محاولة متعثرة
بقلم
صالح الجسار
بعنوان
الجزيرة المفقودة
في تلك الجزيرة عاشَ الناسُ في لحظاتٍ جميلة, وأجواءٍ عليلة, وبعيونٍ مُشتاقة, وقلوبٍ تَوَّاقَة, حالهم في اجتماعٍ وأُنْس, وبَهْجَةُ نَفْس, الأصدقاءُ يتعانقون في أجملِ لقاء, وأطيبِ هواء, ماءُ الجزيرة الحُب والحنان,وأشجارُ ا الصِّدقُ والوفاء, وتُرْبَتُهَا التواضعُ والإخاء, ونسيمُها المَوَدَّة والنقاء, تَرتَسِمُ على مُحَيَّاهم ابتسامات كأنَّها حدائق غَنَّاء, يكونُ بينهم تواصلٌ وتقارب, وتعاطفٌ وتجاوب, أُنْسٌ ومَرَح, ومُسَامرةٌ وفرح, ليلٌ يهتزُّطَرَباً, ونجومٌ تُصَفِّقُ عجباً, لا يجد الحقد إلى قلوب أحدهم سبيلاً, ولا يرضون بغير الحُبِّ بديلاً, أيامٌ كأنَّها لحظات, وسنينٌ كأنَّها ساعات, النفوس تُبحر في بحر السعادة والإرتياح, والفوز والنجاح, تلك الجزيرة التي فُقِدَتْ, وطالما اشتاق إليها الناس كُلَّما تذكَّرُوها, إنَّها: (جزيرة الماضي الجميل) حيثُ القلوب الصافية, والنفوس المتواضعة, والكلمات الرائعة, ولكن هيهات أن يجد الناس تلك الجزيرة, فقد غَرِقَتْ بأوحال القطيعة والتباعد, والبغض والتنافر, واختفت تحت آثار الحوافر, فكل إنسان يتذكر تلك الجزيرة يبكي ألماً وشوقاً, وهِياماً وعِشقاً, كيف لا!!, وقد عاش فيها أجمل لحظات حياته, وصدق ابن الرومي عندما قال في أبياته:
ولي وطـنٌ آليتُ أن لا أبيـعهُ ... وألا أرى غيري له الدهرَ مالكا
عهدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً ... كنعـمةِ قوم أصبحوا في ظلالكا
فقد ألفتهُ النفـسُ حتى كأنـهُ ... لها جَسَدٌ لـولاهُ غودرْتُ هالكا
وحبّبَ أوطـانَ الرجالِ إليهم ... مآربُ قضـاها الشبـابُ هُنالكا
إذا ذكـروا أوطـانهمْ ذكرتهمُ ... عهودُ الصِّبَا فيها فحنُّـوا لذلكا
ولكن ليس لنا من تلك الجزيرة إلاَّ الذكريات الجميلة, التي يَهِبُّ نَسِيمُهَا بين الحين والآخر....