تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: المخطوط الحيران

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي المخطوط الحيران

    (المخطوط الحيران)
    تبعًا لتخصصي في مجال الأدب والنقد كنت دائمًا مغرمًا بالبحث وراء المخطوطات التي اختلف العلماء والمؤرخون في نسبتها لمؤلفيها، وقد لفت انتباهي بشدة كتاب (روضة الأزهار وبهجة النفوس ونزهة الأنوار)، ورأيت الخلل الكبير والتضارب الواضح من قِبل الدارسين في نسبة هذا المخطوط لمؤلفه.وهو كتاب أدبي لأديب مغربي أندلسي تضاربت الأقوال فيه.
    بداية أقول: إن النسخ المخطوطة المتاحة لهذا الكتاب أربع نسخ خطية غير المكرر: نسخة المتحف البريطاني ورقمها 6347 or، ونسخة الرباط ورقمها 679 د، ونسخة الفاتيكان ورقمها 1161 arab، ونسخة تشستربيتي ورقمها 4601 ms.
    وبالبحث تبين لي ما يأتي:
    أولًا: بالنسبة لعنوان المخطوط، فقد وقع فيه اختلاف كبير؛ فقد ورد في "نفح الطيب" للمقري (روضة الأزهار وبهجة النفوس ونزهة الأبصار)[1]، وورد في نسخة الفاتيكان (روضة الأزهار وتحفة النفوس ونزهة الأبصار الجامع لفنون الآداب وسحر الألباب)، وورد في نسخة تشستربيتي (روضة الأزهار وبهجة النفوس ونزهة الأبصار).
    ثانيًا: غالب من ذكر الكتاب نسبه إلى الحسن بن علي بن خلف الأموي القرطبي 514هـ - 602هـ.
    ثالثًا: بالقراءة تبين لي استحالة أن يكون المخطوط للحسن بن علي القرطبي؛ حيث إنه ينقل أشعارًا وأخبارًا لأقوام وُلدوا بعد أن مات هو، وأشعارًا أخرى لآخرين كانوا في سن الطفولة يوم أن مات هو.
    فمثلًا:
    • ينقل كلامًا لابن خلكان صاحب "وفيات الأعيان"، ومعروف أن ابن خلكان وُلد سنة 608 هـ[2]؛ أي: بعد وفاة المؤلف بأربع سنين، فكيف ينقل عنه؟!
    • يذكر قول عمر بن الوردي مصرحًا باسمه:
    ديار مصر هي الدنيا وساكنها
    هم الأنام فقابلها بتقبيل
    والبيت بالفعل لعمر بن الوردي، فكيف يستقيم ذلك وعمر توفي سنة 749هـ[3]؟
    • يذكر قول مجير الدين الخياط:
    يا محرقًا بالنار وجه مُحِبِّه
    مهلًا فإن مدامعي تطفيه

    أحرق بها جسدي وكل جوارحي
    واحذر على قلبي فإنك فيه
    فكيف يستقيم ذلك والخياط متوفى سنة 735هـ[4]؟
    وغير ذلك كثير جدًّا.
    رابعًا: في أول صفحة من نسخة تشستربيتي وردت هذه الجملة (تأليف كاتِبِه راجي رحمةِ ربه الودود: محمد بن القاضي داود)، والجملة تفيد أن المؤلف شخص اسمه محمد بن داود، وقد أشار إلى ذلك مجموعة من رواد الإنترنت، أما أنا، فغلب على ظني أنه الناسخ، وقلت: لعل النقول الواردة في المخطوط عن أناس وُلدوا بعد عصر المؤلف ما هي إلا زيادات من الناسخ.
    وبالبحث تبين أيضًا استحالة أن يكون محمد بن داود هذا هو المؤلف أو حتى الناسخ؛ حيث وقعتُ على تعليق نفيس للأستاذ جليل العطية، الباحث في شؤون المخطوطات يقول فيه: "(روضة الأزهار وبهجة النفوس ونزهة الأبصار) واحد من المخطوطات النادرة، مؤلف المخطوط: «مجير الدين محمد بن الأمير سيف الدين بن داود بن علي بن عمر بن قَزَل المشد» التركماني الأصل، سبط الملك الحافظ بن السعيد بن الأمجد صاحب بعلبك، والمعلومات التي وصلت إلينا عنه قليلة، أهمها ترجمةُ معاصِرِهِ وصديقِه (صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي المتوفى سنة 764هـ، الذي ذكر أنه كان فقيهًا حنفيًّا شاعرًا ذكيًّا، يتمتع بقوة ذهنه على المعنى، وله مشاركة في العربية، ومداخلة في النكت الأدبية، ونثرُه غير طائل، وخطه ليس بهائل"[5]، يحمل مخطوط (روضة الأزهار) الرقم 4601 في مكتبة تشستربيتي، ويتكون من 212 ورقة من الحجم الصغير، نُسخ في القرن الثامن الهجري - الرابع عشر الميلادي، وجاء في «طرة المخطوط»: تأليف كاتبه راجي رحمة ربه الغفور الودود «محمد بن القاضي داود»... غفر الله له ولوالديه ولآخرته في اليوم المشهود، ولا ريب أن للمخطوطات المكتوبة بأقلام مؤلفيها مزايا تفوق المخطوطات المنسوخة بأقلام آخرين"؛ [انتهى كلامه].
    وبالنظر في كلام الأستاذ جليل ظهرت معضلة أخرى؛ وهي أن خليلًا الصفدي صديقٌ لمحمد بن داود المذكور ومعاصر له، فيلزم من ذلك أن يكون محمد بن داود قد عاش في الحقبة نفسها، والصفدي توفي سنة 764هـ، ولكن الذي يمنع من ذلك أن المصنف ذكر في أحد أبواب المخطوط قول الشاعر:
    تغيرت الأيامُ واسودَّ بيضُها
    وصارت أُسُودًا عند ذاك قُرُودُها

    ففي الموت عزٌّ للكرام وراحةٌ
    إذا مَلَكَت أحرارَ قومٍ عبيدُها
    وبالبحث تبين أن البيتين لشاعر يدعى (حسين القصيفي)[6] من شعراء القرن الثاني عشر الهجري؛ أي: بعد عصر الصفدي وابن داود بقرون طويلة، كما جاء في سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، مما يعني استحالة أن يكون محمد بن داود المذكور هو مصنف الكتاب أو حتى الناسخ.
    خامسًا: عند تصفح النسخ وجدت فيها اختلافات كبيرة جدًّا، تصل في بعض الأحيان إلى فصل كامل غير موجود في هذه أو تلك، مع عدم وجود نقص في أيٍّ من النسخ.
    سادسًا: حتى في النسخ التي فيها اتفاق في ترتيب الفصول تجد فيها اختلافًا كبيرًا في ترتيب الأخبار، والأبيات الشعرية، ونسبة الخبر إلى صاحبه.
    سابعًا: النتيجة التي خرجت بها:
    • أولًا: إن هذا الكتاب لا هو للحسن بن علي القرطبي الأموي ولا لمحمد بن داود، ومن الخطأ - بل من التزوير - الجزم بنسبته لأحدهما، بل الحق أنه كتاب مجهول الهوية.
    • لو أردنا أن نحدد عصر المؤلف فيمكن القول: إن مؤلفه عاش في القرن الثاني عشر الهجري فما بعده، وذلك بناء على النصوص الواردة في الكتاب.
    • ثانيًا: النسخ الموجودة ليست لكتاب واحد، بل هي خليط من كتب مختلفة جُمِعت جَمْعًا، وزِيد عليها ونُقِص منها.
    • ثالثًا: رأيت مؤخرًا تحقيقًا لهذا المخطوط على يد الدكتور صلاح جرار، والدكتورة ابتسام المرهون، من إصدارات دار المأمون بالأردن 2018م، وقد نسب المحققان الكتاب للحسن بن علي القرطبي الأموي - جزمًا - دون أن يقدما أي إجابة عن هذه التساؤلات.
    فلعل من الباحثين من يشمر عن ساعد البحث ليثبت النسبة الصحيحة للكتاب.

    [1] نفح الطيب 1/ 601.
    [2] فوات الوفيات 1/ 55.
    [3] الدرر الكامنة 3/ 195
    [4] الدرر الكامنة 1/ 122
    [5] أعيان العصر 2/ 297.
    [6] سلك الدرر 1/ 206.
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    480

    افتراضي رد: المخطوط الحيران

    جزاكم الله خيرا.
    جهد مشكور يستحق التقدير.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    16,352

    افتراضي رد: المخطوط الحيران

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدالمرنيسي مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا.
    جهد مشكور يستحق التقدير.
    وجزاكم آمين
    وأمتثل قول ربي: {فَسَتَذْكُرُون ما أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •