بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
فإن الايمان قول وعمل له شعب منها مالايزول اسم الايمان بزوالها ومنها مايزول بزوالها ، وأعمال القلوب من محبة الله وتعظيمه والانقياد لشرعه والتزام أحكامه وتوقير رسوله صلى الله عليه وسلم هي ركن في الايمان يبطل العمل الظاهر والباطن بزواله .
وإن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون ويصومون ويعملون الأعمال الظاهرة نفاقا مع بغض الشريعة ومعاداة أهلها والحزن لظهور أحكامها فلم تفدهم أعمالهم الظاهرة شيئا مع ذهاب تعظيم الشريعة من قلوبهم فاعتقد الصحابة كفر من ظهر نفاقهم واستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتلهم فترك ذلك تألفا للناس وسياسة لهم وتفويتا لمقصود المنافقين في تشويه الرسالة .
فأجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دمائهم وأموالهم أحكام المسلمين وأجرى أحكام المنافقين عليهم في غير ذلك وعاملهم بما أمره الله به من الاغلاظ عليهم وترك تمكينهم والحذر منهم وغير ذلك من الأحكام التي علقها الوحي بمن ظهرت فيه علاماتهم .
وقد ذم الله تعالى اختلاف المؤمنين فيمن ظهر نفاقه بقوله سبحانه ( فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بماكسبوا اتريدون ان تهدوا من أضل الله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا )
ودلت الشريعة على تسمية من ظهرت فيه علامات النفاق الأكبر من الضغينة على الدين ولحن القول في ذلك وفعل مالايجتمع مع الايمان باسم المنافق وعلقت على ذلك أحكاما فقد روى أبوداود عن سمرة بن جندب ري الله عنه مرفوعا " لاتقولوا للمنافق ياسيد فإنه إن يك سيدا فقد أغضبتم ربكم "
وقال الله تعالى ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض ألن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتعم بسيماهم لتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم )
وقال ( يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالا ودوا ماعنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وماتخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون . هاأنتم أولاء تحبونهم ولايحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عظوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور )
وقال ( ياأيها النبي اتق الله ولاتطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما )
وقال تعالى (وأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا )
قال ابن القيم رحمه الله :
" ( قولا بليغا ) أي يبلغ تأثيره إلى قلوبهم ليس قولا لينا لايتأثر به المقول له وهذه المادة تدل على بلوغ المراد بالقول فهو قول يبلغ به مراد قائله من الزجر والتخويف ويبلغ تأثيره إلى نفس المقول له ليس هو كالقول الذي يمر على الأذن صفحا وهذا القول البليغ يتضمن ثلاثة أمور :
أحدها : عظم معناه وتأثر النفوس به .
الثاني : فخامة ألفاظه وجزالتها .
الثالث : كيفية القائل في إلقائه إلى المخاطب فإن القول كالسهم والقلب كالقوس الذي يدفعه "
وللمنافقين أحكام كثيرة معطلة لظن كثير من المؤمنين أن وصف الرجل بالنفاق وترتيب أحكامه عليه من بعض الوجوه متعذر وهذا ظن غير صحيح .
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى ( 7 / 212 ) :
" فإن كثيرا من المتأخرين ما بقى في المظهرين للإسلام عندهم إلا عدل أو فاسق وأعرضوا عن حكم المنافقين ، والمنافقون ما زالوا ولا يزالون الى يوم القيامة ، والنفاق شعب كثيرة ، وقد كان الصحابة يخافون النفاق على أنفسهم " .
وقال رحمه الله (7/617 ) :
" فإن كثيرا من الفقهاء يظن أن من قيل هو كافر فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة فلا يرث ولا يورث ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع ، وليس الأمر كذلك فإنه قد ثبت أن الناس كانوا ثلاثة أصناف مؤمن وكافر مظهر للكفر ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر ، وكان فى المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات " أ.هـ.
وإن فتنة السماعين للمنافقين في الصد عن جهادهم فتنة عظيمة توجب الحذر من الدخول فيهم بالثقة في خبر المنافق وعداوة المؤمنين تأثرا بدعوى المنافقين والتمهيد لإيقاع الخبال بين المؤمنين بدفع وصفهم بالنفاق والذب عنهم من غير حجة ظاهرة على برائتهم مما ظهر من نفاقهم .
قال الامام ابن تيمية رحمه الله (28 / 231) :
" وأعداء الدين نوعان الكفار والمنافقون وقد أمرالله نبيه بجهاد الطائفتين فى قوله ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) فى آيتين من القرآن فاذا كان أقوام منافقون يبتدعون بدعا تخالف الكتاب ويلبسونها على الناس ولم تبين للناس فسد أمر الكتاب وبدل الدين كما فسد دين أهل الكتاب قبلنا بما وقع فيه من التبديل الذى لم ينكر على أهله واذا كان أقوام ليسوا منافقين لكنهم سماعون للمنافقين قد التبس عليهم أمرهم حتى ظنوا قولهم حقا وهو مخالف للكتاب وصاروا دعاة الى بدع المنافقين كما قال تعالى ( لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ) فلا بد أيضا من بيان حال هؤلاء .
بل الفتنة بحال هؤلاء أعظم فان فيهم ايمانا يوجب موالاتهم وقد دخلوا فى بدع من بدع المنافقين التى تفسد الدين فلا بد من التحذير من تلك البدع وان اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم بل ولو لم يكن قد تلقوا تلك البدعة عن منافق لكن قالوها ظانين أنها هدى وانها خير وانها دين ولم تكن كذلك لوجب بيان حالها ولهذا وجب بيان حال من يغلط فى الحديث والرواية ومن يغلط فى الرأى والفتيا ومن يغلط فى الزهد والعبادة ، وان كان المخطئ المجتهد مغفورا له خطؤه وهو مأجور على اجتهاده فبيان القول والعمل الذى دل عليه الكتاب والسنة واجب وان كان فى ذلك مخالفة لقوله وعمله ومن علم منه الاجتهاد السائغ فلا يجوز ان يذكر على وجه الذم والتاثيم له فان الله غفر له خطأه بل يجب لما فيه من الايمان والتقوى موالاته ومحبته والقيام بما أوجب الله من حقوقه من ثناء ودعاء وغير ذلك وان علم منه النفاق كما عرف نفاق جماعة على عهد رسول الله مثل عبد الله بن أبى وذويه وكما علم المسلمون نفاق سائر الرافضه عبد الله بن سبأ وأمثاله مثل عبد القدوس بن الحجاج ومحمد بن سعيد المصلوب فهذا يذكر بالنفاق وان اعلن بالبدعة ولم يعلم هل كان منافقا أو مؤمنا مخطئا ذكر بما يعلم منه فلا يحل للرجل ان يقفو ما ليس له به علم ولا يحل له ان يتكلم فى هذا الباب الا قاصدا بذلك وجه الله تعالى وان تكون كلمة الله هى العليا وان يكون الدين كله لله " أ.هـ
إن بغض تحكيم الشريعة أوظهور الدعوة أوانتشار الحجاب أوالمحافظة على الواجبات أوالبراءة من الكفار هو نفاق ظهر في كثير من المنتسبين للاسلام الذين ظنوا تطبيق الاسلام متعارضا مع الحضارة المعاصرة فكفروا باطنا بكل اسلام فيه أدنى توقف في فتنتها .
وإن توقف المنافق عن مشروع الافساد موقوف على بيان حكم الله فيه من وجوب بغضه وجواز وصفه بالنفاق وبيان مايترتب على اسمه الذي يستحقه من أحكام ( لئن لم ينته المنافقون في المدينة لنغرينك بهم ثم لايجاورونك فيها إلا قليلا ).
وقد تعود أهل النفاق على فتاوى التحريم والتأثيم التي لايبين للناس فيها موقفهم من المخالفين بحسب ماتوجبه الشريعة من العدل والورع في الدماء والأموال والأعراض مع الجرأة والقوة في الأسماء والأحكام وإن إيجاب الطاعة على المؤمنين للصاد عن سبيل الله فيما يفضي إلى هذا المحرم بعينه لهو فرع عن هذا السماع لهم .
فكان في إغراء الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله بهذه المقامات بشارة عظيمة له بتسديد الله تعالى له مع كثرة الصوارف عن هذا الهدى وقلة المعين عليه .
وقد أنزل الشيخ عبدالرحمن الأحكام على الأعيان بتأصيل عقدي ظهر اضطرابه في الصفوف المتوسطة من طلاب العلم والدعاة في هذه المسألة التي هي مورد من موارد الاجتهاد مادامت خلافا في تحقيق مناط الأحكام ولكن الذي يظهر من شواهد الأحوال هو خلاف هذا الظن الحسن .
ثم وقف هذا الإمام في حوار الأديان الذي خارت في تصويره على حقيقته عزائم كثير من أهل العلم والتوحيد فأعطى المقام حقه تصويرا وتفصيلا وتنزيلا في وقت كان بعض السماعين للمنافقين يستدل على هذه الفتنة بمرسل صلاة نصارى نجران في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم جهة المشرق .
ثم كان الموقف من تكفير اليهود والنصارى محل نظر كاد يذهب بالكفر بالطاغوت كله فظهر من قيام الشيخ بالصدع بكفر من شك في كفرهم من الحق ماأقر الله به عيون المسلمين .
وكتابه جواب في الايمان ونواقضه شاهد على وأد المخالفة في أظهر صور مخالفة الايمان في هذا العصر = سن القوانين الوضعية .
ومعالم هذه الدعوة المباركة تظهر جلية في الفرق المبين بين مايتقبله المنافقون من التحريم
المجرد لمشاريعهم في بعض مراحلها وبين مازاده الشيخ في الخطاب الشرعي المثمر في إتيان بنيانهم الخطابي من القواعد فيخر عليهم السقف من فوقهم بين موصوف بنفاق ومغموز بدياثة لاتجعل العامي المساير لركبهم سالما من شؤم صحبتهم .
إن الصالحين الذين يفرقون في هذه المقامات بين الشريف والضعيف مخطؤون في هذا الدين الذي هو في غاية الغنى عن كل مصلحة موهومة توهن أحكامه وتجعل المسلم الصالح موضع اتهام ومراودة عن دينه بدل وضع المنافق في مكانه .
وإن ههنا وهناك في العالم الاسلامي دعوات نجحت والحمد لله في الاستقلال عن كل مؤثر في تميزها من غير حاجة لدعم أحد أو تأثر باستخفاف مرتاب.
وهي تشهد في نجاحها مع وضوح منهجها – في مصر وغيرها – بأن التجديد للدين ليس مربوطا بجماعة ولامرهونا بسيف بل بقاؤها على الحق الخالص خير لها مع الصبر من غير ذلك عند العجز عنه .
ومدارة المخالفين بأنواعهم وترك المنازعة للسنن الكونية ليس متروكا في مثل دعوة الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله بل هي دعوة ربانية يعرف ذلك فيها من عرفه ويجهله منها من جهله .
فهل يوفق الله أهل الايمان لنصرها أم يفتن بعض السماعين للمنافقين لبعض ذنوبهم بها فيصدون الناس عنها تصوير هذه المقامات العظيمة في الثبات على الثوابت بكونها مجرد ( جناح ) من أجنحة الخطاب الاسلامي ؟