جاء في" معجم الأدباء " ، و "وفيات الأعيان " ، و" والوافي بالوفيات " ، في ترجمة إمام العربية أبي عثمان المازني ( بكر بن محمد بن عثمان ) البصري النحوي الصرفي ، الذي لم يكن أحد بعد سيبويه أعلم بالنحو منه ، وهو أول من دون علم التصريف ، وكان قبل ذلك مندرجا في علم النحو ، المتوفى سنة 249 رحمه الله تعالى ، مايلي :
" كان المازني في غاية الورع ، وقصده يهوديٌّ ليقرأ عليه "كتاب سيبويه " وبذل له مئة دينار في تدريسه إياه فامتنع ، فقال له المبرد –تلميذه - : جعلت فداك ، أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضاقتك ؟ فقال : إن هذا الكتاب يشتمل على ثلاث مئة وكذا وكذا آية من كتاب الله عز وجل ، ولست أرى أن أمكن منها ذميا ، غيرة على كتاب الله وحمية له .
قال المبرد : فاتفق أن غنت جارية بحضرة – الخليفة – الواثق ، بقول العرجي :
أظلوم إن مصابكم رجلاً ***** أهدى السلام تحية ظلمفاختلف من في الحضرة في إعراب (رجلا ) ، فمنهم من نصبة وجعله اسم (إن)، ومنهم من رفعه على أنه خبرها ، والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب ، فأمر الواثق بإشخاصه – من البصرة إلى بغداد - .
قال أبو عثمان : فلما مثلت بين يديه ، قال : ممن الرجل ؟ قلت : من بني
مازن ، فقال: أي الموازن ؟ أمازن تميم ، أم مازن قيس ، أم مازن ربيعه ، أم مازن اليمن ؟ قلت : من مازن ربيعة ، فكلمني بكلام قومي ، وقال : با اسبك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما ، فكرهت أن أجيبه على لغة قومي ، كيلا أواجهه بالمكر ، فقلت : بكر ياأمير المؤمنين ففطن لما صدقته ، وأعجب به وضحك .
ثم قال : ماتقول في قول الشاعر : أظلوم إن مصابكم رجلا ؟
أترفع رجلا أم تنصبه ؟ فقلت : إن (مصابكم ) مصدر بمعنى إصابتكم ، فأخذ اليزيدي في
معارضتي ، فقلت : هو بمنزلة قولك : إنَّ ضربك زيدا ظلم ، فالرجل مفعول مصابكم ، وهو منصوب به ، والدليل عليه أن الكلام معلق إلى أن تقول : ظلم، فيتم ، فاستحسنه الواثق .
وقال : هل لك من ولد ؟ قلت : نعم ياأمير المؤمنين ، بنية لا غير ، قال : فما قالت لك حين ودعتها عند مسيرك ؟ قلت : أنشدت قول الأعشى :
تقول ابنتي حين جد الرحيل***** أرانا سواء ومن قد يتم !فقال الواثق : كأني بك وقد قلت لها قول الأعشى أيضا :
أبانا فلا رمت من عندنا ***** فإنا بخير إذا لم تَرِم
أرانا إذا أضمرتك البلاد***** نجفى وتقطع منا الرحم
تقول بنتي وقد قربــت مرتحلا ***** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا
عليك مثل الذي صليت فاغتمضي ***** نوما فإن لجنب المرء مضطجعا
فقلت : صدق يا أمير المؤمنين ، قلت لها ذلك ، وزودتها قول جرير لابنته :
ثقي بالله ليس له شريك ***** ومن عند الخليفة بالنجاح
فقال : ثق بالنجاح إن شاء الله تعالى ، ثم أمر بألف دينار ، وردني مكرما ، قال المبرد : فلما عاد إلى البصرة قال لي : كيف رأيت يا أبا عباس – هذه كنية المبرد - ، رددنا لله مئة فعَّوضنا ألفاً
قال ابن كثير : فعوضه الله عن المائة الدينار - لما تركها لله سبحانه ولم يمكن الذمي من قراءة الكتاب لاجل ما فيه من القرآن - ألف دينار عشرة أمثالها.
" .