الفرق بين الشعر الإسلامي وغيره


د. محمد بن سعد الدبل







لئن قيل: هل هناك فرق بين هذا الشعر وغيره مِن نصوص الشعر العربي في المادة والغرض؟
لئن قيل هذا، فالجواب: إنه لا فرقَ بين نصوص الشِّعر مِن حيث القوالب، فهذا وذاك بلسان عربي مبين، ولكن هناك فَرقٌ بين اللونَين من حيث الغاية والغرض.


ومن هنا نجد نصوص الشِّعر ذي النزعة الإسلامية متميزًا على غيره من نصوص الشعر في هذا الشأن؛ لأن الشعر الذي غايته بسط محاسن الشريعة الإسلامية والذب عنها وتوجيه المجتمع وخدمة الفضيلة لا بد أن يكون متميزًا في شَكلِه ومضمونه.


ولا بدَّ أن يَرقى في خصائصه الفنية إلى ذِروة الإجادة والإبداع؛ لأنه ذو كلمة طيبة، والكلمة الطيبة لا تخدم إلا معنى غائيًّا طيبًا.


ولئن قيل: لكن مادة الشعر العربي كله هي الكون ومَن فيه، ومن عليه، فلا فرق بين نصوص الشعر التي تستمدُّ معانيها وأغراضها من عوالم الطبيعة صامتها ومتحرِّكها.


فالجواب: نعم، لا فرق في كُنْهِ المادة حجمًا ولونًا، ولكن هناك فرق في تسخير هذه المادة وتطويعها لخدمة الفِكر والأدب بما ينفع الناس، فهل نَقرِن قول الشاعر العربي:
دعِ المساجدَ للعُبَّاد تَسكُنها

وقم بنا نحو حانوتٍ ومِزمار


هل نقرن هذا البيت بقول الشاعر الإسلامي:
فدع عنك سوءات الأمور فإنها

حرامٌ على نفْسِ التقيِّ ارتكابها


وأدِّ زكاة الجاه واعلم بأنها

كمثل زكاة المال تمَّ نِصابُها


وأحسن إلى الأحرار تَملِكْ رقابهم

فخير تجارات الكراء اكتسابها[1]



إنه فرق ما بين الثَّرى والثريا، وهل نَقرن نظرة الشاعر العربي والشاعر الإسلامي - سواء كان عربيًّا أو غير عربي - هل نَقرِن نظرة الشاعرَين إلى الحياة حين ينظر إليها الشاعر المسلم على أنها وسيلة لا غاية، ويَنظر إليها الشاعر غير المسلم أو الشاعر المسلم الذي لا ينزع في شعره إلى معاني الإسلام فينظر إلى الحياة على أنها غاية يتمتَّع بها الإنسان ويُرضي عواطفه، ويُشبع غرائزه بما أبيح وبما حرم ادعاءً بأن هذا من حرية الفكر والأدب؟


لو صحَّ أن نقرن هذه النظرة بتلك، لَمَا صحَّ أن يكون هناك قانون وتشريع يهدي الناس إلى ما يُقوِّم حياتهم ويُسعدهم، ويربطهم بآخرتهم التي هي السعادة والحياة الصحيحة والأبدية.


ومن هنا لا يوجد فرق في مادة الشعر العربي سواء كان مِن اللون الإسلامي أو غيره، فإن الكون ومَن فيه ومَن عليه هو مادة الشعراء، ولكن تَختلِف النظرة من حيث تسخير هذه المادة.


ولا بدَّ أن تَختلف الأغراض الشعرية عن الشعراء تبعًا لاختلاف نظراتهم؛ فالمرأة - مثلاً - إحدى موادِّ العطاء الشِّعري، لكنها في نظرة الشاعر الذي لا يَزِن الكلمة الشاعرية بمِعيار الإسلام ونظرته إنما هي ألعوبة ومتعة وتسلية ووصف مجرد، لكنها في نظرة الشاعر المسلم وروايته الأدبية بيتُ طمأنينة وسعادة وسكون وعفَّة وطُهْر.



ولذلك نجد أغراض الشعر الإسلامي مِن أجلِّ الأغراض وأرفعها وأشرفها، ويكفي أنه فوق أغراضه التي تتناول عفَّة المرأة وطُهرَها، وتتناول وصف الطبيعة للعِبرة والعِظة وإبراز عظمة الخالق، يكفي أن أغراض هذا الشِّعر تُتوَّج بشرح محاسن الشريعة، والذبِّ عن رسول الإسلام، والدعوة إلى الجهاد، ووصف البطولات الإسلامية، وتجسيد غايات الدعوة إلى دين الله، ورثاء شهداء الإسلام، وهجاء أعداء الله، والعمل على توحيد المسلمين وجمع كلمتهم على الحق.



[1] ديوان الإمام الشافعي (ص: 51) تحقيق الدكتور: محمد عبدالمنعم خفاجي.