السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما آن الأوان أن ننفي عن نبينا – صلى الله عليه وسلم – ما نسب إليه من أنه كان يقف على مواضع معينة في القرآن الكريم – من غير رءوس الآي - ، لا يتجاوزها ، ثم يبتدئ بما بعدها ، أو أن جبريل كان يقف عليها ، والرسول يتبعه ، وكذا ما نسب إليه – وصححه بعضهم - من أنه قال : ((من ضمن أن يقف في عشرة مواضع في القرآن ، ضمنت له الجنة )) ، وهي الوقوف المعروفة بـ ( وقوف الغفران ) ، وكذا تلك الوقوف المسماة بالوقوف ( المنزلة ، أو المفروضة ) ، قالوا : إن جبريل – عليه السلام – لما نزل بهذه الآيات من الله تعالى على النبي – صلى الله عليه وسلم – توقف فيها قبل انقطاع الوحي.
أليس من المؤسف أن نجد هذه العبارات تتردد في كتب علمائنا ؛ من نحو : إن الوقوف على هذه المواضع من السنة ، وأن العلم بها من العلم اللدني ، وأنها منقولة إلينا بالتواتر ، أو التلقي والمشافهة ، وأنه لا يشترط صحة الأحاديث الواردة فيها ، وأن يقوم مجمع الملك فهد بطباعة بعض المصاحف بها ، وأن يردد كثير من علمائنا هذه العبارات في كتبهم ، ومدارسهم ، ومعاهدهم ، وجامعاتهم ، على الرغم من ادعائنا محاربة البدع والأهواء ؟
وهنا نتساءل أين كان أرباب الوقوف الذين وصلت إلينا كتبهم : ابن سعدان ، والأنباري ، وابن أوس ، والنحاس ، والخزاعي ، والداني ، والعماني ، والغزال ، وتلميذ أبي الفضل الرازي ، وأبو العلاء الهمذاني ... ، وجلهم من المحدثين من هذه الوقوف ، وهم الحريصون على ذكر كل وقف مأثور ، حتى ولو كان في طرقه ضعف ؛ كذكرهم الوقوف المروية عن ابن عباس وغيره من الصحابة ، والوقوف المروية عن التابعين ؛ الضحاك ، وابن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، والمكيين ، وعاصم ، وشيبة بن نصاح ، وحمزة ، ونافع ، وحتى الوقوف المروية عن تابعي التابعين ، وعد الوقف على رءوس الآي من السنة ، حتى قال جمهورهم : إن الوقف على رءوس الآي : تام ، أو كاف ، أو حسن ، إلا الشيء بعد الشيء ؟
هل ظلت هذه الوقوف مختفية طيلة هذه القرون حتى عثر عليها علماء القرن العاشر وما بعده من المتصوفة والشيعة ، وسار في ركبهم ثلة من أهل السنة والجماعة ، وذكروا في ذلك أحاديث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، قال بعضهم : إن رجالها ثقات ؟
أما آن الأوان أن نبين حقيقة تلك الوقوف : وقوف النبي – صلى الله عليه والسلام - ، ووقوف جبريل – عليه السلام - ، ووقوف الغفران ، والوقوف المنزلة أو المفروضة ؟
أقول : والله لقد آن ، ورحم الله المغفور له فضيلة الشيخ محمود خليل الحصري يوم قال : (( مع التنقيب البالغ ، والبحث الفاحص ، في شتى الأسفار ، ومختلف المراجع ، من أمهات الكتب ؛ في علوم القرآن ، والتفسير ، والسنة ، والشمائل ، والآثار ، لم أعثر على أثر صحيح ، أو ضعيف يدل على أن الوقف على جميع هذه المواضع ، أو بعضها من السنة العملية ، أو القولية.
ولعلنا بعد هذا نظفر بما يبدد القلق ، ويريح الضمير )).
بفضل الله ورحمته توصل العبد الفقير إلى ما بدد القلق ، وأراح الضمير ، فلقد انتهيت في أطروحتي إلى حقيقة تلك الوقوف ، وأن من تولى كبرها جلهم من علماء الشيعة والمتصوفة ، وذلك بعد أن تتبعت جميع النصوص الواردة فيها ، ثم عرضت هذه المواضع على كتب أرباب الوقوف.
أما الوقوف المنسوبة إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد نسب البعض جمعها – خطأ - إلى محمد بن عيسى الأصفهاني ( ت 253 هـ ) ، صاحب المصنفات في القراءات ورسم المصحف ، والبعض نسبها إلى ابنه عبد الله ( ت 306 هـ ) ، والبعض الآخر إلى محمد بن عيسى البريلي ( ت 400 هـ ) ، وليس هناك أي دليل يؤكد صحة هذه النسبة ، وقد فندت هذه المزاعم.
