سبعة فروق جوهرية بين النصرانية والإسلام
د. أحمد إبراهيم خضر
في مقالتنا بعنوان "سبعة مقترحات للقِسِّ مايكل يوسف للحدِّ من انتشار الإسلام" عرضْنا تفصيلاً ما اعتقدَ "القس" أنَّه مقارنة بين النَّصرانية والإسلام، ونحن نعتقد أيضًا أنَّ هذه المقارنة لا تكشِف عن الفروق الحقيقيَّة بينهما؛ ولهذا فإنَّنا في مقالتنا هذه سنعرض ونشْرح سبعةً مِن الفروق الجوهرية التي تَجاهلَها القسُّ، لعلَّها تعطي للقارئ تصوُّرًا أكثرَ عُمقًا ووضوحًا عن الفروق بين الديانتين.
ومِن المهم قبل عرْض هذه الفروق التأكيدُ على حقيقتَين:
الحقيقة الأولى: تنقسِم النصرانية عندَ أهل الإسلام صفحتين:
الأولى: هي الديانة التي جاءَ بها المسيحُ - عليه الصلاة والسلام - مِن الله تعالى، وهي كالإسلام لا تُخالف العقلَ والعلم، ولا المبادئَ المادية الصحيحة، ولا مناوأةَ بينها وبين الإسلام.
والصفحة الثانية مِن النصرانية: هي هذه النصرانية المُبتدَعَة بعدَ المسيح - عليه السلام - التي فيها التثليثُ وإصعادُ المسيح فوق مرتبة النبوَّة، فالإسلام يناوئ هذه النصرانية، ويناوئها العقلُ والعلمُ وتناوئها الديانة الأولى الحقيقيَّة، وليس مِن المعقول اعتبارُها من الأديان الإلهيَّة المنزَّلة.
الحقيقة الثانية: أنَّ النصرانية أضرَّتْ بالمسلمين خاصَّة، وبالبشر عامَّة؛ ذلك أنَّ القدَر شاء أن يكون للغرْب في الأزمنة الحديثة القوَّة والغَلَبة على أُمم العالَم، وصادف أنَّه قد اعتنق النصرانية كدِينٍ مِن قديم الزمان، ولمَّا ارْتَقى الغرب في ميدان العِلم والصناعات رأى عقلاؤهم أنَّ دِينهم لا يتَّفق مع العقل والعلم، وعزَّ عليهم أن يبحثوا لهم عن دِين آخر، أو انشغلوا عن ذلك لأسبابٍ أخرى، وعملت الدعايات المعادية للإسلام على تعميقِ العداء ضدَّ الإسلام، ويرجع رسوخُ هذا العداء إلى أزمنة زحْف الصليبيِّين إلى بلادِ الإسلام، ثم زحْف العثمانيِّين إلى بلاد النصارى؛ (مصطفى صبري، موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعبادِه المرسلين، 2/16 - 19).
أما الفروق السبعة بين الديانتين فهي على النحو التالي:
أولاً: القرآن واحد، والأناجيل متعدِّدة:
في الإسلام "القرآن واحدٌ والقراءات متعدِّدة، وأي اختلاف بين مصحف وآخرَ هو اختلافٌ في القراءة"، وأي جدال في هذه الحقيقة عبثٌ لا طائلَ مِن ورائه، أما في النصرانية فمِن المعروف أنَّ رجال الدين النصارى قاموا بشرْح ما سُمِّي بـ (الأناجيل) في حين أنَّ (الإنجيل) المنزَّل من عندِ الله إنجيل واحد لا معنى للتعدُّد فيه.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: "إنَّنا نرى مؤَرِّخي النصرانية قد أجْمعوا على أنَّه كان في القرون الأولى للمسيح - عليه السلام - أناجيلُ كثيرة، وأنَّ رجال الكنيسة قد اختاروا منها أربعةَ أناجيل، ورفضوا الباقي، فالمقلِّدون منهم من أهلِ مِلَّتهم قَبِلوا اختيارهم بغير بحْث"؛ ( نظرات في إنجيل برنابا المبشر بنبوَّة النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم)، مكتبة القرآن (ص 33).
ويقول النصارى عن دِيانتهم ما نصُّه: "ينقسم الكتابُ المقدَّس (لدَى المسيحيِّين) إلى: العهد القديم (التوراة)، التي تختلف قليلاً عن التوراة لدى اليهود، حيث يرفض المسيحيُّون بعض الأسفار لدَى اليهود على أساس أنَّها مضافة، ويَرْوُون في العهد القديم النبوات التي أنبأتْ عن حياة وموت وقيامة المسيح، ورجوع الملك ودَينونة العالَم.
