الخطاب الإعلامي اليهودي في القرآن الكريم
إن الحديث عن الممارسات الإعلامية لليهود في القرآن الكريم حديث عن ممارسات خبيثة مليئة بالأكاذيب ونشر الإشاعات، وممارسات لا تعرف قيماً أو أخلاقاً، مليئة بالحقد والحسد والبغض، فأنت أمام صنف من الناس جعلوا شعارهم: اكذبْ، ثم اكذبْ حتى يصدقك الناس. ولخطورة هذه الأكاذيب والممارسات تصدى لها القرآن الكريم بالتفصيل، وبين جميع الشبه التي عملوا على نشرها بين المسلمين ودحضها.
ولقد كفانا الله عز وجل البحث والاستنباط والتدقيق في هذه الممارسات؛ فقد أخبرنا الله عز وجل في القرآن الكريم جملة من هذه الممارسات الإعلامية التي كان اليهود يروجونها بين العرب قبل الإسلام وبين المسلمين بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .
والملاحظ في آيات القرآن عند الحديث عن اليهود ونشرهم لأفكارهم بين الناس تجد أن الذي يتصدر الرد عليهم ودحض أكاذيبهم هو الله سبحانه وتعالى، ليكون ذلك بمثابة قواعد مهمة وأساسية في التعامل مع اليهود، وبيان السياسة الصحيحة تجاههم، فالله عز وجل يرشدنا في الكثير من الآيات كما سنرى بطريقة التعامل مع أكاذيبهم.
وكما أنهم أشد الناس عداوة لأهل الإسلام كما قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (المائدة: 82).
لذلك تصدى الله عز وجل لهم ودحض أكاذيبهم؛ لتكون عوناً للمؤمنين وطريقاً مضيئاً لهم في صراعهم مع اليهود.
كما تحدث القرآن كثيراً عن بني إسرائيل وعن اليهود في المدينة، وكشف للمسلمين عداوتهم للحق، وبين خطرهم على الأمة؛ ليبين الله -عز وجل- أن الفاسدين من بني إسرائيل هم أجداد اليهود، فهم أول من أجج الصراع بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وأظهروا له العداء، واحتضنوا المنافقين، ومارسوا التشكيك وبث الشبهات ضد المسلمين.
وكانوا يرون لأنفسهم الحق في الحديث عن كثير من الأمور لما يملكونه من العلم ويتفاخرون على العرب بهذا الأمر، وكان العرب يصدقون الكثير منها لما فيهم من الجهل.
وسائل الإعلام اليهودي في القرآن:
أولا: تزييف الحقائق مثل:
- استغلالهم آيات التفضيل
ذكر الله في غير موضع في القرآن تفضيل بني إسرائيل على العالمين، وكان هذا التفضيل آنذاك عندما كانوا مؤمنين بالأنبياء، فلما كفروا بهم وقتلوا بعضهم وكذبوا الله، سلط الله عليهم اللعنة والفرقة والتشتيت في الأرض.
فالله سبحانه وتعالى الذي قال {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِين} (البقرة:47)، هو الذي قال كذلك: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ} (المائدة:64). فكان هذا التفضيل مشروطاً بالقيام بأمر الله -سبحانه وتعالى- واتباع أنبيائه، فلما زاغوا وعصوا وتنكروا وكفروا برسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، سلط الله عليهم الأعداء والفرقة والخلاف والشتات.
وبقيت آثار هذا التفضيل في نفوسهم، فهم يرون أنهم أفضل الأمم، وأن غيرهم خلق لخدمتهم؛ فيجوز أكل أموالهم بالباطل والتعامل معهم بالمعاملات المحرمة كالربا والرشوة وغير ذلك، وذكر الله عنهم قولهم: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً} (آل عمران: 75) أي: كل من كان من غير اليهود فإنه مهدر الحقوق! فلا حرمة لماله، ولا عتب ولا ملامة في أكل حقه وسلبه!
ثم رد الله عليهم هذا الزعم الفاسد بقوله: {بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴿76﴾}(آل عمران: 76) أي: ليس الأمر كما يزعمون! بل عليكم الإثم والوزر، والله عز وجل حرم عليكم أكل الأموال إلا بحقها، ويحب من يوفي بجميع الحقوق، سواء كانت لله تعالى أم لعباده، وهو يحب المتقين من خلقه، من أي جنس وعرق ولون، وسواء كانوا منكم أو من الأميين.
- وزعمهم أنهم لا يعذبون في النار إلا أياماً.
قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 80).
وهذا الكلام محض افتراء وكذب، لا دليل ولا برهان عليه، الهدف منه: تزكية لأنفسهم، وشهادة لها بالنجاة.
جاء في تفسير ابن كثير: يقول تعالى إخباراً عن اليهود فيما نقلوه وادعوه لأنفسهم؛ من أنهم لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينجون منها، فرد الله عليهم ذلك بقوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ}(البقرة : 80). أي: بذلك، فإن كان قد وقع عهد، فهو لا يخلف عهده، ولكن هذا ما جرى ولا كان، ولهذا أتى بأم التي بمعنى بل، أي: بل تقولون على الله ما لا تعلمون من الكذب والافتراء عليه.
