام أحمد فيما نقله القاضي أبو يعلي ورجحه القرطبي)4(

.وابن تيمية والذهبي)1(وغيرهم.

ولعل هذا التعريف أشمل التعاريف وأقربها للصواب لعدة اعتبارات ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية من أهمها:
1- أنه يشمل كل ما ثبت في النصوص أنه كبيرة كالشرك، والقتل، والزنا، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وغير ذلك من الكبائر التي فيها عقوبات مقدرة، ويشمل أيضاً ما ورد فيه الوعيد كالفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشهادة الزور، ويشمل كل ذنب توعد صاحبه بأنه لا يدخل الجنة، وما قيل فيه من فعله فليس منا، وما ورد من نفي الإيمان عن من ارتكبه كقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.. الخ)))2(.
2- فكل من نفي الله عنه الإيمان والجنة أو كونه من المؤمنين فهو من أهل الكبائر، لأن هذا النفي لا يكون لترك متسحب، ولا لفعل صغيرة، بل لفعل كبيرة.
3- أنه مأثور عن السلف من الصحابة والتابعين بخلاف غيره.
4- أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الصغائر والكبائر بخلاف غيره.
الصغيرة: هي كل معصية لا يترتب عليها حد في الدنيا، ولا وعيد في الآخرة)3(.

)1( وجوب لزوم الجماعة وذم التفرق جمال بن أحمد بادي، ص 117

)2( موقف ابن تيمية من الأشاعرة ،د 1/17

)3( مجموع الفتاوي 3/175

)4( انظر: مقالات الإسلاميين،الاش عرى 1/223،الفصل فى الاهواء والملل والنحلل ،لابن حزم/108

)1( رواه مسلم في " فضائل الصحابة " باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم - أمان لأصحابه..." رقم
2531

)2( ابن الأثير : مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري، ولد سنة 544 ه في جزيرة ابن عمر - بلدة فوق الموصل - وقد جمع بين علم العربية والقرآن والحديث والفقه، وصنف تصانيف مفيدة من أشهرها " جامع الأصول " " والنهاية في غريب الحديث" توفى في الموصل سنة 606 ه- انظر مقدمة جامع الأصول للشيخ عبد القادر الأرناؤط .

)3( النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الاثير 1/69 - 71

)1(نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط لتكفير عند السلف إعداد د. محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي ص18

)2( والإمام أحمد في المسند 2/377، 378، 419، 514 وغيرهم، صححه الإمام الشوكاني في نيل الأوطار 1/334

)3(تفسير الطبري (1/100) ، تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة الدينوري (ص481)

)1( الزجاج : هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج : عالم بالنحو واللغة ولد ببغداد سنة 241ه-، له كتب كثيرة (( معاني القرآن ))، (( وإعراب القرآن )) في ثلاثة أجزاء، توفي ببغداد سنة 311 ه-، تاريخ بغداد 6/89، وفيات الأعيان لابن خلكان 1/11

)2( لسان العرب لابن منظور 13/24..

)3( رواه البخاري : كتاب الاستئذان (( باب زنا الجوارح دون الفرج )) رقم 6343. ومسلم : كتاب القدر (( باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا )) رقم 2657..

)1( هو الإمام حقاً، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، ولد سنة 164 ه، كان آية في العلم والحفظ والعبادة، نصر السنة ورد على المبتدعة وصبر في المحنة، وله عدة مصنفات، توفي سنة 241 ه، وصلى عليه مئات الألوف .

)2( هو أبو بكر محمد بن الحسين البغدادي، الإمام، المحدث، القدوة، كان صدوقاً عابداً، صاحب سنة، له مؤلفات، توفي بمكة سنة 360 ه . انظر: تاريخ بغداد للبغ 2/243، وسير أعلام النبلاء للذهبي 16/133 .

)3( الشريعة للإمام الآجرى ص 119

)4 ( شرح السنة للبغوى 1/38، 39.

)5( شرح أصول اعتقاد أهل السنة اللالكائي 5/886

)6 ( مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم الجوزية 2/420.

)1(منهج العلامة الألباني في عقيدة الإيمان والكفر و الرد على أبي رحيم , سيف النصر علي عيسى ص16

)1( مدارج السالكين:ابن القيم 1/342

)2( تفسير القرطبي ( الجامع لأحكام القرآن 5/158 )..

)3( فتح القديرللشوكانى 1/457، 458.

)1( مدارج السالكين:ابن القيم 1/343 – 345 وانظر تفسير ابن كثير 4/255، 256).

)2( مجموغ الفتاوى: ابن تيمية 11/659

)1( رواه مسلم كتاب الطهارة "باب فضل الوضوء... " من حديث أبي هريرة 3/117 ،118، وفي رواية "مالم تغش الكبائر ".

)2( شرح النووى على مسلم 2/85

)3( رواه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه 3/112، كتاب الطهارة، "باب فضل الوضوء .." رواه مسلم من حديث عثمان رضي الله عنه 3/112، كتاب الطهارة، "باب فضل الوضوء .."

)4( لسان العرب ابن منظور :/مادة كبر 5/129

)1(مجموع الفتاوى:ابن تيمية 11/ 650، انظرعقيدة الشاطبى و موقفه من البدع كعبدالرحمن على ص258

)2(مدارج السالكين 1/347

)3( مسلم بشرح النووي 2/85

)4( فتح البارى 10/411

)1( انظر كتاب الكبائر للذهبي ص36 ، نواقض الإيمان الاعتقاديةوضواب ط لتكفير عند السلف: محمد بن عبد الله بن علي الوهيبي: ص71

)2( انظر مجموع الفتاوى 11/651 - 655، مدارج السالكين 1/321-327 ، و شرح مسلم للنووى 2/85-87 ، و شرح الطحاوية ص417 .و فتح البارى 10/410، 95،الايمان ابن منده ص509، شرح الطحاوية :لسفر الحوالى كص93-95 .

)3( شرح الطحاوية :ص93-95