بسم الله الرحمن الرحيم :
قد أجد النصب يسري في بدني ،و يقعدني عن إتمام ما شرعت فيه من بحث ، أو مطالعة كتب الحديث أو الفقه او ما يحاذيها ، فأستنجد بكتب الأدب و الشعر ، عساها ترفع عني إصر التعب ، و تخفف من وقعه بما حوته من المُلح و الطرف ، و ثمار طيبة تُقتطف ،و الغريب أن منتجعي اليوم هو كتاب لأحد أعلام الأندلس ممن أسدلت عليه ستائر النسيان ، وعفا على ذكره الزمان ، فأهمِل تفريطا من الأمة و تقصيرا ، و عَظُمت الحسرة لما لم يلف له نظيرا ،
و حري به أن يُعلى مناره فيُذكر ، و يشاد عُمرانه فيشهر ، و بتمجيد ذكراه يُعمر ، فقد كان في علم الحديث متفردا بالريادة دون منافِس ، و في الشعر ديباجةَ الفرزدق لابس ، ينظم منه ما تُشعشع له الحوالك الدوامس ، و في نثره ما يُبَلِّغ رجاء الآيس، و يذهب كُربة العابس ، برقة لفظٍ مع حسن معنىً متجانس،
وما ابن الخطيب بالصيت منه أجدر ، ولكن أغفله الدهر فتعثر ، فمُني عَلَمنا بنحس أسود ،و ابن الخطيب بسعد أسعد ، و لكن الأول بذ ابن الخطيب فأبعد ، فكان ما بينهما مثل ما بين الشرق و الغرب، مما تتيه فيه القطا من طول السير و الضرب ،إنه اخي الفاضل :
الشيخ الفقيه ، الأجل ، الخطيب البليغ ، الإمام ، الحافظ المحدث ، الأوحد ، الأسنى ، العلامة ، أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحِميري الكلاعي البلنسي الأندلسي ،المتوفى سنة : 624هـ، شهيدا مقبلا غير مدبر ،فرحمه الله و أسكنه فسيح جنانه.
ولعل كل من له مخالطة لكتب أبي عبد الله ابن الأبار القضاعي البلنسي (تـ: 658هـ) ، إلا و قد وقف على اسم هذا العَلَم ، إذ به انتفع ابن الأبار ، و عنه يورد الأخبار ، فرحهمهما الله وحشرهما مع الأبرار.
وأما طُرْفتنا ، فمن كتاب لأبي الربيع انتقيتها،و عنه سطرتها ، وكتابه هو : ( نكتة الأمثال و نفثة السحر الحلال) ، فقد رص فيه أمثال العرب بحبك بديع ، ضم فيه علمي المعاني و البديع ، من جناس و طباق و إرداف للتسجيع ، مما يزري بوشي الربيع ، و هذه تكفي في ذكر فضائله ، و إعلاء شمائله ، وكذا ما قاله تلميذه الحافظ ابن الأبار –رحمه الله – عندما ترجمه : " ..، علم الأعلام ، و اللعوب في جِده بأطراف الكلام، الذي فاز بالجنة يوم فاد ، و أفاد علوم السنة في ما أفاد ،.."، (تحفة القادم ص: 201،ط:دار الغرب،سنة 1986م،جمع و تحقيق : إحسان عباس).
عذرا ..،فقد سهوت عن المقصود ، فقد قال عَلَمنا في كتابه المذكور:
" ..،ما للإنسان و للنسيان خصوصا لما به أَسِي ، فكيف لي ان أنسى ما عُدمت بفقده أنسي . نعوذ بالله من نسيان يصدر عن طغيان وذهول ، لا يعرض لخاطر بالسداد مأهول ، كالذي أضل حِمارَيْه فخرج يقتص آثارهما ، و يتحسس أخبارهما ، فعرضت له في طريقه ذات نقاب ، كأنه سور ظاهره رحمة و باطنه أشذ عذاب . فجار به خاطر البِغاء ، وضل المبتَغِي عن المبتغَى و الابتغاء ، و لم يزل يقتفي أثر هذه المتنَقِّبة، و نفسُهُ لعَطْفَتِها عليه مُترقبة.إلى أن اتفق أن سَفَرَتْ له عن مثل أنياب الغُول ، فثاب عند ذلك لُبُّ الفارغ المشغول ، و آب من سفر الغواية قلبه الجَهول ، فتذكر حِماريْه ، و عاد يضرب أصْدَريْه، صارخا : واسوأتاه لسفهي و جهلي، و قائلا لصاحبته : ذكرني فوكِ حِماريْ أهلي."
من كتابه (نكتة الأمثال،ص: 27) ،ط: دار سعد الدين ، سنة 1416هـ،تـ: علي إبراهيم كردي.
هذه طرفة تفكه بها ..، وادع لناقلها ..،