وأقدم من نسب وقفاً للنبي – صلى الله عليه وسلم - ، فيما وقف عليه البحث ، هو مكي بن أبي طالب ( ت 437 هـ ) في تفسيره " الهداية " ، وفي موضع واحد ، وبصيغة التضعيف ( روي ) ، وتبعه أبو حيان في " البحر " ، والسمين في " الدر " ، وابن عادل في " اللباب " ، ثم جاء جامع العلوم الباقولي ( ت 543 هـ ) فنسب ثلاثة منها في كتابه " الوقف والابتداء " إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ، وبصيغة التضعيف أيضاً ( مروي ) ، ثم جاء السمين الحلبي فنسب وقفاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وأيضاً بصيغة التضعيف ( روي ) ، وتبعه ابن عادل ، وسليمان الجمل ، ومحمد الأمين الهرري ، ثم يأتي الصوفي المالكي أبو عبد الله محمد بن عيسى المغربي ( ق 10 هـ ) ليجمعها في رسالة صغيرة ، أوردها حاجي خليفة ( ت 1067 هـ ) في كشفه ، ثم يأتي ابن الديبع الشيباني ( ت 1074 هـ ) ليملي على تلميذه أبي سالم العياشي ( ت 1090 هـ ) عشرة أبيات من حفظه في هذه الوقوف ، ينقلها لنا في رحلته ، وهي أيضاً – كما قال العياشي – (( لم ينسبها )) !
ويأتي معاصرهما أحمد بن عبد الكريم الأشموني الصوفي المقرئ ( ق 11 هـ ) لينقل عن السخاوي ؟! بعض هذه الوقوف ، وأي سخاوي يريد ؟ هل هو العلم المقرئ ، أم الشمس المحدث ، أم غيرهما ؟
وليقول بالحرف : (( فكان - e - يتعمَّدُ الوقفَ على تلك الوقوف، وغالبُها ليس رأسَ آية ، وما ذلك إلا لعلم لدُنيٍّ , عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ ، وجَهلهُ مَنْ جَهلِهُ.
فاتباعُهُ سُنة في جميع أقواله وأفعاله )).
ويتبعه على ذلك مختصر كتابه ، ومختصر المختصر ، وكثير من علمائنا.
ثم يأتي دور الشيعة ، فينسبون كثيراً من هذه الوقوف إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ؛ أذكر منهم : مصطفى التبريزي ( ت بعد 1088 هـ ) ، ومحمد الكاظمي ( ت بعد 1106 هـ )
ثم يأتي شيخ الجامع الأزهر شمس الدين البقري الصوفي ( ت 1111 ) ليقول بالحرف الواحد (( ذكرَ بعضُ العلماء عن مشايخه حديثاً أسنده عن رجال ثقاتٍ إلى النبي - e - أنه كان يقفُ على ستة عشرَ موضعاً ، ويحبُ ( أو يجب ) الوقف عليها ، والابتداء بما بعدها.... )). ويتبعه الشيخ عطية الأجهوري ( ت 1190 هـ ).
فمن هو هذا البعض ، ومن هم مشايخه ، ومن هم هؤلاء الرجال الثقات ، ومن الذي وثقهم ؟
ثم يأتي تلميذه علي بن سليمان المنصوري ( ت 1138 هـ ) فينظمها في أبيات ، لم أقف إلا على البيت الأول منها ، وعند الشيخ العقرباوي في مرشده ، ولم يذكر مرجعه ، وهو :
إليكَ وقوفَ المُصْطفى أفضَلِ الوَرَى ** وَعِدَّتُهَا : عَشْرٌ وَسَبْعٌ لدَى المَلا.
وأرجو من أخواني أن يخبروني إن كانوا قد وقفوا على هذا البيت ، أو على غيره للمنصوري في هذه الوقوف في أي مرجع.
ويسير في الطريق الشائك كثيرون ؛ منهم : شيخ الجامع الأزهر السمنودي المنير ( ت 1199 ) ، وأبو مصلح الغمريني ( ت بعد 1196 هـ ) الصوفيان ، ومن القرن الثالث عشر : إبراهيم السكندري ، ومحمد الصادق الهندي ، ومن القرن الرابع عشر : وهبة بن سرور المحلي ، وهادي السقاف ، والشيخ أحمد ياسين الخياري ، وكذا الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ، الذي نسب وقفاً واحداً في " تحريره " إلى النبي – صلى الله عليه وسلم - ، وبصيغة التضعيف أيضاً ( روي ).
ثم يأتي دور المجهولين ، الذين جمع بعضهم هذه الوقوف في رسائل ، لا تتعدى الصفحة الواحدة ، أو جزءاً منها في بعض المجاميع.
وكذا بعض النساخ ، الذين درج بعضهم على وضعها في أواخر بعض الكتب التي ينسخونها في القراءات ، أو التجويد ، أو الوقف ، أو حتى غيرها ، وهي لا تتجاوز القرن الحادي عشر ، وبعضهم درج على وضعها في هوامش وحواش بعض كتب الوقف ، وخاصة كتاب السجاوندي ، والكتب التي سارت على دربه.
