مقال نُشر بجريدة الرياض على رابط http://www.alriyadh.com/2009/01/26/article404861.html
بقلم : نوَّاف بن محمَّد آل رشيد

وهذا نصه :


اجعل الحياة منطلقاً لك وساحة، وطلق الكسل والراحة. ماهو شعورك حينما ترى العالم يجيب على اشكالات الناس في أمور دينهم! والمهندس يعمر الأرض ويبنيها! والطبيب يعالج المرضى! والكاتب يؤلف! والشاعر ينظم! والباحث يبحث! والمعلم يدرس! والعبقري يخترع! و.. و.. الخ، وأنت!! هل ستكون زائداً على الدنيا؟ أم هل ستكون عالة عليها؟ اجعل لحياتك معنى، كن طموحاً، اجعل اشتغالك كسب المعالي، لا يكن غاية ما تتمناه وترجوه: جمع مال، أكل وشرب، استمتاع بالنساء!!! يقول ابن حبان البستي: «من لم يكن له همة إلا بطنه وفرجه عد من البهائم، والهمة النبيلة تبلغ صاحبها الرتبة العالية».
اجعل لك أثراً، كن من صناع الحياة، لا تكن من هدامها! اشحذ صارم همتك! لابتغاء سبيل بغيتك. لا يكن شعارك الكسل، ودثارك التسويف والعلل! فالشغل محمدة، والفراغ مفسدة.

الى كم ذا التخلف والتواني

وكم هذا التمادي في التمادي؟

لا تخدعك نفسك بأنك لن تستطيع أن تترك أثراً، وأنه ليست لديك قدرات كقدرات العظماء، وأنهم يختلفون عنك!.

يقول أبو العيناء:

إذا أعجبتك خصال امرئ

فكنه يكن منك ما يعجبك

فليس على المجد والمكرمات

حجاب إذا جئته يحجبك!

كن حازماً لا تدهش لك عزيمة، وتكهم لك صريمة! شد عزيمتك؛ فإن من اشتدت عزائمه اشتدت دعائمه، وفي كد البدن روح الروح. خالط الناس واستفد من تجاربهم؛ فالحياة تجارب.

يقول عمر - رضي الله عنه -: (لا تصغرن همتك فإني لم أر أقعد بالرجل من سقوط همته).

لا يعني أنه لابد ان يكون (أثرك) اختراع بارع! أو شيئاً لم تسبق إليه!.

كل حسب طاقته وجهده وما يهواه. انفع الناس وساعدهم، ابذل مجهودك لهم، ليكن لسان حالك.

ما أبالي إذا ضيف تضيفني

ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي

جهد المقل إذا أعطاك مصطبراً

ومكثر في الغنى سيان في الجود

لا يعدم السائلون الخير أفعله

إما نوالي وإما حسن مردودي

فإذا لم تستطع أن تكون نجماً في السماء، فكن مصباحاً في المنزل! واعلم أن قيمك ليست بقدر مالك! وإنما بما تقدم وتثمر وتحسن وتأثر! يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -»: (قيمة كل امرئ ما يحسن).

إذا حضرت مجلساً فليكن لك تأثير عليه، لا تكن كمن إذا حضر لا يعرف، وإذا غاب لا يفتقد!! بل:

وكن رجلاً إن أتوا بعده

يقولون: مر، وهذا الأثر

وحذار حذار أن تتعلم ولا تنفع؛ فالعلم أياً كان لا ثمرة له ولا لذة إن لمن تفد به غيرك. لا تخجل في طرح رأيك إن كان عندك رأي، وإن كانت لديك تجربة حدث إخوانك عنها، خذ رأيهم، اقبل نقدهم، لا تمت مواهبك وإبداعاتك بصمتك وخجلك!!، لا تكن كمن يجمع المال ولا يستفيد منه!!.

يقول داود الطائي: أرأيت المحارب إذا اراد ان يلقى الحرب؟ أليس يجمع آلته؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب؟؟؟.

لا تسلي نفسك بأنك لم تزل صغيراً! فإنك إذا كبرت فستقول: فاتني القطار!.

الحياة كالرمل كلنا يمشي عليها، ولكن: من جعل أثراً على الرمل جعل أثراً للحياة، ومن لم يجعل فهو كمن مشى على الرمل ولم يترك أثراً!!!.

يقول عالم النفس وليم جيمس: (إن الاستغلال العظيم للحياة هو أن نقضيها في عمل شيء ما يبقى الى ما بعد الحياة).

إياك إياك أن تكون من:

بني الهمم الهوامد والنفوس الخوامد والمروءات النيام

يقول الأديب الرافعي: (من لم يزد شيئاً على الدنيا فهو زائد عليها!).

واعلم أنك إذا تركت لك (أثراً) طيباً في الحياة ستترك لك الذكر الحسن الذي هو حياة لك أخرى يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها

فالذكر للإنسان عمر ثاني

واحذر أن تلتفت إلى بعض الذين يدعون أن لهم (آثاراً) ولكنها في عالم (الخيال)!! يسلون أنفسهم، ويخدعون غيرهم! وإذا ما جالستهم تبين لك جهلهم المركب! ولربما سألتهم حول ما يدعون فهمه عرفت الحقيقة من الخيال، فالعاقل يميز العالم من الجاهل.

عجل، وشمر عن ساعديك؛ فالجيل القادم ينتظر (أثرك)، والمجال مفتوح أمامك.