..:: صورةٌ خيرٌ من ألفِ كلمةٍ ::..
هكذا قالوا !!..
فمن منَّا يتدبَّر ما تَرَى عَيناهُ !!..
و يتفكَّر فيما حوله و ما جَنَتْهُ يداهُ !!..
إن كل شيءٍ حولنا ينطق بحكمةٍ بالغة ..
ينطقُ بلغةٍ يفهما كل إنسانٍ مهما اختلف لسانُه !!..
أو حتَّى انعدم نطقُه و بيانُه !!..
فالنَّعيمُ فيه عِبَر .. و العذابُ فيه مُعتَبَر ..
لِذَا !!..
سَأدعُ المشَاهِدَ تتحدَّث .. و لْتَسْمَع عُيُونُك !!..
و لي تعليق !!..
::
[المشهدُ الأول ]
فوهَةُ البُركان !!..
اقترب أكثر !!..
رأيتُ الحِمَمَ إذا تفجَّرت من فوَّهةِ البُركان تتقافز لأعلى و يركبُ بعضُها بعضًا ؛
فهي و اللهِ تفورُ فوران الماءِ في القِدْرِ و أشد ..
و الهواءُ الساخنُ إذَّاكَ يتفجرُ تارةً و ينحسرُ تارةً ؛
فيحدثُ من جرَّاء سَحْبِ و تفريغِ الهواءِ صوتًا مُخيفًا ..
فلم يرُعني إلا و جنباتُ عقلي تُردِّدُ أصداءَ قوله تعالى :
(( إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقاً وَ هِيَ تَفُورُ))[ الملك : 7 ]
لقد ذكَّرني فورانُ الحِمَمِ و شهيقُها بشَهِيقِ جهنَّم و فورانِ نيرانها ..
نسأل الله العافية ..
قال القُرطُبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - :
قال ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - : الشهيقُ لجهنَّم عندَ إلقاءِ الكفَّارِ فِيهَا ؛
تَشْهَقُ إليهِم شَهْقَةَ البَغْلَةَ للشعير.انتهى كلامُه
قال صاحبُ البحر المحيط - رَحِمَهُ اللهُ - يَصِفُ شهيق جهنَّم :
أَيْ : صَوْتًا مُنْكَرًا كَصَوْتِ الْحِمَارِ تُصَوِّتُ مِثْلَ ذَلِكَ لِشِدَّةِ تَوَقُّدِهَا وَغَلَيَانِهَا .انتهى كلامُه
و قال القُرطُبيُّأيضً ا - رَحِمَهُ اللهُ - : (( وَهِيَ تَفُورُ)) أَيْ تَغْلِي .
قَالَ مُجَاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ - : تَفُورُ بِهِمْ كَمَا يَفُورُ الْحَبُّ الْقَلِيلُ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ .
وَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - : تَغْلِي بِهِمْ عَلَى الْمِرْجَلِ ؛
وَ هَذَا مِنْ شِدَّةِ لَهَبِ النَّارِ مِنْ شِدَّةِ الْغَضَبِ ؛ كَمَا تَقُولُ فُلاَنٌ يَفُورُ غَيْظًا .انتهى كلامُه
قلتُ : إن جهنم تغلي من الغيظ و تشهق !!..
فهل ترى لنفسك منها فِكاكًا إلا برحمَةِ اللهِ و فضلِه !!..
إنَّكَ اليوم تستطيع الفِرار بالتوبة و صالح الأعمال ؛ ..
فاعمل إذًا لما ينجِّيك منها ؛
فدارُنا هذه دارُ عَمَل و أمَّا دارُ الآخرةِ فدارُ الجزاء و لا عَمَل !!..
و إنك لو لقيت اللهَ جلَّ و عَلا بإصرارك على طُغيانِك ؛ فَلَيُلْقِيَنَّ كَ في النَّارِ و لا يُبالي ..
نعوذ بالله من غضبه و عقابه ..
::
[ المشهد الثاني ]
و رأيتُ البُركانَ يظهرُ على سطحِهِ كراتُ الحِمَمِ ثم تتفجَّر ؛
فتتطاير منها ألسنةٌ من جِنْسِهَا فتحرق كل شيء ..
