الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، أما بعد:

فالحمد لله الذي جمعنا بكم في هذا المشهد البديع لنذكر الله ونشكره على نعمه العظيمة وآلائه الكبيرة.
معاشر المؤمنين، إن لله في خلقه حكما بالغة، لا يدركها إلا من سرّح ناظره، وجال بفكره، وتدبر وتفكر، ونظر واعتبر، فبعد أن صمنا الشهر الفضيل، وقمنا ليله الجليل، وتواصلنا مع الأحبة تواصيا بالحق والخير، انصرف الشهر وانصرم، وكأنه كان خيالا لا حقيقة، قلنا له: أهلا، ثم قلنا له: مهلا، والآن نقول له: عوداً، ولا ندري حين يعود أيلقانا فوق التراب أم تحته؟
أيها الأحبة الكرام، إن في توالي الأيام وتسارع الزمان، إنذارا لذوي العقول والألباب، بأن الفراق للدنيا قريب، واللحاق بالله صدق ويقين، فتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
وما هذه الجموع المجتمعة اليوم، إلا دليل لما قلناه، فها هنا أشخاص لم يكونوا في الأعياد قبلُ، وأشخاص كانوا وما هم معنا الآن، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
وبعد هذه الكلمات المنبهة والعظات الموقظة، أقول لكم معاشر المسلمين:
هذا يوم عيدكم، يوم فرح وسرور وبهجة وحبور، يوم تظهر فيه شرائع الإسلام السمحة، ويظهر فيه أن في الدين فسحة، فالبسمات في هذا اليوم شعار، تدخل الفرح على أهل كل دار، فليس في الدين الله إلا اليسر والخير.
فقد روى أحمد وغيره عن أنس بن مالك قال: قدِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ ولَهم يومانِ يلعَبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهِما خيرًا مِنهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ.
فهذا اليوم اختيار من الله لنا، ولذلك هو خير كله وفرح كله، قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس، 58].

معاشر المسلمين؛ صِلوا أرحامكم، وتصدقوا بفضول أموالكم، وليتفقد القريب منكم البعيد، ولْـيَلْبَسْ من استطاع منكم الجديد، وليوسِّع على الأهل والأحباب، والأقارب والأصحاب، فذلك كله مطلوب محبوب
وتذكروا أن للصائم فرحتين: فرحة عند فطره، وهي فرحتنا اليوم، وفرحة عند لقاء ربه، وإنا لها لمنتظرون، لا حرمنا الله وإياكم منها.
فقد روى الإمام مسلم من حديث أبى هريرة ــ رضي الله عنه ــ أنَ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه).
أيها المسلمون، من كان يعبد الله فقط في رمضان، فقد مضى رمضان، ورب رمضان يقبل العمل في سائر الشهور، وبابه مفتوح في سائر الدهور، فيا من عاد للصلاة في رمضان، لا تقطع حبلك بالملك الرحمان، ويا صائما عن المخدرات في رمضان، اثبت على التوبة حتى الممات، ويا أيها المدخن المضيع للأمانة لا تدخل نفسك المهانة، تخون أمانة جسدك فتهلكه، ومالك فتتلفه، ورزق عيالك فتبذره، فاتق الله في هذا العيد، ودُمْ على توبتك تغنم وتفز.
فقد رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ (لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ)
ستسأل عن كل درهم أنفقته على سيجارة، وعن كل درهم أنفقته في قمار، وعن كل درهم أنفقته في حرام، فاستعد للحساب
معاشر النساء، يوم عيدكن هذا يوم فرح، نعم، ويوم سرور، نعم، لكن ليس يوم تبرج وسفور، واختلاط ومجون، لا تضيعن ثواب رمضان في أول أيام العيد، إلزمْنَ الحشمة والوقار، وحافظن على حجابكن ليكون لكن سترا من النار، وكنَّ قدوات صالحات لبناتكن الصغيرات
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء في يوم عيد كهذا العيد فقال لهن واعظا: أيها الناس تصدقوا، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار. فقلن وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء، ثم انصرف.
فيا معاشر النساء تصدقن ولو بالقليل، واكففن لسانكن عن اللعن، وإياكن وكفران حق الزواج، فهذا خصال تدخل صاحبتها النار والعياذ بالله
وختاما أيها الإخوة المؤمنون، كان صحابة رسول الله إذا صلوا العيد يهنئ بعضهم بعضا قائلين: تقبل الله منا ومنكم
فقولها لبعضكم وأحيوا هذه السنة في التهنئة، ليتقبل الله منا ومنكم