تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها

    مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها ـ 2 ـ




    الشيخ أحمد النعسان


    ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأنه يجب على كلٍّ من الزوجين عند وجود خلاف بينهما أن يستحضرا قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}.
    وقد بدأت معكم في الأسبوع الماضي عن المشاكل الأسرية التي يكون الزوج فيها سبباً, وذكرت منها:
    أولاً: عدم الاهتمام بالزوجة وكأنه لا قيمة لها.
    ثانياً: مِنَّة الرجل على زوجته عندما يؤديها حقها.
    ثالثاً: تهديد الزوجة بالطلاق أو الزواج عليها.
    رابعاً: عدم غضِّ الطرف عن بعض الزلات والهفوات.
    أيها الإخوة الكرام: وها أنا أتابع الحديث في هذا اليوم عن المشاكل الأسرية والتي يكون الزوج فيها سبباً للمشكلة, فمن أسباب المشاكل في الحياة الزوجية عدم غض طرف الزوج عن بعض زلات وهفوات المرأة.
    ترى الزوج يدقِّق على الشاردة والواردة, على الصغيرة والكبيرة في الشؤون الدنيوية, كأنَّه سجَّان وكأنَّها سجينة, يدقِّق على الصغيرة من الأمور الدنيوية خشية أن تقع في الأمور الكبيرة, وكأنه يظن أن المرأة يجب أن تكون معصومة, ولا يجوز أن تقع في مخالفة من المخالفات, وإذا أراد محاسبتها شدَّد عليها المحاسبة.
    أيها الإخوة الكرام: الزوج العاقل هو الذي يتغافل عن بعض الزلات والهفوات الدنيوية التي لا تقدح في دين المرأة, وإذا أراد محاسبتها غضَّ طرفه عن الهفوات والزلات, وتأسى بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, كما أخبرنا ربنا عز وجل عنه, فقال تعالى: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ}.
    هذا هو الخلق السامي أن تحاسب على بعض الأمور وتغضَّ الطرف عن البعض الآخر, مع كامل الرفق واللين وخاصة في الأمور الدنيوية وحقوقك الشخصية, لأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه وما ينتقم لنفسه, بل كان يعفو ويصفح, وأما إذا انتُهِكت حرمات الله فما كان يقوم في وجه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم.
    لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته:
    يا عباد الله: انظروا إلى هذا الموقف في حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: (قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا, تَعْنِي قَصِيرَةً, فَقَالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ) رواه الترمذي.
    أين نحن من هذا الخلق النبوي الشريف السامي العالي؟ هل الزوج حريص على دين زوجته إن قصَّرت, أم أنَّه حريص على حقوقه الدنيوية المادية المحضة؟ تراه يشدِّد على زوجته في هذا الجانب, وقد أهمل جانب الدين, لا يدقِّق على صلاتها ولا على صومها ولا على حجابها, ولا على اختلاطها بالرجال الأجانب, مع أنه مسؤول عن كل ذلك يوم القيامة.
    أيها الزوج الكريم: غُضَّ الطرف عن بعض الهفوات والزلات المتعلقة بالحياة الدنيوية, ولا تدقِّق ولا تُشدِّد, لأنَّ هذا التدقيق مصدر كبير من مصادر الخلافات بينك وبين زوجتك, فلا تكن سبباً في وجود المشاكل من خلال التدقيق الشديد وخاصة على الأمور الدنيوية التافهة, وكن شديداً على مراقبة دينها مع كل اللطف, وأنت تتذكر قول الله تعالى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.
    أيها الزوج الكريم: عالج نفسك قبل معالجة نشوز زوجتك, وخاصة إذا كنت أنت مصدر المشكلة, وتذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}.
    خامساً: عدم الاهتمام برأيها وعدم مشاورتها:
    أيها الإخوة الكرام: من أسباب وجود الخلافات الزوجية عدم اهتمام الزوج برأي زوجته وعدم مشاورتها, لأن شعار بعض الرجال في حياته الزوجية وعلاقته مع زوجته: شاوروهنَّ وخالفوهن.
    إن الرجل الذي لا يبالي برأي زوجته ولا يستشيرها فإنه يمحقها محقاً, ولم يجعل لها وجوداً, مع كونها إنسانة عاقلة وليست بمجنونة.
    لماذا الاستخفاف برأيها؟ هل جانَبَها الصواب دائماً؟ لماذا لا تصغي لقولها؟ لماذا لا تستشيرها؟ ألا تعتبر زوجتك شريكة حياتك؟ أما اخترتها على أساس من الدين والخلق لتكون مربية لأبنائك؟ هل تظن بأنَّ مشاورة الرجل لزوجته عار عليه؟
    بكلِّ أسف نرى كثيراً من الشباب يستخفون برأي نسائهم, ويعتبرون مشاورة الرجل لزوجته نقصاً وعاراً, وإن سألت هؤلاء الشباب لماذا هذه النظرة لجاء الجواب: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُون}.
    أيها الإخوة الكرام: كلام هؤلاء الشباب مرفوض في ديننا, ألم يقل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ)؟ رواه الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما. بمعنى شاوروا النساء في بناتهن.
    أيُّ رجل يشاور زوجته في زواج ابنته؟ الكثير يرفض مشاورة الزوجة في ابنتها, مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بذلك.
    نعم القرار لك أيها الزوج, نعم أنت بيدك القوامة, نعم أنت بيدك العصمة, ولكن تذكر يا أخي الكريم أمر الله تعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}. مع كونه صلى الله عليه وسلم معصوماً, مع أنَّ الله تعالى بيَّن لنا بأن طاعتنا لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عين طاعتنا لله عز وجل, قال تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}.
    فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو المتبوع يشاور أتباعه فنحن من باب أولى وأولى, ولكن الأنا الفرعونية الموجودة في كثير من الناس, والكبر والعجب, هو الذي يحول بين الرجال والنساء في مسألة المشاورة, وهذا لا يليق بالرجل العاقل الذي ينظر إلى المرأة بأنها شريكة حياته.
    مشاورة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة أم سلمة رضي الله عنها:
    أيها الإخوة المؤمنون: يقول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. انظروا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية بعد أن تمَّ توقيع الصلح بينه وبين قريش, أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحب الكرام وقال لهم: (قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا, قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ, حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ, فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ, فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنْ النَّاسِ, فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً, حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ, فَقَامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ, حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ, نَحَرَ هَدْيَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ, فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا, حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا) رواه الإمام أحمد.
    أيها الإخوة الكرام: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على السيدة أم سلمة وهو مغضب, فسألته السيدة أم سلمة رضي الله عنها عن سبب الغضب, تصوَّر يا أخي الكريم إن كنت في حالة غضب وسألتك زوجتك عن سرِّ وسبب غضبك, ما هو موقفك؟
    لماذا تصنع مشكلة بسبب سؤال زوجتك لك؟ أليس ألمك ألمها؟ أليس سرورك سرورها؟ لماذا الغضب إن سألتك عن سبب وسرِّ غضبك؟
    لقد شاء الله تبارك وتعالى أن يجعل حلَّ موقف الصحابة رضي الله عنهم على لسان السيدة أم سلمة رضي الله عنها, مع أنه تبارك وتعالى قادر على أن يلهم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخاطر الذي أدلت به السيدة أم سلمة رضي الله عنها, ولكن شاء الله تعالى أن يعطي درساً للرجال بأن المرأة لها عقل نيِّر, وأنَّ على الرجل أن يصغي للمرأة لأنها قد تدلي برأي سديد وأنت بأمسِّ الحاجة إليه.
    يسمع لها ربُّ عمر ولا يسمع لها عمر:
    أيها الإخوة الأحبة: موقف حصل مع سيدنا عمر رضي الله عنه يعطينا درساً في هذه القضية.
    مرَّ سيدنا عمر رضي الله عنه أيام خلافته على السيدة خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها والناس معه على حمار فاستوقفته طويلاً ووعظته وقالت: (هيهاً يا عمر, عهدتك وأنت تسمى عميراً في سوق عكاظ تروِّع الصبيان بعصاك, فلم تذهب الأيام حتى سُمِّيت عمر, ثم لم تذهب الأيام حتى سُمِّيت أمير المؤمنين! فاتق الله في الرعية, واعلم أنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد, ومن خاف الموت خشي الفوت)، وهو واقف يسمع كلامها.
    فقال له رجل: يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز؟ فقال: ويلك تدري من هي؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات, هذه خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله}. [المجادلة: 1]. والله لو أنها وقفت إلى الليل ما فارقتها إلا للصلاة ثم أرجع إليها.
    فقال لها رجل: قد أكثرتِ أيتها المرأة على أمير المؤمنين. فقال عمر: دعها, أما تعرفها؟ فهذه خولة بنت حكيم امرأة عبادة بن الصامت التي سمع الله قولها من فوق سبع سماوات, فعمر والله أحقُّ أن يسمع لها.
    أوردها الحافظ ابن عبد البر في الاستيعاب, والحافظ ابن حجر في الإصابة.
    ما المانع من السماع لرأيها, ألم تقرأ قول الله تعالى:
    {وَالْمُؤْمنون وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم}.
    أيها الزوج الكريم: لا تهمل رأي زوجتك, شاور زوجتك وخاصة في حياتك الزوجية, ولا تكن سبباً في جعل المشكلة في بيتك, لا تكن فرعونياً, لا تقل كما قال فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى}. هذا ليس من دين الله في شيء.
    سادساً: منع الزوجة من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم:
    أيها الإخوة الكرام: من الأسباب التي تجعل المشاكل في الحياة الزوجية منعُ الزوجة من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم, وهذه ظاهرة في المجتمع, حيث يتسلَّط الزوج على زوجته فيمنعها من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم, وهذا له أثر كبير في جعل المشاكل بين الأزواج.
    أيها الإخوة: الكثير من الأزواج يعيش في تناقض في حياته السلوكية, يمنع البعض نساءهم من مشاركتهنَّ في أفراح وأتراح أهلهنَّ زاعمين وجود المنكرات هناك, فإذا ما جاءت مناسبة عند أهل الزوج رأيت الزوج يأذن للزوجة بل يلزم الزوجة بالمشاركة في أفراح وأتراح أهله ولو مع وجود المنكرات, زاعماً أنه يريد أن يكون بارَّاً في أهله, هذا الزوج نسي قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِي ن * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون}.
    الذهاب لعند أهلها للمشاركة في الأفراح حرام لوجود المنكرات, هذا شيء حسن, ولكن كن آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر بأسلوب حسن لطيف, واجعل الأمر واحداً, سواء أكان هذا في بيت أهلها أم في بيت أهلك, ولا تكن سبباً في قطيعة رحمها, وتذكر قول الله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُم}.
    أيها الزوج الكريم: لا تكن سبباً في خلق المشاكل في حياتك الزوجية من خلال منعها من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم, وتذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
    خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
    أيها الإخوة الكرام, أيها الأزواج الأعزاء: اتقوا الله في نسائكم ولاتكونوا سبباً في خلق المشاكل بينكم وبين نسائكم من خلال عدم الاهتمام بالزوجة أولاً, ومن خلال المنَّة على الزوجة عند الإنفاق عليها ثانياً, ومن خلال تهديدها بالطلاق أو الزواج عليها ثالثاً, ومن خلال التدقيق عليها في الشاردة والواردة من الزلات والهفوات رابعاً, ومن خلال إهمال رأيها خامساً, ومن خلال منعها من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم سادساً.
    وتذكَّر أيها الزوج الكريم قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ, فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ َ بِأَمَانَةِ اللَّهِ, وَاسْتَحْلَلْتُ مْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ, وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ, فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ, وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) رواه أبو داود.
    ولعل الحديث له صلة في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
    أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها

    مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها ـ 3 ـ



    الشيخ أحمد النعسان


    الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيا عباد الله:
    خلاصة الخطبة الماضية:
    لقد ذكرت في الأسابيع الماضية بأن الحياة الزوجية لا تخلو من بعض الخلافات والمشاكل, وذلك لحكمة يريدها الله تعالى, قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}, يريدنا الله تعالى أن نتنافس في حسن العمل, ويريد منا أن يتسابق كلٌّ من الزوجين أيُّهما يكون الأحسن عند الله تعالى.
    وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}, يريد منا ربنا عز وجل أن نتحلى بخلق الصبر فيما بين بعضنا البعض وخاصة بين الأزواج.
    وذكرت أيها الإخوة أن المرأة ليس شرطاً أن تكون دائماً وأبداً هي السبب في الخلافات الزوجية, فكما تكون الزوجة سبباً في الخلافات, كذلك يكون الزوج سبباً في الخلافات الزوجية, وما دمنا آمنا بالله تعالى رباً وبالقيامة مآلاً ونهاية فلا بدَّ من استحضار قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}.
    وذكرت في الأسبوعين الماضيين أموراً ستة يكون الزوج فيها سبباً في الخلافات الزوجية.
    الأمر الأول: عدم الاهتمام بالزوجة وكأنها لا قيمة لها.
    الأمر الثاني: منَّة الرجل على زوجته عندما يؤديها حقها.
    الأمر الثالث: تهديد الزوجة بالطلاق أو الزواج عليها.
    الأمر الرابع: عدم غضِّ الطرف عن بعض زلات الزوجة.
    الأمر الخامس: عدم الاهتمام برأيها وعدمُ مشاورتها.
    الأمر السادس: منع الزوجة من مشاركة أهلها في أفراحهم وأتراحهم.
    بلغ الذي عليك نحو زوجتك:
    يا عباد الله: وها أنا أتابع الحديث في هذا الأسبوع عن الأمور التي يكون الزوج فيها سبباً للخلافات الزوجية, وأنا أتمنى عليكم أيها الإخوة الكرام أن تنقلوا إلى نسائكم الأسباب التي يكون الزوج فيها سبباً للخلافات الزوجية حتى تعرف النساء بأن لهنَّ حقوقاً على الأزواج, وحتى يعلمن بأن الزوج قد يخطئ كما تخطئ المرأة.
    انقل لأهلك هذه المواضيع حتى تعرف الواجب الذي عليك لتذكرك وتطالبك به, وحتى تبرأ ذمتك بيقين بين يدي الله عز وجل, ألم يقل مولانا عز وجل في كتابه العظيم: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ}. اتق الله في زوجتك وأعلمها بالحق الذي عليك نحوها حتى تعشق هذا الإسلام الذي أعطى لكلِّ ذي حقٍّ حقَّه.
    أيها الإخوة: بعض النساء صارت تكره الإسلام والعياذ بالله تعالى لأن الزوج لا ينقل لها من الإسلام إلا الذي عليها, إلا الحق الذي للزوج على زوجته, لا ينقل إليها إلا قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء} لا ينقل إليها إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثَةٌ لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُمْ آذَانَهُمْ: الْعَبْدُ الآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ, وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ, وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ) رواه الترمذي, وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ امْرَأَةٍ يَطْلُبُ مِنْهَا زَوْجُهَا حَاجَةً، فَتَأْبَى فَيَبِيتُ، وَهُوَ عَلَيْهَا غَضْبَانُ، إلا بَاتَتْ تَلْعَنُهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ) رواه الطبراني.
    أيها الأزواج: انقلوا لنسائكم الذي لكم والذي عليكم, عرفوا الأزواج ما لهنَّ وما عليهنَّ, ألم يقل مولانا عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} وقدَّمَ الذي لهنَّ على الذي عليهنَّ.
    لا يجوز أن ننقل من دين الله الذي يوافق هوانا والذي يكون حقاً لنا, وننسى أن ننقل الذي علينا, ونتناسى الواجب الذي علينا, بل البعض يحذر المرأة أن تشير إليه بالواجب الذي عليه. اتقوا الله في النساء فإنهنَّ عوان عندكم.
    7ـ احتقار الزوجة أمام أولادها أو أهل الزوج:
    أيها الإخوة الكرام: من الأسباب التي يكون الزوج فيها سبباً للخلافات الزوجية هو احتقار الزوجة أمام أولادها أو أمام أهل الزوج, وذلك بالكلمات النابية الجارحة للشعور, ظناً من الزوج أنه يريد أن يؤدِّبها ويوقفها عند حدِّها, والأسوأ من ذلك أن يكون التوبيخ والاحتقار للزوجة أمام أهل الزوجة, والكلَّ يعلم بأن أهل الزوجة ضعفاء أمام الزوج, لأنهم يخافون على ابنتهم من الطلاق, فهم يتحمَّلون الأسى والإساءة من أجل سلامة العلاقة بين ابنتهم وزوجها.
    أين نحن من المبدأ الذي أرساه سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: (وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ, وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ) أورده الطبري في تاريخه, وابن هشام وابن كثير في السيرة.
    هل هذا التحقير والإذلال وخاصة أمام الأبناء أو أهل الزوج أو أهل الزوجة من دين الله في شيء؟
    إذا أردت أن تكون مؤدِّباً ناجحاً فعليك بما يلي:
    أيها الإخوة الكرام: من أراد أن يكون مؤدِّباً ناجحاً فعليه بالأمور التالية:
    أولاً: حقق شروط النصيحة التي شرعها الإسلام لك, ومن شروط النصيحة أن تكون سرّاً, وأن تكون بلطف من الناصح, وأن تكون بدون استعلاء من الناصح على المنصوح.
    فانصح أيها الزوج زوجتك بدون استكبار عليها, وانصحها سرّاً وبلطف.
    ثانياً: صدِّر نصيحتك لزوجتك بالكلمة الطيبة الحسنة, وتكلَّم بعد ذلك بالقول الحسن, كما قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}.
    احذر أن تصدِّر نصيحتك بالكلمة النابية, واحذر أن تتكلَّم معها كلاماً فظاً غليظاً, لأن الإسلام أراد منّا أن نكون كالجسد الواحد.
    ثالثاً: خاطب المنصوح وخاصة الزوجة بأحبِّ الأسماء والصفات إليها, هذا إذا أردت أن تنفذ النصيحة إلى قلبها, وتعلم هذا الأسلوب من القرآن العظيم عندما يحدِّثنا عن سادة المؤدِّبين من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام كيف كانوا يخاطبون من أرادوا تأديبهم.
    هذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يخاطب ولده سيدنا إسماعيل عليه السلام, ويصدِّر خطابه بقوله: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}, وهذا سيدنا لقمان عليه السلام يخاطب ولده, ويصدر خطابه بقوله: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}.
    ولا يقولنَّ قائل: هؤلاء أبناء بررة يستحقُّون هذا الخطاب, أنت لا تنظر إلى المؤدَّب, بل انظر إلى نفسك أنت أيها المؤدِّب, وظيفتك أن تؤدِّب بأسلوب حَسَن بغضِّ النظر عن المؤدَّب, فهذا سيدنا نوح عليه السلام يخاطب ولده الكافر الملحد المادي الذي لا يؤمن إلا بالطبيعة, فيقول له سيدنا نوح عليه السلام: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِين}.
    بل تعلَّمْ أدب التأديب من القرآن الكريم, حيث نجد في القرآن العظيم عندما يريد الله تعالى أن يؤدب عباده فإنه يصدِّر التأديب بلفظ الإيمان الذي هو أقدس وأجمل وصف يعتزُّ به المؤمن, فيقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}, ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ}.
    هذا أسلوب القرآن, هذا هو توجيه الله الخالق الأعلى لعباده, فنحن من باب أولى أن نصدِّر الخطاب في المؤدَّب بأحبِّ وأجمل الألفاظ إليه حتى نستميل قلبه إلينا وليسمع ما نملي عليه.
    رابعاً: لا تكن فظاً غليظ القلب أثناء تأديب الزوجة:
    تذكَّر أيها المؤدب والناصح, تذكر أيها الزوج, قولَ الله تعالى لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}, هذا في حق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم, فكيف في حقنا؟ من باب أولى وأولى, الإسلام يريد من التأديب جمع الشمل وتماسك الأسرة, وبالفظاظة والغلظة تتفكَّك الأسرة, وقد يؤدي الأمر إلى الطلاق وشتات الأولاد.
    خامساً: لا تقابل الزوجة بما تكره:
    تذكَّر أيها الزوج بأن من سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يقابل أحداً بما يكره, إنما كان يعرِّض تعريضاً فيقول: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا) رواه مسلم.
    وهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما أراد أن يؤدِّب ويواجه مهاجر أم قيس ما قابله بما يكره, بل لوَّح له تلويحاً وعرَّض تعريضاً, فقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّما الأَعمالُ بالنِّيَّات، وإِنَّمَا لِكُلِّ امرئٍ مَا نَوَى، فمنْ كانَتْ هجْرَتُهُ إِلَى الله ورَسُولِهِ فهجرتُه إلى الله ورسُولِهِ، ومنْ كاَنْت هجْرَتُه لدُنْيَا يُصيبُها، أَو امرَأَةٍ يَنْكحُها, فهْجْرَتُهُ إلى ما هَاجَر إليْهِ) متفق عليه.
    سادساً: إياك والتشهير في حق الزوجة:
    أيها الإخوة: إياكم والتشهير في حق الزوجة إن أساءت, لأن التشهير فيها يزيدها نفوراً, وتدبَّر قول الله تعالى: {وَاهْجُرُوهُن فِي الْمَضَاجِعِ} ولم يقل: واهجروهن في البيوت, مع أن الله تعالى ذكر البيت في القرآن الكريم فقال: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ}.
    التأديب بالهجر في المضجع حتى لا يعلم الأولاد بالمشكلة, هذا فضلاً عن أهلك وأهلها, وفضلاً عن الأباعد.
    الهجر والتأديب في الفراش حتى لا يتدخَّل أحد بينكما, لأنه كلما ضاقت دائرة الخلاف سهل حلُّها, وكلما اتسعت صعب حلُّها.
    خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
    أيها الإخوة الكرام, أيها الأزواج الأفاضل, لا يكن أحدنا سبباً في وجود الخلاف في حياتنا الزوجية, والتي من جملتها احتقار الزوجة أمام أولادها أو أمام أهل الزوج أو أمام أهلها, لأن احتقارها أمام هؤلاء يسقط هيبتها أمام أبنائها.
    تذكَّر أيها الزوج بأن الزوجة أمٌّ مربية راعية و مسؤولة عن رعيتها, فاحذر من احتقارها أمام أحد حتى لا تسقط هيبتها, لأنها إن سقطت هيبتها فلن يهابها الولد المؤدَّب الذي هو بأمسِّ الحاجة إلى الأم المربِّية.
    ولنعلم جميعاً بأن احتقار الزوجة أمام أبنائها أو أمام أهل زوجها أو أمام أهلها يسبب وجود الخلاف في الحياة الزوجية, فلنحذر من هذا يا عباد الله.
    ولعل الحديث له صلة في الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى, أقول هذا القول وكل منا يستغفر الله



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها

    مشاكل أسرية يكون الزوج سبباً فيها ـ 4 ـ


    الشيخ : أحمد النعسان

    مقدمة الخطبة:
    الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد فيا عباد الله:

    إن عظمة الإسلام تتجلى في تشريعاته التي أنزلها الله تعالى على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, والتي من جملتها أن جعل سياجاً حول حقوق الناس عامة, وحول حقوق الزوجة خاصة.

    فلا يؤخذ أحد بظنٍّ, ولا يحكم بريبةٍ, ولا يصبح الظن أساساً لمحاكمتهم, بل لا يصح أن يكون أساساً للتحقيق معهم ولا للتحقيق حولهم.

    ولا يوجد مبرِّر لانتهاك حرمات الأنفس والبيوت والأسرار والعورات, فالناس على ظواهرهم, ليس لأحد أن يتعقَّب بواطنهم, وليس لأحد أن يظن أو يتوقع أو حتى يعرف أنهم يقترفون المخالفات في خفاء فيتجسس عليهم.

    من أجل سلامة الأسرة شرع الإسلام:
    أيها الإخوة الكرام: من أجل سلامة المجتمع ومن أجل سلامة الأسرة, وحتى تبقى الأسرة والمجتمع في تماسك, قال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.

    من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأَنَاةُ مِنْ اللَّهِ, وَالْعَجَلَةُ مِنْ الشَّيْطَانِ) رواه الترمذي عن سهل بن سعد رضي الله عنه.

    من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّمَا اسْتَحْيَا مَوْءُودَةً مِنْ قَبْرِهَا) رواه الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عه.
    من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ إِنْ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ, فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ نَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا) رواه أبو داود عن معاوية رضي الله عنه.

    من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يُبَلِّغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا, فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

    من هذا المنطلق يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثٌ لازِمَاتٌ لأُمَّتِي: الطِّيَرَةُ، وَالْحَسَدُ، وَسُوءُ الظَّنِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: مَا يُذْهِبُهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّنْ هُوَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا حَسَدْتَ فَاسْتَغْفَرِ اللَّهَ، وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ، وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ) رواه الطبراني في المعجم الكبير عن حارثة بن النعمان رضي الله عنه.

    أيها الإخوة الكرام: الإسلام جعل هذا السياج من أجل سلامة حقوق العباد فيما بين بعضهم البعض, وأمرهم بالتعامل فيما بينهم بالظاهر, والله عز وجل هو الذي يتولى السرائر.

    الإسلام حرم الحكم على الآخرين بناء على نقل الكلام بدون تثبُّت, لأنه يفسد علاقة أفراد الأسرة فيما بين بعضهم البعض, ويفسد علاقة المجتمع, ويجعل نار العداوة بينهم.
    سماع الزوج عن زوجته خبراً بدون تثبُّت:

    أيها الإخوة الكرام: ما زال حديثي عن الخلافات الزوجية والتي يكون الزوج فيها سبباً, من جملة هذه الأسباب, سماع الزوج عن زوجته نبأً وخبراً, ومن خلاله يتعامل مع زوجته بدون أن يتثبَّت من النبأ الذي نقل إليه.

    وإنه لمن العجب أن ترى الزوج حياته مستقرة مع زوجته مطمئنة لا إشكال فيها, فإذا به تنقلب حياته إلى جحيم وشقاء من خلال ذاك النبأ الذي نقل إليه ولم يتثبت من صحته, وهذه طامَّة كبرى.

    ربنا عز وجل يخاطبنا بآية صريحة لا تحتاج إلى تأويل ولا إلى شرح وتوضيح يقول فيها مولانا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}. آية محكمة واضحة يأمر الله تعالى المؤمن أن يتثبَّت من النبأ الذي يصل إليه, وخاصة إذا كان النبأ سيترك أثراً في نفسه.

    هنالك أنباء تجعل الشك مكان اليقين, وتجعل البغض مكان المحبة, وتجعل القطيعة مكان الوصل, وتجعل الغل والكراهية مكان سلامة الصدر, وتجعل التدابر مكان التواصل, وتجعل النار مكان النور, وتجعل الطلاق مكان الزواج.
    ناقل النبأ ليس معصوماً:

    أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نكون على يقين بأن ناقل الأنباء لنا ليس معصوماً مهما كان, لأن العصمة لا تكون إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام, ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) رواه الترمذي عن أنس رضي الله عنه.


    فالأب والأم والأخ والأخت ليسوا بمعصومين, فمن نقل لك نبأً عن زوجتك من أب أو أم أو أخ أو أخت وكان النبأ له أثر في نفسك, وجب عليك أن تتثبت لأن الناقل ليس معصوماً.
    لقد زُوِّجتَ أيها الرجل على أساس من الدين والخلق, حيث كان ولي أمر زوجتك سمع قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصاحب الدين والخلق يتمثل قول الله تعالى: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.


    قد يفتري الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت على زوجة الإنسان, ولا غرابة في هذا وخاصة في هذا العصر, وربنا عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا}.


    ناقل النبأ عاصٍ:
    أيها الإخوة الكرام: يجب علينا أن نكون على بيِّنة من أمرنا, ومن الواجب علينا أن نعلم بأن ناقل الأنباء السلبية التي تؤثر على العلاقات تأثيراً سلبياً هو عاصٍ لله عز وجل.
    الناقل هو واحد من اثنين, إما أن يكون نمّاماً وإما أن يكون مغتاباً, والله تعالى يقول في حق النمَّام ذامَّاً له: {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيم * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيم * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيم}. ويقول الله تعالى في حق المغتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}. والغيبة أن تقول الحق في أخيك وهو كاره له, يقول صلى الله عليه وسلم: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ, قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ, قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.


    فناقل الأنباء عاصٍ في سائر أحواله, بغضِّ النظر عن القائل وعن درجة قرابته للمنقول له.
    لماذا تصدِّق الناقل وتكذِّب المنقول عنه؟
    أيها الإخوة الكرام: قولوا لكلِّ زوج جعل مشكلة في حياته الزوجية بناء على نقل الأخبار بدون تثبت: لماذا تصدِّق الناقل ولا تصدِّق المنقول عنه؟
    على أيِّ أساس صدَّقت وكذَّبت؟ أترضى أن يحكم عليك إنسان بناء على أمر نقل إليه عنك؟ الجواب: قطعاً لا أرضى بذلك, وتعتبر ذلك ظلماً, وتسرع لتلاوة الآية الكريمة: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ}.
    لماذا أبوك وأمك وأقاربك كلهم صادقون, وزوجتك كاذبة؟
    أيها الزوج! لو نقلت لك زوجتك نبأ عن أمك أو أبيك أو أحد من أقاربك, هل تصدقها مباشرة أم تتثبت من صحة نقلها؟ تذكر يا أخي قول الله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِي ن * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون}. اجعل مكيالاً واحداً ألا وهو قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}. مهما كان الناقل إذا كنت متأثراً, وإلا فلا تتثبت وكن سليم الصدر.


    وأنا أقسم يميناً أيها الإخوة بأن جُلَّ المشاكل الأسرية أساسها نقل الكلام بدون تثبُّت, ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثًا: قِيلَ وَقَالَ, وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ, وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.


    لأن القيل والقال بدون تثبت دمار للأسرة والمجتمع.
    خاتمة نسأل الله تعالى حسنها:
    أيها الإخوة الكرام: إذا أردنا حياة طيبة كريمة لأنفسنا ولغيرنا فعلينا بالالتزام بالكتاب والسنة, ومن الالتزام بالكتاب والسنة أقول لناقلي الأنباء والأخبار: تذكروا أيها الإخوة قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيم}.
    وأقول للمنقول إليه النبأ: تذكر قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين}.


    كم من امرأة طُلِّقت من وراء نبأ كاذب تبيَّن للزوج كذبه بعد الطلاق؟ وكم من امرأة قُتلت من وراء نبأ كاذب تبيَّن للقاتل كذبه بعد القتل؟
    أيها الزوج! لا تكن سبباً في الخلاف الزوجي بحيث تكون أذناً صاغية لكلِّ ما يقال عن زوجتك, تثبَّتْ وتبيَّنْ حتى لا تندم لا في الدنيا ولا في الآخرة.
    اللهم اجعلنا وقَّافين عند حدود شريعتك. آمين.
    أقول هذا القول وكلٌّ منا يستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •