بسم الله الرحمن الرحيم
حديثنا عن لفظة "لم يثبت كذا من الحديث أو لم يثبت كذا عن السلف، أو لم اجد كذا... "، ولست أقصد ب"لم يثبت" الصحة أو الضعف، فتلك يقولها من كان تدريب الراوي عمده ومرجعه، وما أكثرهم ، وتلك تحسبلنا عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
إنما نقصد ب "لم يثبت، ولم يوجد"، قصدهم بها لم يرد ولم يروى ولم يحكى ولم يوجد، تلك الكلمة التي يتسابق البعض في قولها، وياليتهم تواضعوا وقيدوها بما وصله علمهم أو بما وصلهم من المراجع، ولكنهم يطلقونها دون تقيد، وكأن أحدهم البخاري خلقه الله لنا، أو الدارقطني أتانا في قذيفة، أو أنه ابن حجر تواضع ان يخبرنا عن نفسه
"لم يثبت، ولا يوجد" كلمة عظيمة لا يحق لأحد قولها إلا من كان حافظا من الحفاظ واسع الإطلاع، له إستقراء تام بمتون الأحاديث والأثار، والإطلاع على الكتب والرجال
ومن هذا انكر أشد النكير الحافظ احمد الغماري رحمه الله على الشيخ الكتاني قوله في حديث" ومن لغا فلا جمعة له" أنه مما نقب عنه من الحديث فلم يوجد،وذلك في رسالته المسماة" عقد الياقوت والزبرجد،في أن :" ومن لغا فلا جمعة له" مما نقب عنه فلم يوجد"، وبين رحمه الله وجود هذا الحديث في بعض المراجع، وأن نفي الكتاني للحديث إنما هو قصور ظاهر، وتنقيب قاصر، مبني على عدم الإطلاع والإستقراء التام للكتب والمرويات، وبين رحمه الله أنه من كان حاله كذلك فلا يحق له نفي الأحاديث أو الأثار، أو أن يتصدى لذلك
قال الحافظ أحمد الغماري رحمه الله في "تنبيه البله"(20) :" ثانيها: ولو كان الكتاب من النوادر، فالحديث لا يحكم بإنتفائه إلا بعد الإستقراء التام ، والإطلاع على جل كتب السنة، مشهورها وغريبها، متداولها ونادرها ، بحيث يكاد يقطع أو يغلب على ظنه الغلبة القوية انه لم يبق وراء ما في تلك المصنفات من الحديث شيء، وهذا لا يحصل إلا بعد الإحاطة بما في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم والمصنفات والفوائد والمشيخات والتواريخ و التفاسيرو الأجزاء على سائر انواعها، وهي بالغة آلافا مؤلفة، وجلها من الغريب النادر، والإحاطة بما في جميعها شرط في الحكم بإنتفاء الحديث ، ولذلك نص أهل الحديث والأصول على أن القطع بعدم وجدود الحديث أو غلبة الظن به لا يكون إلا بنص من الحافظ الذي له الإستقراء التام والإطلاع على سائر هذه الكتب،...".انتهى.
وقال رحمه الله في "تنبيه البله"(20) بعد هذا :" وإذا كان مثل الذهبي، والعراقي، والزيلعي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، يذكر الواحد منهم انه لم يجد الحديث، ثم يجده غيرهم ممن عاصرهم أو جاء بعدهم، مع انهم قرأوا من كتب السنة وسمعوا منها ما لو جمعت أسماؤه مجردة لجاءت في مجلد، كما يعلم من مراجعة معاجمهم وأثباتهم، فكيف بمن لم يرى بعينه معشار خمس ربع ثلث نصف ما قرؤوه وسمعوه، فضلا عن أن يقرأه أويسمعه، ثم يدعي في حديث انه مما نقب عنه من الأخبار فلم يوجد، (ان هذا لشيء عجاب)..." انتهى.
قال ابن الصلاح رحمه الله في "علوم الحديث" (32) ما نصه: "...وليس لك ان تقول هذا ضعيف وتعني به متن الحديث، بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون مرويا بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث، بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يروى بإسناد يثبت به" انتهى
وقال السخاوي في "فتح المغيث" (1/75) :" قال شيخنا يعني الحافظ-ابن حجر- إذا بلغ الحافظ المتأهل الجهبذ وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يحدد إلا من تلك الطريق الضعيفة ساغ له الحكم بالضعف بناء على غلبة الظن"
فكيف بعد هذا يحق لمن لم يتعدى نظره بعض كتب الستة، أن يقول لم يثبت من الحديث كذا ولم يرد ولم يروى ولم يوجد، ولم يثبت عن السلف كذا، أوانهم فعلوا كذا، وغير ذلك، او بمن لم يتعدى نظره بعض كتب الرجال ان يقول لم اجد ترجة فلان ويحكم على الحديث بإطلاعه وعلمه
هذا حال عالمهم ومتعلمهم، فكيف بمن لم يتعدى بصره رسالة ورسالتين، ومجلدا ومجلدين، فلا حول ولا قوة إلا بالله