جواب الفتوى
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعدُ.
نسأل اللهَ أنْ يُصبِّرَكَ على ما ابتلاكَ به مِن هذا الإيذاءِ الشَّديدِ مِن زوجة أبيكَ، ونسأل الله لها الهِدايةَ والرَّشادَ، والكَفَّ عن إيذاء الناس بغير حقٍّ.
ونُوصيكَ في خاصَّةِ نفسِكَ تُجاهَ هذه المرأةِ بأمورٍ:
أوَّلُها: أنْ تَرُدَّ إساءتَها بالإحسان؛ امتثالاً لقول الله – تعالى -: {وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيَّئَةَ}، ولقوله – تعالى -: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
وراجع في موقعِنا للمزيد استشارةَ "لي خالة تُبغضني، هل أُقاطعها؟"، واستشارةَ "أمِّي وزوجة عمِّي".
ثانيها: عليكَ بالحِرص على طاعة والدكَ، ولُزومِ خِدمتِهِ والقيامِ بحقِّه؛ فإنَّ الله -تعالى - قد أوجب طاعةَ الوالدَينِ وبِرَّهما في الحقِّ، ولو كَانَا على غير الإسلام، ولا شَكَّ أنَّ أعظمَ الذُّنوب هو الشركُ، ووالدُكَ لا يزال مُسلِمًا؛ فَحَقُّه في البِرِّ أولى وآكَدُ؛ قال – تعالى -: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.
وراجعْ في موقعِنا استشارةَ: "فشلي مع والدي يُدِّمر حياتي"، وفتوى: "وُجوب بِرِّ الوالدَين وإيثارهما على مَن سواهما".
ثالثُها: تَذكَّرْ أنَّ هذه المرأةَ هي زوجةُ أبيكَ، وأنَّكَ رُبَّما آذيتَه بإيذائها، وقد نهى اللهُ عن إيذاء الأَبوَينِ بأيِّ نَوْعٍ مِنَ الإيذاء؛ وذَكَرَ ذلك في القرآن بقوله – تعالى -: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}، والعِلَّةُ في هذا النهيِ الإيذاءُ المُترتِّبُ على ذلكَ، والإيذاءُ عقوقٌ مُحرَّمٌ مهما كانت صورتُه.
رابعُها: يجبُ عليكَ نُصحُها إنْ تَمكَّنتَ مِن ذلكَ؛ فإنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عَنِ المُنكرِ واجبٌ مع كلِّ أحدٍ بِحَسَبِهِ، وزوجةُ أبيكَ أولى بذلكَ مِن غيرها؛ لا سِيَّما وقد صارتْ لكَ مَحْرَمًا مُؤبَّدًا، فيُمكنكَ الخُلوصُ إليها ونُصحُها.
خامسُها: تَودَّدْ إلى أبيكَ ولا تَبتعدْ عنه؛ فإنَّ البُعدَ يَزيد مِنَ الجفاءِ، ولعلَّ قُربَكَ منه يُبَيِّنُ له الحقيقةَ ساطعةً بما يُعينه على اتِّخاذ القرارِ المناسِب اللائقِ بالحالة التي تعيشُها.
سادسُها: ماذا نصنع لأقوامٍ أَمضَوا حياتَهم في الطَّعْنِ واللَّعْنِ، وأخلاقُ الناس مُتفاوِتةٌ، والصَّبرُ على أَذاهُم أَجرُه عند الله عَظيمٌ، فاستحضرْ في نفسكَ وأنتَ تُعامِلُها - ولابُدَّ مِن مُعاملتِها - أنَّها طُبِعَتْ على هذا، وأنَّ انتقامَكَ منها يُنزلِكَ بنفس مَنزلَتِها، وهذا لا يَليقُ بكَ، إنْ كنتَ مِمَّن يُبغِضُ سَيَّئَ الأخلاق.
لا يَسعُنا في النهاية إلاَّ أنْ نَدعُوَ اللهَ – تعالى - بأن يَهدِيَها ويُصلحَها، وأنْ يُوفِّقَ بينكم جميعًا؛ أنت وهي ووالدك