تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ

    نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة

    (سقوط بغداد 656 هـ)

    علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب


    نعيش مع نكبة أصابت الأمة، وكيف خرجت منها، ومن هو القائد الذي صحح المسار؛ فالأحداث التي تمرُّ بها أمُّتُنا في وقتنا هذا تكاد تكونمتطابقة مع الأحداث التي مرت بها في القرن السابع الهجري.

    ظهور قوة ثالثة في الأرض:
    ظهرت قوة التتار قوةً ثالثة في الأرض في أوائل القرن السابع الهجري سنة 603 ه/ 1206 م بعدما كان الصراع منحصرًا بين قوتَيِ المسلمين والصلبيين، وكان ظهورها الأول في (منغوليا) شمال الصين، وكان أول زعمائها هو جنكيزخان.

    بدأ جنكيزخان في التوسع تدريجيًّا في مملكته، وسرعان ما اتسعت حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالًا إلى بحر الصين جنوبًا؛ أي: إنها كانت تضم من دول العالم حاليًّا: الصين، ومنغوليا، وفيتنام، وكوريا، وتايلاند، وأجزاء من سيبيريا، ثم بدأ يفكر جديًّا في غزو بلاد المسلمين، وإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد.

    ديانة التتار:
    سَنَّ جنكيزخان لقومه اليسق يتحاكمون إليه؛ وهو خليط من شرائع العبادات السابقة، وقال لهم: (أصنعه لكم شرعةً ومنهاجًا تتبعونه وتلتزمون بالعمل به أبدَ الدهر)[1].

    ولا شك أن هذا يتبع ملة الكفر؛ كما جاء في فتوى ابن تيمية702ه: "إذا رأيتموني من ذلك الجانب – يعني الذي فيه المغول – وعلى رأسي مصحف فاقتلوني"[2]، لما كان يجزم به من كفرهم وظلمهم.

    الهجمة التترية الأولى:
    بدأ الإعصار التتري الرهيب على بلاد المسلمين بالهجمة التترية الأولى على الدولة الخوارزمية دولة خوارزم شاه، التي كانت على حدود دولة التتر من جهة الغرب، وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية مهمة؛ مثل: أوزبكستان، والتركمنستان، وكازاخستان، وطاجكستان، وباكستان، وأفغانستان، وتُعرَف في الماضي ببلاد تركستان الكبرى (بلاد ما وراء النهر)، وبلاد السند، فتحها المسلمون العرب نهاية القرن الأول الهجري، جهز جنكيزخان جيشه وأسرع في اختراق إقليم كازاخستان، ووصل في تقدمه إلى مدينة بخارى المسلمة (في أوزبكستان الآن)، وحاصر جنكيزخان البلدة المسلمة سنة 617 ه/ 1219 م، "فقتلوا أكثر أهلها، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا معهن الفواحش بحضرة أهليهن، ثم ألقَتِ التتار النارَ في دُورِ بخارى ومدارسها ومساجدها، فاحترقت حتى صارت خاوية على عروشها"[3].

    وكتب ابن الأثير ينعى الإسلام والمسلمين: "لقد بقيت عدة سنين معرضًا عن ذكر هذه الحادثة؛ استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدمَ، إلى الآن، لم يُبتلوا بمثلها، لكان صادقًا، فإن قومًا خرجوا من أطراف الصين، فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر (بتركستان الشرقية المحتلة حاليًّا)، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر في سنة 617 ه؛ مثل: سمرقند وبخارى، فيملكونها، ثم خراسان، فيَفْرَغون منها ملكًا، وتخريبًا، وقتلًا، ونهبًا، ثم إلى الري وهمذان) مدن إيرانية)، ثم يقصدون بلاد أذربيجان وأرانية، ويخربونها، ويقتلون أكثر أهلها، ولم ينجُ إلا الشريد النادر في أقل من سنة، هذا ما لم يُسمَع بمثله)[4].

