نصيحة إلى المرابطين على ثغور الدعوة: فرّقوا بين الغاية والمُهِمَّة




الشيخ: فَتْحي بِن عَبدِ الله المَوْصِليِّ



قال الله -تعالى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} نستنبط من هذا النص القرآني العظيم عددًا من الحقائق والمقاصد والفوائد المهمة.

- الأولى: الاهتمام بالقضية والموضوع؛ لهذا صدرت الآية بـ{لقد}.

- الثانية: القضايا الكبرى تحتاج إلى رجال همة ومهمة؛ لهذا قال {لقد أرسلنا}.

- الثالثة: بيان أن الدعوة إلى توحيد العبادة هي دعوة قديمة وأصيلة وعريقة؛ لهذا قال: {لقد أرسلنا نوحاً}.

- الرابعة: البدء بالدعوة بالأقرب فالأقرب؛ لهذا قال: {لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه}.

- الخامسة: إثارة عواطفهم والتواضع لهم لكسر طغيانهم واستجلاب هدايتهم؛ لهذا أضافه إليهم {إلى قومه}.

- السادسة: التحبب إليهم وتأليف قلوبهم في أثناء مخاطبتهم؛ فقال: {ياقوم}.

- السابعة: دعاهم إلى كلمة جامعة بعبارة واضحة، كمال في الغاية وكمال في الوسيلة.


- الثامنة: تعليق قلب الناس بالخالق: {ما لكم من إله غيره}: فجمع لهم على الترتيب: التذكير، والترغيب، والتقرير، والتعليل ليختمها بالترهيب.

- التاسعة: كمال الشفقة والنصيحة للمدعوين؛ فقال: {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}.


- الفائدة العاشرة: وهي أم الفوائد وغاية المطالب، وهي أن مهمة الداعية لا تكمن فقط في بيان الحق ورد الباطل، وإنما مهمته الكبرى تكون في ترغيب الناس بالحق وإعانتهم على ترك الباطل بالأساليب المؤثرة والمعاني الجامعة؛ لهذا فرق دقيق بين الغاية والمهمة: فالغاية في هذا الباب: هي بيان الحق ورد الباطل، ومُهِمَّة الداعية في ترغيب الناس بالحق، وإعانتهم على ترك الباطل، والكبار غاياتهم عظيمة ومهامهم كبيرة، وهممهم عالية وأساليبهم حكيمة، وإنما يقع الخطأ في الدعوة من صاحب غاية لا مهمة، أو من صاحب مهام كثيرة من غير وضوح في الغايات.

والكلام في الغاية من باب الكلام في التأصيل والواجب، والكلام في المهمة من باب الكلام في التنزيل والواقع، وفقيه النفس والدين من جمع في دعوته بين الغاية والمُهِمَّة، ونظر في استدلاله واستنباطه إلى الفروق والعلل والتقسيمات.