وعن مجاهد، عن ابن عباس: إن اليهود كانوا يقولون: إن هذه الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذب بكل ألف سنة يوماً في النار، وإنما هي سبعة أيام معدودة، فأنزل الله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} إلى قوله: {خَالِدُونَ}
(البقرة: 80 - 81) ثم رواه عن محمد، عن سعيد، أو عكرمة عن ابن عباس، بنحوه.
{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿111﴾بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿112﴾} (البقرة: 111-112).
جاء في تفسير ابن كثير: يبين تعالى اغترار اليهود والنصارى بما هم فيه؛ حيث ادعت كل طائفة من اليهود والنصارى، أنه لن يدخل الجنة إلا من كان على ملتها، كما أخبر الله عنهم في سورة المائدة، أنهم قالوا:{نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} (المائدة:18).
فكذبهم الله -تعالى- بما أخبرهم أنه معذبهم بذنوبهم، ولو كانوا كما ادعوا، لما كان الأمر كذلك، وكما تقدم من دعواهم، أنه لن تمسهم النار إلا أياماً معدودة، ثم ينتقلون إلى الجنة، ورد عليهم تعالى في ذلك، وهكذا قال لهم في هذه الدعوى التي ادعوها بلا دليل ولا حجة ولا بينة، فقال: {تلك أمانيهم}(البقرة: 111)، وقال أبو العالية: أماني تمنوها على الله بغير حق، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس.
ثانيا: نشر الأكاذيب:
وصف الله اليهود فقال عنهم: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(آل عمران: 75). ومن أكاذيبهم:
- أولا: قولهم إن إبراهيم كان يهودياً:
وذلك ليتشرفوا بانتسابهم إلى النبي الكريم، وحتى يقنعوا العرب بأنهم هم على حق، ويوهموا الناس بأنهم يهود وهم من ذريه إبراهيم؛ وبالتالي فإن إبراهيم كان يهودياً قال تعالى: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ} (البقرة: 140)، وقال الله - عز وجل - في الرد على هؤلاء: { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} (البقرة: 140)، يعني: بل الله أعلم، وقد أخبر - عز وجل - بأنهم لم يكونوا يهودا ولا نصارى، كما قال عز وجل: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا} (آل عمران:67). ومن أنثلة هذا الكتاب:
1: دعواهم التي لا دليل عليها:
قال تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (آل عمران: 66).
2. إخفاء الحقائق:
وهؤلاء اليهود قد كتموا شهادة عندهم من الله، وهي كون إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب عليهم السلام، والأسباط مسلمين قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (البقرة:140).
3. نزول التوراة والإنجيل بعد إبراهيم - عليه السلام - بدهر طويل:
فقال الله لهم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (آل عمران:65).
4- وبين الله سبحانه وتعالى أن الإمامة لا تكون بالنسب، إنما باتباع طريق الأنبياء، كما قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} البقرة: 124
ثالثا: إثارة الشبهات والتشكيك بالإسلام، ومن أمثلة ذلك:
- قصة تحويل القبلة:
قام اليهود بدور إعلامي خبيث في حادثة تعديل القبلة وتربص اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد حادثة تعديل القبلة، ومارسوا أسوء أنواع الإعلام من التشكيك بنبوة النبي صلى الله عليه وسلموأنه خالف قبلة جميع الأنبياء.فقد كان حدثا عظيما واختبارا كبيرا للمسلمين، وبداية التمايز بين المسلمين وأهل الكتاب، سواء كان في العبادات أم في العقائد وكذلك الشكل الظاهر. قال تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: 142).
- تشكيكهم في صحة الصلاة التي كانت إلى بيت المقدس:
وشككوا في صحة صلاه المسلمين الذين ماتوا قبل تحويل القبلة، وأنهم دخلوا النار؛ لأنهم صلوا إلى قبله فاسدة.
وأن هذه الحادثة كانت اختباراً وامتحاناً للمؤمنين والمنافقين، وأن صاحب الإيمان القوي هو الذي يثبت، كما قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ} (البقرة: 143).
رابعا: تأليب الأعداء والكفار ضد المسلمين:
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَٰؤُلَاءِ أَهْدَىٰ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} النساء:51).
يقول الله عز وجل عنهم {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (المائدة:64).
وذكر الله -سبحانه وتعالى- الآية على صيغة فعل المضارة الذي يفيد الاستمرار، فهذا دأب اليهود يثيرون الشعوب والدول لتقوم هذه الدول بالحروب نيابة عنهم ولتحقيق مصلحتهم، وهذا ما فعلوه بالمسلمين في المدينة عندما خرج نفر من بني النضير ونفر من بني وائل فقدموا على قريش ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صار وفد اليهود يزين لقريش الحرب ويهون أمرها، وقالوا لهم: إنا سنكون معكم عليهم حتى نستأصلهم, فقالت لهم قريش:
يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ فقالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم ساروا إلى ديار غطفان ودعوهم لقتال النبي صلى الله عليه وسلم، وطافوا على قبائل العرب كبني نزارة وبني مرة وبني أسد وأشجع وسليم ونجحوا في تأليب الكفار على النبي صلى الله عليه وسلم.
اعداد: منذر المشارقة