    دبَّتِ الهزيمة النفسية الرهيبة في قلوب المسلمين، فما استطاعوا أن يحملوا سيفًا، ولا أن يركبوا خيلًا، ويصور ابن الأثير هذه الهزيمة: "حينما مَلَكَ التتر مدينة مراغة من أذربيجان (في إيران( 618هـ، سمعت من أهلها أن رجلًا من التتر دخل دربًا فيه مائة رجل، فما زال يقتلهم واحدًا واحدًا حتى أفناهم، ولم يمد أحد يده إليه، ووُضِعَتِ الذلة على الناس، فلا يدفعون عن نفوسهم قليلًا ولا كثيرًا، نعوذ بالله من الخِذلان، ووصل الخذلان أن يأمر التتريُّ المسلمَ: ضَعْ رأسك على الأرض ولا تبرح، فوضع رأسه على الأرض، ومضى التتري فأحضر سيفًا وقتله به"[5].

    حال المسلمين قبل دخول التتار بغدادَ:
    رغم تحرر المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين في صفر 642ه بقيادة نجم الدين أيوب، وانتصار المسلمين على الصليبيين في معركة المنصورة 647ه، لكن للأسف وضع الأمة الإسلامية كان يتسم بالضعف والفرقة والنزاع على السلطة.

    إنذار التتار للخليفة 655 ه:
    ويذكر المقريزي أن "هولاكو قصد بغداد، وبعث يطلب الضيافة من الخليفة، فكثر الارتجاف ببغداد، وخرج الناس منها إلى الأقطار، ونزل هولاكو تجاه دار الخلافة، ومَلَكَ ظاهر بغداد، وقتل من الناس عالمًا كبيرًا"[6]، ولم يعد الخليفة العُدَّة لحماية دار الخلافة من هجمات التتار.

    القتال بين الأيوبيين ومماليك مصر:
    حاول الأمراء الأيوبيون انتزاعَ ملك مصر من المماليك، وفي كل مرة ينكسرون منهزمين، الأمير سيف الدين قطز يهزم الملك المغيث عمر الأيوبي صاحب الكرك، الذي خرج ومعه المماليك البحرية لأخذ مصر 655ه، ويلتقي مع الملك الناصر يوسف الأيوبي الذي خرج من دمشق ومعه المماليك البحرية لأخذ مصر مطلع سنة 656ه بالعباسة، فولى الملك الناصر منهزمًا جهة الشام، والتتار على أبواب بغداد.

    حال الخلافة الإسلامية:
    الخلافة العباسية ليست خلافة حقيقية فقد أصابها الوهن؛ فقد كانت مصر والشام والحجاز واليمن في أوائل القرن السابع الهجري في أيدي الأيوبيين أحفاد صلاح الدين الأيوبي، وبينهما قتال ونزاع على السلطة،وكانت الخلافة في بغداد في صراع مع الدولة الخوارزمية التي كانت تضم معظم البلاد الإسلامية في قارة آسيا، بقيادة جلال الدين بن خوارزم، الذي حاصر البصرة بعسكره سنة 622هـ لمدة شهرين، ووصل إلى بعقوبة على بعد خمسين كيلومترًا من بغداد.

    سقوط بغداد:
    تهيأ هولاكو لقصد العراق من سنة 654ه، وكان الخليفة المستنصر بالله قد استكثر من الجند حتى بلغ عسكره مائة ألف، فلما ولِيَ المستعصم (640ه)، أشار عليه الوزير ابن العلقم (الخائن) بقطع أكثر الجند، وأن مصانعة التتر وحمل المال إليهم يحصل به المقصود، ففعل ذلك وقلل من الجند، وكاتب الوزير ابن العلقم التترَ وسهَّل عليهم ملك العراق، وطلب منهم أن يكون نائبهم، فوعدوه بذلك"[7]،ودخل هولاكو في مائتي ألف من التتار بغداد في أواخر المحرم 656ه، وقتل الخليفة المستعصم بالله وقتل ولديه، وقتل ببغداد من المسلمين ألف ألف وثمانمائة ألف، واستمر القتل والسبي نحو أربعين يومًا، ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو قناة.

    وضع الجيوش الإسلامية بعد سقوط بغداد 656ه:
    خرج الملك المغيث عمر الأيوبي صاحب الكرك (الأردن حاليًّا) لأخذ مصر ومعه المماليك البحرية، ودماء المسلمين لم تجفَّ بعد في بغداد، فلقِيَهم قطز بالصالحية، وقاتلهم، فانهزم الملك المغيث، والتقى المماليك البحرية بعد هزيمتهم من المصريين مع عسكر الملك الناصر يوسف صاحب دمشق في غزة، وانهزم عسكر دمشق.

    الاستعانة بالتتر لأخذ مصر؛ حيث أرسل الملك الناصر يوسف ولده العزيز محمدًا، وصحبته زين الدين الحافظي، بتحف إلى هولاكو، وسأله في نجدة ليأخذ مصر من المماليك[8].

    صمود ميافارقين (شرق تركيا) الشمعة المضيئة: رجب 656ه حاصر التتر ميافارقين بعد استيلائهم على بغداد، وكان صاحبها الملك الكامل محمد الأيوبي، وصبر أهلها مع أميرها على الجوع، واستمر الحصار لمدة عام ونصف حتى فنيت أزوادهم، وفنيَ أهلها بالوباء وبالقتل، وأُسِر أميرها وقتله هولاكو في دمشق صفر 658هـ"[9]، فأين ملوك المسلمين (الناصر والمغيث والأشرف والأمير المنصور) من هذا الحصار؟ وأين الشعوب الإسلامية؟ ولكن التاريخ يعيد نفسه.

    القتال بين الأيوبيين وبعضهم في سنة 657هـ، حيث كان التتار يحاصرون ميافارقين، فخرج الملك المغيث من الكرك بعساكره يريد دمشق فخرج الملك الناصر من دمشق ولقِيَه بأريحا، وحاربه، فانهزم المغيث، وسار الناصر إلى زيراء فخيم على بركتها[10]، وأقام مدة ستة أشهر محاصرًا للملك المغيث، إلى أن وقع الاتفاق بينهما على أن الناصر يتسلم الطائفة البحرية (التي هزمته في غزة) من المغيث"[11]، وفي سنة 657ه قدم الملك العزيز بن الملك الناصر من عند هولاكو، وفي يده رسالة لأبيه لتسليم حلب ودمشق.

    الهزيمة النفسية تطول الجيوش الإسلامية:
    ضعُفت نفس الناصر وخارت وعظم خوف الأمراء والعساكر من هولاكو، فأخذ الأمير زين الدين الحافظي (الخائن) يعظِّم شأن هولاكو، ويشير بألَّا يقاتل وأن يداري بالدخول في طاعته، فصاح به الأمير بيبرس وضربه وقال: أنتم سبب هلاك المسلمين"[12]، يقول ابن كثير سنة 657ه: "خرج الملك الناصر صاحب دمشق في جحافل كثيرة من الجيش والمتطوعة والأعراب وغيرهم (ما يناهز مائة ألف)، ولما علم ضعفهم عن مقاومة التتر ارفضَّ ذلك الجمع، فإنا لله وإنا إليه راجعون"[13]، جيش مسلم بهذا العدد قُتل فيه روح الجهاد والمقاومة، وبُثَّ فيه اليأس والخذلان، وعملاء التتار من أمراء المسلمين لهم دور كبير في ذلك.

    وللمقال بقية بعنوان (عين جالوت 658هـ).
    ============================== ========
    [1] الوافي بالوفيات، ج11، ص153.

    [2] البداية والنهاية، ج14، ص28.

    [3] البداية والنهاية، ج13، ص99.

    [4] الكامل في التاريخ،ج10، ص333.

    [5] المرجع السابق ج10، ص 449.

    [6] السلوك لمعرفة دول الملوك ج1، ص496.

    [7] ذيل مرآة الزمان، ج1، ص87.

    [8] السلوك لمعرفة دول الملوك ج1، ص500.

    [9] المختصر في أخبار البشر ج3، ص196.

    [10] البركةفي منطقة زيزيا جنوبي عمان الأردن.

    [11] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص505.

    [12] المرجع السابق ج1، ص509.

    [13] البداية والنهاية ج13، ص250.


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ

    نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة

    علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب

    عين جالوت رمضان 658هـ (2) وتمزيق الأسطورة


    دور العلماء في المحنة:
    "بعث الملك الناصر إلى مصر يستنجد بعسكرها، عندما بلغه توجه هولاكو نحو الشام، وعُقد مجلس بالقلعة عند الملك المنصور، وحضر الشيخ عز الدين بن عبدالسلام، وسُئل في أخذ أموال العامة ونفقتها في العساكر، فقال: إذا لم يبقَ في بيت المال شيء، أو أنفقتم الحوائض الذهب ونحوها من الزينة، وساويتم العامة في الملابس، سوى آلات الحرب، ولم يبقَ للجندي إلا فرسه، ساغ الأخذ من أموال الناس في دفع الأعداء"[1]، وبدأ قطز بنفسه، وباع كل ما يملك، وامتثل الأمراء أمره، واستشار قطز الشيخ عز الدين بن عبدالسلام في الخروج لقتال التتار، فقال: اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر.

    ولاية سيف الدين قطز لمصر:
    قبض قطز على الملك المنصور وعلى أخيه، وعلى أمهما، واعتقلهم بقلعة الجبل في ذي القعدة سنة 657 ه، واعتلى حكم مصر؛ يقول عنه الذهبي: "كان أنبل مماليك المعز أيبك، ثم صار نائب السلطنة لولده المنصور، وكان فارسًا شجاعًا، سائسًا، دَيِّنًا، محببًا إلى الرعية، ويُقال: إنه ابن أخت خوارزم شاه جلال الدين، وإنه حرٌّ، واسمه محمود بن ممدود"[2]، سنتان بين سقوط بغداد ودخول التتار حلب ودمشق، ولم تستطع الجيوش الإسلامية - بقيادة بني أيوب - أن تفعل شيئًا، بل يأكل بعضهم بعضًا، يزيد على ذلك ولاء أكثرهم للتتار.

    ملك التتار حلب ودمشق (صفر 658ه):
    "نزل هولاكو على مدينة حلب في نهاية المحرم 658ه، وراسل الملك المعظم توران شاه بن الناصر يوسف على أن يسلمه البلد ويؤمنه، فأبى إلا محاربته، فحصرها التتار سبعة أيام، وأخذوها بالسيف وقتلوا خلقًا كثيرًا، وخربوا جميع سور البلد ومساجدها، ورحل الملك الناصر منتصف صفر 658هـ يريد غزة، وترك دمشق خالية، ولحق الملك الأشرف موسى صاحب حمص بهولاكو، وسار الملك المنصور صاحب حماة إلى مصر بحريمه وأولاده، وفزع أهل حمص وحماة، وصار هولاكو إلى دمشق بعد أخذ حلب بستة عشر يومًا، فقام الأمير (الخائن) زين الدين الحافظي بتسليم المدينة إلى هولاكو، وغار التتر على بلاد الشام حتى وصلوا غزة وبيت جبريل والخليل، فقتلوا وسبوا وعادوا إلى دمشق، واستطال النصارى بدمشق على المسلمين، وأحضروا فرمانًا من هولاكو بإقامة دينهم؛ فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان، ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات وعلى أبواب المساجد"[3].

    موالاة أمراء المسلمين للتتار:
    وبهذا الاحتلال الأخير لفلسطين يكون التتار قد أسقطوا العراق بكامله، وأجزاء كبيرة من تركيا، وأسقطوا أيضًا سورية بكاملها - حلب ودمشق وحمص وحماة - وكذلك أسقطوا لبنان، ثم فلسطين - غزة وبيت جبريل والخليل - وذلك في عامين فقط، ساعدهم على ذلك تفرق المسلمين فيما بينهم، وتعاون بعض أمراء المسلمين معهم أمثال: الأمير بدر الدين لؤلؤ أمير الموصل، وأميرا منطقة الأناضول (وسط وغرب تركيا) الأخوان كيكاوس الثاني وقلج أرسلان الرابع، والأمير الأشرف موسى الأيوبي أمير حمص، والملك السعيد (حسن بن العزيز) صاحب بانياس الذي انضم بجيشه مع التتار، والأمير الناصر يوسف حفيد صلاح الدين الأيوبي أمير حلب ودمشق، ولم يبقَ خارج عن حكم التتار في الجانب الشرقي إلا مصر والحجاز واليمن، ومصر موقع استراتيجي؛ لأنها بوابة شمال إفريقيا، وأرسل هولاكو رسله بكتاب لمصر: "يعلم الملك المظفر قطز أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم البلاد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب، فأي أرض تُؤويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فجمع قطز الأمراء، واتفقوا على قتل الرسل، وعُلقت رؤوسهم على باب زويلة"[4].

    جهود قطز الدبلوماسية:
    استقرار الجبهة الداخلية في مصر، تهدئة أمراء المماليك لما أنكروا عليه توثُّبه على الملك، فبيَّن لهم أن هدفه الاجتماع على قتال التتر، ولا يتأتى ذلك بغير ملك، فإذا كسرنا هذا العدو فالأمر لكم، أقيموا في السلطنة من شئتم.

    الدبلوماسية الخارجية:
    "كتب الملك قطز للملك الناصر كتابًا يقسم أنه لا ينازعه في الملك، وأنه نائب عنه بمصر، ومتى حل بها أقعده على الكرسي، وقال: إن اخترتني خدمتك، وإن اخترت قدمت بالعسكر نجدة لك، فإن كنت لا تأمن حضوري، سيَّرت إليك العساكر، فاطمأن الملك الناصر، ولم يكتفِ قطز بهذا، بل راسل بقية أمراء الشام، فالوحيد الذي استجاب له الأمير المنصور صاحب حماة، والتحق بعض جيشه بقطز"[5].

    العفو عن المماليك البحرية: كتب لبيبرس أن يقدم عليه، فقدم في جماعة فأنزله بدار الوزارة وأقطعه قليوب وأعمالها.

    النداء إلى الجهاد في مصر: ونُوديَ في القاهرة وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله، "وكان العز بن عبدالسلام وعلماء مصر يحثون الناس على الجهاد في سبيل الله، فأخرجوا ما عندهم، وأعدوا العدة وجمعوا السلاح، وأُقيمت معسكرات التدريب في كل مكان، واهتزت مصر بالتكبير، وصار كل مسلم يشتهي المعركة، وهذا درس مهم في أهمية التكامل بين الأمراء والعلماء"[6].

    خروج الجيش من مصرفي أول رمضان 658ه:
    "سار قطز بالجيش حتى نزل بالصالحية، وتكلم مع الأمراء في الرحيل فأبَوا، فقال: يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن أبى يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين، فلما رأى الأمراء مسير السلطان ساروا على كُرْهٍ، ونزل بالجيش غزة، ثم رحل من طريق الساحل على عكا، وبها يومئذٍ الفرنج فخرجوا لمساعدته، فشكرهم واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه، وأقسم متى تبِعه منهم فارس يريد أذى عسكر المسلمين، رجع وقاتلهم"[7].

    قوة تأثير القائد قطز في جنده واختيار الله له:
    جمع قطز الأمراء وحضَّهم على القتال، وذكَّرهم بما وقع بالمسلمين من القتل والسبي، وحثهم على نصرة الإسلام والمسلمين، وحذرهم عقوبة الله، فضجُّوا بالبكاء، وتحالفوا على التضحية في سبيل الله.

    المعركة في عين جالوت (فلسطين) الجمعة 25 رمضان 658ه:
    "عندما اصطدم العسكران اضطرب جناح عسكر المسلمين، وانتفض طرف منه، فألقى قطز خوذته من على رأسه إلى الأرض، وصرخ بأعلى صوته: وا إسلاماه، وحمل بنفسه وبمن معه حملة صادقة، فأيَّده الله بنصره، وقُتل كتبغا قائد التتر، وقُتل بعده الملك السعيد حسن بن العزيز، وكان مع التتر، وحُملت رأس كتبغا إلى القاهرة"[8].

    هروب التتار:
    "وسار جيش المسلمين في أثر التتر إلى قرب بيسان (فلسطين)، فرجع التتر وصافوا مصافًّا ثانيًا، فهزمهم الله، وكان قد تزلزل المسلمون زلزالًا شديدًا، فصرخ قطز: وا إسلاماه، ثلاث مرات، يا ألله انصر عبدك قطز، فلما انكسر التتار الكسرة الثانية، نزل السلطان عن فرسه، ومرَّغ وجهه على الأرض، وقبَّلها وصلى ركعتين شكرًا لله تعالى"[9].

    أثر الأمل بعد الخذلان:
    لما ورد الخبر إلى دمشق بهزيمة التتار، قتل أهلها أعوان التتار، وفر الزين الحافظي ونواب التتار من دمشق، فكانت مدة استيلاء التتار على دمشق سبعة أشهر وعشرة أيام.

    أساليبهم في حرب الإسلام واحدة:
    التتار أمة وحشية لا تعرف إلا القتل والإبادة والتخريب، لا يعرفونالدبلوماسية أو العهود، فقد نقضوا كثيرًا من العهود، وقد سار على دربهم من الصليبيين والصهاينة؛ فالقلوب واحدة في حقدها على الإسلام والمسلمين؛ {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} [التوبة: 8]؛"لا عهد لهم ولا قرابة، ولا يخافون الله فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب لو ظهروا عليكم"[10].

