قال د علال في كتابه
الحركة العلمية الحنبلية و أثرها
في المشرق الإسلامي
و يعد عمل المزي- في تهذيبه للكمال- ، عمل جيد متقن ، أكمل به كتاب الحافظ عبد الغني ، و حقّقه و نقّاه ،و أثراه ، لكن بعض العلماء بالغ في تعظيم كتابه ،و تناسى أهمية كتاب عبد الغي و أغمطه حقه ، فقد ادعى الحافظ ابن كثير أن أبا الحجاج المزي لا (( يمارى و لا يجارى ، وكتابه التهذيب لم يسبق إلى مثله ،و لا يلحق في شكله))[1] .و نقل الباحث محمود الطحان عن الفقيه ابن السبكي[2] أنه قال عن التهذيب : (( أجمع على أنه لم يصنف مثله ،و لا يستطاع ))[3] .و قال عنه الباحث بشار عواد : إنه أعظم كتاب في موضوعه من غير مدافع ،وأنه أربي على من تقدمه و كسفهم ،و لم يأت بعد المزي بأحسن من تهذيبه[4] .لكن الباحث محمود الطحان لم يبالغ في تعظيم الكتاب ، فبعد اعترافه بفضل أشار إلى أن فيه إطالة ،و يحتاج إلى استدراك لبعض التراجم ،و تحرير لمسائل ، وتهذيب لكثير من الأقوال و الأمثلة[5] .-خلال القرنين : السادس و السابع الهجريين /12-13 م –
و أقول-تعقيبا على هؤلاء-: لقد بينت أعمال الذين درسوا تهذيب الكمال و لخّصوه[6] أن مؤلفه لم يعرّف بعدد من التراجم ،و فاتته أخرى ، و أنه أطال كتابه و ضخمه بإيراده لأحاديث كثيرة خرّجها من مروياته العالية ، زادت في حجمه بنحو الثلث[7] . الأمر الذي دفع ابن حجر العسقلاني إلى إعادة تهذيب الكتاب ، في مصنف سماه : تهذيب التهذيب ، فأستدرك فيه على مؤلفه و انتقده في مواضع ،و نزع منه الأحاديث التي ضخمت حجمه ،و حذف كلاما كثيرا لا يدل على توثيق و لا تجريح ،و زاد تراجم و أقوالا في التوثيق و التخريج[8] .و أما قول ابن كثير[9]و ابن السبكي ، فهو كلام غير علمي، و فيه غلو و سلبية، و مجازفة و رجم بالغيب ،لأن عمل المزي-في تهذيبه- هو عمل عادي جدا ، لا غرابة فيه و لا إعجاز ؛ فالمزي من المتخصصين في علم الحديث البارعين فيه ،و المتفرغين له ، عمد إلى كتاب الكمال لعبد الغني و اتخذه أساسا لمصنفه الجديد . ثم رصد أخطاءه و هفواته و نقائصه ، وأجرى عليها التصحيح و التعديل و التنقيح و الإثراء . ثم ضخّمه بأحاديث كثيرة زادت في حجمه ،و نفخته بنحو الثلث ؛ فهل في هذا إعجاز ؟ ، إنه من الجائز جدا أن يقوم-في عصرنا الحالي- عالم متخصص و بارع في علم الحديث و متفرغ له ، بنفس ما قام به المزي أو أحسن ، فيتخذ تهذيب الكمال أساسا لكتاب جديد ، فيرصد أخطاءه ليصححها ، و نقائصه ليكملها و يثريها ، ثم يحذف منه ما يراه زائدا ، و يلحق به ما يراه مفيدا مستعينا بانتقادات الذهبي و ابن حجر و غيرهما من العلماء . ثم يوسعه ليشمل رجال كتب الحديث الأخرى –التي لم تذكر في تهذيب الكمال- و يكثر فيه من الفوائد و النكت ،و التحقيقات الحديثية ،و يزوده بكشافات و ملاحق و فهارس لتسهيل الانتفاع به ؛ فيخرج لنا في النهاية بكتاب أشمل مادة ، و أتقن تنظيما ، و اغزر علما من تهذيب الكمال[10] .
[1] ابن كثير : المصدر السابق ج 13 ص : 39 .
[2] ربما يقصد الابن تاج اليد و ليس الأب تقي الدين .
[3] محمود الطحان أصول التخريج ص : 159 .
[4] أبو الحجاج المزي : المصدر السابق ج 1 ص : 26 ( مقدمة المحقق ) .
[5] محمود الطحان : المرجع السابق ص : 159 .
[6] كالذهبي ،و ابن حجر ، و غيرها . نفس المرجع ص : 158 .
[7] نفس المرجع ص : 160 ، 162 .
[8] نفس المرجع ص : 164 .و السخاوي : المصدر السابق ص : 30 ، 31 .
[9] عودنا على مثل هذه المجازفات ، فقد سبق و إن ذكرنا غلوه في مقامات الحريري ، و كرر نفس الأمر في وصفه للشاطبية في القراءات ، لابن فيرة الشاطبي الضرير (ت590 ه/1193م) ، بأنه لم يسبق إليها و لا يلحق ، و هذا كلام غير علمي ، يعبر عن عجز ابن كثير لا غيره من المختصين . ابن كثير : المصدر السابق ج 13 ص : 10 .
[10] و مع ذلك لا يحق لنا إدعاء الكمال و الإعجاز .