ويتكوَّن العهد الجديد مِن أربعة أناجيل، هي: إنجيل متَّى - إنجيل مُرقس - إنجيل لوقا - إنجيل يوحنا - مجموعة من الرَّسائل والكتابات الأخرى، واشترك في كتابةِ العهد الجديد عددٌ كبير من الكتَّاب يرْبُو على الأربعين كاتبًا.
يقول "الأنبا مرقس" بمطرانية شبرا الخيمة: "حتى في المسيحيَّة نرى أنَّ بعض كتَبَة العهد الجديد كتَبوا بعضَ معلومات عن العهد القديم، والذي حدَث في العهد الجديد هو نفس الذي حدَث في العهد القديم، ولكن بنسبة أقلَّ، فقد مضَتْ مُدَّة طويلة لم تكن هناك فيها أناجيلُ مكتوبة، ولا رسائل مكتوبة، السيد المسيح له المجدُ لم يكتب أو يترُك إنجيلاً مكتوبًا، بل ترَك تعليمًا وكلامًا رُوحيًّا وحياة"، الإنجيل الشفاهي، أو "التعليم الإلهي" (الموقع الرسمي للأنبا مرقص بمطرانية شبرا الخيمة).
ثانيًا: فارق حِفْظ الكُتُب المنَزَّلة وحفظ وقائع حياة المسيح والنبي محمَّد - عليهما الصلاة والسلام -:
مِن الأمور التي يُسلِّم بها المؤرِّخون الكَنسيُّون وكُتَّاب التاريخ الأوربي، أنَّ الإنجيل المنزَّل مِن عند الله على عهْد المسيح - عليه السلام - لم يُدوَّن، إنما تلقَّاه عنه حواريُّوه بالسماع - كما أشار إلى ذلك أنبا مطرانية شبرا الخيمة، ثم تشتَّتوا تحتَ تأثير الاضطهاد الذي وقَع على أصحاب الرِّسالة الجديدة، سواءً من اليهود أو مِن الرومان.
ولَمَّا بُدِئ تدوينه بعد فترةٍ طويلة مِنْ نزوله، كان قدِ اختلط في ذاكرةِ أصحابه، كما اختلطتِ النصوص فيه بالشروح، ثم غلَبتِ الشروح على النصوص، ووقَع الاختلاف والتصحيف الذي يُشير إليه كُتَّابُ التاريخ الأوروبي ومؤرِّخو الكنيسة على السواء.
وبعدَ وقوعِ الاختلافِ والتصحيف لَم يكن هناك مرجعٌ يرجع إليه الناسُ لتصحيحه، وإرْجاعه إلى أصوله الصحيحة المنَزَّلة، كما هو الحالُ مع القرآن المحفوظ بقَدَر الله ومَشيئته مِن كلِّ عبَثٍ أو تحريف خلالَ القرون؛ (العلمانية، دار الأفق، مصور إليكترونيًّا).
يقول علماءُ الإسلام: "جاء الاختلافُ والتصحيف في التوراة والإنجيل بسوء تأويلهما، وحمْل نصوصهما على ما يُطابق أهواءَ المفسِّرين، أمَّا القرآنُ فلم يطمعْ أحدٌ في تغيير شيءٍ مِن ألفاظه وحروفه، وإنَّما كان الطمع في التحريفِ والتبديل في معاني القرآن، والنقْص والزيادة في الأحاديث، وقد دَخَل ذلك في تفسير القرآن، ولكن الله وقاه مِن تحريفِ اللفظ، وقد أوكل الله تعالى الحفظَ في التوراة إلى أهلها، لكنَّه أرْجعه في القرآن إلى نفسه - عزَّ وجلَّ.
وتتبَّع فريقٌ من العلماء المحقِّقين، كابن حزم وابن تيمية ورحمة الله الهندي جملةً مِن نُسَخ التوراة والإنجيل في بيانِ ما دخَل عليهما مِن تحريف اللفظ، وتبديل العبارة.
وتحريفُ الحُكم بالتأويل الباطِل دخَل في تفسيرِ القرآن كما مُنِي به غيرُه مِن الكُتُب المتقدِّمة، ولكنَّ الله وقاه من تحريفِ اللفْظ، ولم تستطعْ أيدي الزنادقة أن تَمَسَّه بسوء.
والقرآن متميِّز بنفسه لما خصَّه الله تعالى به مِن الإعجاز الذي باينَ به كلامَ الناس كما قال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وكان منقولاً بالتواتُر فلم يطمعْ أحدٌ في تغيير شيءٍ مِن ألفاظه وحروفه، ولكن طَمِع الشيطان أن يُدخِلَ التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل، وطَمِع أن يُدخِل في الأحاديث مِن النقص والازدياد ما يُضلُّ به العباد.
