قال تعالى وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات21]

لمَّا كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسهُ ؛ دعاهُ خالقه وبارئه ومصوره وفاطِره من قَطْرة ماءٍ إلى التبصُّرِ والتفكُّر في نفسه .
فإذا تفكر الإنسان في نفسه استَنَارت له آياتُ الربوبية ، وسَطَعَت له أنوار اليقين ، واضمحلت عنه غمرات الشك والرَّيب ، وانقشعت عنه ظلمات الجهل .

فإنه إذا نظر إلى نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمة ، وأدلة التوحيد على ربه ناطِقة شاهدة لمُدبره ، دالة عليه ، مرشِدةً إليه ؛ إذ يَجدُهُ مُكونا من قطرة ماءِ : لحوما منضدة ، وعظاما مركبة ، وأوصالاً متعددة ، مأسورةً مشدوةً بحبال العروق والأعصاب ، قد قُمِطَت وشُدَّت ، وجُمِعَت بجلدٍ متينٍ، مشتمل على ثلاثمائة وستين مَفصلاً ، مابين كبير وصغير ، وثَخين ودقيق ، ومستطيل ومستدير ، ومستقيم ومُنحنٍ ، وشُدت هذه الأوصال بثلاثمائة وستين عِرقاً ، للاتصال والانفصال ، والقبض والبسط ، والمد والضم ، والصنائع والكتابة .


من كتاب
[ التبيان في أيمان القرآن ]