أَذْهَـبَ عَنَّـا الْـحَـزَنَ




سالم الناشي




- لما أدخل الله اهل الجنة الجنة، حمدوا الله على أمر عظيم، وهو أن الله أذهب عنهم الحزن، فما الحزن؟

- الحزن ضعف يعتري النفس البشرية لقوة الوارد عليها، فكلما قويت النفس قل الحزن. أما أهل الجنة فيعطون أكمل القوة؛ لذلك أذهب الله عنهم الحزن، ولا مصادر للحزن في الجنة بل نعيم مقيم.

- عند ابن عباس، وغيره الحزن: (السيئات)، أو (حزن النار). وعند مقاتل: حزنوا؛ لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم. وعند ابن كثير: (الخوف من المحذور من هموم الدنيا والآخرة).وعند قتادة: خوف من الله في الدنيا وهم يعبدونه، أو حزن الموت، وقال آخرون: بل عني بذلك الحزن الذي ينال الظالم لنفسه في موقف القيامة.

- وقال عكرمة: حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات. وقال القاسم: حزن زوال النعم وتقليب القلب، وخوف العاقبة، وقيل: حزن أهوال يوم القيامة. وقال الكلبي: ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير: هم الخبز في الدنيا. أي: هم المعيشة. وقال الزجاج: أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو لمعاد.

- وقال السعدي: «لما تم نعيمهم، وكملت لذتهم {وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}(فاطر:3 4) وهذا يشمل كل حزن، فلا حزن يعرض لهم بسبب نقص في جمالهم، ولا في طعامهم وشرابهم، ولا في لذاتهم ولا في أجسادهم، ولا في دوام لبثهم، فهم في نعيم ما يرون عليه مزيدا، وهو في تزايد أبد الآباد».

- {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ}؛ حيث غفر لنا الزلات {شَكُورٌ}؛ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها، وأعطانا من فضله ما لم تبلغه أعمالنا ولا أمانينا، فبمغفرته نجوا من كل مكروه ومرهوب، وبشكره وفضله حصل لهم كل مرغوب محبوب.

- وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله -تعالى ذكره- أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخلوا الجنة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}، وخوف دخول النار من الحزن، والجَزَع من الموت من الحزن، والجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن.


- ولم يخصص الله إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم نوعًا دون نوع، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنواع الحزن بقولهم ذلك، وكذلك ذلك؛ لأن من دخل الجنة فلا حزن عليه بعد ذلك، فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن.

- وقوله {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} يقول -تعالى ذكره- مخبرًا عن قيل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفاهم من عباده عند دخولهم الجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عباده الذين تابوا من ذنوبهم، فساترها عليهم بعفوه لهم عنها، شكور لهم على طاعتهم إياه، وصالح ما قدموا في الدنيا من الأعمال.