فصل : ايات القران المجمل حروف اوائل السور ...
قال تعالى ( الر كتاب احكمت اياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ) 1 هود . وقال تعالى ( حم * والكتاب المبين ) 1 - 2 الدخان . وقال تعالى ( ق والقران المجيد ) 1 ق . وقال ( يس * والقران الحكيم ) 1- 2 يس . وغيرها من الايات التي تخص حروف اوئل السور تشير الى ان تلك الحروف هي ايات القران المجمل ....... قال ابن كثير في تفسيره : مجموع الحروف المذكورة في أوائل السور بحذف المكرر منها أربعة عشر حرفا وهي - ال م ص ر ك ه ي ع ط س ح ق ن - يجمعها قولك : نص حكيم قاطع له سر . وهي نصف الحروف عددا والمذكور منها أشرف من المتروك وبيان ذلك من صناعة التصريف . قال الزمخشري وهذه الحروف الاربعة عشر مشتملة على أصناف أجناس الحروف يعني من المهموسة والمجهورة ، ومن الرخوة والشديدة ، ومن المطبقة والمفتوحة ومن المستعلية والمنخفضة ، ومن حروف القلقلة . وقد سردها مفصلة ثم قال : فسبحان الذي دقت في كل شئ حكمته .
وان عدد تلك الحروف بتكرارها في القران سبع وثمانون حرف – 87 – ومن المصادف ان هذا الرقم يمثل القيمة العددية بحساب الجمل لاسمه – الحكيم – وهي ايضا ايات الكتاب الحكيم .
وقيل في تلك الحروف هي اسماء الله الحسنى وصفاته العلى وقيل هي اسم الله الاعظم ... قال القرطبي في تفسيره : هي حروف دالة على أسماء أخذت منها وحذفت بقيتها ، كقول ابن عباس وغيره : الالف من الله ، واللام من جبريل ، والميم من محمد صلى الله عليه واله وسلم . وقيل : الالف مفتاح اسمه الله ، واللام مفتاح اسمه لطيف ، والميم مفتاح اسمه مجيد . وروى أبو الضحى عن ابن عباس في قوله ( الم ) قال : أنا الله أعلم ، ( الر ) أنا الله أرى ، ( المص ) أنا الله أفصل . فالالف تؤدي عن معنى أنا ، واللام تؤدي عن اسم الله ، والميم تؤدي عن معنى أعلم . واختار هذا القول الزجاج وقال : أن كل حرف منها يؤدي عن معنى ، وقد تكلمت العرب بالحروف المقطعة نظما لها ووضعا بدل الكلمات التي الحروف منها ، كقوله : فقلت لها قفي فقالت قاف أراد : قالت وقفت . وقال زهير : بالخير خيرات وإن شرا فا ولا أريد الشر إلا أن تا .وذكر ايضا ابن كثير فقال : هي اسم من أسماء الله تعالى ، وقال هي من أسماء الله تعالى وكذلك قال سالم بن عبد الله وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير وقال شعبة عن السدي بلغني أن ابن عباس قال ( ألم ) اسم من أسماء الله الاعظم . هكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شعبة ورواه ابن جرير عن بندار عن ابن مهدي عن شعبة قال سألت السدي عن( حم وطس والم ) فقال ، قال ابن عباس هي اسم الله الاعظم ، وقال ابن جرير وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو النعمان حدثنا شعبة عن إسماعيل السدي عن مرة الهمذاني قال : قال عبد الله فذكر نحوه .
وقد رجحنا تلك الاقوال ، في معنى ان حروف اوائل السور انها اسماء صفات الله ، والاسم الاعظم .
واسماء الصفات تلك هي ليس ذات الله الذي ليس كمثله شيء انما هي صفة الذات اي تشبه الذات او ( مثل الذات ) وما دامت هي ليست الذات اذا هي خلق من خلق الذات وما دامت هي خلق من خلق الذات اذا هي اول خلق الله ، لقربها من الذات ، فالصفات ملازمة للذات ، واذا اردنا معرفة الذات فعلينا بالصفات ، ولهذا كثير ما نجد في القران ذكر الذات ثم الصفات مثل قوله تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وقوله ( الله لا اله الا هو الحي القيوم ) ومثيلاتها كثيرة ..وقوله تعالى ( ولله الاسماء الحسنى فدعوه بها) ذكر الذات ( الله ) ثم الصفات ( الاسماء الحسنى ) فيعلمنا القران الدعاء والاتصال بالذات عن طريق الصفات . فالصفات هي المراة التي بالنظر اليها نطلع على حقيقة الذات ( ولا ننسى ان صورة المراة تكون عكس الحقيقة ) ........؟ وكذلك يمكننا وصف المخاليق بتلك الصفات ( صفات الذات ) ولكننا لايمكن ان نصفهم بحقيقة الذات ( اسماء الذات )لانها تختص بالاله وحده دون خلقه...
وان لتلك الاسماء والصفات اسما جامعا لها اي جامعا لحروف اوائل السور التي هي اول الخلق وحقيقة الحق ، يسمى هذا الاسم ( الاسم الاعظم ) فهو اول اسم تكلم به الله تعالى فكان اول خلقه ومنه كانت الصفات ، ومن الصفات تكونت الافعال.....
والمقصود : ان القران المجمل هو حروف اوائل السور وهو اسماء الصفات وهو الاسم الاعظم ، وهو اول كلام الله واول خلقه وهو صفته ومثله والمراة التي تطلع الخلائق بها لمعرفته .... وعندما نقول اول كلام الله تعالى نعني به اول خلقه ، وكلام الله صفة من صفات الله ، وصفاته هي خلقه وليس ذاته كما اسلفنا .قال تعالى ( انما قولنا لشيء اذا اردناه ان نقول له كن فيكون ) 40 النحل . وقوله (انما امره اذا اراد شيء ان يقول له كن فيكون ) 82 يس .
فصل : القران المجمل هو اول خلق الله ..
قلنا سلفا ان هذا القران المجمل هو القران المبين والحكيم والمسطور والمجيد وهو في لوح محفوظ ...وجاءت الروايات لتصرح باول ما خلق الله القلم وقيل النور ايضا وقيل العقل وقيل الروح ... والحقيقة ان كل هذه الصفات تنطبق على هذا المخلوق الاول الواحد وهو اللوح المحفوظ او القران المجمل ، فقد عبر عنه بالقلم كما قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اول ما خلق الله القلم ، وقال تعالى ( ن والقلم وما يسطرون ) وقال ( علم بالقلم ) وغير ذلك من التعبيرات كالامر والمشيئة والكلمة التامة .. وعبر عنه بالعقل من حيث انه اللب والباطن للعالم في المعرفة والدراية والعلم به تعالى .. وعبر عنه بالنور من حيث انه روحانية الخاتم ومقامه ، اضافة الى نفسه في قوله صلى الله عليه واله وسلم اول ما خلق الله نوري او روحي ... والذي سياتي شرحه ان شاء الله . وعبر عنه بالروح من حيث ظاهر بذاته مظهر لغيره ممن دونه ...
بمعنى اخر ان اول ما تكلم الله تكلم باسمهُ الاعظم فكان اول خلقه فكانت الصفات ( القران المجمل ) والصفات حقيقة عالم الارواح او عالم الذر ، ومن الصفات ولدة الافعال المتمثلة بعالمنا عالم الاجساد ...... وعلى هذا الاساس يمكننا القول وبالله التوفيق ان هناك ثلاث حقائق :
1- ( ذات ) وهي حقيقة الله تعالى التي ليس كمثلها شيء .
2- ( صفات ) وهي حقيقة عالم الارواح ، وهو دار بقاء وكتابه القران المجمل .
3- ( افعال ) وهو حقيقة عالم الجساد وهو دار فناء وكتابه قرأننا المفصل .
ولولا الذات ما كانت الصفات ، ولولا الصفات لما ولدة الافعال فالصفات ظاهر وباطنها الذات { ولهذا قلنا سلفا انه لا يمكن رؤية الذات الا من الصفات } ، والافعال ظاهر وباطنها الصفات { ولهذا نجد ان ارواحنا التي هي من عالم الصفات في باطن اجسادنا الظاهرة من عالم الاجساد ، وقد نرى ايات القران المجمل الذي هو من عالم الارواح في قرأننا المفصل والمنزل في عالم الافعال } ... وعلى هذا الاساس كانت الخليقة ، ظاهر وباطن ، اب وابن او ام وابن . وعندما اراد الله اثبات وحدانيته بتنزيه نفسه عن الخلائق قال ( لم يلد ولم يولد ) 3 الاخلاص . وقيل في الفاتحة هي ام الكتاب اي انها اولدة كل سور القران ، وسمي ايضا لهذا المعنى القران المجمل بام الكتاب .
فصل : القران المجمل صفة نبوته صلى الله عليه واله وسلم ...
ولما كان القران المفصل المنزل على رسول الله في عالم الاجساد عالمنا الذي نعيشه ، هو صفة نور وهدى ورساله ونبوة له صلى الله عليه واله وسلم ... فمن البديه ان يكون القران المجمل الذي هو اصل الكتاب المفصل وامه صفة نبوة ورسالة ونور لشخصه صلى الله عليه واله وسلم في العالم الذي وجد فيه القران المجمل وهو عالم الروح ... ولهذا السبب جاء القران والاحاديث لتوضح تلك الحقيقة : قال تعالى ( ولا تعجل بالقران من قبل ان ينقضي اليك وحيه وقل ربي زدني علما) 114 طه . وقوله ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه وقرانه فاذا قراناه فاتبع قرانه ثم ان علينا بيانه ) 19 القيامة .
اي ولا تعجل بقراءة القران المجمل الذي عندك ، واصبر الى ان ينقضي اليك القران المفصل من قبل الوحي جبريل عليه السلام ، وقل ربي زدني علما اي بعلم التفصيل ... فالآيات ظاهره في إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان له علم اصل الكتاب فنهى عن الاستعجال بقراءته قبل قضاء وحي التنزيل .
وقوله تعالى ( واذ اخذ ربك من بني ادم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم قالو بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ) 172 الاعراف . وقوله تعالى ( واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى ابن مريم واخذنا منهم ميثاقا غليظا ) 7 الاحزاب . أخرج الفريابى وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن مجاهد رضى الله عنه في قوله ( واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) قال : في ظهر آدم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا قال أغلظ مما أخذه من الناس ليسأل الصادقين عن صدقهم قال المبلغين من الرسل المؤدين . وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن قتادة رضى الله عنه في قوله ( واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ) الآية قال : أخذ الله على النبيين خصوصا ان يصدق بعضهم بعضا وان يتبع بعضهم بعضا . وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن أبى مريم الغساني رضى الله عنه ان اعرابيا قال يا رسول الله ، ما أول نبوتك قال أخذ الله منى الميثاق كما أخذ من النبيين ميثاقهم ثم تلا واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا { والميثاق الغليظ هو الذي اعطاهم تسمية اولي العزم } ودعوة أبى ابراهيم قال وابعث فيهم رسولا منهم وبشارة المسيح بن مريم ورأت أم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في منامها انه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قيل يا رسول الله ، متى أخذ ميثاقك قال : وآدم بين الروح والجسد { اي قبل خلق ادم } . وأخرج ابن سعد رضى الله عنه قال قال رجل للنبى صلى الله عليه واله وسلم متى استنبئت قال : وآدم بين الروح والجسد حين أخذ منى الميثاق . وأخرج البزار والطبراني في الاوسط وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضى الله عنهما قال قيل يا رسول الله متى كنت نبيا ، قال : وآدم بين الروح والجسد . واخرج أحمد والبخاري في تاريخه والطبراني والحاكم وصححه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ميسرة الفخر رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله متى كنت نبيا ، قال : وآدم بين الروح والجسد . وأخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قيل للنبى صلى الله عليه واله وسلم متى وجبت لك النبوة ، قال : بين خلق آدم ونفخ الروح فيه . وأخرج أبو نعيم عن الصنابحى قال قال عمر رضى الله عنه متى جعلت نبيا ، قال : وآدم منجدل في الطين . وأخرج ابن سعد عن ابن أبى الجدعاء رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله متى جعلت نبيا ، قال : وآدم بين الروح والجسد . وأخرج ابن سعد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير رضى الله عنه ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم متى كنت نبيا ، قال : وآدم بين الروح والطين . وأخرج ابن أبى شيبة عن قتادة رضى الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه واله وسلم إذا قرأ واذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال بدئ بى في الخير وكنت آخرهم في البعث .
وفي الدر المنثور للسيوطي عن العرباض بن سارية رضى الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول انى عبد الله وخاتم النبيين وأبى منجدل في طينته وأخبركم عن ذلك أنا دعوة أبى ابراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التى رأت وكذلك أمهات النبيين يرين وان أم رسول الله صلى الله عليه واله وسلم رأت حين وضعته نورا أضاءت لها قصور الشام ثم تلا يا أيها النبي أنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا إلى قوله منيرا .
وقال صلى الله عليه واله وسلم كنت أول النبيين في الخلق ، وآخرهم في البعث . قال في المقاصد رواه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال ، ومن طريقة الديلمي عن أبي هريرة مرفوعا ، وله شاهد من حديث ميسرة الفخر . أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه والبغوي وابن السكن وأبو نعيم في الحلية وصححه الحاكم بلفظ كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد . وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة أنه قال للنبي صلى الله عليه واله وسلم متى كنت أو كتبت نبيا ، قال : كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد . وقال الترمذي حسن صحيح ، وصححه الحاكم أيضا . وفي لفظ وآدم منجدل { أي ملقى على الجدالة وهي الأرض } في طينته . وفي صحيحي ابن حبان والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعا إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ، وكذا أخرجه أحمد والدارمي وأبو نعيم ، ورواه الطبراني عن ابن عباس قال قيل يا رسول الله متى كنت نبيا ، قال : وآدم بين الروح والجسد ، ثم قال السخاوي كغيره وأما الذي يجري على الألسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فلم نقف عليه بهذا اللفظ فضلا عن زيادة وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين ، وقال الحافظ ابن حجر في بعض أجوبته عن الزيادة أنها ضعيفة والذي قبلها أقوى ، وقال الزركشي لا أصل له بهذا اللفظ ، قال السيوطي في الدرر وزاد العوام ولا آدم ولا ماء ولا طين ، لا أصل له أيضا ، وقال القاري يعني يحسب مبناه ، وإلا فهو صحيح باعتبار معناه ، وروى الترمذي أيضا عن أبي هريرة أنهم قالوا يا رسول الله متى وجبت لك النبوة ، قال : وآدم بين الروح والجسد ، وفي لفظ متى كتبت نبيا ، قال : كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد ، وعن الشعبي قال رجل يا رسول الله متى استنبئت : قال : وآدم بين الروح والجسد حين أخذ مني الميثاق وقال التقي السبكي : فإن قلت النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجودا وإنما يكون بعد أربعين سنة فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله ؟ قلت جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد فقد تكون الإشارة بقوله كنت نبيا إلى روحه الشريفة أو حقيقته والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها وإنما يعرفها خالقها ومن أمده بنور إلهي انتهى . وكلام تقي السبكي فيه من الدلالة الدامغة لحقيقة النبوة في عالم الارواح قبل عالم الاجساد ....
فصل : عالم الارواح وعالم الاجساد ...
الله تعالى خلق عالمان احدهما متعلق بالاخر
اولهما : عالم الارواح وقلنا سلفا انه عالم الصفات ويسمى بعالم البقاء لبقاء ارواحه حيتا لا تموت والى ان تدخل تلك الارواح الى الجنة ان كانت من اهل الجنة او النار ان كانت من اهل النار والعياذ بالله .
وهذا العالم خلقه الله من غير زمن على قول : كن فيكون ، اى الزمن فيه صفر او نقطة ولهذا قيل ان كوننا هذا ( عالم الاجساد ) كان في الاساس نقطة ثم انفجرت ، فخرج كوننا هذا ، قال تعالى ( اولم يرالذين كفروا ان السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يومنون ) 30 الانبياء . اي كانتا ملتحمتين ببعضهما البعض .. وهو دليل على ولادة عالم الاجساد منه فهو باطنه ولبه ، وكما اسلفنا ان باطن الافعال الصفات .
والثاني : عالم الاجساد وهو عالمنا الذي نعيشه نحن اليوم وهو عالم الافعال ويسمى بعالم الفناء قال تعالى ( كل من عليها فان ) 26 الرحمن . ( فان ) وليس ( سيفنا ) وهو الظاهر من عالم الارواح وبمجرد بدأ ولادته من عالم الارواح بدأ زمان هذا الكون بالعدد والمتمثل بدوران هذا الكون حول محوره او نواته المتمثلة بالنقطة ( عالم الارواح ) التي انفجر منها هذا الكون معلننا ولادته .. فاصبح عالم الارواح هو الروح التي احيت بها عالم الاجساد . لنضرب مثالا لابينا ادم عليه السلام كان في عالم الاجساد ميتا ولولا روحه التي جاءت من عالم الارواح لتدخل فيه لما قام وعاش ما عاش. وهكذا جميع الخلائق الحية في عالمنا هذا تعيش على اساس وجود الارواح في لبها وما ان تموت تلك الاجساد يعود كل ذي عالم الى عالمه .بمعنى اخر : ان عالم الاجساد ولد من عالم الارواح فكان هذا الاخير لبه وقلبه والذي به كانت حياة الاجساد وتحركها ودورانها ... فالظاهر من عالمنا هذا الاجساد ، والباطن الذي لا نراه هو الارواح .
واروع مثال يضرب لهذه الحقيقة هو الحج { طريقة الطواف حول الكعبة } ... لو نضرت اخي العزيز الى عملية الطواف حول الكعبة ذلك الشكل المربع او المعين والذي يشبه الرقم { صفر } فهو بمثابة القلب { عالم الارواح } الذي يعطي حركة الدوران { الاشواط السبعة } لاجساد ميتة فانية ، عبر عنها الحجيج بلباس اكفانهم البيضاء ، معلينين بداية ولادة عالمهم عالم الاجساد ... وكدوران الافلاك حول محورها والكواكب حول الارض ، ودوران الالكترونات حول النواة في الذرة ، ودوران ثمرة التمر حول نواتها لتكبر وتنضج ، وكذلك بقية الثمار . ودوران جذع الشجرة حول نفسه ليزداد عرضه ويكبر ، ودوران جوارح الانسان حول قلبه الذي هو لبه ومكان تمركز روحه التي بها كانت حياته ، ولهذا قيل للحاج انه يعود من الحج كيوم ولدته امه خاليا من الذنوب .. ولو نظرت في كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون لوجدت تلك الحقيقة حقيقة بدأ خلق عالم الاجساد على اساس الحياة والموت او البقاء والفناء ولهذا تجد تلك الحقيقة في متضادات القران اي عندما يذكر الجنة بعدها يذكر النار او الترهيب والترغيب كقوله ( واياي فرهبون ) ( واياي فاتقون ) والنفي والاثبات في قول( لا اله الا الله ) وقيل السر في هذا القول هو عملية النفي والاثبات ، وكذلك عملية المحو والاثبات في قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) .... وغيرها .