بقلم: الأستاذ أحمد حسن فرحات
يعتبر العلامة عبدالحميد الفراهي الهندي ، أحد مخضرمي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين . حيث ولد رحمه الله سنة 1280 هـ في قرية فريها – من قرى مديرية أعظم كره بالهند – وكان ابن خال علامة الشرق ومؤرخ الإسلام ، الشيخ شبلي النعماني- تغمده الله برحمته - . وتوفي سنة 1349 هـ الموافق 1930 م .
ومن المؤسف أن يكون مثل هذا العلم العظيم ، مجهولا إلى حد كبير في الأوساط العلمية والثقافية ، في العالمين العربي والإسلامي، على الرغم من كتبه ومؤلفاته التي تدل على عبقرية فذة ، وعقلية مبدعة ، والتي لابد أن يكون لها أثر بارز في حاضر ومستقبل العلوم العربية والإسلامية .
اشتغل الفراهي منذ يفاعته بطلب العلم ، فحفظ القرآن ، وقرأ – كدأب أبناء العائلات الشريفة في الهند – اللغة الفارسية وبرع فيها ، ثم انصرف إلى طلب العربية ، فاستظل بعطف أخيه الشيخ شبلي النعماني – وكان أكبر منه بست سنين – فأخذ منه العلوم العربية كلها من صرفها ونحوها ، ولغتها وأدبها ، ومنطقها وفلسفتها .
ثم سافر إلى لكنو – مدينة العلم في الهند – وجلس في حلقة الفقيه المحدث الإمام الشيخ أبي الحسن السهارنفوري – شارح الحماسة وأستاذ اللغة العربية في كلية العلوم الشرقية بلاهور – فبرع في الآداب العربية ، وفاق أقرانه في الشعر والإنشاء .
قرأ دواوين الجاهلية كلها ، وحل عقد معضلاتها ، وقنص شواردها فكان يقرض القصائد على منوال الجاهليين ، ويكتب الرسائل على سبك بلغاء العرب وفصائحهم .
ثم عرج على اللغة الانجليزية – وهو ابن عشرين سنة – ودخل في كلية عليكره الإسلامية ، ونال بعد سنين شهادة B A من جامعة الله أباد ، وامتاز في الفلسفة الحديثة ، أخذها من الأستاذ بكلية عليكره الإسلامية يومئذ - ... كان الفراهي عالماً بالعلوم العربية والدينية ، وفاضلا في العلوم العصرية والإنكليزية ، ثم عين معلماً للعلوم العربية ، بمدرسة الإسلام بكراتشي عاصمة السند ، فدرس فيها سنين ، وكتب وألف وقرض وأنشد . ثم انقطع إلى تدبر القرآن ودرسه ، والنظر فيه من كل جهة . وجمع علومه من كل مكان ، فقضى فيه أكثر عمره ، ومات وهو مكب على أخذ ما فات العلماء ، ولف ما نشروه ، ولم ما شتتوه ، وتحقيق ما لم يحققوه ، فكان لسانه ينبع علما بالقرآن ، وصدره يتدفق بحثاً عن مشكلاته ، وقلمه يجري كشفا عن معضلاته ...
أما المناصب التي شغلها : فقد عين أستاذ للغة العربية بكلية عليكره الإسلامية ، وكان بها يومئذ أستاذ اللغة العربية المستشرق الألماني الشهير يوسف هارويز ، الذي استكمل العربية من الفراهي . وقرأ عليه الفراهي العبرية .
ثم عين أستاذاً بجامعة الله أباد ، وبقي فيها أعواما حتى انتقل منها إلى حيدر أباد الدكن ، رئيسا لمدرسة دار العلوم النظامية ، التي كانت تخرج قضاة البلاد وولاتها. وهو الذي عمل على تأسيس الجامعة العثمانية ، والتي كانت من أحدث جامعات العالم سنا ، وأعجبها نظاما .
ثم استقال ولزم بيته ، وانقطع إلى العلم ، وكان قد أسس قرب قريته مدرسة عربية دينية ، سميت " مدرسة الإصلاح " فكان ينظر في شؤونها ، وكان من أعظم مقاصدها وأهدافها تحسين طريق تعليم العربية ، وإيجاز قائمة دروسها المتعبة العقيمة ، وإلغاء العلوم البالية القديمة ، والعكوف على طلب علوم القرآن والبحث عن معانيه ونظمه ، وأحكامه وحكمه .
كما كان رئيسا للجنة المديرين "لدار المصنفين " التي كان أحد مؤسسيها ... .
هذه لمحة خاطفة عن حياة الفراهي . وأما كتبه ومؤلفاته فكثيرة متعددة ، ومعظمها باللغة العربية التي شغف بها المؤلف ، وآثرها على لغته الأصلية ، وحينما سئل عن سبب كتابته بالعربية مع حاجة قومه إلى الكتابة بالأردية قال : " أردت لكتبي الخلود "
وسنتكلم عن كتبه وما أضافته من جديد ، إلى عالم المعرفة في بعض الأعداد القادمة . ونورد في هذا العدد بعض ما قاله في العرب ولغتهم ، حيث رافقهم في شعرهم الجاهلي ، وعاش حياتهم ، وتنقل في بواديهم وحواضرهم ، وعرف أخلاقهم ومثلهم، وقال فيهم ما لم يحسنوا أن يقولوا مثله في أنفسهم ، يقول الفراهي في العرب وفي صفة كلامهم :
" وكانت العرب على غاية قصوى في تأثرهم بالكلام ، وهذا لقوة قلوبهم ، وشدة تأثير أقوالهم ، فكأن كلامهم يحمل روحا منهم ، وكأن السامع يتأثر له من وجهين : من قوة المتكلم ، ومن اعتيادهم التأثر ، وقد قيل : القول إذا خرج من القلب وقع في القلب .
وسذاجتهم وصدقهم ، نفت عنهم الخواطر وتشتت البال ، وصرف القول عن نهجه الصادق . فكان قولهم وسمعهم ، من القوة والإصابة كضربة سيف مرهف . ولولا أن كلامهم جماع همتهم ، ما ارتجلوا قصائد طويلة دامغة ، وكانوا أصدق الناس وأنطقهم " .
ويقول أيضا في أخلاق العرب التي رشحتهم لحمل رسالة الإسلام :
" زعموا أن الله تعالى أعطى العرب كتابه ، وأرسل إليهم الرسول لما بلغ كفرهم وسوء أعمالهم منتهاه ، هذا حق . ولكن لابدhttp://nizamulquran.org/aelaam_madar...ul_quran2.html فيه من زيادة .....