ويأتي دور علمائنا المعاصرين ؛ الأحياء منهم والأموات ، أذكر منهم : المغفور لهم الشيوخ/ محمود خليل الحصري ، وعبد الفتاح المرصفي ، وإبراهيم السمنودي ، وحسني شيخ عثمان ، والدكاترة/ عبد الله عليوة البرقيني ، وخالد البوريني ، وخديجة مفتي ، ومحمد المختار المهدي ، والشيخان جمال القرش ، وأحمد الطويل ، وجل من صنف كتاباً في التجويد ، أو الوقف ، أو حتى علوم القرآن.
وأما الوقوف المنسوبة إلى جبريل – عليه السلام – فإن أول من نسبها إليه هو الأشموني الصوفي المقرئ ، نقلاً عن السخاوي ، وتبعه مختصر كتابه ، ومختصر المختصر ، وهادي السقاف ، والشيوخ/ الحصري ، والمرصفي ، وشيخ عثمان ، وإبراهيم السمنودي ... وغيرهم كثيرون.
ثم بعض الرسائل التي لم يعرف جامعوها ، والتي لم يتجاوز تاريخ نسخها القرن الثاني عشر الهجري.
أما وقف الغفران فقد ذكروا فيه حديثاً مروياً عن النبي – صلى الله عليه وسلم - ، صححه بعضهم ، وهو : (( من ضمن أن يقف في عشرة مواضع في القرآن ، ضمنت له الجنة )) ، وقالوا : إن من وقف على هذه المواضع العشرة فقد وعد الله تعالى أن يغفر له ذنوبه.
وأول من نص عليه هو حافظ كلان البخاري ( ق 10 هـ ) ، ومحمد نبي السجستاني ( ق 10 هـ ) في رسالتين لهما في التجويد باللغة الفارسية ، وهما من علماء الشيعة ، ثم كل بن محمد الزاهدي الحنفي ، من وراء نهر جيحون ( ق 11 هـ ) في رسالته في تجويد الفاتحة ، وحكيم زاده البغدادي ( ت بعد 1066 هـ ) ، المتهم بالتشيع ، وقد نظمها في سبعة أبيات.
وتبعهم الشيعيان مصطفى التبريزي ، وتلميذ حكيم زاده محمد الكاظمي ، ثم كثير من علمائنا المعاصرين ؛ الأحياء منهم والأموات.
وأما الوقوف المنزلة فإن أول من ذكرها – فيما وقف عليه البحث – هو كل بن محمد الزاهدي ( ق 11 هـ ) ، نقلها عن بعضهم ، ولم يعينهم ، ثم رسائل لمجاهيل يرقى بعضها إلى القرن الحادي عشر الهجري ، ونسب إلى جعفر بن صادق النقشبندي ( ت 1170 هـ ) رسالة في الوقوف المفروضة.
وأخيراً .. أتوجه بهذه الأسئلة إلى أساتذتي وإخواني ، وأرجو أن أجد هذه المرة جواباً :
1- هذا البيت ذكره الشيخ زيدان العقرباوي في المرشد في علم التجويد صـ 193 ، نقلاً عن المنصوري ، ولم يذكر مرجعه ، وهو :
إليكَ وقوفَ المُصْطفى أفضَلِ الوَرَى ** وَعِدَّتُهَا : عَشْرٌ وَسَبْعٌ لدَى المَلا.
فليخبرني من وقف عليه وحده ، أو على المنظومة كلها ، أو كانت له علاقة بالشيخ زيدان العقرباوي فليسأله عن مرجعه.
2- وقفت على هذه الأبيات في ملتقى أهل الحديث ، ولم أعرف قائلها ، ولا المرجع الذي ذكرت فيه :
(( وقد نظمها بعضهم ، فقال :
ضمنت الجنة لا مراء ** لمن يقف عشراً من القراء
أن أنذر الناس الذين يسمعون ** وأولياؤه فاسقاً لا يستوون
آثارهم مرقدنا على العباد ** أن اعبدوني مثلهم تم المراد )).
3- هذه الرسالة " فائدة في أوقاف النبي – e – في القرآن " ، نسبت لمحمد بن عيسى المغربي ، يوجد منها نسخة خطية محفوظة في المكتبة القادرية ، في ( بغداد ) ، تحت رقم : ( 107 ) ، ضمن مجموع ، في ورقة واحدة ، وهي الرسالة رقم : ( 14 ) في هذا المجموع ، نسخت في سنة ( 1249 هـ ).
فمن يتحفني بتصويرها ؟
4- هل وقف أحد على غير من ذكرت نص على هذه الوقوف ، من غير المعاصرين ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبو يوسف السنهوري الكفراوي ، محمد توفيق حديد
مدرس مساعد في جامعة الأزهر.
mthadeed@yahoo.com
تجدون المشاركة كاملة على منتدى شبكة القراءات القرآنية – منتدى الكتب والمخطوطات.
وعلى ملتقى أهل التفسير – ملتقى القراءات والتجويد ورسم المصحف وضبطه.