ثم دخلت سنة عشر
[سريّة خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب وإسلامهم]
378 - قال أبو جعفر: فبعث فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد في شهر ربيع الآخر -وقيل: في شهر ربيع الأول، وقيل: في جُمَادى الأولى- سريّةً في أربعمئة إلى بني الحارث بن كعب.
فحدَّثنا ابنُ حُميد، قال: حدَّثنا سلَمة، قال: حدَّثني ابنُ إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر، قال: بعثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خالدَ بن الوليد في شهر ربيع الآخر -أو في جمادى الأولى- من سنة عشر إلى بَلْحارث بن كعب بنجْران، وأمره أن يدعوَهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم ثلاثًا، فإن استجابُوا لك فاقبل منهم، وأقِمْ فيهم، وعلِّمهم كتابَ الله وسنّة نبيِّه، ومعالم الإسلام، فإن لم يفعلوا؛ فقاتلْهم.
فخرج خالدٌ حتى قدِم عليهم، فبعث الرّكبان يضربون في كلّ وجه، ويدعون الناس إلى الإسلام، ويقولون: يا أيها الناس أسْلموا تَسْلَموا. فأسلم الناس، ودِخلوا فيما دعاهم إليه، فأقام خالد فيهم؛ يعلّمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيِّه.
ثم كتب خالدٌ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بسم الله الرحمن الرحيم. لمحمد النبيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خالد بن الوليد، السّلام عليك يا رسولَ الله ورحمة الله وبركاته؛ فإني أحمَد إليك الله الذي لا إله إلا هو؛ أمّا بعد يا رسولَ الله صلى الله عليك؛ بعثتَني إلى بني الحارث بن كعب، وأمرتني إذا أتيتُهم ألَّا أقاتلَهم ثلاثةَ أيام، وأن أدعوَهم إلى الإسلام؛ فإن أسلموا قبلتُ منهم وعلّمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيّه، وإن لم يُسْلموا قاتلتهم. وإني قدمتُ عليهم فدعوتُهم إلى الإسلام ثلاثة أيام كما أمرني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وبعثت فيهم ركبانًا قالوا: يا بني الحارث، أسْلِموا تَسْلَموا، فأسلَموا ولم يقاتلوا، وأنا مقيمٌ بين أظهرهم وآمرهم بما أمرهم الله به، وأنهاهم عمّا نهاهم الله عنه؛ وأعلّمهم معالم الإسلام وسنة النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى يكتب إليّ رسول الله، والسلام عليك يا رسُولَ الله ورحمة الله وبركاته.
فكتب إليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد النبيّ رسول الله إلى خالد بن الوليد. سلام عليك، فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو؛ أما بعد، فإنَّ كتابك جاءني مع رسُلك بخبر أنّ بني الحارث قد أسلموا قبل أن يقاتَلوا، وأجابوا إلى ما دعوتَهم إليه من الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن قد هداهم الله بهداه؛ فبشِّرْهم وأنذِرْهم، وأقْبل وليُقِبل معك وفدُهم؛ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.فأقبل خالد بن الوليد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأقبل معه وفدُ بلْحارث بن كعب؛ فيهم: قيس بن الحُصين بن يزيد بن قَنَان ذي الغُصَّة، ويزيد بن عبد المَدَان، ويزيد بن المُحَجَّل، وعبد الله بن قُرَاد الزياديّ؛ وشدّاد بن عبد الله القَنانيّ، وعمرو بن عبد الله الضبَّابي. فلما قدِمُوا على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فرآهم قال: مَنْ هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند؟ قيل: يا رسول الله، هؤلاء بنو الحارث بن كعب؛ فلمّا وقفوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلَّموا عليه، فقالوا: نشهد أنك رسولُ الله، وأن لا إله إلا الله، فقال رسول الله: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله. ثم قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أنتم الذين إذا زُجِروا استقدموا! فسكتوا، فلم يراجعْه منهم أحد، ثم أعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثانية، فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الثالثة فلم يراجعه منهم أحد، ثم أعادها رسولُ الله الرابعة، فقال يزيد بن عبد المَدان: نعم يا رسولَ الله، نحن الذين إذا زُجِرنا استقدمنا، فقالها أربعَ مرات، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو أن خالدَ بن الوليد لم يكتُبْ إليّ فيكم أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا لألقيت رؤوسكم تحت أقداسكم. فقال يزيد بن عبد المدان: أمَّا والله يا رسول الله، ما حمدناك ولا حمدنا خالدًا، فقال رسول الله: فمن حَمِدتم؟ قالوا: حَمِدْنا الله الذي هدانا بك يا رسول الله؛ قال: صدقتم؛ ثم قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: بمَ كنتم تغلبون مَنْ قاتلكم في الجاهليّة؟ قالوا: لم نكن نغلب أحدًا، فقال رسولُ الله: بلى قد كنتم تغلبون مَنْ قاتلكم، قالوا: يا رسولَ الله، كنا نغلب مَنْ قاتلنا، أنَّا كنا بني عبيد، وكنا نجتمع ولا نتفرّق، ولا نبدأ أحدًا بظلم، قال: صدقتم. ثم أمَّر رسولُ الله على بلْحارث بن كعب قيسَ بن الحُصين. فرجع وفد بلْحارث بن كعب إلى قومهم في بقيّة شوال أو في صدر ذي القعدة، فلم يمكثوا بعد أن قدِموا إلى قومهم إلا أربعة أشهر، حتى توفِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1). (3: 126/ 127 / 128).
(1) قال محقق تاريخ الطبري :إسناده مرسل ضعيف، وأخرجه ابن هشام من طريق ابن إسحاق معضلًا وذكره ابن كثير عن ابن إسحاق وقال في آخره: بوفد قدمناه في وفد ملوك حمير من طريق البيهقي، وقد رواه النسائي نظير ما ساقه محمد بن إسحاق بغير إسناد (البداية والنهاية 3/ 803).
الكتاب: صحيح وضعيف تاريخ الطبري
المؤلف: الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري