خطبة الاستسقاء من مكة المكرمة -حرسها الله- للشيخ سعود الشريم حفظه الله
التي ألقيت يوم الأربعاء : 17-1-1430هـ

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ..
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له .. يعصى فيغفر ويطاع فيشكر ، هو الغني عن عباده ولا يرضى لعباده الكفر وإن يشكروا يرضه لهم ، عبد الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه ، خير من أعطي فشكر وأتقى من صلى وصام واستغفر ، وصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد .. فاتقوا الله عباد الله ، واعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله : ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) (20سورة لقمان)
أيها المسلمون .. احذروا الدنيا فإنها حلوة خضرة لا تدوم جدتها ولا تؤمن فجعتها .. لا تعدو إذا تناهت إلى أمنية أهل الغربة فيها والرضا بها أن تكون كما قال سبحانه : ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ) (24سورة يونس ).
إنها كمثل الحية .. لين ملمسها والسم الناقع في جوفها ، يهوي إليها الغر الجاهل ويحذرها كل ذي اللب العاقل ، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لم يكن امرؤ قط منها في جدة إلا أعقبتها عبرة ، ولم يلق في سرائها بطنًا إلا منحته من ضرائها ظهراً ، ولم يظله فيها ديمة رخاء إلا هتنت عليه مزنة بلاء ، ومن عاش لم يخل من المصيبة وقلما ينفك عن عجيبة ..
نستغفر الله . نستغفر الله . نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً .
أيها الناس .. إنه ما ابتلى الله أحداً بمثل الإملاء له ، والله يمهل ولا يهمل ، وإنه ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ، وإنه - ورب الكعبة - ليستر أحدنا بستره حتى يظن أنه قد غفر له : ( أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (99 سورة الأعراف).
نستغفر الله . نستغفر الله . نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً .
ألا إنه ما ابتعد الناس عن التقوى والإيمان إلا بلوا بالمصائب والنكبات، ومنع القطر من السماء : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِـم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) (6 سـورة الأعراف) .
( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُ م مَّاء غَدَقًا ) (16 سورة الجن)، وما دواء العصيان إلا التوبة وما دواء القحط إلا الاستغفار :( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكِمْ جِنّاتٍ وَيَجْعَلْ لًكُمْ أًَنْهَاراًَ ) (10 سورة نوح)، قال أبو جعفر الباقر - رحمه الله - : "كان في الأرض أمنان من عذاب الله، وقد رفع أحدهما وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما الأمان الباقي فالاستفغار ؛ فتمسكوا به لأن الله - جل وعلا - يقول : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (33 سورة الأنفال)
نستغفر الله . نستغفر الله . نستغفر الله ، اللهم إنا نستغفركم إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً .
شربت مرارةً وبكيت جمراً......على فقدٍ لأيامٍ خوالي
لأيام بها الخيـرات طـراً.....بها آباؤنا حازوا المعالي
ونالوا من ذرا العلياء شأوا ً.....فصاروا في التدين خير آلِ
وكانوا كلما استسقوا لجدبٍ......سقاهم ربهم إثر ابتهالِ
فأضحوا شامةً من بعد تيه.......وعموا بالصفا كل الفعالِ
كبير القوم لا يؤذي صغيراً.......وجل الناس للقرآن تالِ
وأفقرهم تعففه شعار......وأغنى القوم لا يشقى بمالِ
وكانوا عن حمى ديني حماةً......وقد ضربوا لنا خير مثالِ
فصرنا بعدهم قومًا وحوشاً.....تناوش بعضنا بعضًا لقالِ
فأرقنا بمرقدنا ذنوبٌ......ونخشى أن نُردَّ إلى سفالِ
ونلقى قحطنا في كل عامٍ......فما بال الملا فينا وبالِ
فإن الله ذو أخذٍ وبيلٍ......شديد ربنا عند المحالِ
فآهٍ ثم آهٍ ثم آهٍ........لأزمانٍ مضت مثل الخيالِ
ألا قوموا فندعوا اليوم ربًّا......رحيمًا محسنًا برًّا بفالِ
ونبدأ في الدعا بالحمد......إنا لنحمد بالغدو والآصالِ
إلهي إن في الأمطار شحًّا.....ونذرًا لا يدانيـه مقـالي
وإن الأرض تشكو اليوم جدبًا.....وتشكو غورة الماء الزلالِ
فأمست في رباع القوم قفرًا....وعظمًا بين أنياب السعالِ
وماتت من بهائمنا ألوفٌ.....لأن السعر في الأعلاف غالي
وأقبلت الديار على بلاءٍ......لعامٍ من صدى الأمطار خالي
إلهي ليس للأنعام عشبٌ.....لترعى في حواشيه الجـزالِ
ولا نبتٌ يباس في ثراها......ولا كلاءٌ يرام على الجبـالِ
فأمست بعد طاوية بطونًا.....وباركة بلا شـد العقـالِ
وصار الطير لا ينوي نزولًا.....فلا ماء يرام إلى بـلادي
أغثنا، أغثنا يا إله الكون إنا.....عبيد نبتغي حسن النوال
وإن بنا من اللأواء جهداَ.....وإنك عالم عن كل حال
فلا تمنع بذنب القوم قطرًا.....ولا تمنع عبادك من سجالِ
ألا رباه أرسلها رياحًـا....تقل بها من السحب الثقالِ
وسقها رحمةً في أرض قفرٍ....تباكت طول أيـامٍ عضالِ
ألا غيثًا مغيثًـا يا إلـهي......وسحًّا نافعًا يـا ذا الجـلالِ
هنيئًا في ثنـاياه مريئـًا.....مغيثـ أو مريعـا في الكمالِ
وأغدقه وأطبقه وجلل.....مواقع قطره بين التلال
لتحيي بلدةً ميتًا تعالت.....بها أصوات من في القحط بالِ
وتسقيه أناسيا كثيرا......وأنعام غدت دون احتمال
فصب الماء في الآكام صبا....وأنبت زرعنا فوق الرمال
وأحي الأرض بالخيرات دوما....لتلزم قطرنا مثل الظلال
وتبلغ فرحة الإمطار دورًا.....مزملـةً بأنَّـات العيـالِ
فيشحذ كل ملهوفٍ غياثًا....بزخاتٍ كحبـات اللآلي
ألا إنا دعوناك اضطرارًا.....وأنت بدعـوة المضطر والي
وإن قد رفعناها أكفًّـا.....فلا ترْدُدْ أكفًّـا للسـؤالِ
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، عباد الله .. إنكم قد خرجتم من دياركم تشكون إلى الله جدب أرضكم وانحباس المطر عن إبانه ، وإنكم لم تخرجوا أشرين ولا بطرين ولا سائلين جاهًا أو طالبين مالاً .. وإنما خرجتم افتقارًا للرحيم الغفار، وابتهالًا للولي الحميد في أن يعفو عنكم ويتجاوز عن ذنوبكم، ليبدلكم خيرًا مما أخذ منكم ويغفر لكم ؛ فأروا الله من أنفسكم ما يستجلب خيره ويرفع عنكم مقته وغضبه.
نستغفر الله . نستغفر الله . نستغفر الله . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً
اللهم إنا خرجنا إليك من بيوتنا ودورنا بعد انقطاع البهائم وجدب المراعي، راغبين في رحمتك وراجين فضل نعتمك اللهم قد انصاحت حبالنا وأغبرت أرضنا ؛ اللهم فارحم أنين الآنة وحنين الحانة ، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين. اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين .. ولا تهلكنا بالسنين برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم إنا خرجنا إليك حين اعتكرتنا مواقع القطر وأخلفتنا مخايل الجود ، وأنت الرجاء للمبتئسين والمجيب للملتمسين .. اللهم إن بالبلاد والعباد من الحاجة إلى غيثك ما لا نشكوه إلا لك ، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع ، وأسقنا من بركات السماء سقيا تحيي بها ما قد مات وترد بها ما قد فات وتنعش بها الضعيف من عبادك وتسقي الميت من بلادك .
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت . أنت الغني ونحن الفقراء ؛ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت . أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت . أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدم ولا بلاء ولا غرق ، اللهم لتحيي بها البلاد وتسقي به العباد ، ولتجعلها بلاغًا للحاضر والباد .. اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بشر ما عندنا اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.
نستغفر الله نستغفر الله نستغفر الله . اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدرارا ً
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .