قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسيره (20/120) :
" قوله تعالى : ( ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ ) يعني الخط والكتابة ؛ أي علم الإنسان الخط بالقلم . ورَوى سعيد ، عن قتادة ، قال : " القلم نعمة من الله تعالى عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دِين ، ولم يصلُح عيش (*) " . فدل على كمال كرمه سبحانه ، بأنه عَلَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ، ونَبَّه على فضل علم الكتابة ، لما فيه من المنافع العظيمة ، التي لا يحيط بها إلا هو . وما دُوِّنت العلوم ، ولا قُيِّدت الحِكم ، ولا ضبطت أخبار الأوّلِين ومقالاتهم ، ولا كتبُ الله المُنْزَلة إلا بالكتابة ؛ ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا .
وسُمِّي قلماً لأنه يُقْلَم ؛ أي يقطع ، ومنه تقليم الظفر.
وقال بعض الشعراء المُحْدَثِين يصف القلم :
فكأنه والحِبْرُ يخضِبُ رأسَهُ *** شيخٌ لوصل خرِيدةٍ يَتَصَنَّعُ
لِمَ لا أُلاحظه بعين جَلالة *** وبه إلى الله الصحائفُ ترفعُ
وقال أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (2/107) (789) : حدثنا أبو صالح بن المهلب ، قال : حدثنا همام ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا يزيد التستري ، قال : سمعت الحسن ، يقول :« القلم نعمة عظيمة يكتب الرجل إلى أخيه فيعلمه ما عنده » .
ــــــــ
(*)أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (30/254) : حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) قرأ حتى بلغ ( عَلَّمَ بِالقَلَمِ ) قال القلم : " نعمة من الله عظيمة ، لولا ذلك لم يقم دين ، ولم يصلح عيش ".
وأخرجه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع من طريق عبد الوهاب بن عطاء ، عن سعيد ، به .
وأخرجه السمعاني في أدب الإملاء ص (158) من طريق يونس بن محمد بن شيبان ، عن قتادة قال : " القلم نعمة من الله ـ عز وجل ـ عظيمة ، لولا القلم ما قام دين ، ولم يصلح عيش ، والله أعلم بما يصلح خلقاً " .