وقد جاز التبديلُ على أهل التوراة ولم يجز على أهلِ القرآن؛ فقد قال الله تعالى في أهل التوراة: ﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 44]، فوكل الحفظ إليهم فجاز التبديلُ عليهم، وقال في القرآن: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]؛ [الشاطبي، الموافقات (2/ 38)، مجموع فتاوى ابن تيمية (1/7)].
أمَّا عن حفظ وقائعِ حياة المسيح ومحمَّد - عليهما الصلاة والسلام - فإنَّه لا يُعرَف من وقائع حياة المسيح الممتدة لثلاث وثلاثين سَنة إلا ما يختصُّ منها بثلاث سنين، حتى إنَّ هذا النقص الزائد في حياته المضبوطة حَدَا بكثيرٍ من النصارى إلى إنكار وجودِ المسيح بالمرَّة.
أما وقائع حياة النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قُيِّدتْ ونُقلت جميعها، كما نُقِل عنه جميعُ أفعاله، وأقواله، وأسفاره، وأخلاقه، وعاداته، حتى شكْل لباسه، وصورة لبسه، وخطوط وجهه، وكيفية تكلُّمه، ومشيه، وطراز معاشرته، وحتى أكْله، وشُرْبه، ونومه، وتبسُّمه، ومساعيه، بجميع فروعه وتفاصيله.
يقول (جوستاف لوبون) في كتابه حقائق الحياة: "بينما حياة بعض مؤسِّسي الدِّيانات مثل محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم-واضحةٌ معروفة، ظلَّت حياة مؤسِّسي المسيحية على وجه التقريب مجهولةً، ويجب ألا نبحثَ عنها في الأناجيل، كما فعلوا ذلك مِن قبلُ، فإنَّ العلم لم يعدْ يعتقد إمكانَ ذلك اليوم"؛ (تابع مصطفى صبري، (4/57)، حاشية: 58).
ثالثًا:فارقالرِّجالالذينحملواالنصرانيةوالإسلاموعلَّموهماللناس:
هناك في الإسلام علماءُ وفقهاء، ورجالٌ صالِحون أتقياء، وليسوا (رجال دين)، يَدْعُون إلى دين الله بالقُدوة والموعِظة الحسنة، والعلم والفقه، فيتعلَّم الناسُ الدِّينَ على أيديهم، ويقتدون بهم على بصيرة، ويُمارسون الدِّينَ على وعي بأنَّ هؤلاء الرِّجال معلِّمون ومربُّون، وليسوا وسطاءَ بين العبد ومولاه.
وهناك في النصرانية "رجال دين" كَهَنة، يقومون بالوساطة بين العبد والربِّ، ويحتكرون تفسيرَ الدِّين، فتظل العقولُ مُغلَقة عن حقيقة الدِّين، لا تعرف إلا ما يقوله لها هؤلاء، وهؤلاء لا يقولون ما يَشفي الصدور، ويحتفظون لأنفسهم بمكانةٍ زائفة في نفوس أتباعهم بزعْمِهم أنهم هم الذين يَعرفون "الأسرار"، بينما الحقيقة أنَّهم لا يَزيدون علمًا بها عن أيِّ شخص آخر؛ لأنَّها - بطبيعتِها - غير قابلةٍ للفَهْم، وغير قابلة للتصديق؛ (هلمَّ نخرج مِن ظُلُمات التِّيه).
ومِن المعروف: أنَّ رجال الدِّين النصارى احتفظوا بما يُسمَّى بعلم (الأسرار) التي نشأت مِن الاختلاف والتصحيف، والتي لا أصلَ لها في دين الله المنَزَّل، والأسرار المقدَّسة في النصرانية هي "نَوالُ نِعمة سِريَّة (غير منظورة) بواسطة مادَّة منظورة"، وذلك بفِعْل رُوح الله القدس الذي حلَّ بمواهبه في يوم الخمسين على تلاميذ ورُسل المسيح، وبحسب ما أسَّسه السيِّدُ المسيح نفسه وسلَّمه للرسل الأطهار، وهم بدَورهم سلَّموه للكهنة بوضْع اليد الرَّسولية"؛ (موقع المعرفة).
يقول الأنبا مرقص أيضًا: "إنَّ مِن شروط إتمام السر:........ كاهن مشرطن قانونيًّا بوضع اليد، واستدعاء الرُّوح القُدس بالصلوات، أما خادم السرِّ فهو مَن يُتممها باسم المسيح له المجدُ على أنَّه قائم مقامه، وهو الكاهن المعتبَر ****ل الله والأمين على سرائره، وإنَّ صحَّةَ السر لا تقتضى إيمانَ الخادم أو صلاحه، فما الخدَّام إلا آلات منظورة في يدِ الله!.."؛ (تابع الأنبا مرقص).
يتبع