تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 20 من 20

الموضوع: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

  1. #1

    افتراضي الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    يقول د/ محمد إبراهيم الحمد:

    اطّلعت على كتاب بعنوان: "الرسائل المتبادلة بين جمال الدين القاسمي ومحمود شكري الألوسي"، جمع وتحقيق أخينا المحقق الكبير الشيخ محمد بن ناصر العجمي -حفظه الله-.
    وهذه الرسائل تحتوي على فوائد، وغرر، وتتضمن أموراً أشار إليها جامعها ومحققها في مقدمته، ومنها:
    1- التواصي بالحق والدعوة إليه، ونصرة دين الله -عز وجل- والتشاور في مسائل العلم.
    2- اشتمال ديباجةِ كلِّ رسالة من رسائلهما على معرفة قدر كل واحد منهما للآخر، ومدحه والثناء عليه بما هو أهله، مع كمال الأدب والاحترام، وذلك في أسلوب جزل، وبيان حسن، مطرّز بالسجع والمحسنات البديعية، وهي تصور ما كانوا عليه من صفاء الودّ، واتحاد الآراء، ولو نأت الديار.
    3- السؤال بإلحاح عن كتب ورسائل شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية-رحمه الله- وتتبّع مخطوطاتها، والسعي الحثيث في محاولة نشرها ونسخها والاعتناء بها.
    بل إن بداية المراسلات بينهما كانت مبنية على ذلك.
    وقد كشفت هذه الرسائل أن القاسمي والألوسي كان لهما دور كبير في نشر عدد ليس بالقليل من كتب شيخ الإسلام. يقول القاسمي في إحدى رسائله مخاطباً الألوسي: "ولا أحد ينسى لمولانا حرسه الله من المقام المحمود في هذا المجال -يعني نشر كتب ابن تيمية- وسعيه الليل والنهار محتسباً وجه المتعال، وسيخلّد له التاريخ لسان صدق يرتاح له أنصار الفضل، ورجال الحق".
    ويقول -أيضاً- في إحدى رسائله: "لا أقدر أن أعبر عن السرور الذي داخلني من اهتمامكم بنشر آثار شيخ الإسلام، فجزاكم الله عن هذا السعي خير الجزاء".
    ويقول -أيضاً- في رسالة أخرى له: "وإنما المهم نسخ آثار شيخ الإسلام التي في الخزانة، وتتبع المهم منها....".
    4- المذاكرة في الكتب عموماً، ونوادرها، وما نشر منها، وما لم ينشر، والحث على طباعة الكتب التي تنفع الأمة، وتنور أفكارها، وتنبّهها إلى طريق الحق والصراط المستقيم، وأنه من الواجب الإصلاح العلمي إذا كان قد فات الإصلاح السياسي.
    5- كشفت هذه المراسلات عن صفحة مشرقة لمن يقوم بتمويل وطباعة هذه الكتب والإنفاق عليها من محبي كتب السلف، كالشيخ الوجيه محمد نصيف من جدَّة ثغر مكة المحروسة، والوجيه فخر التُّجار مقبل بن عبد الرحمن الذكير النجدي، والشيخ قاسم آل ثاني أحد أمراء قطر، وغيرهم من كرام أهل الفضل والشهامة.
    وكشفت -أيضاً- أن طباعة هذه الكتب كانت غالباً في مصر والشام والهند.
    6- ذِكْرُ ما لقي كلُّ واحدٍ منهما من أعداء الإصلاح والوُشاة، وسؤال كل منهما عن الآخر، والاطمئنان على صحته وأحواله، ومواساته فيما أصابه من حوادث الزمان، مما يدل على حسن الصلة الأخوية والرابطة العقدية. يقول القاسمي في إحدى رسائله معزياً الألوسي في أحد أعمامه: "كدَّرنا -وأيم الحق- نبأ انتقال سيادة العم المعظم، فعوّضه الله الجنة، وسلم آله وأنجاله، وسلَّم سيادة مولانا لهم ولنا وللمحبين".
    ويقول الألوسي ردّاً على تعزية القاسمي: "تلقيت اليوم كتابكم الكريم، وقد اشتمل على ما جُبِلْتُم عليه من المودة الحقيقية، ولا شك أن المودة في الله بين الإخوان تشاركهم في المسرات والأحزان، وتساهمهم في حالتي الرجاء واللأواء".
    7- السؤال عن الإخوان والأصحاب كالشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الرزاق البيطار، والشيخ علي بن نعمان الألوسي، وغيرهم من تلك الصحبة الناصرة للإصلاح والدين.
    8- التوجّع لأحوال المسلمين وبلادهم، وتقهقرهم، وانتصار الأعداء عليهم. يقول الألوسي في إحدى رسائله إلى القاسمي: "هذا، والمُخْلِصُ مضطرب البال، ضيّق الصدر جداً جداً مما حل ببلاد المسلمين من البلاء، واستيلاء الكفار عليها؛ فما ندري ماذا نعمل وقد أحاط الكفر بجميع بلاد المسلمين؟ وأصبحت على خطر عظيم"!!
    ويقول القاسمي مجيباً بمثل كلام صاحبه الألوسي: "همومنا لِما نزل بالمسلمين أجمَدَ -والله- منا الأفكار والأقلام، وأراني في تفرقٍ وتلاشٍ، وحالة لا توصف، فرَّج المولى عنا بفضله وكرمه".
    9- ثناء الألوسي على مؤلفات القاسمي التي تصله منه كقوله عن كتابه "الفتوى في الإسلام": "رأيته مشحوناً بالفوائد، مملوءاً من غُرر العوائد، كأنه سبيكة عَسْجَدٍ، أو درٌ مُنَضَّدٌ".
    وثناء القاسمي على جهود الألوسي كقوله عن كتابه "غاية الأماني": "فالحمد لله على نعمة هذا الكتاب، وجزى الله سيدنا عنه خير ما جزى أولياءه وأحباءه؛ إنه الكريم الوهاب، ولا زالت مآثره تُتلى وتُنشر".
    10- الحرص الأكيد على ردِّ الجواب من كل منهما، مع الاحتفاء بهذه الرسائل والعناية بها؛ فإن رسائل الألوسي التي كانت تصل إلى القاسمي يطلع عليها أصحابه وتلاميذه.
    يقول الأديب الكبير عز الدين التنوخي عضو المجمع العلمي بدمشق، وأمين سره، وأحد تلامذة القاسمي النُّبغاء: "كان الشيخ محمود شكري الألوسي صديق شيخنا الجمال القاسمي الحميم، وكان شيخنا الإمام -يعني القاسمي- يقرأ لنا الرسائل الألوسية؛ لنستفيد من أسلوب كتابتها، ومما تشتمل عليه من طرائف العلم والأدب، فعلقت محبة الألوسي بقلوبنا...".
    ومما يدل على حرص القاسمي على رسائل صاحبه الألوسي أنه كان قد قسمها إلى مجموعتين، كل مجموعة أفردها بالتجليد في مجلد صغير يحمل عنوان رسائل الألوسي.
    أما اهتمام الألوسي برسائل القاسمي فإنه لا يقل عن اهتمام القاسمي برسائله؛ فقد ألَّف الألوسي كتاباً بعنوان: "رياض النَّاظرين في مراسلات المعاصرين" ذكر فيه من راسله من علماء وأدباء عصره، وقد أودع فيه جميع رسائل القاسمي إليه، ولولا هذا الصنيع لما وقفنا على رسائل القاسمي هذه؛ فما أجمل ما عمل كل منهما، ولو أن كل عالم كان يصنع مثل هذا الصنيع لما فاتنا كثير من هذه الفوائد الغالية.
    هذه إلماعة سريعة، وعجالة لطيفة حول محتوى هذه الرسائل، وما فيها من طرائف علمية.
    وليس المقصود ههنا إعطاء القارئ صورة لهذا الكتاب، وما يتضمن من فوائد، وإنما هو ما نحن بصدده من عنوان هذه الكلمة.
    فأنت حين تقرأ هذه المكاتبات، وترى ما فيها من الحفاوة البالغة، والتواصل المستمر، والودّ الذي هو أحلى من الفرات، وأصفى من بَرَدَى يصفِّق بالرحيق السلسل - تظن أن القاسمي والألوسي رضيعا لبان، وأنهما دوماً يلتقيان ولا يفترقان؛ فإذا بك تفاجأ بأنهما فارقا الدنيا، ولم يحصل بينهما لقاء، وإنما هي مراسلات، ومحبة في الغيب فحسب!
    ولك أن تسأل: كيف نشأت تلك المحبة الخالصة؟ وكيف حصل ذلك التعاون بين اثنين لم ير أحدهما صاحبه؟ وما الذي جعل تلك العلاقة تزداد مع الأيام قوة ووثاقة؟
    والجواب: أن السبب في ذلك حَمَّالةُ وردٍ، ورسول ودٍّ، وواسطةُ عِقْدٍ حرص كل الحرص على ربط ذلك العلامة بِتِرْبِه وأخيه في العلم.
    ذلكم هو تلميذ لهما اسمه الشيخ عبد العزيز السناني النجدي من أهالي عنيزة في منطقة القصيم المقيم في بغداد؛ فإنه كان يراسل العلامة القاسمي، ويخبره عن قرينه في العلم والأدب العلامة الألوسي، ويبلغه تحياته، وأشواقه، وأخباره العلمية؛ حتى عَلِقَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبه بسبب ذلك التلميذ البار النجيب ذي النفس الكريمة، والأفق الواسع.
    ولما توفي التلميذ السناني سنة 1326هـ بدأت المكاتبات بين القاسمي والألوسي مباشرة بعد أن كان ذلك التلميذ هو الواسطة.
    يقول القاسمي -رحمه الله- في أول رسالة: "أما وقد مضى الشيخ -يعني السناني- إلى رحمة الله فلم يبق إلاّ التواصل مع السيد أطال المولى بقاءه".
    وقد كانت هذه الرسالة في السابع عشر من شوال سنة 1326هـ مع هدية من القاسمي وهي كتابه "دلائل التوحيد".
    وقد أجابه الألوسي عن رسالته في السنة نفسها في غرة ذي الحجة، فأثنى عليه، وعلى كتابه "دلائل التوحيد" ثناءً عاطراً، مما كان له أطيب الأثر في نفس القاسمي الذي كتب في مذكراته الخاصة لسنة 1326هـ في 27 ذي الحجة ما يلي: "اليوم ورد من بغداد كتاب من العلامة شكري أفندي الألوسي أَشَفَّ عن فضل، وكمال، وصدق محبة، وروحانية، وقد أسهب في تقريظ كتاب دلائل التوحيد، فجزاه المولى خير الجزاء".
    فهذه بداية المراسلة بينهما، وقد استمرت إلى أن فارق القاسمي الحياة سنة 1332هـ ولم يبلغ الخمسين من عمره حيث ولد عام 1283هـ.
    أما الألوسي فقد توفي في الرابع من شوال عام 1342هـ.
    ثم استمرت تلك العلاقة بين تلامذتهما إلى يومنا هذا.
    ولعل أبرز تلك العلاقات ما كان بين العلامتين: الشيخ محمد بهجة البيطار تلميذ القاسمي، والشيخ محمد بهجة الأثري تلميذ الألوسي -رحمهم الله جميعاً-.
    والشاهد من هذا كله بيان بركة ذلك الطالب النجيب الشيخ عبد العزيز السناني الذي جمع الله به قلبي الألوسي والقاسمي، فكان من ثمرة ذلك خيرٌ عظيم ساقه الله للعلامتين، وللأمة.
    فما أحوجنا إلى ذلك الطراز من طلبة العلم ممن يجمعون القلوب، ويؤلفون بين الناس، ويقربون العلماء إلى بعض، وينفون عن قلوبهم ما قد يشوبها من الوحشة والقطيعة، وينقلون إليهم ومنهم الأخبارَ الطيبةَ التي تجمع وتؤلف، ويحملون منهم وإليهم السلام، والكلمات التي تَحْمِل ثناءَ بعضهم على بعض، ويغضون الطَّرْفَ عن الكلمات أو الآراء التي قَدْ تُحْدِثُ نُفْرَةً أو شرخاً في المودة.
    وإنك إذا تأملتَ في حال الأمة، وما يكون من القطيعة بين بعض أهل العلم - وجَدْتَ أنه يرجع إلى أسباب كثيرة، وقد يكون من أبرزها التفريط بهذا الأصل، وقلة المبالاة بتلك المبادرات التي نحسبها يسيرة، وهي عظيمة الوقع، عميمة النفع.
    فأجْدِرْ بطلاب العلم، أن يتحلوا بهذا الوصف، وأن يبذلوا قصارى جهدهم للتمثل به، حتى يؤدوا ثمرة العلم، ويكونوا حمّالة وَرْد لا حمالة حطب.
    وأخلقْ بهم أن ينأَوْا عن كل ما يسبب الفتنة والفرقة، وإيغار الصدور، وتأليب بعض الناس على بعض.
    فإذا هدأت النفوس، وانطوت القلوب على المحبة والوئام - كان من آثار ذلك زيادة العلم والإيمان، والارتقاء بالأخلاق، والأعمال.
    وهكذا يكون طلاب العلم مصابيحَ دجًى، وأعلامَ هدًى تؤتي علومُهم، وأخلاقُهم أُكُلَها أضعافاً مضاعفة.
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  2. #2

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (1)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    مولانا العلاَّمة الإمام، نَفَعَ المولى بعلومه الأنام، آمين.
    أُهدي المقام من السَّلام أعْطَرُه، ومن الشَّوْق أوْفره، واْرغب أن أكون مشمولاً بأنظاركم الإكسيرية، وممنوحاً دعواتكم الخيرية الغيبية.
    وقد كانت تشوقني مكاتبة سماحة الجناب، وتدعيم الروابط القلبية بالتراسل و الخطاب، بيد أني كنت أنتظر تفضُّل المولى لاسيما وهو أحرى بالفواضل أولى، بما كنت أقدمه لحضرته من بعض الرسائل بواسطة المرحوم الشيخ عبد العزيز السناني كريم الشمائل (1)، ولم يخل كتاب له من ذكر سلام السيد وأصحابه وإخوانه وأحبابه، فكنت أكتفي ببلاغ السلام، وأطمئن به على راحة المقام، أما وقد مضى الشيخ إلى رحمة الله فلم يبق إلا التواصل مع السيد أطال المولى بقاه.
    مولاي: وردني في العام الماضي إلى دمشق سؤال من بعض البلاد إلى أحد الوجهاء، زعم مُرسله أنَّه من اليابان، وفيه طلب دليل على وجود الخالق علمي، وعلى بُطلان شُبه الماديين، وعلى غير ذلك مطالب غريبة، وكان نسخ السؤال غير واحد من الطلبة، وكادت الشُبه تعلق بالأذهان، وبقي النبهاء يرجون من ينتدب لحل مشكلاته، فَعُرِضَ على كثير من الأفاضل، فكان لكُلٍّ عذر ، ومنهم من أجاب مشافهةً، فرأيت من الواجب القيام بالمستطاع.
    وقدر الحقَّ تعالى جمع ما كتبناه فيما سميناه " بدلائل التوحيد"(2)، وقد رغبنا أن يكون محاطاً بأنظاركم مشمولاً ببركتكم مع تنبيه على ما عسى أن زَّل به القلم، وأرجو إهداء بقية النسخ الغير المُعلمة إلى من ترون فيه الأهلية، أبقاكم المولى مظهراً للكمالات العلمية.
    وسلامي إلى حضرة المفضال الأوحد علي الآلوسي، ( 3 ) ومن يسأل عنَّا، ورضي الله عنكم.
    .............................. ........ في 17شوال سنة 1326 دمشق
    .............................. .............. جمال الدين القاسمي
    # وكثيراً ما كان المرحوم الشيخ عبد العزيز يخبرني برغبة سماحتكم في نسخ كتب شيخ الإسلام، وكتب السلف ثُمَّ تمثيلها للطبع، وأن لدى ناديكم من يبذل النفيس لذلك، وقد كتب لي الشيخ فرج الله الكردي أمدٍ أن ننسخ له جُزئي ( فتاوى الشيخ) الموجودين في خزانة الكتب العمومية عندنا، بيد أني انتظرت على أحد التجار وإحالة ناسخنا عليه، وإلى الآن لم يحضر جواب القبض فإذا رأيتم من يهتم بذلك فلدينا من ينسخ ولا يتأخر.
    والآن لا يعوزنا إلاَّ من يجود من السمحاء لهذا المشروع، ولم أزل أعتب على كثير من أغنياء المذهب الأحمدي، فإنهم والحق يقال في قصور عجيب، وإن أخذ بعضهم الآن يتحمس، ولكن بقي من المهمات ما لا يذكر ما نشر في جانبه بشيء، وإني لأعتقد فيهم الخير والبركة والصلاح والرغبة في نفع الأمة، إلاَّ أنهم يعوزهم مذكر ناصح حكيم مثل سماحتكم، وإن كان مولانا لم يأل جُهداً، ولن يألو في هذا السبيل.
    ...............نفع الله به النفع الجزيل، وأراني بانتظار الجواب.
    .............................. ....والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .............................. .................. جمال الدين
    _________________________
    (1) هو العالم الجليل سني الخصال الشيخ عبد العزيز بن محمد السِّناني، وُلد في عنيزة بالقصيم من بلدان نجد، وكان والده أحد العلماء الورعين، وأخذ عن بعض علماء بلده، ثُمَّ رحل إلى الشام وأخذ عن العلامة القاسمي، والشيخ عبد الرازق البيطار، وقد أحباه وأثنيا على علمه وفضله، ثُمَّ رحل إلى بغداد ولازم العلاَّمة محمود شكري الآلوسي، وتوفي ببغداد سنة ( 1326هـ)، وقد وهم ابن بسام في علماء نجد ( 3/ 503)، حيث ذكر أن وفاته سنة ( 1327هـ)، وتبعه على ذلك صاحب " روضة الناظرين" ( 1/ 277) . ( العجمي)
    (2).....
    (3) هو الشيخ علي ابن العلامة خير الدين النعمان الآلوسي، توفي سنة 1340هـ، انظر ترجمته
    في: ( أعلام العراق) للأثري ( ص 71)، و ( تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر) ليونس السامرائي ( ص 305).
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  3. #3

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (2)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى حضرة العلاَّمة السيد جمال الدين أفندي القاسمي.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أمَّا بعد:
    فقد حليت جيد الفضل بما أمليت، حتى أصبحت بكل منقبة أولى وأحرى بما أوليت، كيف لا وقد أسرجت خيول المجد، وألجمت أفواه الحُسَّاد، وأقمت ما تهدم من أركان الفخر، وأقعدت على الأعجاز أرباب العناد، وأوقدت للمشكلات سراجاً من فكرك غدت ذُبالته لمدارات فراش أذهان الطلاب قطباً، وأجريت من صخور العويصات سلسبيلاً فراتاً وماءً عذباً.
    وقد تشرف هذا العبد الفقير بكتابكم الكريم، بل عقد الجوهر النظيم، ومعه " دلائل التوحيد "، وبعد أن طالعته وجدته كتاباً قد طوى في طوية أوراقه منشور التحقيقات، ونشر بعبارات سطوره مطويات أعلام التدقيقات، قد فتح مغلقات أبواب أسرار الحقائق، وأغلقها دون من رام بلوغ معاليها من كل سابق ولاحق.
    وقد استوجب ذلك تقديم المحامد لله سبحانه على أن قيض للدين المبين مثل ذلك المولى الذي تقر به عيون الموحدين من المحمديين، فإن ما ألفه من الكتاب هو فصل الخطاب؛ به يجد المؤمن ضالته، وبه يترك الملحد ضلالته، فكان من الواجب على مسلم أن يحفظه في سُويداء قلبه، ويجعله ذريعة للنجاة يوم العرض الأكبر إذا وقف العبد
    بين يدي ربه.
    وقد فرقنا النسخ على أهلها، ووزعناها على من يعترف بفضلها، وكلهم غدوا شاكرين، وبطول مدتكم داعين.
    والعبد الفقير أصابه ضعف في بصره، فأقل الكتابة لصيانة نظره، وقد شقَّ عليه تحرير كتاب، وأداء بعض الواجبات للإخوان والأصحاب، فلذلك أرجو قبول العذر من ذلك المولى الهُمام، فالعذر مقبول لدى أمثاله من الكرام.
    أما آثار الشيخين (1) وغيرهما من السلفيين، فكما أمرتم أعجز الناس عن القيام بحقها جماعة الأحمديين (2)، حتى أني على كثرة مُخابرتي (3) أهل نجد، لم أنل بغيتي منهم على كثرة الوعد، مع أني استجلبت بعض الرسائل من بلاد الأجانب بواسطة بعض الأصحاب من المستشرقين حتى أنهم إذا أعوزهم الكتاب نقلوا الكتاب بالآلة الشمسية، وقد كابدت كل صعوبة في الكتب التي يسر الله نشرها في مصر والبلاد الهندية.
    وقد أمرتم أن نسعى باكتتاب ( الفتاوى ) (4) لفرج الله (5)، فالفتاوى التي تعنى بها قد أرسلتها له منذ مدة وهي مشتملة على كثير مما في ( الرسائل الكبيرة) (6) ، ولكن المقصود والأهم ( الفتاوى المصرية)، وعلى ما سمعت أن جزءاً منها في خزانة الملك الظاهر(7)، وهو الجزء السادس(8)، وجزءٌ واحد لا يفيدنا.
    فالمرجو من السيد ـ أعلى الله مقامه ـ التنقير عن باقي الأجزاء، وعن كتاب ( شرح العمدة)(9)، وكتاب ( القواعد ) (10)، ( والرد على المنطق) (11)، و ( على الفلاسفة) (12)، وغير ذلك من كتب شيخ الإسلام، وبيان ما عثرتم عليه من المهمات له أيضاً، لاسيما ما له من التفسير على بعض السور والآيات؛ لنسعى ـ إن شاء الله تعالى ـ في نشرها وإظهارها (13).
    وفي خزانة
    كتب مدرسة مرجان في بغداد (14)كتاب شيخ الإسلام ( بيان الدليل على إبطال التحليل) (15)، وهو كتاب جليل بخط ابن القيم (16)، وقد استكتبه العبد غير أني وجدت نقصاً في وسطه نحو ورقتين فلا أدري هل توجد نسخة منه في دمشق الشام ؟
    هذا وابن العم والأحبةُ يُهدون إليكم أزكى التحية والسلام
    والسلام عليكم ورحمة الله
    .............................. ....... غرة ذي الحجة سنة 1326هـ
    .............................. ........... العبد الفقير
    .............................. .......... محمود شكري الآلوسي،
    .............................. ................. عُفِيَ عنه
    _____________________________
    (1) يعني شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الإمام المحقق ابن قيم الجوزية ـ رحمهما الله تعالى ـ
    ( العجمي ).
    (2) يعني به الحنابلة، نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل( العجمي ).
    (3) أي: اتصالي ومراسلتي ( العجمي ).
    (4) طبعت " الفتاوى الكبرى " المتضمنة
    مجموعة من كتب ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية في مطبعة كردستان العلمية لصاحبها فرج الله الكردي سنة 1329هـ، ومن هذه الرسالة يتضح أن العلامة الآلوسي هو المعتني بطبع هذه الفتاوى.
    (5) هو: فرج الله زكي الكردي، كتبي في القاهرة، صاحب مطبعة كردستان العلمية، وقد طبع كثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، توفي سنة 1359هـ، انظر؛ ( الأخبار التاريخية في السيرة الزكية) لزكي مجاهد ص ( 123).
    (6) طبعت ( مجموعة الرسائل) الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية في المطبعة الشرقية بالقاهرة سنة 1323هـ، الجزء الأول، ويحتوي على (12) رسالة، والثاني على ( 17) رسالة. ( العجمي).
    (7) كان شمل المخطوطات في دمشق متفرقاً فقام جماعة من علمائها الأجلاء المخلصين وعلى رأسهم العلامة طاهر الجزائري بجمع المخطوطات فتكوَّن لهم عشر مكتبات هي نواةُ هذه المخطوطات، وقد أودعت في مكان واحد هو قبة الملك الظاهر في مدرسته، وتم ذلك سنة 1296هـ،
    وقد كان يطلق عليها اسم المكتبة العمومية، ثم دار الكتب العربية، فالمكتبة الأهلية الظاهرية، ثم دار الكتب الوطنية الظاهرية. انظر بتفصيل: " المدرسة الظاهرية دار الكتب الوطنية" لأسماء الحمصي ( ص 33 وما بعدها)، و ( المعاصرون ) ص ( 269) لمحمد كرد علي.( العجمي)
    (8) ( الفتاوى المصرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، يقول عنها الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم ـ وهو خبير بكتب ابن تيمية ـ في ( المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) ( 1/7): " وعدد ـ أي الفتاوى المصرية ـ مجلداتها ستة فيما ذكره ابن القيم ـ رحمه الله ـ، ويقول العليمي إنها سبعة. ( الدر المنضد له 2/ 478)، وتبين أن الخمسة الباقية مفقودة.
    وأما الجزء الذي أشار إليه الآلوسي في رسالته هذه أنه في الظاهرية فهو فيها برقم ( 2756)، وعدد ورقاته 206ورقات.
    هذا وقد طبع ( مختصر الفتاوى المصرية) لبدر الدين البعلي في مطبعة أنصار السنة بمصر سنة 1368هـ .( العجمي)
    (9) " شرح العمدة" لشيخ الإسلام، وهو شرح لكتاب ( العمدة) في الفقه لابن قدامة المقدسة، وقد شرحه شيخ الإسلام بشرح جليل، إلا أنه لم يتم، وإنما كانت نهايتها إلى كتاب الحج كما ذكره تلاميذه كابن عبد الهادي في " العقود الدرية" ( ص 37 )، وما طبع من الكتاب الأجزاء التالية:
    1- الجزء الأول: من كتاب الطهارة، بتحقيق الدكتور سعود العطيشان، ونشرته مكتبة العبيكان بالرياض سنة 1412و 1413هـ. ( العجمي)
    2- الجزء الثاني: من أول كتاب الصلاة إلى آخر باب آداب المشي إلى الصلاة، بتحقيق خالد المشيقح، ونشرته دار العاصمة بالرياض سنة 1418هـ. ( العجمي)
    3- كتاب الصيام. وقد طبع في جزءين بتحقيق زائد النشيري، ونشرته دار الأنصاري بمكة المكرمة سنة 1417هـ. ( العجمي)
    4- مناسك الحج والعمرة، وقد طبع في جزءين بتحقيق صالح الحسن،
    ونشرته مكتبة العبيكان سنة 1413هـ. ( العجمي)
    (10) " القواعد النوارنية الفقهية"، طبع بتحقيق محمد حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1370هـ. ( العجمي)
    (11) " الرد على المنطقيين"، طبع سنة 1368هـ، في المطبعة القيمة بالهند بإشراف الشيخ عبد الصمد شرف الدين. ( العجمي)
    (12) لعله يعني: ( بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية) المطبوع في مطبعة كردستان
    العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ضمن ( الفتاوى الكبرى ). ( العجمي)
    (
    13) طبع لشيخ ابن تيمية مجموعة من التفسير في مجلد واحد، بتحقيق العلامة عبد الصمد شرف الدين، في الدار القيمة بالهند سنة 1374هـ. ( العجمي)
    (14) المدرسة المرجانية في بغداد: شيَّدها أمين الدين مرجان بن عبد الله، أحد أُمراء التتار، وذلك سنة 758هـ؛ وشرط التدريس فيها على المذاهب الأربعة، وأوقف عليها ما كان يملكه من عقار في بغداد وخارجها، وفي عهد الوزير سليمان باشا العثماني اتخذ من هذه المدرسة جامعاً، وقد درَّس في هذه المدرسة عدد كبير من فطاحل العلماء الأعلام، منهم صاحب هذه الرسالة الآلوسي، انظر؛( تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني)، لعبد الرازق الهلالي ( ص 75 ـ 76)، و( تاريخ مساجد بغداد الحديثة) ليونس السامرائي ( ص 283 ). ( العجمي)
    (15) طبع هذا الكتاب في ضمن ( الفتاوى الكبرى ) في مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ثم طبع بتحقيق الشيخ فيحان المطيري، ونشرته مكتبة لينة بمصر سنة 1416هـ.
    (16) هذه النسخة الجليلة بخط الإمام ابن القيم، وخطه في هذا العصر نادر جداً، حتى أنَّ العلامة خير الدين الزركلي لما ترجم له في الأعلام ( 6/ 56)، لم يورد نموذجاً من خطه، وتقع هذه النسخة في 224 ورقة، وقد تملكها العلامة السفاريني الحنبلي سنة 1138هـ، كما تملكها العلاّمة نُعمان الآلوسي سنة 1298هـ، وهو ممن له عناية تامة بكتب شيخ الإسلام، ثُمَّ أوقفها على المدرسة المرجانية، وقد كُتِبَ على طرتها أنها بخط الإمام ابن القيم: " وكتب بخطه الحسن شيئاً كثيراً" ( البداية والنهاية 18/ 524، ط. دار هجر)، وقد ألحقت في نهاية هذه الرسالة صورة منها فلتنظر لمن أحب ذلك. ( العجمي)
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  4. #4

