لا تقرأ فقط


محمد فايع عسيري



حينما يطل علينا موسم ثقافي أو تمر بِنَا حالة نشاط فكري على المستوى الفردي أو الجماعي، تتقافز في أذهاننا مجموعة من النصوص التي تحفزنا أو تشجعنا على المضي قدما في سلوك هذا الطريق. والاستدلال بآية "اقرأ" في مستهل كل حديث عن معارض الكتب أو أهمية القراءة أو صناعة القارئ باتت مفتاحاً للتأكيد على أهمية هذه الفعاليات. إلا أن قصر مفهوم القراءة في الآية الكريمة على مجرد الإكثار من الكتب أو مطالعة العديد من الصفحات فهذا مما قد يشوه المفهوم العام والأكبر للقراءة.

تطلق القراءة ويراد بها النظر في الكتب و المرور البصري على الحروف. لكنها أيضاً تدل على التفسير والنظر والتأمل في الأحداث ومجريات الأمور والتفكر في آيات الله المكتوبة في القران الكريم وفي هذا الكون الفسيح.

القراءة فعل يتعدى ليشمل الاستنباط والاستنتاج والتحليل والتركيب والتفكيك. المرء الذي لا يقرأ من الكتب الإ سطورها لا يمكن أن نطلق عليه قارئا بشكل دقيق. ذلك إن استعادة معلومات الكتب -على عظمتها وأهميتها - لا يمكن أن تكون بمقدار مهارة القراءة المنتجة التي لا تكتفي بالنظر في الكتاب بل تخرج من ذلك بمشاريع بناءة على المستوى الفردي أو المستوى المجتمعي.

ولذا يرى بعض المهتمين بالشأن الثقافي أن القراءة لها مستويات عدة. فهناك قراءة للحروف وهي التي تهدف إلى فهم المعاني الأولية للكلمات والجمل للخروج بمعنى عام من النص. وهناك قراءة للمعاني، وتهدف لا إلى فهم النص الحالي فقط، بل تربط معاني النص الحاضر بنصوص سابقة سواء على مستوى المعنى أو مستوى المؤلف. ولا شك أن هذه القراءة تمنح صاحبها التماسك والوعي العميق ليس بالقطع المتناثرة بل بأسلوب وطريقة التفكير سواء في الموضوع أو لدى ذلك المؤلف أو تلك المؤلفة. وأما قراءة ما خلف السطور، فهي القراءة الفاعلة الإنتاجية التي تستنبط وتربط وتستدل ليخرج من النص نص آخر يكون أحياناً مهماً بدرجة كبيرة للنص الأصلي.


هذه مفاهيم قرائية نستنتجها من أول آية نزلت في القران وهي "اقرأ" لا لتدل على فعل القراءة المعهود والمجرد، بل لهذه الكلمة آفاق رحبة وميادين أوسع وفضاءات لانهائية، ولذا فهي بحق أعظم كلمة حضارية.



[1] محاضر في قسم اللغة العربية، جامعة الملك عبدالعزيز - جدة، المملكة العربية السعودية.