وردتني رسالة جوال فيها كلام لأحد الدعاة ، يُفسّر فيها قول الله تعالى :
( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) فقال : ( لامجال للتوقف بحال فمن شاء أن يتقدم للأمام أو يتراجع للخلف ) فهل هذا التفسير مقبول ؟
وردتني رسالة جوال فيها كلام لأحد الدعاة ، يُفسّر فيها قول الله تعالى :
( لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر ) فقال : ( لامجال للتوقف بحال فمن شاء أن يتقدم للأمام أو يتراجع للخلف ) فهل هذا التفسير مقبول ؟
من جمال القرآن أنه حمال للمعاني، والمعنى الذي ذكرتَهُ عامٌّ، سواء في المعصية أو في الطاعة، أو العمل أو العلم أو... أو...، فالمعنى محتملٌ، ولكن انظرْ في التفاسير لعلك تجد شيئًا مخالفًا،، والله أعلم.
بارك الله فيك
قال الإمام الطبري في تفسيره: "يقول تعالى ذكره : نذيرا للبشر لمن شاء منكم أيها الناس أن يتقدم في طاعة الله , أو يتأخر في معصية الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 27484 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس , قوله : { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } قال : من شاء اتبع طاعة الله , ومن شاء تأخر عنها . { لمن شاء منكم أن يتقدم أن يتأخر } يتقدم في طاعة الله , أو يتأخر في معصيته" انتهى
وبمثله قال سائر أئمة التفسير رحمهم الله. والآية مكملة لمعنى الآية السابقة عليها، إذ اللام هنا في قوله ((لمن شاء)) تفيد أن هذا المعنى مكمل لما هو مذكور في الآية المتقدمة، التي فيها قوله تعالى في وصف النبي عليه السلام: ((نذيرا للبشر)). فما بعد اللام بيان وتفصيل لما قبلها، إذ ما من أحد من البشر إلا وهو متقدم أو متأخر في المصير الأخروي لا محالة، فمن استجاب للنذير تقدم ومن عصاه تأخر..
فالحاصل أن قول القائل في تفسير الآية: " لامجال للتوقف بحال فمن شاء أن يتقدم للأمام أو يتراجع للخلف ) " لا إشكال فيه إن كان يقصد التقدم والتأخر في الاستجابة للنذير صلى الله عليه وسلم، إذ هو المعنى الصريح الذي لا خلاف فيه.
أما ما تفضل به أخونا الفاضل أبو إلياس فليس بصحيح.. فقاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لا ينبغي أن تستعمل في تعميم نصّ ثبت تخصيصه في سياقه وأجمعت الأمة على فهمه وفق ذلك السياق، ومن ثمّ تحميل ذلك النص ما لا يحتمل من المعاني! فهذا أشبه ما يكون بنزع قوله تعالى ((ويل للمصلين)) من سياقه وادعاء أن العبرة بعموم اللفظ، وهذا مسلك غير قويم في التعامل مع نصوص القرءان، والله أعلم.
هذا وأنبه على أنه لا يجوز لنا أن نقول برأينا في القرءان، ندلو به أولا ثم يقول الواحد منا للناس من بعد تقرير رأيه: هذا ما عندي ولكن انظروا في كتب التفسير فلعلكم تجدون خلاف ما أقول! كان الصحابة والسلف يتهيبون أشد الهيبة من الكلام في تفسير القرءان، لأنهم يدركون أن حاصل كلامهم = دعوى أن الله يقول كذا وكذا، فما من أحد أحرى بأن تلصق به تهمة الكذب على الله ممن يخوض في تفسير القرءان بغير علم، والله المستعان.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في مدارج السالكين 1/267:
" والقصد : أن إضاعة الوقت الصحيح يدعو إلى درك النقيصة إذ صاحب حفظه مترق على درجات الكمال فإذا أضاعه لم يقف موضعه بل ينزل إلى درجات من النقص فإن لم يكن في تقدم فهو متأخر ولا بد فالعبد سائر لا واقف فإما إلى فوق وإما إلى أسفل إما إلى أمام وإما إلى وراء وليس في الطبيعة ولا في الشريعة وقوف ألبتة ما هو إلا مراحل تطوى أسرع طي إلى الجنة أو إلى النار فمسرع ومبطىء ومتقدم ومتقدم ومتأخر وليس في الطريق واقف ألبتة وإنما يتخالفون فى جهة المسير وفي السرعة والبطء ((إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)) ولم يذكر واقفا إذ لا منزل بين الجنة والنار ولا طريق لسالك إلى غير الدارين ألبتة فمن لم يتقدم إلى هذه الآعمال الصالحة فهو متأخر إلى تلك بالأعمال السيئة..."
جزاك الله خيرا وبارك فيك
فوائد قيمة جدا , جزى الله الجميع كل خير .