الحمد لله رب العالمين..
فإن أكبر شأن من شؤون المسلمين، وأعظم حدث في تاريخ البشر أجمعين، نزول الروح الأمين، من لدن رب العالمين، بالكتاب المبين، على قلب الصادق الأمين...صلى الله وسلم عليه في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وقد بين الله الحكمة من نزول الكتاب، فقال: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (ص : 29)].
وتدبر القرآن؛ لا يكون إلا بمعرفة وجوه التفسير، وأنماط التعبير، والكشف عن مراد الله العلي القدير.
وذلك قدر طاقة الناس، في معرفة معنى كلام رب الناس إله الناس..
ومن ثم كان لعلم التفسير منزلة عالية، وللمشتغل به والقائم عليه مرتبة سامية..
وقد فهم هذا الصحب الكريم، والسلف أولي الأحلام والنهى وأحسن الأفاهيم، فروي عنهم من ذلك، ما يدل على ما كان هنالك:
فإن
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ذكر جابر بن عبد الله-رضي الله عنهما-، ووصفه بالعلم، فقال له رجل: جُعلت فداءك! تصف جابرا بالعلم وأنت أنت!
فقال: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ].
وقال
مجاهد: أحبُ الخلق إلى الله تعالى أعلمهم بما أنزل.
وقال
الحسن: والله ما أنزل الله آية إلا أحبَّ أن يُعلم فيما أنزلت وما يعني بها.
وقال
الشعبي: رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية، فقيل له: إن الذي يفسرها رحل بالشام، فتجهز ورحل إلى الشام حتى علم تفسيرها.
وقال
عكرمة: في قوله عز وجل: [وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ]، طلبت اسم هذا الرجل الذي خرج من بيته مهاجرًا إلى الله ورسوله، أربع عشرة سنة حتى وجدته.
قلت: قال
ابن عبد البر: هو ضمرة بن حبيب.
وقال
ابن عباس-رضي الله عنه-: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يمنعني إلا مهابته، فسألته فقال: هي حفصة وعائشة.
وقال
إياس بن معاوية: مثل الذين يقرءون القرآن وهم لا يعلمون تفسيره كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعة ولا يدرون ما في الكتاب.
ومثل الذي يعرف التفسير كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب.
وللتفسير أدوات وشرائط، وقواعد وضوابط، ينبغي على من يتصدى له جمعها، ومعرفتها والتزامها..
قال
الزركشي: [التفسير علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ] البرهان في علوم القرآن - (1 / 13)
وبمراعاة هذه القواعد، والاعتناء بتلك المقاصد، اندفع علماء الأمة، وأحبار الملة، يومًا بعد يوم، في استثارة كنوز الكتاب العزيز، وتوضيحها لبصائر ذوي التمييز، ونهضوا للكشف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل، في وجوه التأويل.
غير أن قومًا ضعفت سلائقهم العربية، ووهنت ملكاتهم الشرعية..
وقعدت بهم الهمم عن البحث والمراجعة، فحملتهم عزائمهم الخائرة على المسارعة، في تفسير القرآن بآرائهم وما فهموا، فضلوا عن الحق وما فهموا..وهذه آفة الآفات، وبلية البليات.
وهذا ما عناه
الجاحظ بقوله: [إنما يؤتى الناس من ترك التثبت وقلة المحاسبة] الأوائل للعسكري - (1 /333).
وأراده الإمام
عبد القاهر؛ بقوله في دلائل الإعجاز (361) الباهر: [وتلك جريرة ترك النظر وأخذ الشيء من غير معدنه].
....وللكلام شجون، في مجلس يكون، في مرة قادمة بإذن من يقول للشيء: كن، فيكون.
دمتم بحفظ الله،،