    الحرب النفسية ضد المسلمين:
    من أهم الوسائل التي استخدمها التتار لإضعاف الروح المعنوية: الوصول إلى بعض الأدباء والأمراء المسلمين كالأمير زين الدين الحافظي (الخائن)؛ ليقوموا بحرب إعلامية قذرة داخل البلاد الإسلامية، يعظمون فيها جدًّا من إمكانيات التتار، ويقللون جدًّا من إمكانيات المسلمين؛ حتى لا يتخيل مسلم أنه يحارب تتريًّا.

    إعلان التحالفات مع أمراء المسلمين وغيرهم، كتابة الرسائل التهديدية الخطيرة، وأعد التتار العدة المناسبة لذلك الأمر، ووصلوا إلى بعض الخونة من المسلمين الذين لديهم فنٌّ في كتابة الرسائل كنصير الدين الطوسي (العميل)؛ ليكتبوا لهم الرسائل بالسجع المشهور في ذلك الوقت، وكانت رسائلهم تدب الرعب في المسلمين.
    ============================== =
    [1] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص507.

    [2] سير أعلام النبلاء، ج16، ص3.

    [3] السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص511.

    [4]المرجع السابق، ج1، ص514.

    [5] المرجع السابق، ج1، ص508.

    [6] رجال من التاريخ، علي الطنطاوي، ج2، ص 85.

    [7]السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص515.

    [8]ذيل مرآة الزمان،ج1، ص361.

    [9]السلوك لمعرفة دول الملوك، ج1، ص517.

    [10] تيسير الكريم الرحمن للسعدي.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية
    المشاركات
    2,101

    افتراضي رد: نكبات أصابت الأمة الإسلامية وبشائر العودة: سقوط بغداد 656 هـ

    جزاك الله خيراً ...

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

    بعد ذكر تسلط الملاحدة والباطنية العبيدين وغيرهم :-


    (فلما ظهر [ النفاق ] و [ البدع ] و [ الفجور ] المخالف لدين الرسول سُلطت عليهم الأعداء :


    فخرجت الروم النصارى إلى الشام والجزيرة مرة بعد مرة , وأخذوا الثغور الشامية شيئاً بعد شيء


    إلى أن أخذوا بيت المقدس في أواخر المئة الرابعةوبعد هذا بمدة حاصروا دمشق ,


    وكان أهل الشام بأسوأ حال بين الكفار النصارى والمنافقين الملاحدة ...



    .إلى أن تولى نور الدين الشهيد وقام بما قام به من أمر الإسلام وإظهاره والجهاد لأعدائه


    ثم استنجد به ملوك مصر بنو عبيد على النصارى


    فأنجدهم وجرت فصول كثيرة إلى أن أُخذت مصر من بني عبيد أخذها صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذي وخطب بها لبني العباس


    فمن حينئذ ظهر الإسلام بمصر بعد أن مكثت بأيدي المنافقين المرتدين عن الإسلام [ مائتي سنة ]


    فكان [ الإيمان بالرسول ] و [ الجهاد عن دينه ] سبباً لخير الدنيا والآخرة


    وبالعكس
    [ البدع ] و [ الإلحاد ] و [ مخالفة ما جاء به ] سببٌ لشر الدنيا والآخرة


    فلما ظهر في [ الشام ] و [ مصر ] و [ الجزيرة ] الإلحاد والبدع سُلط عليهم الكفار


    ولما أقاموا ما أقاموه من الإسلام وقهر الملحدين والمبتدعين نصرهم الله على الكفار ...


    وكذلك لما كان أهل المشرق قائمين بالإسلام كانوا منصورين على الكفار المشركين من الترك والهند والصين وغيرهم
    فلما ظهر منهم ما ظهر من [ البدع ] و [ الإلحاد ] و [ الفجور ] سُلط عليهم الكفار ..

    وكان من أسباب دخول هؤلاء ( التتار وهولاكو ) ديار المسلمين ظهور [ الإلحاد ] و [ النفاق ] و [ البدع ]


    [ الفرقان بين الحق والباطل )

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •