كيف تلخص مادة؟
د. أحمد الخاني






إن أساس الكتابة الجيدة هو القراءة الجيدة، التي يستوعب فيها القارئ ما يقرأ استيعابًا يمكنه أن يوسع آفاق فكره، وقد يقرأ الدارس الصفحات الطوال ويمكن أن يعبر عنها بأسطر قليلة بعد الاختزال.
والاختزال أو التلخيص، يحتاج إليه الطالب في المراحل الدراسية العليا، حيث سيتعود على الكتابة المركزة المكثفة بعيدة عن التمدد والترهل.


وقد درستَ "النحت": وهو صياغة جملة في كلمة مثل:
بسم الله الرحمن الرحيم فتصبح: بسمل.
والحمد لله رب العالمين فتصبح: حمدل.
والتلخيص من هذا الباب وهو:
أي: صياغة النص بأقل عدد من الكلمات مع الاحتفاظ بالمعنى الأصلي.

وللتلخيص خطوات لا بد من مراعاتها:
1- نقرأ النص قراءة واعية نستوعب فيها المعاني والأفكار وندون الفكرة الأساسية لكل فكرة.
2- نستبعد من التدوين الاستشهادات والأدلة وما ليس له علاقة رئيسية بالفكرة الأساسية.
3- ندون معاني الأفكار الأساسية بكلمات من إنشائنا حيث نبتعد عن ألفاظ النص.
4- مراجعة الملخص وربط الأسلوب ببعضه ليكون وحدة منسجمة.
(يجب أن نتذكر من أن هدف التلخيص هو تنمية القدرة عند الملخِّص على فهم النص الأصلي، فيصبح مستوعبًا للنص كما لو أنه هو الذي كتبه بنفسه، ولا يمكن ذلك باقتباس بعض الجمل من النص الأصلي.


مثال:
نحاول الآن تطبيق هذه الخطوات في تلخيص الفقرة التالية:
النص الأصلي:
"إنها لحالة غريبة وشاذة حقًا أن لا يتسنى لأبناء بلاد ذات حضارة وعزة وسيادة التعلم، وطب العلم إلا بلسان أجنبي لا يمت إلى لغة أهل البلاد وتراثهم بصلة من قريب أو بعيد، والحقيقة أنه لم يكن بيد الاستعمار أداة أطوع من تفتيت وحدة الثقافة العربية، وتفريق كلمة العرب من طمس لغتهم القومية، باتباع الوسائل المختلفة من إبراز العاميات المحلية، ومن القول بفضل الحروف اللاتينية على الحروف العربية، إلى المناداة بعدم صلاح العربية للعلم والتعليم، وبذل الجهود المتصلة لاتخاذ اللغات الأجنبية عوضًا عنها، بل حتى إحلال تبث اللغات محل العربية في الحديث والشاعر في بعض الأوساط.
وليس خافيًا أن العربية كانت وما زالت وستبقى من أقوى الروابط التي تجمع بين أفراد أمتنا العظيمة وشعوبها، وأن إضعافها والقضاء عليها معناه القضاء على أقوى مقومات وحدتنا القومية ومستلزماتها، ومن هنا فإن الدول الطامعة بخيرات بلادنا لا تريد للغتنا أي تقدم وازدهار".


التلخيص:
إنه لأمر غريب وشاذ أن يدرس أبناء أمتنا ذات الحضارة والتراث بلغة أجنبية، ولقد شجع الاستعمار الدعوات المنادية باستخدام العاميات والحروف اللاتينية، من منطق أن العربية تقصر عن مواكبة التطور العلمي، ولكن العربية ستظل رابطًا وثيقًا وبين العرب، قوتهم في قوتها وضعفها ضياع لهم.


التعليق:
لخصنا الفكرة الأساسية للفقرة في الجملة الأولى، وكثفناها في أربع عشرة كلمة من اثنين وثلاثين كلمة، ولخصنا الجزء الثاني عن الدعوات الباطلة لهدم العربية في أربع وعشرين كلمة، من ثلاث وستين في الأصل. ثم النتيجة في آخر الفقرة لخصت في ست عشرة كلمة من ثلاث وأربعين في النص الأصلي، وبذلك نكون قد لخصنا الفقرة إلى ثلث مجموع تقريبًا وقبل تلخيص فقرات المقال ينبغي أن ننتبه جيدًا إلى الأرقام الرئيسية فيه وأجزائها، وبذلك يمكن استخلاص الأفكار الرئيسية في المقال وتنظيمها حسب إطار المقال أو خطته، فلا يطغى قسم على آخر، بل يكون التلخيص موافقًا لخطة المقال دون التقليد بعدد الفقرات الواردة فيه)[1]




[1] من كتاب التحرير العربي ص 235.