[استطراد]:
قال ابن حزم في رسالته: "مسألة الكلب طاهر"(1):
"وأما قولكم: إنَّ تَعْداد الغَسلات إلى سبعٍ دليلٌ على تَغْليظ النجاسة، فليس بصحيح؛ لأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بغَسْل الميت غَسْلاً مُتعدِّداً (2)... وكذلك غُسِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم غَسْلا مُتعدِّدا (3)، وهذا أطهرُ ولد آدم حيا وميتا صلى الله عليه وسلم؛ فهل دَلَّ ذلك على غِلَظِ نجاسةٍ فيه.
فليس تعديدُ الغَسَلات: دليلٌ على تغليظ النجاسة، ولا على ثبوتها أصلا، بل العَدَدُ في ذلك تَعَبُّدٌ مَحْضٌ، إذا زالت النجاسة لا يُوْقَفُ على عَدَد، فبطل ما تعلَّلْتم من ذلك.
وأما قولكم: إنَّ التراب مع الماء دلَّ على تأكيد التغليظ: فباطل؛ لأنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ النِّساء اللاتي غَسَلْنْ ابنتَه بإذ ماتت بماء وسدر، ولم يَقْتَصِرْ على الماء وحده؛ فهل دَلَّ على أنَّ ابنته الطاهرة ب لها نَجَاسةٌ غليظة ؟ حاشا لله مِن ذلك، فَبَطَلَ جميعُ ما علَّلْتموه بالماء والتراب وعدد الغَسلات.
وأما قولكم: إنَّ "طُهور الماء" (4) يدل على التنجيس: فقول فاسد؛ لأنه ليس مِن الواجب في الشرعيات أنْ يكونَ الغَسْلُ في كل مَحَلِّ دليلا على النجاسة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غُسْل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» (5) فليس ذلك دليلا على أنَّ الناس في يوم الجمعة أنجاس" (6)
============================== =====
1- رسالة لابن حزم، مخطوط بمكتبة شهيد علي بتركيا، نُسِخَت في المنتدى الالكتروني: "دارة أهل الظاهِر".
2- عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: « دَخَلَ عَلَيْنَا اَلنَّبِيُّ r وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ، فَقَالَ: "اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا, أَوْ خَمْسًا, أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ...» أخرجه البخاري (رقم1253)، ومسلم (رقم939) .
3- لم أقف على حديث بهذا المعنى، فإن لم يكن ثمة حديث فلعل ابن حزم قاله من باب المعرفة الضرورية، فابن حزم رحمه الله لما ذكر مسألة غَسل الميت من كتابه المحلى لم يذكره. المحلى (5/121).
4- أي دلالة هذه اللفظة مِن قوله صلى الله عليه وسلم: " طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب...."، وسَبَقَ تخريجه.
5- أخرجه البخاري (رقم880 ) ومسلم (رقم846 ) مِنْ حديث أبي سعيد الخدري [/font]t.
6- مسألة الكلب طاهر (ص5).