فذكرتُ ما وصف المَلِكُ به نارَ الآخرةِ فقال سبحانه :
(( إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ ))[ المرسلات : 31،32 ]
ففي تفسير الجَلاَلَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللهُ - :
(( إِنَّهَا )) أي النار (( تَرْمِي بِشَرَرٍ )) هو ما تَطَايَرَ منها (( كَالْقَصْرِ )) من البناءِ فِي عِظَمِهِ و ارتِفاعِهِ .
(( كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ )) جَمْعُ جِمَالاتٍ جَمْعُ جَمَل .انتهى كلامُهُما
فانظر يا عبد الله إلى الشراراتِ المنطلِقَةِ من البَرَاكينَ كيف هي عظيمةٌ !!..
فما بالك بشراراتِ جهنَّمَ و أنت تمرُّ فوقها على الصِّراط !!..
و قد خَرَجَت من جهنَّم كلاليبٌ تخطِفُ أهلها و تهوي بِهِم فيها !!..
(( وَ إِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِياًّ ))[ مريم : 71 ]
فهل نحن من الأتقياء حتى ننجو (( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا )) !!
أم أننا من الظالمين فنقََعُ فيها (( وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياًّ )) !!
اللهم خُذ بنواصينا إليك أخذ الكرام عليك ..
و لا تَكِلْنَا إلى أنفسنا طرفَةَ عينٍ أبدًا ..
::
[المشهد الثالث ]
و لقد ذكَّرَتْنِي ثورةُ الغضبِ تلك التي رأيتُها في شدَّةِ انفجارِ البُركانِ بقوله تعالى في جهنَّم :
(( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ))[ الملك : 8 ]
قال ابنُ كثير - رَحِمَهُ اللهُ - :
وَقَوْلُهُ: (( تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ )) أَيْ : يَكَادُ يَنْفَصِلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ،
مِنْ شِدَّةِ غَيْظِهَا عَلَيْهِمْ وَحَنَقِهَا بِهِمْ .انتهى كلامُه
إن غضب البركان ليس غضب الطبيعة و لا انتقامها ؛
فإن ما في الكون كله من السماوات و الأرض و الجبال مأموراتٌ ليس لهنَّ اختيار و لا إرادة ..
و إنما أنت – أيُّها الإنسان - من له الإرادة و الاختيار فيُحاسبُ عليها ..
(( إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا
وَ حَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً))[ الأحزاب : 72 ]
فيا من رأيتَ غضبَ مخلوقاتٍ مأموراتٍ بأمرِ الله عليك ..
يا أيُّهَا الإنسَانُ .. إلَيْكَ .. إلَيْكَ !!..
إن البُركانَ من غَضَبِ اللهِ ليُرِيَكَ مآلَكَ في الآخرةِ إن لم تَتُبْ و إليه تُنيب !!..
قد أذن اللهُ للأرض فتفجَّرَت من باطنها النارُ فأحْرَقَتْكَ و ابْتَلَعَتْ دِيَارَكَ و مَتَاعَك ..
فهل ترى أنه قد أذن لخلقه بعقابِك و هو راضٍ عنك !!..
كلاَّ ..
(( وَ مَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُو عَن كَثِيرٍ ))[ الشورى : 30 ]
نسأل الله أن يُعاملنا بِعَفوِهِ و رَحمَتِهِ و لا يُعاملنا بعَدلِهِ ..
(( وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَ لَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى
فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَ لاَ يَسْتَقْدِمُونَ))[ النحل : 61 ]
فإنَّا أهلُ السوءِ و مستحقُّون للعقاب و العذاب ؛ و هو سبحانه (( هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَ أَهْلُ المَغْفِرَةِ ))[ المدثر : 56 ]..
::
[ المشهد الرابع ]
و إذا بالمشهدِ ينتقلُ إلى الحِمَمِ و قد فَاضَت و سَالَت ..
فصارت كالسيولِ و الأنهارِ تجري بها الأوديةُ و تفيضُ على جَنَبَاتِها !!..
أوديةٌ تمتلئُ من الصَّهَارةِ و تجري فيها و تفيض !!..
نعوذُ باللهِ من أَوْدِيَةِ جهنَّم و ممَّا يجري و يسيل فيها فيها ؛
فمن أوديتها ( وَيْلٌ ) :
قال الطَّبَريُّ - رَحِمَهُ اللهُ - : (( وَ يْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)) الْوَادِيَ يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَ قَيْحِهِمْ .
و نعوذ بالله من الكِبْرِ ..
فإنه يؤدِّي لبُطلان الأعمال الصالحةِ ثُمَّ إلى الخلودِ في النَّارِ و الشُّربِ من عُصارةِ أهلها ..
قال - - : ( يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُو نَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ
يَغْشَاهُمْ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ
يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الْخَبَالِ ) [حسن صحيح : سنن الترمذي : 2492 ]
نعوذُ باللهِ من الكِبرِ .. و ما الكِبر !!..
قال - - : ( الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) [ مسلم : 91 ]
و البَطَرُ : عدمُ قبولِ الحقِّ ؛
و الغَمْطُ : احتقارُأهلِ الحقِّ و الاستهانةِ بِهِم .
::
[ المشهد الخامس ]
و رأيتُ الصَّهارةَ و قد اشتدَّ جريانُها و مَضَتْ تحطم كلَّ ما تلقاهُ ؛
حتَّى لو بَرَدَ منها جزءٌ و تصلَّب ؛ حَطَمَتْهُ و أذابته من جديد ..
فإذا هي تحْطِمُ ما يعترضها و كذلك يَحْطِمُ بعضها بعضًا ..
فذكرتُ لذلك قول الله تبارك اسمُه :
(( كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَةِ * وَ مَا أَدْرَاكَ مَا الحُطَمَةُ ))[ الهمزة : 4،5 ]
قال القُرطُبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - :
((فِي الْحُطَمَةِ)) وَ هِيَ نَارُ اللَّهِ ؛
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لأَنَّهَا تَكْسِرُ كُلَّ مَا يُلْقَى فِيهَا وَ تُحَطِّمُهُ وَ تُهَشِّمُهُ .انتهى كلامُه
::
[ المشهد السادس]
سَكَن الفؤادُ حين رأيت الحِمَمَ تنطفيء و تسكُن !!..
هدأ روعي إذ رأيتها تستحيل صخورًا و ترابًا ينشق عنه النبات من رحمة الله و فضله ..
ثم ما لبثتُ أن طار فؤادي ثانيةً و تذكَّرت !!..
إن نار الآخرة لا تسكن مثل نار الدنيا .. و إنَّها لا تهدأ و لا تنطفيء !!..
بل هي دائمةٌ أبدًا و عذابها مقيمٌ على أهلها لا يُرفع عنهم و لا يستريحون ..
(( وَعَدَ اللَّهُ المُنَافِقِينَ وَ الْمُنَافِقَاتِ وَ الْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا
هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ))[ التوبة : 68 ]
قال اللهُ في أهل النار الذين هم أهلها :
(( لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
وَ فِي العَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ))[ المائدة : 80 ]
(( وَ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ *
تَلْفَحُ وَجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَالِحُونَ))[ المؤمنون : 103،104 ]
بل و الله إن عذابها لا يُخفَّف حتَّى و لا يَفْتُر ..
(( إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ *
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ))[ الزخرف : 74-76 ]
بل إنه يتجدَّد و يزداد !!..
قال تعالى في أهل النار – أعاذنا اللهُ منها - :
(( مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً))[ الإسراء : 97 ]
::
[ حَقِيقَةٌ ]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - :
( لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الآخِرَةِ إلا الأَسْمَاءُ )
[ مجموع فتاوى ابن تيمية : 5/258 ]
فكما أن نعيمَ الجنة لا يخطر على قلب بشر ..
و مهما تصوَّرتَهُ لن تُدْرِكْهُ !!..
فكذلك عذاب أهل النار لا يخطر على قلب بشر ..
و مهما تصوَّرتَ من ألَمِهِ و شدَّتِهِ و طُولِهِ و حَسْرَتِهِ .. فلن تُدْرِكْهُ !!..
نعوذُ باللهِ من غَضَبِهِ و النَّارِ .. و نَسْألُهُ رِضَاهُ وَ الجَنَّةَ .. آآمييييين ..