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (3)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    حضرة مولانا الأوحد العلم المفرد، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ورضوانه.
    أمَّا بعد:
    فبيد التكريم والتعظيم تناولت كتاب مولانا الفخيم، وكحلت بصري بإثمد فوائِدِهِ، وشنفت مسمعي بحلي فرائده، وتنزهت في رياض بلاغته بين معانٍ تدفقت أنهارها، وبدائع أينعت أثمارها؛ فحمدت المولى أن أحيا للأدب دولته، وأعزَّ بقلم السيد أيد الله صولته؛ ولا غرو فقد ورث الفضل كابراً عن كابرٍ، وأفحمت آثاره كل جاحد لآياتها ومكابر.
    كنت لمولانا في هذا التقريظ مرآته، شاهد من صفاتها ذاته، فأخذ يملي بيانه عن نفسه الكريمة، ويفيض يراعته سلسبيل الأخلاق العظيمة، كيف لا؟ وهو قطب دائرة أهل الصفاء، وكعبة الداعين إلى انتهاج الحنيفية السمحاء، بارك المولى لنا في حياته، ونفعنا بكريم إفاداته.
    أمرتُم بالبحث عن " شرح العمدة "، وفي الخزانة الظاهرية منه جزء واحد صغير، وتتمة غير موجودة(1).
    وقد أتاح المولى من الإخوان من يراجع أجزاء " الكواكب"(2)، ويستخرج منها بعض مؤلفات شيخ الإسلام فنسخ من " نقد التأسيس في الرد على الرازي"، ويبحث عن تتمته، ونسخ كتاب " التوسل" أيضاً(3).
    وقد بَلَغَ خمسة عشر كُرَّاساً، ونسخ غيرها أيضاً.
    إلاَّ أن الأمر في حاجةٍ إلى همَّة الأحمديين وغيره من المثرين يقيمون الوكلاء عنهم، ولا يبالون فيما يصرف للتصحيح والنسخ وإلاَّ فالسير بطيء جداً، وجليٌ أن طبع كتاب خيرٌ من ألف داع يتفرقون في الأمصار؛ لأن الكتاب يأخذه الموافق والمخالف، والداعي قد يجد من العوائق ما لا يظفره بأمنيته، وكان بعض الحكماء يقول: مقالة في جريدة خير من ألف درس للعامة. فمن لنا يثير همتهم ويوقظهم من سباتهم؟
    ولا أحد ينسى ما لمولانا ـ حرسه الله ـ من المقام المحمود في هذا المجال، وسعيه الليل والنهار محتسباً وجه المتعال، وسيخلد له التاريخ لسان صدق يرتاح له أنصار الفضل، ورجال الحق.
    أما كتاب " بيان الدليل في إبطال التحليل"، فقد أخبرني الشيخ عبد الله الروَّاف ـ من فضلاء القصيم، نزيل دمشق الشام الآن، ويتردد إليَّ ـ أن عنده في بلده نسخة منه كاملة، وقد وعد أنه إذا عاد يحضر الكتاب.
    ونحن في حاجة الآن إلى " شرح الأصفهانية" لشيخ الإسلام، فقد أطنب في مدحها ابن القيم، ويرى من وقف على من ينقل عنها أنَّا في افتقار إليها لغلبة الأدلة المعقولة فيها، فعسى مولانا أن يبحث عنها ويأمر بتمثيلها للطبع، ولا زال ركناً للإسلام، وكوكباً للأعلام.
    والسلام عليكم، وعلى الآل الكرام، والإخوان ورحمة الله وبركاته
    .............................. ........ 29 ذي الحجة سنة 1326
    .............................. .............. العبد الفقير
    .............................. ........... جمال الدين القاسمي
    _____________________________
    (1) الموجود في الظاهرية: الجزء الأول، ويقع في 235 ورقة، وهو برقم ( 2696) كما في " الفهرس العام لمخطوطات دار الكتب الظاهرية" ( ص 138).(العجمي)
    (2) هو كتاب " الكواكب الدراري في ترتيب مسند الإمام أحمد على أبواب البخاري " لابن عروة الحنبلي الدمشقي المتوفي سنة ( 837هـ)، وقد أدخل في هذا الكتاب كثيراً من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحفظ بذلك كتباً قد لا توجد إلاَّ فيه، وأغلب أجزائه موجودة في الظاهرية بدمشق، وهو في نحو مائة وعشرين مجلداًَ.(العجمي)
    (3) سبق الإشارة إلى ما طبع من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، وستأتي الإشارة إلى البقية ـ إن شاء الله ـ.(العجمي)
    (4) هو الشيخ عبد الله بن أحمد الرواف، عالم جوال، رحل إلى دمشق، واستقر بها فترة من الزمن، توفي سنة ( 1359هـ)، انظر ترجمته في :" علماء نجد" لابن بسام ( 4/28)
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  5. #5

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (4)

    صاحب الفضيلة الشيخ جمال الدين أفندي القاسمي

    فَسَحَ الله تعالى في مُدتِهِ
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيدي الذي به فخري، وسندي الذي بأنوار علومه أضاء فجري، مظهر صدق: كم ترك الأول للآخر؛ حيث ألحق الأصاغر بالأكابر، لازالت أنوار ذاته مشرقة في حنادس المُشكلات، ولا برحت إفاداته سنداً لحل المعضلات.
    سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أمَّا بعد:
    فقد تشرفت بما تفضلتم به من الكتاب، وأحطت خبراً بما حواه من فصل الخطاب، وما توهمتم به في شأن مخلصكم هو شأن كُمَّل الرجال، فإنهم لم يزالوا ينظرون إلى سواهم بعين الكمال، ولولا ملازمة دائرة الأدب المحتم لقلت: قد استسمنتم ذا ورم ونفختم في غير ذي ضرم، وعلى كل حال أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه من صالح الأقوال والأفعال، وما أمرتم به من القيام باستنهاض همم الأحمديين، وحثهم على نشر آثار السلفيين، فالعبد لم يزل قائماً على ذلك
    السَّاق، متحملاً ما يكابده في هذا الباب من المشاق، وقد كتبت بذلك مراراً إلى الشيخ مقبل الذكير من تجار البحرين (1)، والشيخ قاسم الثاني أمير قطر (2)، وإلى التِلِمْساني (3) في جُدَّة، ومحمد حسين ناصيف (4)، فيها أيضاً، وإلى غير هؤلاء من محبي السلف في الهند والسند وسائر البلاد والأقطار، وكلهم وعدوا بما يسر إن شاء الله تعالى.
    أما "شرح الأصفهانية" فالصغير منه نسخة في إحدى خزائن كتب بغداد (5)، وهو نحو كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" (6) حجماً، وأمَّا " الشرح الكبير" فلم أقف عليه، ولعل نسخته في نجد (7)، وسأتحرى عليه إن شاء الله تعالى.
    وكتاب " التوسل " (8) وغيره من آثار الشيخ، كتبت لصاحبنا عبد اللطيف بن المرحوم الحاج عبد الحميد عن بذل ما يلزم من الأجرة للاستكتاب والتصحيح، حسبما بأمر المولى. وكتاب " بيان الدليل على إبطال التحليل" قد عزم بعض أهل الخير الوطنيين على طبعه في إحدى مطابع بغداد بعد العثور على نواقصه فقرَّ عيناً بذلك، ولي أمل عظيم في نشر كتب الشيخ جميعها عن قريب، والله الموفق لكل خير.
    هذا وأرجو تبليغ سلامي إلى الشيخ عبد الله الروَّاف، وإلى كافة من تحبون من الأخيار
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .............................. ......... في 25 صفر سنة 1327هـ
    .............................. ............. العبد المخلص في وده
    .............................. ............... محمود شكري ،
    ______________________________ ____
    (1) هو فخر التُجَّار الشيخ مقبل بن عبد الرحمن الذكير أصله من بلدة عنيزة إحدى بلدان القصيم بنجد وبيوته التجارية في البحرين، ومحل إقامته في جدة والبصرة، وأسس جمعية ضد ما يسمى " بالتبشير النصراني " الذي كان منتشراً في زمنه، وقد قام بطباعة الكثير من المصادر المفيدة كـ " كشف القناع" البهوتي، و" إعلام الموقعين"، وغيرهما، توفي سنة 1341هـ، انظر؛ " علماء نجد خلال ثمانية قرون " ( 6/ 428).
    (2) هو الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، وهو ثاني حكام قطر، وقد كان رجلاً صالحاً عالماً، منفقاً محسناً توفي سنة ( 1331هـ)، المصدر السابق (5/ 405)، والأعلام للزركلي (5/ 184)، " والخبر والعيان" لخالد فرج ( ص: 408، 409).
    (3) هو الشيخ عبد القادر بن مصطفى التِلِمْساني، أحد تجار جُدَّة، درس في الجامع الأزهر وتأثر بالعلامة الشيخ أحمد بن عيسى النجدي شارح " نونية ابن القيم"، وله معه قصة طريفة تحوَّل بعدها إلى مذهب السلف، ونشط في نشر، وطبع كتبه.
    انظر؛ ( علماء نجد خلال ثمانية قرون) لابن بسام (1/ 439).
    (4)
    (5) هذه النسخة موجودة بمكتبة الأوقاف العامة ببغداد برقم ( 1/ 6835 مجاميع) كما في فهرسها لعبد الله الجبوري ( 2/204).
    (6) كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية طُبع في مطبعة أنصار السنة المحمدية سنة 1370هـ.
    (7) طبع شرح العقيدة الأصفهانية في مطبعة كردستان العلمية بالقاهرة سنة 1329هـ، ولعل المطبوع هذا هو الشرح الصغير لها، وأما الكبير فلم يطبع بعد.
    (8) " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " طبع في دمشق سنة 1331هـ، ثم أعاد طبعه المكتب الإسلامي سنة 1398هـ، ودار البيان بدمشق بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط سنة 1405هـ.
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  6. #6

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    سنكمل البقية من الرسائل ـ إن شاء الله ـ، وللفائدة: الكتاب في الوقفية بصيغة pdf، فحمله من هنالك.
    http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1165
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  7. #7

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (5)

    صاحب الفضيلة السَّيد الشَّريف جمال الدِّين القاسمي

    رضي الله عنه

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إلى حضرة من يصر لسان قلمي دون أداء ما يستحقه من الثناء الجميل، كيف لا، وهو جمال الدنيا والدين، وبهاء الإسلام والمسلمين، والحبر الجليل، فسح الله تعالى في أيامه، وبارك في سنيه وأعوامه، ورفع على كاهل المجد رايات أعلامه.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته
    أمَّا بعد:
    فيا أيها الأستاذ إني قبل هذا قد عرضت إليكم أني امتثالاً للأمر حررت عدة رسائل إلى أقطار شاسعة، وبلاد بعيدة طلبت فيها ممن أعرف غيرتهم على الدين أن يقوموا على ساق الهمة، لنتشر الآثار السلفية والكتب الأحمدية، ولم يخب سعينا ولله الحمد، فقد ورد في هذه الأيام من الحاج مُقبل الذكير أنه كتب لشريكه في جدة أن يرسل عدة كتب من مؤلفات شيخ الإسلام إلى مصر ليباشروا بطبعها، وفي الأسبوع الماضي وردني أيضاً من الأخ في الله محمد حسين نصيف كتاب من جدة مطول يقول فيه:
    وقبل تاريخه وصل إلى مكتوب من الحاج مقبل الذكير عرفنا به أننا نرسل إلى مصر لفرج الله الكردي، " الرد على ابن سبعين"، و " التسعينية في الرد على الكلام النفسي "، وغيرها من الكتب إن شاء الله تعالى يصير طبعها مع كتاب " العرش " الذي حرضتنا على طبعه، وجملة كتب هذا القبيل المقصود طبعه، إلاَّ أن مطلوبنا نسخة من كتاب " العرش"(1) إن وُجدت، ونسخة من " السبعينية "(2)، ونسخة من " التسعينية "، ونسخة من " شرح منازل السائرين" المسمى " مدارج السالكين"(3)، إن وُجد ذلك عند حضرتكم فأرسلوا الجميع إلينا مبادرة مع أول وابور (4) متوجه لطرفنا، ودمتم... " إلخ.
    حيث أن الكتب المذكورة ليس لها أثر في بغداد إلاَّ " مدارج السالكين"، وكانت عندنا منه نسخة صحيحة قديمة الخط أرسلناها إلى فرج الله الكردي منذ سنتين طمعاً في نشرها وطبعها، وأظن أن الكتاب بقى عنده إلى اليوم، وقد كتبت لمحمد حسين بذلك ولفرج الله أيضاً أن يخبره إن بقى عنده الكتاب.
    وكتبت لمحمد حسين أيضاً عنكم وعرفته بحضرتكم العلية، وأن يكاتبكم بعد هذا بكل كلية وجزئية، وذكرت له أني سألتكم عما طلبه من الكتب وغيرها من الكتب المهمة، فأسترحم أن تكتبوا كتاباً عن التماسي وتذكروا له ما عندكم من كتب الشيخين التي طلبها وغيرها من الكتب المهمة التي وقفتم عليها مختصرة كانت أو مطولة وبادروا إلى ذلك، فإن المسافة بين دمشق وجدة غير بعيدة، وعنوان كتابه هكذا:
    إلى وكيل الإمارة الجليلة في جدة حضرة الفاضل محمد حسين نصيف (5) وهذا الرجل من كبار أهل الثروة، ومن أعظم الناس محبة للسلف الصالح، ونشر آثارهم، ولاسيما لشيخ الإسلام ـ قدَّس الله تعالى روحه وكتبه ـ حتى أنه قبل هذا حَجَّ حَجَّةً، وهو من المحبين لنا على محبتهم فلا تقطعوا عنه مخابرتكم على الدوام.
    وأرجو عرض أدعيتي الخيرية لمفخر الإسلام، وبركة الأنام العلاَّمة الشيخ عبد الرازق البيطار، ومنشيء المقتبس الأغر (6)، وكافة من تحبون في الله.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .............................. .... تحريراً في 8 ربيع الأول سنة 1327
    .............................. .............. الفقير إليه تعالى
    .............................. ....... محمود شكري الحُسيني الآلوسي
    .............................. ............. عُفِيَ عنه
    _______________________
    (1) " الرسالة العرشية" طبعت ضمن مجموع الفتاوى ( 6/ 545) الذي جمعه الشيخ عبد الرحمن ابن قاسم.
    (2) " السبعينية" طبعت ضمن فتاوى شيخ المطبوعة بمطبعة كردستان العلمية سنة 1329هـ، وطبعت معها كذلك " التسعينية "، وحققت أخيراً بعناية ودراسة محمد بن إبراهيم بن العجلان، ونشرته مكتبة المعارف بالرياض سنة 1420هـ.
    (3) "مدارج السالكين" لابن القيم طبع بمطبعة المنار للشيخ محمد رشيد رضا سنة 1331هـ، ثم أعاد طبعه محمد حامد الفقي في مطبعة أنصار السنة المحمدية سمة 1375هـ.
    (4) أي الباخرة.
    (5) هو العالم الجليل؛ والوجيه النبيل، وأحد وجوه الحجاز الشريفة المشرفة الشيخ محمد بن حسين نصيف المولود سنة (1302هـ) والمتوفى سنة ( 1391هـ)، وهو عين أعيان جُدَّة وصدرها المشار إليه بالبنان، يقول العلامة الزركلي:" أولع بالكتب فجمع مكتبة عظيمة"، ونشر كتباً سلفية، وأعان على نشر كثير منها، وكان مرجعاً للباحثين، قال أمين الريحاني:" هو دائرة معارف ناطقة يجيب على السؤالات التي توجه إليه ويهدي إلى مصادر العلوم الأدبية والتاريخية والفقهية، وسمعت أديب العصر ابن دمشق البار العلاَّمة علي الطنطاوي ـ رحمه الله تعالى ـ يقول:" كانت داره موئل الحجاج من أهل العلم والفضل من كل البلدان؛ فكأنها دار خرقاء التي قال فيها ذو الرمة:
    تمام الحج إن تقف المطايا *-*-*-* على خرقاء واضعةُ اللثام"، وبالجملة، لو تركت للقلم عنانه في ذكر مناقب الشيخ محمد نصيف لطال المقام، ولكن انظر؛ " محمد نصيف ذكريات لا تنسى " للشيخ زهير الشاويش، والأعلام للزركلي ( 6/ 107، 108)
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  8. #8

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (6)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السيَّد الذي أشرقت في الآفاق آثاره، وأضاءت بكوكب الصدع بالحق أنواره، بهجة العصر، وزينة الدهر.
    لازال في الفضائل خير قدوة، وللمصلحين أجل أسوة.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أمَّا بعد:
    فقد حظيتُ بكتابكم الكريم، وابتهجت ببلاغة خطابه الفخيم، ورأيتني أتقاصر عما فيه، وإن حسن ظن السيَّد ـ أبقاه الله ـ أوجب أن يحلنا بما يرتئيه، وهذا شأن الكُمَّل من الرِّجال، والسَّادة ذوي الفضل والإفضال، ولا أقدر أن أعبر عن السُرور الذي داخلني من اهتمامكم بنشر آثار شيخ الإسلام، فجزاكم الله عن هذا السعي خير الجزاء.
    وقد كنت سألت سيادتكم عن " شرح العقيدة الأصفهانية "، وبعد مراسلتكم بذلك ظفرنا بشرح لها ضمن " الكواكب"، فنسخناه على حساب الشيخ فرج الله، وأرسلناه له وهو بنحو أربع كراريس, والآن ننسخ على حسابه " قاعدة لشيخ الإسلام في اختلاف المذاهب"، وبعد الفراغ منها يعود الكاتب إلى نسخ بقية الجزء من " الفتاوى".
    وأمَّا كتاب " التوسل " فقد نسخه الشيخ عبد الله الروَّاف وصححه بعد مدة يذهب إلى مصر، وقد أوصيته أن يعطيه للشيخ فرج الله ليطبعه، فأرجو من سيادتكم أن تكتبوا له باستلامه من الشيخ عبد الله هذا الكتاب ومباشرته بطبعه والعناية بتصحيحه، وأن تخبروني بتعريفه عن ذلك، لازلتم ملجأً للمُستفيدين، ومنهلاًَ للطالبين.
    .................. في 17 ربيع الأول سنة 1327
    .............................. العبد الفقير
    ......................... جمال الدين القاسمي
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  9. #9

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (7)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيدي وعمدتي، الأستاذ العلامة الجليل، نفعنا المولى بمحبته، وبارك لنا في أخوته، آمين.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أمَّا بعد:
    فإني تشرفت بكتابكم الكريم، وسررت باهتمامكم غاية السرور، وعرفت الفاضل محمد حسين نصيف بما أمرتم به (1)، وشوقته لإحياء آثار شيخ الإسلام التي عندنا في خزانة الكتب العمومية، والسَّعي إلى طلبها ولو عندنا، وأن تنوع أمكنة الطبع من أعظم الوسائط لسرعة النشر، فجزاكم المولى عن هذا السعي أحسن جزاء.
    سيدي، من أسبوع قدمت لحضرتكم كتاباً في البريد فالمأمول وصوله، ولا تؤاخذني في الاختصار فإني أكتب مغالباً لرمد خفيف أصابني من أسبوعين، أرجو دعواتكم الصَّالحة بالشفاء، متعنا المولى بأنواركم، وبارك لنا في آثاركم.
    الأُستاذ الكبير منشيء المقتبس (2) وأشقائي يهدون لسيادتكم أطيب التحيات، ويرجون صالح دعائكم.
    من نحو شهر قدمت لسيادتكم بواسطة صديق للشيخ الروَّاف نسخاً من " الأجوبة المرضية " طبعناه حديثاً (3) فالمأمول إخباري عن وصوله وما يراه سيدي فيه، أدامه المولى لنا ذخراً، ونفعنا بعلومه دنيا وأخرى.
    .......................... 26 ربيع الأول سنة 1327
    .............................. .... الفقير
    ............................. جمال الدين القاسمي
    ______________________________
    (1) سبق في رسالة الآلوسي رقم ( 5 ) طلب التعارف بين القاسمي و محمد نصيف، فاستجاب العلامة القاسمي لهذا الطلب وكتب رسالة لنصيف في 26 ربيع الأول سنة 1327هـ، وأي: في تاريخ كتابته لهذه الرسالة التي بين أيدينا، حيث يقول للشيخ محمد نصيف:
    حضرة الأخ الفاضل، والمحب الكامل ـ زاده الله توفيقاً، ومشياً على منهج السلف وتحقيقاً، ونفعنا بمحبته، وجمعنا في مستقر رحمته . آمين ـ.
    أمَّا بعد:
    فيا أيها الأخ في الله، والمحب لوجه الله، حضرني اليوم تحرير، من السيد العلاَّمة النحرير، حضرة مولانا السيد شكري أفندي الآلوسي ـ أيده الله ـ، يذكر لي أن جنابكم حررتم له كتاباً تطلبون فيه من حضرته بعض كتب شيخ الإسلام تقي الدين ـ رضي الله عنه و أرضاه، وجعل في أعلى فراديس الجنان مأواه، وجزاه عن الإسلام خير ما جازى من ارتضاه، آمين.
    وذلك: " الرد على ابن سبعين" و " التسعينية".... إلخ وأنه عرّف حضرتكم في هذا الشأن.
    ولقد أدخل السيد شكري أفندي عليَّ السرور الزائد، بما نوه لي عن فضلكم، وصلاحكم، وكمالكم، وغيرتكم على نشر آثار السلف، لاسيما آثار شيخ الإسلام ـ رضي الله عنه ـ فإن هذا غاية أمنيتنا، ونهاية رغبتنا، وقد حمدت الله تعالى وشكرته على أن قيَّض لهذا الشأن أمثالكم.
    ومن مدة كاتبت السيد شكري أفندي وعرفته بأن محبيّ السلف، من الواجب عليهم الآن أن ينهضوا لإحياء آثارهم ونشرها بواسطة الطبع، وأن يجاروا غيرهم من الذين ينشرون تلك الكتب التي لا تزيد إلا خبالاً وضعفاً في العقيدة، فإن أكثر المطابع ترغب الآن في التجارة، ولا يهمها إلا الكسب الدنيوي، وإن فاتهم الربح الأخروي، مع أن الأحمديين والسلفيين بقية عظمى من أهل الخير والصلاح.
    فيا سيدي! البدار البدار، والسباقَ، السباقَ، فما لنا إلاَّ أمثال همتكم، أحباكم المولى الحياة الطيبة، وزادكم نفعاً وانتفاعاً.
    أخي! تعلمون أن شيخ الإسلام توفى بدمشق، وأن رسائله معظمها، والحمد لله في دمشق، وإن فقد منها شيء، أو طار من الشام إلى غيرها، إلاَّ أن في المكتبة العمومية عندنا من رسائله وقواعده في كتاب " الكواكب " الذي جمعه الشيخ " ابن عروة "، وكتب فيه جملة وافرة من تآليف شيخ الإسلام، وبها ما يكفي ويشفي.
    إلى أن قال:
    ثُمَّ أرى أن نسعى بطبع شيء من رسائله عندنا في الشام، لأن المطابع الآن كثرت فيها ـ والحمد لله ـ، والقصد الإسراع والسباق إلى هذه الخيرات، وإن يكن بعض المطابع في مصر تعتمدون عليها في ذلك، ولكن القصد إشغال عدة مطابع، لنرى تلك الدرر انتشرت بسرعة.
    ولا يخفى فضلكم أن أعظم واسطة لنشر المذهب السلفي هو طبع كتبه، وأن كتاباً واحداً تتناوله الأيدي على طبقاتها خير من مائة داعٍ وخطيب، لأن الكتاب يبقى أثره، ويأخذه الموفق والمخالف، وأعرف أن كثيراً من الجامدين اهتدوا بواسطة ما طبعاناه ونشرناه، اهتدءً ما كان يظن، والحمد لله على ذلك.
    لقد أحزنني ما ذكر لي السيد شكري أفندي في كتابه أنه أرسل من سنتين كتاب " مدارج السالكين" للشيخ فرج الله، وأنه الآن لم يطبعه، فلماذا يا ترى؟ لذا أرى أن تتعدد محال طبع تلك النفائس.
    والآن، الفقير ينتظر إشارتكم في هذا، وإنني وأخي أخدم هذا الشيء إلى آخر نفس من حياتنا، وأسأله تعالى أن يحشرنا في زمرة السلف بفضله وكرمه، وعلى قدر ما ترسلونه من الدراهم يكون النسخ أو الطبع، فلبدار البدار، والفرصة الفرصة يا أخي!
    وما أظن ترون في الشام من له غيرة على آثار الشيخ ـ رضي الله عنه ـ أمثالنا، فالآن آن الأوان، وما بقي إلا الاهتمام بذلك، حتى أن المرحوم الشيخ عبد العزيز السناني كان كتب للحاج مقبل الذكير عن اهتمامي وحرصي ، وسعيي الليل والنهار في نشر آثار الشيخ، وأنتظر جوابه ولم أدر بعد ما كان، حتى قيَّض الله لنا غيرتكم وشهامتكم، أكثر الله من أمثالكم، ونفع بسعيكم، وجازاكم كل خير.
    .............................. ...... في 26 ربيع الأول سنة 1327
    .............................. ............. الفقير إليه تعالى
    .............................. ............ جمال الدين القاسمي
    انظر؛ كتاب " جمال الدين القاسمي وعصره " لظافر القاسمي ( ص 585 ـ 589)

    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  10. #10

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (8)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    حضرة سيدنا علامة عصره، وفريد دهره، نفعنا المولى بعلومه وفرائده، وأعاد علينا من بركات عوائده، آمين.
    سلامٌ عليكم ورحمة والله وبركاته.
    وبعد:
    فإن الفقير، وإن تأخرت مكتابته للمقام الخطير، إلاَّ أن الذي حال هذه المدة، انتظار الأجوبة من جُدة(1)، وقد كتبت كما أمرتم لذاك الفاضل، فأجاب يسأل عن فهرس ما لدينا من كتب السلف، وأرسل كتاب " العرش " لنقابله له على نسخة الخزانة (2)، فأجبته بأن استقراء أسماء كتب السلف مما يعسر، وإنما المهم نسخ آثار شيخ الإسلام التي في الخزانة، وتتبع المهم منها في " الكواكب"، وغيرها.
    ثم أرسلنا له نسخة من كتاب " العرش " مقابلة إلا مقدار كراس فإنه ناقص من الأصل، وأرسلنا له كراريس من " شرح الأصفهانية "، ورسالة " جواب لشيخ الإسلام عن كتاب الطبرسي "(3)، وعرفناه عن ثمنهما لناسخهما فحضر جواب ثان فيه دفع الأُجرة للناسخ والثمن.
    ثُمَّ حكى لي صديقنا الروَّاف بأن استنتخ كتاب الوسيلة لشيخ الإسلام من الخزانة، وكراريسه تربو على العشرة، فذكرنا لأخينا في جوابي له، وكان أجاب أولاً بأن ننظر ما لدينا مما يلزم طبعه لتعرفه به، فرأيت الآن أن المهم أن نطبع: كتاب " عقيدة الإمام أحمد " للتميمي (4) وهو مفيد جداً نسخه الروَّاف من الخزانة، وكتاب " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" لابن القيم، وهو كتاب نفيس يفيد الأمة إفادة عظيمة في المسألة المذكورة، ولا أدري هل ظفرتم به، فإني ظفرت بنسخة منه في خزانة الجد ـ عليه الرحمة(5)ضمن أحد المجاميع، وكان الوالد ـ رحمه الله ـ يطالعه دائماً ويبتهج به، فرأيت أن ننسخه ثانية، لأن النسخة الأولى لا يستطيع الطابع طبعها لقدم عهدها.
    ورأيت أيضاً أن ننسخ من " الكواكب " لشيخ الإسلام في مسألة الكلام (6) مع فتاوى أخر له يكون كتاباً على حدة في هذه المسألة التي حرَّرها أحسن تحرير.
    والآن أصحح نسخة " إغاثة اللهفان " بنفسي فإن كان عند المولى أصل منه فليتكرم بإرساله ثُمَّ نعيده لسماحته ثم نعطيه لناسخ، ثُمَّ وعدني ناسخ أن بأن ينسخ بعدها الفتوى في الكلام. ولقد رأيت نفسي أني قد شغلت بشيء آخر عدا ما لدي. ولا يخفي مولاي ما في ذلك من العناء نسخاً وتصحيحاً ومقابلة في الخزانة، إلاَّ أن شغفنا سرعة تنوير الأفكار، وتنبهها لمراشدها مما يخفف تلك الصعوبات.
    وتذكرت أني أرسلت له مع كتاب " الوسيلة " مجموعاً فيه رسائل لشيخ الإسلام كنت استخرجته من محال، وأشرت عليه بأنه إن استحسن شراءه فليقدمه للطبع، وإلاَّ فليرسله فإنه من نفائس ما لديَّ سيَّما وفيه قطعة ظفرت بها من كتاب الشهاب ابن مري (7) لتلامذة شيخ الإسلام يعزيهم
    بوفاته، ويحضهم على جمع تآليفه والسَّعي في اكتتابها، نسخته من أصل مخروم (8) إلاَّ أن غرابة موضوعه شاقتني؛ لأن أُثبته على نقصه، أخذ المولى بأيدينا، ووفقنا لمرضاته.
    وأرجو التفضل بإجابتي ولو بكلمات، والإشارة بما يسنح للقلب السليم أيَّده الله بروح منه، آمين.
    .....................السب 7 جمادى الآخرة سنة 1327
    ............................ جمال الدين القاسمي
    # سيدي، كان أشار عليَّ بعض الفُضلاء من نحو عامين بجمع متون متنوعة في مقابلة تلك المتون المطبوعة (9)، على شريطة أن لا تكون منظومة، وأن يكون حجم المتن كُراساً فأصغر، وأن يكون لإمام شهير عرفه التاريخ، ولا يخفى ما استقر ذلك من المصاعب ولكن الحقَّ تعالى أعان بفضله فجمعنا قريباً من تسعة متون، وبقى متن في التوحيد على الشريطة، فإن كان لدى سيدي متن فليتفضل بإرساله؛ لأن المهم أن يكون طليعة المجموع رسالة في ذلك سيَّما إذا كانت سلفية المشرب.
    وإذا كان يوجد لدى سيادتكم متون في فنون أُخر فالمرجو إتحافنا بما أمكن، وتعريفنا عنه فإن هذه الخدمة اضطر إليها هذا العصر لكثرة المدارس المنوي إنشاؤها والمأخوذ في ترقيها، ولا قيام لها إلاَّ بمثل
    ذلك، وكنت مما رأيته مهماً كتاب " لقطة العجلان " للزركشي لاشتماله على أربعة فنون فشرحته على الأسلوب العصري، وطبعه لنا أحد الإخوان في الإسكندرية، ومتى وصلت نسخه نقدِّم للسيادة منه عدة إن شاء الله (10)
    والقصد أن الواجب الآن الافتكار فيما ينهض الأمة من كل بحسبه، وإذا فات أمثالنا الإصلاح السياسي، فلا أقل من الإصلاح العلمي، وما أحوج المُصليحين لمشاطرة المياسير أهل النهضة به.
    والتوفيق بيده سبحانه، لا إله سواه.
    .............................. جمال الدين القاسمي
    ____________________________
    (1) يعني أنه بانتظار رسائل من الشيخ محمد نصيف عين أعيان جدة المشهورين.
    (2) يعني الظاهرية.
    (3) له نسخة في الظاهرية في ضمن مجموع ( 3835 عام ـ مجاميع 99)، وهي بخط أخيه الإمام شرف الدين عبد الله بن تيمية كما في " فهرس مجاميع المدرسة العمرية في دار الكتب الظاهرية" لياسين السواس ( ص 523 ).
    (4) قام بنسخ هذه العقيدة عن نسخة الظاهرية ـ وهي نسخة عتيقة ـ حامد التقي بإشارة من شبخه القاسمي وذلك في 27 رمضان سنة 1327 هـ، وقد كتب بآخرها الشيخ محمد نصيف ـ وهي في مكتبته ـ:" هذه الرسالة أرسلها إليَّ من دمشق الشام الأستاذ الشيخ السيد محمد جمال الدين القاسمي ـ رحمه الله، آمين، وقد طبعت عن هذه النسخة بآخر " طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (2/ 265 ـ 690).
    (5) يعني جده الشيخ قاسم القاسمي، وقد طبع هذا الكتاب سنة 1327هـ، عن هذه النسخة، وهي نسخة جيدة بخط محمد بن عبد الله بن هشام النحوي وذلك سنة 885هـ، وقد اعتنى بها وصححها وعلق حواشيها العلامة جمال الدين القاسمي.
    (6) طبعت هذه الرسالة في " مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" جمع العلاَّمة ابن قاسم ( 12/ 117، وما بعدها).
    (7) ذكره ابن كثير في " البداية والنهاية " ( 18/ 254 ـ ط دار هجر)، وقال: وفيها ـ أي في سنة 725 هـ ـ وَفِيهَا مُنِعَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مُرِّيٍّ الْبَعْلَبَكِّي ُّ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى النَّاسِ بِمِصْرَ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ، وَعَزَّرَهُ الْقَاضِي الْمَالِكِيُّ بِسَبَبِ مَسْأَلَةِ الِاسْتِغَاثَةِ ، وَحَضَرَ الْمَذْكُورُ بَيْنَ يَدَيِ السُّلْطَانِ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ سُفِّرَ إِلَى الشَّامِ بِأَهْلِهِ فَنَزَلَ بِبِلَادِ الْخَلِيلِ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ، وَانْتَزَحَ إِلَى بِلَادِ الشَّرْقِ، وَأَقَامَ بِسِنْجَارَ وَمَارِدِينَ وَمُعَامَلَتِهِ مَا، يَتَكَلَّمُ وَيَعِظُ النَّاسَ إِلَى أَنْ مَاتَ، رَحِمَهُ اللَّهُ".
    وذكره الذهبي في " ذيل العبر " ( ص 138 )، وقال: " وسُجن ثُمَّ نُفِيَ لنهيه عن الاستغاثة والتوسل بأحد غير الله...."، وانظر مرآة الجنان لليافعي ( 4/ 273)، وقد ترجم له الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1/ 302، 303)، إلاَّ أنه بيض لوفاته ولم يذكر في أي سنة توفي، وقال في آخر ترجمته:" وخطه مليح مشهور مرغوب فيه".
    (8) قام بنسخ هذه الرسالة نسخة نُقلت من خط قائلها شهاب الدين ابن المري الشيخ حامد التقي تلميذ القاسمي، وذلك بإشارة من شيخه، وكتب بآخرها القاسمي ما يلي:" وقد بذل الجهد في تصحيحها الفقير جمال الدين القاسمي، وعارضها بأصلها في مجلس 13 ذي القعدة بعد ظهر الاثنين عام 1323هـ"، وأصل هذا المنسوخ كان محفوظاً في مكتبة الشيخ محمد نصيف بجدة، كما أن الشيخ محمد حامد الفقي المصري قد طبعها في " مجموعة رسائل علمية" بالقاهرة سنة 1368هـ اعتماداً على هذه النسخة.
    (9) قام الشيخ جمال الدين بشر مجموعة أربعة متون أصولية على المذاهب الأربعة. وهي:
    1- مختصر المنار للحلبي الحنفي.
    2- الورقات للجويني.
    3- مختصر تنقيح الفصول للقرافي المالكي.
    4- قواعد الأصول لصفي الدين البغدادي الحنبلي، وقد علَّق وطبعت في دمشق في المكتبة الهاشمية، وانتهى منها في سنة 1324هـ.
    (10) طبع هذا الكتاب بشرح وتعليق الشيخ جمال الدين في مطبعة والدة عباس الأول بالقاهرة سنة 1326 هـ.

    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  11. #11

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (9)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سماحة مولانا محيي السنة، وقدوة الفضلاء، نفعنا المولى بآثاره.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد:
    فقد كنت قدمت للمقام كتاباً من أسبوع، والآن وصل إليَّ نسخٌ من كتاب " اللمع "(1) المطبوع على أصلي المقابل على أصلين صحيحين، وقد كنت علقت عله حواشٍ أثناء التصحيح، ولم أتفرغ له فطبع نصها، وكان يمر بي في خلال تراجم الأقدمين أن له شروحاً كثيرة، ومن الأسف أن لم نظفر بواحدة منها، ولله ما جنت علينا القرون الأخيرة حتى أفقرت ديارنا من المصنفات النافعة، وأبقيت لنا الحشو والحشويات.
    وقد سرَّني ما تفضلتم بإرساله إلى المقتبس من مقالة: " المقيم المقعد "(2) وقد جعلها صاحبه طليعة الجزء الآتي، وقد قابلتها على خطّكم الكريم، ودهشت لمثل هذا الترتيب، ووددت لو يوفق أحد من المياسير لديكم لطبعه، ويصحح لنا مولانا ويعلق عليه ما يغمض، مع ضبط ألفاظه، فإن في ذلك مثوبة عظيمة كبرى للغة الشريفة لما كاد يندرس من آثارها المفيدة، وما أحوج الأمة لمثل هذا، وعسى أن تتحقق الأمنية.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .......................21 جمادى الآخرة سنة 1327هـ
    ............................. جمال الدين القاسمي

    ______________________________ _
    (1) هو كتاب " اللمع " في أصول الفقه، لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي.
    وهذه الطبعة التي أشار إليها القاسمي مطبوعة بمطبعة السعادة بمصر على نفقة محمد أمين الخانجي، وذلك في سنة 1326هـ، وقد ورد في آخر الطبع ما يلي:
    " قُوبل على أصله المنتسخ منه مع مراجعة نسختين منه في المكتبة العمومية بدمشق جيديتين، تاريخ إحداهما عام 574هـ في صفر، والأُخرى بالعام نفسه شهر ربيع الآخر...... وكتبه جمال الدين القاسمي حامداً ومصلياً في 26 ربيع الآخر سنة 1325هـ".
    وقال مصحح الطبع بدر الدين النعساني:" ...... وقد تفضل بالنسخة المنوه بها فضيلة العالم الشيخ جمال الدين القاسمي حفظه الله تعالى.......".
    (2) هو كتاب " المقيم المقعد " لأبي الفرج بن الجوزي، وهو نحو أربعمائة صفحة، وقد كتب عنه العلاَّمة محمود شكري الآلوسي مقالة ونشرها في مجلة " المقتبس" في ربيع الثاني سنة 1327هـ (4/ 209 ـ 215 ).
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  12. #12

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (10)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    حضرة مولانا السيد الشريف، والإمام القدوة الغطريف، نفعنا المولى بفوائده، وبارك لنا في عقود فرائده، آمين.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد:
    فقد كنت قدمت للسيادة عدة رسائل، ولم أزل منتظراً لجواب مولانا، والآن أعرفكم بأن ما قدمناه للفاضل محمد حسين نصيف قد اشتراه، وهو مجموع شيخ الإسلام الصُغرى، وكتاب " قاعدة في الوسيلة " اشتريناه من الشيخ الروَّاف، وأرسلناه فاشتراه، وأخبرني أنه الآن يباشر طبعه في مطبعة المنار المصرية، وكذا اشترى كتاباً مجموعاً من كلام شيخ الإسلام في مسألة الكلام القديم، وننسخ له الآن تتمة " شرح الأصفهانية "من" الكواكب".
    وقد أهدانا من المجموع الذي طبعه الحاج مقبل، وهو الأول من فتاوى الشيخ، وقد يظن الناس أنه من الفتاوى المصرية، وإنما هو مجموع كان اشتراه فرج الله من الروَّاف، كان استنسخه من مجاميع، وكنا لفرج الله جزءاً من الخزانة الظاهرية، وبعض آخر لم يستتمه وهما من الفتاوى المصرية، ونصحناه أن يطبع من الفتاوى المصرية ما يجده منها ولو غير مرتبة، لأنها إذا طبعت كذلك فسوف ترتب إذا ترقى الزمان في طبعة ثانية. وما أدري ما عاقه؟
    والقصد أنَّا لا نزال ندعو لسماحتكم، ونرى أن الفضل الأول لبيض أيايدكم.
    والمأمول إخباري بصحة المزاج الكريم، وإجابتي عن بعض ما كنت سألت المقام عنه من الآثار العلمية.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    ........................... 5 شعبان سنة 1327هـ
    ............................ جمال الدين القاسمي
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  13. #13

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (11)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    حضرة السيد الشريف جمال الدين القاسمي أحسن الله إليه، سيدي الإمام الهمام، وبحر العلم المتلاطم على الأنام.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أمَّا بعد:
    فقد تشرفت اليوم بكتابكم الكريم، وحمدت الله على ما أودعتم فيه من بشائر سلامتكم، وما ذكرتم فيه من الهمم العلية، في ترويج الكتب السلفية هو المأمول من مساعيكم الهاشمية، نسأله تعالى أن يبارك في حياتكم.
    والعبد قدَّم قبل أيام جواب كتابكم مع محررات عبد اللطيف بن المرحوم عبد الحميد الشيخي البغدادي، وقد عجبت من عدم وصول ذلك إليكم، و ذكرت لحضرتكم جميع ما لزم بيانه، ولعله وصلكم الآن، وذكرت لكم المانع من توالي العرائض ما اتفق في هذه السنة من الحرِّ العظيم الذي كاد العراق يحترق منه، وقد انحرف مزاجي واعتلَّ بدني والأمر لله تعالى، وجميع ما تفضلتم به وصل، ولسان القلم عاجز عن أداء شكر نعمكم، جزاكم الله عنا كل خير.
    وفي هذه الأيام طبع بعض الأحبة رسالةً في الحديث موسومة بـ " الشهاب في الحكم والآداب "(1)، فالتمست منه أن يهدي إليكم بعض نسخها فلعلَّه فعل، وفي هذه " البوستة" (2) قدمت لكم منها ثلاث نسخ، فإن اقتضى لكم نسخٌ أخرى فمرونا بذلك.
    وكتاب " الوسيلة " ذكر مُنشيء المنار عنه في الجزء السادس أنه وصله، وأنه متصد لطبعه.
    نسأله تعالى أن يديم عليكم نعمه، وأن يوفقكم لمثل هذه المساعي الخيرية.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    .............................. ..... 17 شعبان سنة 1327هـ
    .............................. .......... محمود شكري،
    .............................. .......... عُفِيَ عنهُ

    ______________________________ _______
    (1) لمحمد بن سلامة بن جعفر القضاعي، وقد نشرها محمود أفندي الشابندر ـ أحد أقارب الشيخ الآلوسي من جهة والدته ـ في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1327هـ، كما في " معجم المطبوعات ( 2/ 1515). ( العجمي )
    (2) يعني البريد.
    (3) يعني كتاب " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " لابن تيمية.( العجمي )
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  14. #14

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (12)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سماحة مولانا شمسُ العراق، وعمدةُ فُضلاء الآفاق، نفعنا المولى بمعارفه، وأمدَّنا بعلومه ولطائفه.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد:
    فإن الفقير لا يزال متشوفاً لأنباء السيد الكبير، وقد كان السيد ـ أيَّده الله ـ أشار في كتابه الأخير ببشارة إرسال نسخة من كتاب " الشهاب " من طابعه، لم نر إلى الآن واحدة منها، ولعل طابعه يرسل منه عدة لأحد التجار يعرضها للبيع.
    قدم من أيام الشيخ طاهر الطبرزوني السَّلفيّ (1)، وبلغني سلام سيادتكم ودعواتكم، فشكرت لكم لكم ذلك ورجوت أن لا نبرح من البال الكريم.
    وقد كنتُ ذكرت لفضيلتكم ما ننسخه للفاضل محمد حسين نصيف ونرسله مما حصل لديه الآن، منه: " رسائل وقواعد " لشيخ الإسلام جيِّدة.
    وقد طبع كتاب " الوسيلة " الذي ابتعناه له من الروَّاف.
    ونسخنا له " إغاثة اللهفان " لابن القيم الذي كنت استفسرت سيادتكم عنه، ولم آخذ جواباً.
    وقد أرسلناه الآن إلى منشيء مجلة المنار بإشارة من محمد حسين نصيف، وورد إلىَّ جواب بقرب الأخذ بطبعه والآن نسخ له أيضاً " قاعدة في التفسير" لشيخ الإسلام ظفرنا بها في مكتبة بني الشطي (2).
    وبودي لو أن حضرات العسافيين ـ وفقهم الله تعالى(3) ـ يأخذون بطبع شيء من القواعد أو الوسائل الصغرى التي لم تعد للطبع بعد في مطابع دار السلام لسهولة الأمر الآن، اهتماماً بما ينور فكر الجامدين؛ إذْ ليس من سبيلٍ عندي أقرب من طبع مثلها ونشره سيَّما إذا كان وقفاً مجاناً.
    وإني أحمد الله على أنيّ أرى كثيراً من أولئك الجهمية أضحوا بفضل ما نسعى بطبعه وتسعون أيضاً ممن تنورت بصائرهم، ووقفوا على الحق، وإن كان الجل منهم لا يتظاهر تقية من محيطه الزاخر بأولئك الرجعيين.
    وقد حضرني ستّ نسخ من " غاية الأماني في الرد على النبهاني" (4)، فوزعتها على إخواني، وصار يستعيرها من لم تكن عنده من أصدقائهم وأقاربهم.
    ومن مدة زارني بعض المتعممين المهتمين بمصانعة الرجعيين فرجا مني عارية الجزء الأول، فأعرته ونفست له في الأجل؛ لأني أعلم أنه يستعار منه، وأن كثيراً من أولئك القوم رهطه يحيون الليالي لقراءته بالحرف، وأعلم أنَّهم يأخذهم التنغص والتغيظ ما لا يحاط به، كما أني أعلم أنه يفيدهم ويعدل فكرهم ولو في الباطن، فالحمد لله على نعمة هذا الكتاب، وجزى الله سيَّدنا عنهُ بخير ما جزى أولياءه وأحباءه، إنه الكريم الوهاب، ولا زالت مآثره تتلى وتنشر... آمين.
    أذكر أني عرفتكم بشروعنا في نسخ متون مختصرة في عدة فنون تحاكي تلك الفنون المجموعة قبلُ، إلاَّ أنها أرقى منها وأقرب تناولاً، وقد جمعنا نحواً من ثمانية عشر متناً، وكلها للمشاهير من القرون الأُولى، والمتوسطة، وقد اشترطنا أن تكون من ورقتين إلى كراس، فلعل مولانا يتذكر مجاميعه ما يأتي على الشريطة فيتهنأ باسمه، حتى إذا لم يكن عندنا نرغب إلى بعض تلامذته النشطاء بنسخ ذلك، ونشكر السيد الجليل سلفاً.
    ورد إليَّ من الآستانة كتاب من صديقنا صاحب المنار يبشرني بانفراج الأزمة عما وشي به علينا مما لابد أنه بلغ مسامع مولانا، وأن قضية محمد أفندي كرد علي ستحل بأقرب وقت، حقق الله ذلك، وقد أخبرني أمس شقيقه بأنه نجا بنفسه إلى مصر وأنه بخير ثمة، فإنا لله (6).
    الأُستاذ الكبير (7) بخير وعافية، ولكن وا رحمتاه لفضله وقدره بين مواطنيه (8)، والأشقاء يلثمون أناملكم، ويرجون صالح دعواتكم كراقمه.
    .............................. .............................. ... في 23 شوال سنة 1327
    .............................. .............................. ....... جمال الدين
    ____________________________
    (1) ذكره القاسمي في رسالة منه إلى محمد نصيف، وقال :" سائح سلفي يسمى الشيخ طاهر الطبروزني"، وذكر أنه صاحب رحلات كثيرة, ( انظر؛ جمال الدين القاسمي وعصره لظافر القاسمي ص 608 ، ص 609)
    (2) له نسخة أخرى في دار الكتب المصرية برقم ( 299)، وستأتي الإشارة إلى ذكر هذا المجموع المشتمل لبعض كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ( ص 170).
    (3) آل العساف في بغداد من أصول نجدية، بيت علم وفضل وتجارة؛ انظر ( البغداديون أخبارهم ومجالسهم ) للدروبي ( ص 189 ).
    (4) للآلوسي، المرسلة إليه هذه الرسالة، وسيأتي الكلام عليه.
    (5) حصل للعلامة القاسمي أكثر من واقعة في سبيل دعوته للإصلاح وبعض مؤلفاته من قبل ولاة الدولة العثمانية وبعض الوشاة, انظر إن شئت كتاب ابنه ظافر القاسمي : " جمال الدين القاسمي وعصره " ( ص 205 ـ 210).
    (6) لمحمد كرد علي أكثر من قصة في خروجه من بلده. انظر ترجمته لنفسه في آخر كتابه : " خطط الشام " ( 6/ 377).
    (7) يعني الشيخ عبد الرازق البيطار.
    (8) أيضاً للشيخ عبد الرازق البيطار أكثر من حادثة، ولم يعرف بعض أهل بلده قدره وفضله. انظر إن شئت: " أديب علماء دمشق الشيخ عبد الرازق البيطار"، لراقمه ( ص 28 ) وما بعدها.
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  15. #15

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (13)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيدي علاَّمة عصره، ومجدد دهره، نفعنا المولى بمعارفه، وباركَ لنا في لطائفه، آمين.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وبعد: فقد حظيتُ أمس بكتاب المولى وما تفضل به وأولى، فشكرت أياديه البيضاء وأضفتها إلى ما سبق له من النعماء، فجزاه الله عنَّا خير الجزاء.
    وزَّعنا الإعلانات حسب أمركم على كثير من التلامذة والإخوان، ورأيت منهم ارتياحاً لاقتناء ذلك الكتاب النفيس (1)، وعسى أن يرسل طابعه عشر نسخ برسم البيع، فإن نفدت طلبنا غيرها ونرسل قيمتها. وما تفضلتم به من كساد كتب الأدب وغيرها فهو الواقع؛ ولهذا كلما عزمت على طبع كتاب أجعل اشتراكاً فيه، واكتتاباً لأسهم به، فنوزع بعده لكل على حسبه كي لا تضيق صدور أمثالنا عن انتظار رواجه أو تحمل الخسارة من جرائه، والمأمول أن هذا الكتاب يصادف رواجاً تامَّاً بعونه تعالى وعنايته، وأرجو إهداء سلامي إلى طابعه جزاه الله خيراً.
    وأما إغاثة اللهفان فهي مشاركة لذلك الكتاب الذي طُبِعَ أولاً في التسمية (2)، وأما الموضوع فهو عن طلاق الغضبان خاصة، وحجمها نحو ثلاثة كراريس إلاَّ أنها من النوادر المضنون بها.
    ويقول لي الشيخ الروّاف: إنها لا نظير لها، ولا في خزائن كتب نجد، ويرى أنها لا توجد إلا عندنا (3)، وكان الجد والوالد ـ قدس الله روحهما ـ يُطالعانها كثيراً، بل إني شُغفت بها من صِغَري لكثرة ما أرى الوالد ينظر فيها، وقد نسخناها وأرسلناها إلى محمد حسين ناصيف فقدَّمها للمنار فطُبِعت فيه، و حضرني منذ أيام الملزمةُ الأولى بشارةً بتمثيلها للطبع، ولا شك أن ذلك معدودٌ من حسناتكم وبركاتكم (4) فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء والإخوان جميعاً يقبلون أناملكم، ويرجون صالح دعواتكم، والسلام.
    .............................. ..... في غرة ذي الحجة سنة 1327هـ
    .............................. ............... الفقير
    .............................. ............. جمال الدين
    __________________________
    (1) يعني كتاب " غرائب الاغتراب، ونزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب "، لشهاب الدين محمود أفندي الآلوسي، صاحب تفسير " روح المعاني "، وجدُّ محمود شكري الآلوسي والمرسلة إليه هذه الرسالة، وقد طبع هذا الكتاب في مطبعة الشابندر ببغداد سنة 1327هـ.
    (2) يعني به " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"، لابن القيم، فأول عنوانه موافق لعنوان كتابه الذي تتكلم عنه هذه الرسالة. ( العجمي )
    (3) لكتاب " إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان " نسخة أخرى في المتحف البريطاني برقم ( 9219 )، " تاريخ الأدب العربي لبروكلمان" ( 6/ 426 ـ الترجمة العربية). ( العجمي )
    (4) يشير الشيخ جمال الدين القاسمي إلى أن السبب في التعرف على الشيخ محمد نصيف هو محمود شكري الآلوسي، الذي كان يسعى في طبع هذه الكتب النافعة، فجزى الله الجميع خير الجزاء.
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  16. #16

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (14)
    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيدي إمام عصره، وفريد دهره، نفع المولى بعلومه الأنام، وأعاد علينا من معارفه على الدوام.
    أُهدي المقام الساميّ من السلام أعطره، ومن الشوق أوفره، وأرجو أن لا تنسوني من دعواتكم المرضية في الأوقات السنية، ثُمَّ قبل قدمت للسيادة كتاباً عن وصول نموذجات الشابندر، والآن رأيت تقديم هذا الكتاب لتبشير مولانا بما يسره ويسرنا.
    هو أن حضرة العالم النحرير، سليل العلماء الأفاضل السيد محمد المكي بن عزوز التونسي (1) نزيل الأستانة كان من أشداء المتعصبين للجهميين والقبوريين، ثم بصّره الله تعالى الحق فاعتنقه، وأصبح يدافع عنه.
    وهذا الفاضل لشهرة بيته ونباهة أمره يُعدُّ بألوف، وقد هاجر من نحو اثني عشر عاماً من تونس إلى الأستانة، وكان رد على الصيادي (2) في تأليف سماه: "السيف الرباني في الرد على القرماني"، والقارماني اسم بلا مسمى انتحله الصيادي، وعزا له كتاباً لفقه على عادته ـ عليه ما يستحق في الافتراء والاختلاق ـ، وكان أعظم حائل على أماني السيَّد ابن عزوز، ثم إن الأستاذ الكبير صفينا البيطار لما زار الأستانة هذا العام مع الوفد الدمشقي زار السيد وجرَّ البحث إلى مسائل سلفية، ثم إن الأستاذ كاتبه من شهر فأجابه الآن بجواب نقلت محل الشاهد منه، وأشرت إلى طالب عندنا فنقل صورة ما نقلته وترونه طي هذا الكتاب (3). وإذا كان لمولانا أيده الله أصدقاء في الآستانة يكاتبهم فلا بأس بمكاتبة السيد المنوَّه به، وإني في هذا البريد سأكتب له بما أرسلت لفضيلتكم من كلامه، وأُعرفه بسامي مقامكم، عساه يزداد بصيرة ونوراً، فالحمد لله على توفيق هذا السيد وهدايته لما هُدي له.
    هذا وقد زراني في هذا العيد صديقنا الشيخ مصطفى الغلايييني (4)، صاحب مجلة " النبراس "، وجرَّ الحديث إلى ما ألفه النبهاني جديداً من كتابه المسمى " جواهر البحار في فضل المختار" (5)، وذكره منامات ابنته عائشة له، وتسميته إياها بالمبشرات؛ فقال الغلاييني : لو أنَّا نرد عليه بمثل ما يستدل لذكرنا مناماً لأحد صالحي بيروت، بل من لا يختلف أحد منهم في صلاحه، وهو : أنه رأى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال له: إني لست براض عن النبهاني، أو بمعناه.
    ثم زراني أحد الكامليين، وكان سبق له وظيفة في بيروت، فسمى لي الرجل وأنه حسن فتح الله، وقد وعدني هذا الكامل بأن يذكر لي ترجمة حال النبهاني الصحيحة التي يعلمها، وأنه يستقدمها لنا ونقدمها للسيادة.
    وقد بلغني أن الحاج مقبل الذكير كان طبع هو و الشيخ قاسم بن ثاني كتباً وقفاً منها:
    " المقنع " (6)، ومنها " الدين الخالص " (7)، وغيرهما، ومن الغريب أن لم نتحف بشيء منها، فإن كان لهما وكيل أو صديق يكتابهما أو سيادة مولانا، فالمأمول إرسال صندوق منها للشام. وقد كان السناني ـ عليه الرحمة ـ كتب إلى الحاج مقبل على إثر طبعه " شرح الإقناع" (8) بإرسال صندوق منه فوفى ووزع على من انتفع به الانتفاع التام.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .............................. .............................. .. في 20 ذي الحجة 1327هـ
    .............................. ............. الفقير
    .............................. .......... جمال الدين القاسمي
    # اطلعت على رسالة بخط العلامة الفاضل محمد السيد محمد المكي بن عزوز التونسي نزيل الآستانة الآن، ضمن كتاب راسل به الأستاذ العلامة الشيخ عبد الرازق البيطار، وهذا نص رسالته:
    كتبتُ إلى حبيب لي في المدينة المنورة ما نصه: سؤال خصوصي: أخبرني بإنصاف، واعلم أنك مسؤول في عرصات القيامة عن ذلك، أخبرني عن الوهابية الذين ترون: معاملاتهم، وحالتهم مع السنة، والحضرة النبوية، فأنا إلى الآن ما اجتمعت بوهابي، وقد تناقضت عندي المسموعات بالأذن والمرئيات في الكتب بالأعين؟ وبيان التناقض نقرِّره لك يا حبيب لتعرف كيف تجيبني، فإن المقام خطير: بعض الناس يقولون: الوهابية يحقرون المقام النبوي، ولا يرون فرقاً بينه وبين بقعة خالية في الأرض، ويقولون لمن شرب الدخان أشركت بالله، وهذا لا معنى له، ويضللون من أثنى على رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنارة، ويكفرون من زار قبراً ودعا الله عنده ويستحلون دمه.
    وهؤلاء القادحون فيهم يقولون على سبيل القدح: هم تابعون ابن تيمية أحمد تقي الدين، فهنا جاء التناقض، فإن ابن تيمية إمام في السنة كبير، وطود عظيم من أطواد العرفان، حافظ للسنة النبوية، ومذهب السلف، يذب عن الدين، ويقمع المارقين ؛ كالمعتزلة والقدرية، والرافضة والجهمية، ما فارق سبيل الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة قيد أنملة، وإن كان حنبلياً في الفروع، فهو في أصول الدين جامع لمذاهب الأربعة الأئمة، والأربعة الخلفاء الراشدين ومن سلك سبيلهم.
    فإن كان الوهابية حقيقة على منهج ابن تيمية وابن القيم ونحوهما من فقهاء الحنابلة السنية فهم أسعد الناس بالشريعة؛ لأن ابن تيمية وأصحابه لم يُسيء القول فيهم إلا القاصرون عن درجاتهم، علماً وتحقيقاً، والراسخون في العلم شهدوا بعلو مكانتهم. وإن كان الوهابية مُتَّصفين بالصفات الذميمة المشار إليها أولاً، فأول خصم لهم ابن تيمية ونظراؤه من أئمة الحنابلة، فليسوا بتابعيهم. وبعض الناس يقولون: الوهابية هم القائمون بالسنة، المتجنبون للبدع، المتبعون للحديث الشريف، وعلى مذهب أحمد بن حنبل وطريقة السلف في الاعتقاد. وقد كنت طالعت الرسائل المؤلفة من محمد بن عبدالوهاب وأصحابه، ورأيت ما كتبه الجبرتي في "تاريخه" من عقائدهم وسيرتهم، فما هي إلا طريق السنة ليس فيها ما يُنكر. ورأيت رسائل القادحين فيهم ينسبون لهم الدواهي والعظائم، والوهابية ينفون ذلك عن أنفسهم، لا يحتجون لحسن تلك القبائح. تنبه للفرق بين قول المتنصل مما نُسب إليه وقول محسِّن ما نُسبَ إليه: فالأول منسلخ من اعتقاد ذلك وفعله، معترفٌ بقبحه، مكذب لمن وصفه به. والثاني معترف باتصافه. تأمل هذه النقطة، وفي الحقيقة: ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون ) .
    فأنا أسألك عن الوهابية الحاضرين في عصرنا، فإن رجلاً أخبرني أنهم يكونون مقيمين في المدينة، ويأتون إلى المسجد ولا يقفون على القبر الشريف يسلمون عليه وعلى الصاحبين ونحو ذلك، فإن صح هذا فما أشبه هذا الجفاء بالعداوة لصاحب القبر الشريف. فأريد منك أن تجتمع بفلان وفلان في محل لا رابع لكم إلا الله، فإن زدتم آخر تعرفونه مثلكم فيما ألاحظه منكم، فذلك عُهدته عليكم، وتقرأون كتابي هذا بتأمل، وتجيبونني بما تحصَّل لكم، ذاكرين قوله تعالى: ( وإذا قلتم فاعدوا ) . واعملوا أن من البلايا المتسلطة على الدين وإيمان المسلمين أنه صار الذي يصدع بالحديث النبوي الصحيح مقدماً له على عصارة المتفقهين يقال له: أنت وهابي. وأحكي لكم لطيفة: كنت سألت بعض متفقهة مكة الحنفية عن رجل أعرفه من أكبر الفضلاء قلت له: كيف حال فلان؟ فقال لي: ذلك وهابي. فقلت له: كيف وهابي؟ قال: يتبع البخاري !! فلما حكيتها للسيد عبدالرحمن الجزولي عليه الرحمة والرضوان -وأنا نزيل عنده إذ ذاك- ضحك وقال: هل البخاري شيخ الوهابية؟ وقد سمعت كثيراً من الناس يقولون: من يتبع الحديث فهو وهابي، ومن يعتقد عقيدة السلف فهو وهابي، فقلت لهم: أنا لا أعرف الوهابية، وكلامكم يدل على أنهم سنيون صرفاً؛ فقد مدحتموهم مدحاً كبيراً من حيث قدحتم فيهم، نتمنى أن يكون مقلدة المذاهب كلهم هكذا إن كنتم صادقين فيما تقولون، لكن الجاهل يهرف بما لا يعرف، ولذلك يقال له ( سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) ، وقال تعالى: ( وأعرض عن الجاهلين ) . وليكن جوابكم بما شاهدتموه لا بما ينقله المغفلون والأعداء المتعصبون، هدانا الله وإياكم للقول السديد .انتهى كلامه
    وما أشرتم إليه في مكتوبكم من السير على منهاج الكتاب والسنة وعقيدة السلف، فأنفث نفثة مصدور مغتم القلب بما يرى ويسمع من قلب حقائق الأمور. أنتم منَّ الله عليكم بجلساء موافقين لمشربكم في التماس الحقائق، والتزام أقوم الطرائق، ذوق وإنصاف، واتصاف بأجمل الأوصاف، كرفقائكم الذين شرَّفوا منزلنا وأكرمونا بتلك الأخلاق الكريمة، وكالأستاذ الجمال القاسمي وغيرهم ممن لم نحظ برؤيتهم فبلِّغوهم سلامي، وخلوص غرامي، وأما الحقير هنا -أي في الأستانة- فكما قال القائل:
    ما أكثر الناس لا بل ما أقلَّهم *** الله يعلم أني لم أقل فندا
    إني لأفتح عيني حين أفتحها *** على كثير ولكن لا أرى أحداً
    فلا أجد من أطارحه مسائل العلم الصحيح؛ لأن الناس بالنظر إلى هذا المقام على قسمين:
    جاهل لم يزاول العلم أصلاً، فهو لا يفقه ما نقول، وحسبه إن سأل أن أجيبه بزبدة الحكم، وهو أحب إليَّ ممن عرف بعض العلم إن لم يفتنه فاتن؛ لأنه وإن لم أستفد منه مذاكرة تُفكِّه عقلي، وتنقح نقلي، فقد أفادني من الله أجراً، وقد يكون لغيره سلسبيل تلك الإفادة أجرى.
    والقسم الثاني: طالب علم زاول العلم فشمَّ رائحته، وجمد على ما عهد من شيخ مثله، فهذا أحسن أخلاقه أن لا يسمع لقولك ولا يتحدث بما يؤذي، وإنما قلت أحسن، لأن غيره من أهل العناد الحمقى يضللون من خالف ما اعتادوه.
    سئلت مرة في مجلس: هل تجوز الاستغاثة بأولياء الله؟ فقلت: لا يستغاث إلا بالله. وفي المجلس شيخ كبير ممن يعاني تدريس العلم عارضني بأنه يجوز، فقلت له: ما دليلك؟ فقام مغضباً قائلاً وهو ذاهب: دليلي قول اللقاني(9):
    وأثبتن للأوليا الكرامه *** ومن نفاها فانبذن كلامه
    فانظروا الدليل وتنزيله على الاعتراض، هؤلاء لا يفرقون بين معنى الاستغاثة، ومعنى الكرامة ، وهو من الضروريات.
    ومما أتعجب منه وأتأسف، ما رأيته في نتائج مخالطاتي لأهل العلم ومناظراتي ومذاكراتي: أني أجد الشبان والطلبة الصغار أقرب قبولاً للحق، وذوقاً للصواب، وسروراً بالدليل من الشيوخ، وأكثر الشيوخ جامدون على ما ألفوه، ومن أحبارهم ورهبانهم عرفوه، ولا أدري: هل ذلك لطول قعودهم في أرض التقليد صاروا كمن دُقت له أوتاد والتحمت تلك الأوتاد بالأرض، فلا يستطيعون النهوض منها؟ أم لأن غالب الشيوخ أكبر مني سناً؟ فهم يأنفون من أن يستفيدوا ممن هو أصغر منهم؟ أم كيف الحال؟
    وعلى كل حال أتذكر عند ذلك قول الشاعر:
    إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت * ولن تلين إذا كانت من الخشب
    وإني أحمد الله تعالى على أن أنقذني من أسر التقليد، وصرت إذا رأيت تعنتهم واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أتلو قوله تعالى مذكراً لنفسي آلاء الله: (كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم ) ، لأني كنت أرى قول فقيه: المعتمد كذا، أو استظهر شيخنا كذا، كأنه بين دفَّتي المصحف، والله بل آكد "أستغفر الله"؛ لأني أقول: الآية لا أفهمها مثله، ونظن كل كلمة قالها مالكي فهي من مقولات مالك أو حنفي فأبو حنيفة أو شافعي...إلخ والخروج عن الأربعة كالكفر ولو أيده ألف حديث.
    والحمدلله الذي عافانا مع بقاء احترامهم ومحبتهم في قلوبنا.
    وأخبركم أني لما بدأت في الاستضاءة بنور الحديث ووزن خلافات الأئمة والفقهاء بالأدلة، وصرت أصلي بالقبض والرفع...(10)إلخ، وذلك سنة ست عشرة وثلاثمائة وألف، ألقي لي في المنام قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، وقمت بها من المنام على لساني. ولا تنسونا من الدعاء، ودمتم بخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    .............................. .............................. ......في ذي الحجة سنة 1327 .............................. ..........حافظ ودكم
    .............................. .محمد المكي بن عزوز التونسي .
    _________________________
    (1) توفي الشيخ محمد المكي بن مصطفى عزوز سنة 1334هـ، ولمزيد معرفة ترجمته؛ انظر: "محمد المكي بن عزوز، حياته وآثاره" لعلي الرضا الحسيني، ط. دار الحسينية بدمشق.
    (2) أبو الهدى الصيادي الرفاعي المتوفي سنة ( 1327هـ).
    (3) سيرد ذكره بعد هذه الرسالة مباشرة.
    (4) هو الشيخ مصطفى بن محمد الغلاييني، عالم مصلح، من أعضاء المجمع العلمي العربي بدمشق، له مؤلفات، تولى رئاسة المجلس العلمي ببيروت، توفي سنة ( 1364هـ). انظر ترجمته في : " الأعلام للزركلي" (7/ 244)، و "مجلة المجمع العلمي العربي " ( 20 / 190 )، و " علماؤنا" لكامل الداعوق ( ص 134 ).
    (5) طبع هذا الكتاب في بيروت سنة 1327 هـ. " معجم المطبوعات العربية" ( 2/ 1839).
    (6) لابن قدامة.
    (7) لصديق حسن خان.
    (8) هو "كشاف القناع عن متن الإقناع"، للبهوتي.
    (9) هو إبراهيم بن إبراهيم اللقاني المتوفى سنة ( 1041هـ) صاحب جوهرة التوحيد، وهذا البيت منها؛ انظر ترجمته في:" خلاصة الأثر " للمحبي ( 1/ 6).
    (10) ألف العلاَّمة ابن عزوز رسالة في ذلك بعنوان " هيئة الناسك في أن القبض في الصلاة مذهب من مذهب مالك"، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن رسائل ابن عزوز المطبوعة بعناية علي رضا التونسي سنة 1404هـ بدمشق.
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  17. #17

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    (15)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    سيدي الفاضل، ومن لا يطاوله في الكمالات مطاول، علاَّمة عصره، وأستاذ الكل في مصره، الإمام الهمام، بل فخر دمشق الشام، حضرة السيد جمال الدين القاسمي أفاض الله تعالى علومه على الأنام.
    سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته:
    أمَّا بعد:
    فقد تلقيت أيها المولى كتابكم الكريم بيد الفخار، وكررت ما انطوى عليه
    من الآيات البيانات آناء الليل وأطراف النهار، وشكرت الله تعالى على ما انطوى عليه من بشائر السلامة، وما حواه من انتشار كتب السنن النبوية التي أتعب لها أقدامه، وأشغل بها أقلامه.
    فالحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وجزاه عنا خير الجزاء { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات } [ إبراهيم: 48 ].
    وقد تم بحمد الله
    منذ أيامٍ طُبع : " غرائب الاغتراب ونُزهة الألباب" وها نحن قد قدمنا منه نسخة لذلك الجناب، تصله ـ إن شاء الله ـ بهذا البريد، وهو من السِّلامة كما نود ونريد، وقد أخبرت الشابندر(1)، بما أمر السِّيد وأخبر، أنَّه ـ أدام الله مجده ـ لا يعمل بما عنده، والمرجو من تلك الحضرة العلية دوام التحري على الكتب السلفية، والسعي في نشرها بين العالمين، { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين} [ فصلت: 33].
    والمسترحم عرض تحياتي على جميع الآل والأصحاب الكرام، وعليكم منَّا ألف تحية وسلام،
    ما رنحت عذبات البان ريح صباً *-*-*-* وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
    .............................. .............................. .. 23 ذي الحجة سنة 1327هـ
    .............................. .............................. .......... الفقير إليه تعالى
    .............................. .............................. ...... محمود شكري الآلوسي،
    ____________________________
    (1) هو: محمود جلبي بن محمد سعيد الشابندر ـ أحد أقارب الآلوسي صاحب هذه الرسالة من جهة والدته ـ، وله دور في مؤازرة الحركة العلمية ببغداد، وأنشأ مطبعة عرفت بمطبعة الشابندر، ونشر فيها ذخائر من الكتب الأدبية والتاريخية
    بإشارة من العلاَّمة الآلوسي؛ ( محمود شكري الآلوسي وآرؤه اللغوية، للعلاَّمة محمد بهجة الأثري ص 48).
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    976

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    احسن الله اليك اخي الطيب قد وعدني احد الاخوة الفضلاء ان يصور الكتب النادرة على اسكنر ومن ثم يتم رفعها على النت لينتفع منها اكبر عدد من اخوتنا جزاك الله خيرا .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    163

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    هل يوجد الكتاب مطبوعا مصورا pdf ?
    فلا نامت أعين الجبناء ......
    -- الخلافة قادمة --

  20. #20

    افتراضي رد: الرسائل المتبادلة بين القاسمي والآلوسي

    نعم يوجد مصوراً، وقد كتبته كله بفضل الله، وسأرفق باقي الرسائل هنا إن شاء الله، و هو في الوقفية
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •