كنت جالسة في الحرم المكي إلى جوار امرأة صغيرة السن ، وكانت خادمتها الآسيوية واقفة تحمل رضيعها وتهدهده وتتحدث من حين لآخر إلى المرأة بعربية مكسرة جدا ، وكانت المرأة لا تجيب إلا لماما ، وفجأة لا حضت أن الرضيع يتضور من الجوع فإذا بالخادمة تحاول جاهدة تهدئته فأخذ يمرر فمه الصغير على صدر الخادمة باحثا عن ثديها ، أقسم بالله أنني رأيت هذا المنظر وشعرت بقشعريرة ووددت لو أصفع المرأة الخاملة التي تظن أن تأملاتها وذكرها سبق إسعاف الرضيع البريئ ... لم أجرؤ طبعا على ذلك ولكنني تذكرت أبياتا شعرية لابن المبارك رحمه الله ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يَا عَابدَ الحَرَمَينِ لَوْ أبْصَرْتَنَا
لَعَلِمتَ أنَّك فَي العِبَادَةِ تَلْعَبُ
مَنْ كَانَ يَخْضبُ خَدَّه بِدمُوعِه
فَنُحورُنَا بِدِمَائنَا تَتَخَضَّبُ
أو كَانَ يُتِعِبُ خَيلَهُ فِي بَاطِلٍ
فَخُيُولُنا يَومَ الصَّبيحَة تَتعبُ
ريحُ العَبِيرِ لَكُمْ وَنَحنُ عَبِيرُنَا
رَهجُ السَّنَابِكِ وَالغُبَارُ الأطيْبُ
وَلَقد أتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا
قَولٌ صَحِيحٌ صَادِقٌ لا يَكْذِبُ
لا يَستَوي غُبَارُ خَيِل الله فِي
أنْفِ امرِىء وَدُخَانُ نَارٍ تَلْهَبُ
هَذَا كَتَابُ الله يَنْطِق بَيْنَنَا
لَيْسَ الشَّهِيدُ بِمَيِّتٍ لاَ يَكْذبُ